١٢. حلّ العُقدة. (نهاية القسم الأوّل)

56 7 11
                                    


كان المطر يطرق بعنفٍ على النوافذ، يفترض بالرّبيع أن يكون على الأبواب، لكن كلّ شيءٍ في غرفة المكتب العتيقة كان يوحي بشتاء ممل وبارد، الطبيب والمستشار النّفسي سيث فريمان كان يجلس على الكرسي قبالة المكتب ويغطي يديه اللتين قد أطبقهما على بعضهما، يغطي بهما فمه في وضعيّةِ تفكير عميق وشيءٍ من القلق الذي لم يستطع إخفاءه، في الجهة المقابلة للغرفة وبجوار الباب، كانت تقف الممرضة سيسيليا ذات الجديلة التي تلفها كالكعكة وتهذبها خلف عنقها بينما تغطي مقدمة شعرها بغطاء أبيض وقد خبأت زوجًا من العيون الكهرمانية الجذّابة خلف نظاراتها السميكة، كانت هيَ الأخرى قلقةً جدًا بل وتكاد تعود لطبعها الانفعالي، قاطع صوتُ سيث الصمت في المكان برغم صوت المطر مُخاطبًا سيسيليا
- "رأيتِ الأمر بأمِّ عينك، شككتِ، سألتِه، وأنكر! والآن يغيب لوقتٍ طويل؟"
ارتعشت من نبرته الاستنكارية، لكنه أكمل على أية حال دون أن ينظر إليها حتّى
- "كان يتحسّن، أقسم أنه كان يتحسّن، لكن لا أعلم مالذي جعلني أعود لألمح النظرة الوحشية تلك الليلة.. لم أستطع فعل شيء!"
قاطعته سيسيليا بانفعال قلق ومُحب
- "كلا يا دكتور! لا تلم نفسك! ليس ذنبك أنّ هذا المشفى لا يملك شخصًا جديرًا بالمهمات سواك، ليس ذنبك أن السيد آنشتون كان يحتضر آنذاك!"
سكتت، كان قد مضى على وجود الفتى أربعة أشهر، أحبته كأخ صغير لأنه يذكرها بأخيها الذي توفي عندما كان في مثل عمره، جراء مرض السّل الذي فتك به ببطء.. كان كينيث قد بدأ يعود لروحه الطفولية العذبة عندما بدأت تلاحظ أنه في كل مرة كان يضطر بها للخروج كانت ملامح وجهه تنكسر، و يبدأ بالتصرف كما لو يقوم أحدهم بتحريكه مسلوبَ الإرادة، حتى حدث أن رأت ذات يوم رجلًا يرمقه بنظرة جعلتها تتجمد في مكانها، خالت أنها تتوهم، أن الأمر لم يحدث حقًّا.. لكن اليوم، الفتى خرج ولم يعد، فتّشت مع سيث في كل مكانٍ جال ببالهما، لم يجداه وحل الظلام سريعًا.
شعر سيث الذي كان رطبًا بعض الشيء رغم دخوله المبنى منذ ما يقارب الثلاثة ساعات كان يقطر من الأسفل الماء، لم يبالي حتّى بمسحه كان يفكر بعمق.. كينيث الذي يحمل ملامح والدته ذاتها، ملامح روزالين النّاعمة، كان أيضًا يحمل شخصيّة ستيڤن السّاحرة والمخيفة، عدا أنّه كان نسخةً أفضل؛ لم يُبدِ اهتمامًا شديدًا بالطرف الناعم ولا في حمل السّلاح، رغم أنه يقترب من ذلك السّن كثيرًا.. لقد قرّر أن يكون الوصيّ عليه فقط لكونه ابن روزالين، التي كانت أكثر المخلوقات عذوبةً وبراءة، فتزوّجت شخصًا لا يرى فيها إلّا فيزيائيتها المحضة، فكسرها. أدرك سيث نوايا ستيڤن بعد ولادة كينيث تمامًا، عندما وجده في أكثر مكانٍ عليه ألا يكون فيه بدلًا من أن يعتني بزوجته و مولوده، واستغنى عنه مُذ ذاك، أشفق سيث لحال الفتى وارتحل، فأعادته الأقدار غصبًا ليعتني بكسير الجناح، والآن سيُجن، سيفقد عقله متخيّلًا كينيث يعيد التاريخ و يجسد روزالين بالسّكين في يدها و الدّموع التي توقّفت في محجر عينيها، تنظر للجثة أمامها وتقول بصوت مهزوز
- "عليك اللعنة.. مالذي لم أفعله لك حتى ترضى؟"
ثم تنهار أخيرًا.. لا يريد له أن يكون كالحيّ الميّت، لن يرضى!! الفتى أخيرًا في طور التّحسّن، ماللعنة التي حدثت؟ أين هو بحق الجحيم؟
الأمر برمته غلطة سيث، ما كان ينبغي له أن يعنى بشؤون المريض آنشتون، كان يمكن لأي شخص أن يعتني بشؤونه، {عليّ اللعنة لماذا أبذل العطاء في الوقت الخاطئ دومًا؟!}
غطّى وجهه بيديه وشدّ خصلاتٍ من شعره بعصبيّة، رفع رأسه للسّماء ثم أزاح يدًا وغطى بكفه الأخرى عينيه بقلة حيلة، فاجأته ذراعان دافئتان تحتويانه بانفعال وصمت، همس بتعب
- "الأمر بخير سيسيل، سيعود، سيعود بكلّ تأكيد"..

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 11, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

في سبيلِ الوطن.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن