- "شُش!"
همسَ ويليام للشّخصين خلفه بينما يتلصّصون على ما يحدث، كان الجدال محتدمًا وعلى وشك أن يصبح شجارًا.
- "ألا يجب أن نتدخل..؟"
همست ألِكس باضطراب فالتفت ويل إليها مبتسمًا ثمّ همسَ مجدّدًا
- "لن يكون ذلك ضروريًّا."
أشار بهدوء لچيلبرت الّذي لم يلحظِ العيون السّتة الّتي تراقبه، لا زال في مكانه و بدا أنّه يفكّر قبل أن يقهقه و ما لبثت ضحكاته أن تعلو، خفتَت الأصوات و التفت الجميع نحوه، مسح دمعته الوحيدة قبل أن يهتف بسخرية.
- "حقًا؟ أمركم عجيب يا قوم! منذُ متى و أنتم تحبّون تشستر؟ سيّد جيمس، ألم تكن منزعجًا قبل يومين من ضرائب تشستر الغير ضرورية؟ و أنتَ يا سيّد بريكسون، كنتَ تقول أنّك تبحث عن عمل حتّى عندما كان تشستر بمنصبه، و كلانا يعرف أنّه أجحف في حقّك كثيرًا عندما أسديتَ إليه بعض الخدمات و أبخسَ أتعابك! هيّا يا قوم بربّكم! لم يكن يجيد مهنته كما ينبغي، و مهما كان لا شأن للحرس البحري فهُم يفعلونَ ما أُمِروا فحسب، فكّروا مرّتين قبل هذا، أناشدكم ..!"
ثمّ ابتسم بسخرية و غادر مُصفِّرًا، تاركًا الجماعة في حيرة و ما لبث أن عاد كلُّ لما يفعل قبل جملة السّكير الغيرِ ضروريّة. التمعت عينا ويليام و هتف "مُمتاز!" ثمّ التفت عائدًا بسرعة و لحقه الآخران، ألِكساندرا أيضًا كانت تشعر بالرضى بطريقة ما، وحده ديڤيد الذي لازال جاهلًا، بين الجمعِ هناك من راقب موقفَ چيلبرت بحنقٍ و غادر..
.
.
.
في مكانٍ آخر غير بعيد، كانَ تشِستر يخاطب تابعه الّذي تسلّل بملابس الحرس إليه،
- "هل جرى الأمر كما ينبغي؟ قُلتَ أنّك ستتكفّل بكلّ شيء."
ارتبك التّابع و هو قال بصوت خافت
- "آه، لا ليس تمامًا، سنحاول مجدّدًا.."
صرخ تشِستر بحنق
- "أيّها السّفلة! إلى متى سأظلّ عالقًا هُنا بسبب غبائِكم؟!"
- "نـ نحن-"
- "لا أكترث! عليكم اللّعنة سنتدمون جميعًا إن لم يسر الأمر كما يشاء الدّوق!! انصرف!"
انحنى التّابع بخوف و غادر سريعًا. هتف تشِستر بحنق
- "أوغاد.. "
الظّل الّذي يراقب من مكانٍ خفي اختفى بصمت كذلك.
.
.
.
في غابة محيطة بالقرية الصغيرة، كان هُناك بيت شجرة طفولي و مهترئ، الشجرة التي ضمّته كانت كثيرة الأفرع و تدلّت قدمٌ من أحد الأغصان، ممسكًا لفافة التّبغ كان يزفر بسخط بعض الشيء، لم يعهد چيلبِرت أهل القرية هكذا، لابد أنّ تشِستر بدأ بنسج خيوطه مجددًا، همس بحنق
"عليه اللعنة، عديم الشّرف ذاك، لو فقط أمكنني أن-"
- "أمكنك ماذا؟"
جفل چيلبِرت، التفتَ فإذا بالأميرِ مُتربِّعًا فوق سطحِ اللّوح الخشبي و ينظرُ إليه بابتسامة أثارت القشعريرة و عدم الرّاحة في نفسِ چيلبِرت ، اعتدل في جلسته قليلًا لكن لم يترك لفافة التبغ بل نفث منها بهدوء و تمتم
- "عذرًا ولكن لم أتوقع ضيفًا في هذا المكان، ناهيك عن أمير..!"
