٤- مشروع أب .

10.7K 350 2
                                    

عند الصباح ، كان ماكس عند وعده ، فاعد مكان اللعب اثناء انشغال فوبى مع الصبيين وتقديم الفطور لهما . وعندما وقفت عند النافذة لترى ما يفعل ، كان قد انهى عمله ووقف يتفحص ما فعله وعلى ملامحه امارات التفكير
على الاقل لم تكن عيناه مركزتين عليها . لم تستطع فوبى ان تمنع فسها من التفكير فى ما حصل بالامس ، وصممت على الا تستسلم مرة اخرى . فكرت كثيرا فى الامر وتمنت الا يتكرر هذا . ولكن اذا ما استحالت عاطفية ، فمن الافضل ان تسعى لان تتمالك نفسها قبل ان يتنبه ماكس لمازقها
صممت ان تبعد نفسها عاطفيا عنه وعن الولدين ايضا . انهت الطعام الذى كانت تتناوله ، ثم تساءلت كم من الوقت سيمر قبل ان يلحظ الولدان ما فعله ابوهما فى الحديقة هنا ، وما هى الا ثوان حتى اندفعا الى الخارج هاتفين فرحا . هزت فوبى كتفيها با ستسلام وهى تتبعهما اذ لم يكن امامها اى خيار اخر . فؤجى الولدان بابيهما فوقفا خلف ساقى فوبى
نظرت فوبى الى ماكس فلمحت الما واضحا فى عينيه لدى تراجع ولديه المفاجئ . ثم تكلم فتساءلت ان كانت قد تصورت ذلك ، قال وهو يرفع العدة عن الارض ويضعها فى الصندوق من دون ان ينظر مباشرة الى اى من الولدين : مرحبا لقد احضرت لكما هذه اللعبة لانكما اثنان . فارجو ان تستمتعا بها
لم ينظر ماكس الى فوبى على الاطلاق ، وهذا افضل فى رايها . لماذ تشعر اذن بخيبة امل ؟ لاننى امرأة مجنونة وحمقاء . نعم هذا هو السبب ، انا مجنونة تماما لانجذابى الى رجل غير مناسب لى ... اتراها منجذبة اليه ؟ حتى بعد تصميمها على ان تستاصل مشاعرها نحوه من كيانها ؟ على اى حال ، هل من تفسير اخر لاهتمامها المستمر وغير العادى به على الرغم من عدم التناسب بينهما ؟
حدثت نفسها بان عليها ان تركز على سبب وجودها هنا ، والا تنسى انها جاءت لتعمل
بقى الطفلان خلف ساقى فوبى . ماذا على المربية ان تفعل الان ؟ واوشكت ان تقترح عليهما ان يشكرا اباهما على هديته هذه ، فهذا على الاقل افضل من عدم التحدث اليه . لكن الولدين فاجاها حين خرجا من حيث كانا متواريين ليتشبثا بساقى ابيهما
احتضن جوش ساق ابيه بعنف قائلا : شكرا يا بابا
ثم اسرع نحو هيكل التسلق ليتفحصه واضاف : هذا اعجبنى
هتف قلب فوبى لما فعله جوش ، بينما بقى جيك مدة اطول محتضنا ركبتى ماكس ، ليرفع بعدئذ نظره الى وجه ابيه وقد بدا على ملامحه الرجاء والجد فى آن : هل يمكننا ان نحتفظ به ؟ هل سنقيم هنا ؟
رباه ... هذا لا يحتمل . تلهفت لان يستجيب ماكس بالشكل الصحيح ، وهفا قلبها الى الصبى الصغير وتمنت فى داخلها ان يحمله ماكس بين ذراعيه ويخبره كم يحبه ويريده وانه لن يدعه يذهب ابدا . فيجعله يشعر بالاستقرار حين يعلم ان ثمة من يحبه ويريد ان يعتنى به
قال ماكس بصوت اجش : يمكنكما الاحتفاظ بها لن ياخذها احد منكما .