- "عنصر المفاجأة لابد منه أحيانًا، المكان مريح هنا!"
- "هل أنتَ مُراقَب؟"
اتسعت ابتسامةُ ويليام
"ليس بعد، لهذا أستبق الحدث و أستغله."
رفع چيل حاجبه باستغراب {يستغلّه؟ معي؟}
أخذ ويليام نَفسًا عميقًا و ردد بهدوء
" سأروي لك قصّة،
يُحكى أنّ أميرًا صغيرًا من بلاد الشّرقِ كان يتدرّب على المسايفة و فنّ الدّفاع عن النّفس منذ بدأ الكلام، لم يحظى بطفولة لطيفة إلى حد ما، كان والده الملك قاسيًا عليه و كان يكرهه أحيانًا رغم كونه ملكًا عادلًا، كان يشعر بظلمٍ كبير إزاء معاملةِ والده له ولكن لم يكن يكرهه حقًا. شعر المستشار الملكي بذلك فحاك مؤامرته الدّنيئة و استدرج الأمير الفتيّ حتّى قتل أباه، ثمّ حاكمه و نفاه مع شقيقته و سباهم لبلاد الغرب، لكنّ السّفينةَ أبحرت بيومٍ عاصف فتحطّمت و استيقظ الفتى ليجد نفسه على إحدى الجزر، و تعرف لسكانها و بات واحدًا منهم بفضل ذكاءه و تجربته المريرة، كان اسمه جُبران لكنّه غيّره و لم يعرف بشأنه أحد، تبنّاه عجوز من الصّيادين يُقال أنّه آخر من بقي من العائلة النّبيلة {مَكْنايْت} لكنّه فضّل الأرياف على القُصور و سمّى جُبرانَ بـ چيلبِرت."
كان چيلبِرت يستمع إليه و في عينيه نظرة سوداء لكنّ تعابير وجهه جامدة كالصّخرة، هَمس بصوتٍ كالموت
- "و مالّذي يريده أميرٌ من خلال العبثِ مع أميرٍ و قاتِل؟"
- "لا شيء لا يصب بمصلحتك صدّقني، ألن تسألني كيف عرفتُ ما عرفت؟"
- "لا داعي، أظنني عرفتُ مُسبقًا.. هل هيَ بخير؟"
- "بأفضل حال، و تشتاقك."
- "إذًا ماذا تريد؟ مالّذي يصبُّ بمصلحتي؟"
أمال ويليام رأسه للخلف بابتسامة
- "راقبتُ أدائك اليوم مع مفتعل المشاكل ذاك. و بحكم أن لديّ أعين و آذان في كلّ مكان فأنا أعرف أنّك بعقلك و حنكتك مَلِكٌ منذُ البداية، سؤالي لك، هل تنوي استعادة عرشك؟"
- "لا يُمكنني أصلًا، إنّه يحيط البلاد بقبضةٍ من حديد. "
- "تصحيح: يُمكنك، لكن ليس الآن، ليس هذه الفترة. "
أدرك چيلبِرت ما عناه ويل و نظر بعينيه بجد
- "إذًا هذا شرطك؟ تساعدني مُقابل أن أُساعِدَك؟ لكنّ القسمة ليست عادلة هل تثق بي إلى هذا الحد؟!"
بادله ويليام النّظرة الجادّة و قال بثقة "جرِّبني."
.
.
.
كانت ألِكساندرا تجلسُ بمكتبِ ويليام القابع في السّفينة، لم يُكملا نقاشهُما ذاك. فُتِح الباب، شعرت أن قلبها سقط بمعدتِها و أصبح صدرها أجوفًا فجأة.