ربت على راس الصبى ثم تراجع ببطء فتملك فوبى خيبة امل وادركت كم ترغب فى ان يمنح ماكس ولديه اكثر من هذا ، ان يقدم لهما مزيدا من الرعاية ، فيكون افضل مما كان والداها معها
لحسن الحظ ان جيك لم يلحظ اى خطا : انا ساصعد عليه
ولحق باخيه ثم وقف ينظر الى فوبى : وانت ايضا
فقالت فوبى بابتسامة مرغمة : لاباس ساصعد
وصعدت خلفه : هذا حسن . ماذا سافعل بعد ذلك ؟
اخذ الالم الحارق فى داخلها يهدأ تدريجيا : هممم ... هل على ان اتسلق هذا ؟ اصعد الى الداخل ؟ احبو داخل النفق ؟
وتظاهرت بانها تدخل الى النفق : آه رباه ... لا اظن ان حجمى مناسب للدخول
واخذت تلوى مؤخرتها لتؤكد قولها هذا
واخذ الصبيان يضحكان : انت كبيرة جدا
وقال الثانى : نعم ، انه يناسبنا نحن
-اذن ، عليكما ان تريانى ما بامكانكما ان تفعلاه
وحاولت ان تلوى جسدها لآخرمرة لكى تتمكن من الدخول لكنها رفعت راسها بعنف ليصطدم بالسقف . كان وجهها ملتهبا وجسمها كله ايضا وما ان انتصبت واقفة حتى سمرها ماكس فى مكانها بنظراته : بالنسبة الى الليلة الماضية ...
ماذا ؟ اهذا هو الموضوع الذى تريد ان تتحدث عنه قبل اى موضوع اخر ؟ وهزت كتفيها لاتريد ان تسمع : انسى ذلك . وعدتك بان انسى كل شئ وقد نسيت
نطقت بهذا التحدى بهدوء كيلا يسمعها الولدان : كان عليك ان توضح لهما بان عليهما الا يقلقا على مستقبلهما ، وانك تحبهما وسترعاهما بشكل جيد
-سيتلقيان الرعاية . هذا هو الغرض من رغبتى فى الحصول على مربية جيدة
-المربية هى مجرد موظفة
الحقيقة تجرح احيانا لكنها تابعت تقول : ولداك يحتاجان الى حب غير مشروط من الرجل الذى كان علة وجودهما ، وهو انت يا ماكس . ان رفضك ان تكرس مشاعرك لهما هو هجر لهما
-لا تتحدثى عما لا تفهمينه يا فوبى
واشار اليها بان تتبعه ليبتعدا عن مكان اللعب ثم اردف : اظننى اوضحت لك بان عليك ان تحتفظى بآرائك لنفسك فى هذا الموضوع
تبعته وافكارها عالقة فى ما تريد للولدين . يمكنها ان تفكر لاحقا فى ما تريده لنفسها ، ثم ما لبثت ان انتهبت لماكس فقالت له : لا اظن ان بامكانى ان ادع الموضوع جانبا
فقال بفروغ صبر : حاولى ان كان بامكانك ان تركزى ذهنك على هذا . طلبت من برينت ان ينقل كمية من الرمال ليلعب الولدين ، كنت ارجو ان تقترحى علينا افضل موضع لكومة الرمال
فكرت فوبى فى ان تعود الى موضوع الطفلين ، ثم قررت ان تدع الامر عند هذا الحد الان ، فعليها ان تكافح يوما اخر
واجابت : من الافضل ان تكون الرمال قريبة من وسائل اللعب الاخرى ، فيصبح بالامكان مراقبة المكانين فى الوقت نفسه
وما ان قالت هذا حتى سمعت صوت شاحنة تقترب ، وسمعها ماكس ايضا فاوما : يمكنك ان تخبرى برينت اين ينزل الرمل ، ساغتنم انا الفرصة واذهب الى مكتبى . لا اريد ان يزعجنى احد
فوجئت فوبى : ماذا لو امضيت بعض الوقت مع ولديك ؟
لكن ماكس لم يسمعها وهو يبتعد او تظاهر بانه لم يسمع ، وبقيت واقفة تشتعل غضبا فى داخلها ، متمنية لو تختلف الامور . شاعرة بالاحباط وهى تتمنى لو تغير عقل ماكس العنيد
سالها جوش : اين الرمال ؟
وهتف به جيك : انظر ما اكبر هذه الشاحنة
لاباس ، لا اريد ان افسد هذه اللحظة بالنسبة اليهما فقط لاننى مجنونة بابيهما . على ان اتذكر اننى هنا من اجل الطفلين وعلى ان ابذل جهدى لاجلهما فاكون بهذا قد قمت بواجبى . صحيح انا هنا بشكل مؤقت ، لكنها جاءت من اجل الطفلين . هذا لم يتغير ... لكنها تريد ان تهزمه برايها فى تربيتهما
-حسنا يا شباب هل بامكان اى منكما ان يخمن ما احضره برينت البستانى لكما ؟
لم تعبأ فوبى بان تذكر لهما ان الرمال هى هدية والدهما لهما فلتدعه يخبرهما بذلك بنفسه . هذا اذا ازعج نفسه بتخصيص بعض الوقت لهما
عندما ادرك الطفلان الغرض من هذا المشروع اندفعا الى اللعب فاستطاعت فوبى ان تهدأ قليلا . راحت تشرف على نشاطهما وحيويتهما ، وهى تتعرف الى برينت البستانى الذى كان يفرغ الرمال فى المكان الذى حددته له . ورغم مظهره كشاب ناضج ، الا ان الحياء بدا جليا عليه ، وعندما ذكر انه انهى دراسته السنة الماضية ، لاحظت لوحة التسجيل المؤقت على الشاحنة وادركت السبب فهو وعلى الرغم من مظهره الناضج ، لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره . وسالته : الديك اسرة تعيش على مقربة من هنا ، يا برينت ؟ اخوة ، واخوات ، والدان ؟
بدت السعادة على البستانى وهو يتحدث عن اسرته التى يعيش معظم افرادها فى سيدنى او ضواحيها
اخذت فوبى تصغى وتؤمى مستغلة الوقت فى محاولة صرف ذهنها عما تشعر به من غضب وكدر من ماكس
-بامكانهما ان يلعبا بالرمال الان
قاطع صوت برينت افكارها . فالتفتت لترى ان حمل الرمال اصبح على الارض فعلا ، ابتسمت لجيك وجوش اللذين وقفا ينتظران مليئين بالامل وقد بدا عليهما الاستعداد للاندفاع بحيوية غير متوقعة ، ثم سالتهما : هل سمعتما ؟ يمكنكما ان تلعبا الان على الرمال
اندفع الولدان الى الامام هاتفين . يبدو ان المفاجآت هى ميزة هذا النهار وضحكت فوبى . لم تستطع منع ضحكها هذا ، بديا فى الواقع مستمتعين للغاية ما جعلها تقرر ان تلتحق بهما فخلعت نعلها وسرعان ما غاصت قدماها فى الرمل ، عاد برينت الى شاحنته ذاهبا الى شأنه ، وما ان غاب عن النظر حتى برزت سيارتان من الشارع الجانبى وانتقلت فوبى الى حافة كومة الرمال مقطبة الجبين . من هم القادمون وماذا يريدون ؟
خرج ماكس من البيت واتجه نحوها فافترضت ان الزيارة مرتبة معه
-هذا حسن ، لقد وصلا
وجاء ليقف بجانبها منتظرا توقف السيارتين . هل فى نيته ان يجتمعوا حيث هى ؟ لكن قربه منها جعلها تشعر بالشوق وبذلت جهدها كيلا تبتعد عنه . وعندما رفعت بصرها اليه لاحظت خطوطا من التوتر حول فمه . هل سيبقيان متوترين بهذا الشكل بعد ان تجرأت على ان تقترح عليه ان يقوم بالعمل الصواب ويلعب دور الاب ؟ كان لتوترها هذا جانبه العاطفى ايضا ، فقد شعرت بلهفة لان ترتمى فى احضانه لكن هذا ليس شعورا حكيما فى ظرف كهذا ، وصدر عنها صوت هو ما بين الآهة والشهقة فنظرت بسرعة الى ماكس لترى ان كان قد لاحظ هذا . استقر نظره عليها بتصميم غامض ثم ادهشها بان مد يده : هيا بنا يا فوبى