قال ويليام بابتسامة و هدوء مُغلِقًا الباب خلفه
- "و الآن~ أين كُنّا ألِكس.. "
نظر لوجهها و قهقه بشدّة، تعابيرُ وجهها لا تقدّر بثمن، تلعثمت قليلًا قبل أن تتنحنح و تضع تعبيرًا جادًا برغم وجهها شديد الحمرة.
- "المعذرة.."
- "أهاهاهاها لا بأس! أعتذر أنا لمفاجأتِكِ بهذا الحديث الآن لكن لديّ شعور أنّني ما إن نعود للعاصمة حتّى أُدفن في العمل المكتبي.."
- "أقدّر ذلك، فـ في الحقيقة لستُ مُعارضةً للأمر.. لكن، أبي بالتّبنّي سيهمّه أن تطلبني منه، سيكون الأمر هكذا أيسر.. أعتقد.. "
كان صوتها يزداد خفوتًا و وجهها يزدادُ حُمرةً رُغم مُحاولتِها أن تكون أكثر جدّيّة.
ابتسم ويليام برقّة و قال
- "صحيح.. "
- "عـ على أيّةِ حال، ماذا حدث بخصوص چيلبِرت مَكْنايت؟"
- "الأمور ستكون بخير، لا تقلقي بشأنِه، على أيّةِ حال ألِكس، أتمنّى أن تكوني أكثر حذرًا من الآن فصاعِدًا، تشِسْتر ليسَ بالغباءِ الّذي تظنّينه، إنّه وغدٌ مُتمرِّس و كذلك أتباعُه فهُم كُثُر."
- "سأبذِلُ جُهدي حضرةَ الأمير..!"
التَفتَ ويليام إليها و اقترب بهدوء جاعِلًا إيّاها ترجِعُ خُطوَتَينِ للوراء، و هَمَس
- "نحنُ فقط هُنا، و أنتِ خطيبتي، ليسَ بشكلٍ رسمي رُبّما لكن أنتِ وحدكِ فلتُناديني باسمي. "
أخفضت ألِكس رأسها و همست بصوت لا يكادُ يُسمع "سـأفعل.."
.
.
.
صوتُ ضجّة، العُمّال في كلِّ مكان يحمِلون صناديقًا إلى السّفينتين الرّاسيَتينِ خلفَ الجزيرة (جِهةَ الغابة) يُشرِفُ عليهم ڤيكتور شْمِت ـ تاجِر معروف بالسّوقِ السّوداء، حاجِباهُ أشبه بخيط عيناهُ كعينيّ ثُعبان و ذقنهُ بارِزة، هتف ببرود و بصوت نيّء
- "أهذا كلّ شيء..؟ "
ردّ مبعوثُ تشِستَر بخوف
- "أ- أجل.."
- "هُمف.. يا للسُّخرية، تشِستَر المُبَجِّلُ لقدرِه و مكانتِه يستنجِدُ بمَلِكِ السُّوقِ السّوداء.. آه لا يهُم! سأتدبّر الأمر، انصرف!"
انحنى المبعُوثُ و اختَفى، فكّر شْمِت بهدوء {إلى الجحيم تشِستَر.. قد أتحكّمُ أنا بهذه الجزيرة بعد كلّ حماقاته..}
أطلق ضحكةً أشبه بهسيس أفعى جعلت العُمّال يرتَجِفون بصمت.
.
.نهاية الفصل السّابع.
أشكر لكم اهتمامكم كما يُسعِدُني أن أقرأ تعليقاتكم فيما بعد!
استغرق هذا الجُزءُ مِنّي قُرابةَ أسبوعين للأسف لذا أرجو أن تستمتِعوا بِقِراءته! دُمتُم بِـ وِد. 🌸💕✨
أنت تقرأ
في سبيلِ الوطن.
Aventuraثلاثةُ أخواتٍ يبدأنَ رحلتهُنّ نحوَ الاغترابِ و الانتقام، بعدَ ليلةٍ حمراءَ أفقدتهُم ما يعشنَ بسببه.