كانت نبرات صوته حذره ومتماسكة وهو يتابع : من الافضل ان تنفضى عنك الرمال لتتمكنى من تفحص البضاعة
-ما ... ماذا ؟
ظنت للحظة انه يدعوها لتفحصه هو ثم ادركت انه يشير الى السيارة الصغيرة التى تتبع السيارة الاولى فى الدخول
تملكها الاضطراب والارتباك لكنها تشبثت بيده لتحافظ على توالزنها وهى تنفض قدميها من الرمال ، شاعرة بالزهو لامساكها بيده ، لا تستطيع ان تجعله يشعر بمبلغ تاثير هذا فيها
لكن هذا لم يمنع تاثير هذه الملامسة البسيطة ليده
اخذت توبخ نفسها ، تقنعها بانها مجرد انثى اخرى بالنسبة اليه ، وكان عليها ان تدرك ذلك منذ زمن طويل ، سالته : ماذا عن الطفلين هل احضرهما معنا ؟
-لا سنكون على مقربة منهما ، دعيهما حيث هما
تركت يد ماكس وابتعدت عنه قليلا لكن هذا لم يدم ، لان ماكس عاد فوضع يده على اسفل ظهرها ليقودها نحو السيارتين ... والى الرجلين الواقفين بجانب السيارتين بابتسامتين عريضتين
-لماذا كل هذا ؟
واشارت الى السيارة الصغيرة التى كانت محط اهتمام ماكس ، كانت سيارة صغيرة ، حائلة اللون ، ولعلها كانت يوما ما حمراء ، وقد وجدتها فوبى غاية فى الظرف . واجابها ماكس : امنحينى دقيقة ثم اشرح لك كل شئ
فقالت : لابأس
هل كان ماكس محمرا قليلا عند عنقه واذنيه ؟ هل هذا توهج فى وجنتيه ؟ وقبل ان تجد الجواب ، ابتعد عنها . وبعد تبادل كلمات قليلة مع الرجلين صافحهما ثم ابتعد عنهما ليتمكنا من الابتعاد بالسيارة الاكبر حجما ، اثناء الصمت الذى تلا ، كان صوتا الولدين المبتهجين اثناء لعبهما على الرمال يداعبان سمعها : لِم هذا كله ؟
-تعالى الى هنا يا فوبى
فتح ماكس باب السيارة واشار اليها لتصعد : اصعدى وقولى لى ما هو شعورك
دخلت فوبى فشعرت بالجو العائلى للسيارة يلفها ، ورغم تصميمها على الا تدع الذهول يتملكها ادارت عجلة القيادة برفق ، ما اجمل قيادة هذه السيارة ! كانت من الصغر بحيث يمكنها ركنها على طابع بريد كما ان الاستدارة بها سهلة
يمكنها ان تقود السيارات الصغيرة بشكل جيد جدا فى الواقع وقد اثبتت ذلك حين استاجرت واحدة فى فترة نادرة من رخائها المادى وخرجت بها الى الطريق
عندما جلس ماكس فى المقعد المجاور التفتت تواجهه متسائلة وقد تملكها توتر بالغ . لكن منظره وركبتاه تصلان الى ما دون ابطيه اضحكها
-اوه ، يا ماكس . مظهرك يدعو للسخرية
فقال ساخرا لكن من دون غضب : شكرا
ثم اغلق الباب خلفه وساد الصمت من حولهما
كانت لاتزال ترى الولدين من خلال الزجاج الامامى ، لكن بدا عليهما انهما فى عالم اخر ، بينما بقيا هما فى هذا العالم المشبع برائحة السيارة القديمة وجسد ماكس الذى ادفأته الشمس
ان مالت الى اليسار قليلا لاحتك كتفاهما وهى ترغب فى ذلك الاحتكاك اكثر مما ينبغى ، وحدثت نفسها بأن هذا نتيجة الخطأ الذى ارتكبه ماكس معها حين عانقها الليلة الماضية
-جربى اجهزة التحكم
خشونة كلماته طردت احلام اليقظة هذه فاطاعته من دون تفكير . ماذا حدث لها على اى حال ؟ ماكس لا يجلس هنا متلهفا للمسة منها
-هذا سهل اليس كذلك ؟
ومال ماكس الى الامام ربما ليقول شيئا اخر
لن تعرف فوبى قط كيف حدث هذا ، فقد حركت جهاز السرعة مرة اخرى ثم شهقت حين احتكت يدها بفخده الصلب ، فسحبتها وكأنه افعى لسعتها ، ورفعت نظراتها الى وجهه . بدا فكه متصلبا فى خط واحد ، وقالت متلعثمة : ان ... انها سيارة جيدة ... ! انا واثقة من ذلك .لكننى لم افهم ماذا ستفعل بها ، ولم تريدنى ان اراها
نظر الى وجهها لحظة متفحصا ثم هز راسه : الامر بسيط ، ستحتاجين للتحرك اثناء رعايتك الولدين وهذه ستسهل الامر عليك
لكن لماذا ؟ انه مجرد اسبوع ! لكن اى مربية اخرى ستحل مكانها ستحتاج الى التنقل هى ايضا
-انا واثقة من ان هذه السيارة ستكون مفيدة . اين وجدتها ؟
-آل ماتيوس هم جيرانى الجدد بعد ان اشتروا مزرعة " كونيللى " لاحظت هذه السيارة ففكرت فى ... فيها اليوم ووجدت انها ستفيدنا ... انها سيارة رخيصة للغاية
اتسعت ابتسامة فوبى رغما عنها : كيف رتبت امورها بهذه السرعة ؟
زم شفتيه واجاب : كل ما احتاجه الامر هو اتصال هاتفى ، انهم اناس طيبون ، ونحن نساعد بعضنا بعضا قدر الامكان
-سالته : الا تظن ان هذا مضحك نوعا ما ؟
وعندما رفع حاجبيه متسائلا اشارت بيدها الى مبلغ ما تبدو عليه هذه السيارة الصغيرة من الانهاك ، متابعة : حتى لو اخذنا المربية بعين الاعتبار ، لا يمكنك ابدا ان تعتبر هذه كسيارة ثانية . عاجلا ام اجلا ستضطر لان تقودها او تركب فيها وانت بالكاد يمكنك ان تجلس فى داخلها ، عليك ان تحضر سيارة اكبر حجما تناسبك اكثر
قال بمرح وعدم اهتمام : يمكن لكاترين ان تقودها هى ايضا عندما تتواجد هنا
قالت ببساطة : لكن كاترين تفضل السيارات الفسيحة ايضا . هل نسيت ؟
وابعدت ساقيها عن ساقه لكن لتزداد احساسا بقربه عندما مد يده واخذ يعبث بلوحة ازرار القيادة ، وتابعت تقول : ما كانت كاترين لتقود سيارة كهذه على الاطلاق
عدل ماكس عداد الزيت ، ثم عاد ليجلس فى مكانه قائلا : اظن اذن ان عليك ان تتقبلى ما قلته منذ البداية وهو ان السيارة ستنفعك فى رعاية ولدىّ . وعندما تذهبين ستنفع المربية التالية . ولهذا اشتريتها
-لاباس ، سابذل جهدى كيلا احطمها قبل ان يحين وقت تسليمها الى شخص اخر
-هذا حسن
ونزل من السيارة بينما بقيت هى تعالج قبضة الباب
-سالتحق بك وبالولدين لتناول الغداء معا ، اما الان فلدى عمل
وتمتمت متذمرة : وسأبقى انا هنا العب
مرت الايام واشتاق ماكس الى مكتبه ، اراد ان يكون فى سيدنى حيث يدير اعماله وينجح فى اكتساب زبائن جدد ، اراد ان يشعر ببعض السيطرة على بعض جوانب حياته
لكن حتى موظفى مكتبه يبدوا وكانهم متحدون ضده
المشكلة هى انهم مدربون احسن تدريب بحيث اكتشفوا ان بامكانهم القيام بالعمل من دونه ، يمكنه اذا شاء ان يكتفى بحضور اجتماع مجلس الادارة مرة كل اسبوعين ، فيما يستمر العمل فى الازدهار من دونه
ادراكه هذا ضايقه الى اقصى حد ، انما مازال لديه مشروع " دانفرز " بين يديه ، يفترض انه امر مهم رغم تعقب " فليسيتى دانفرز " له ككلب بوليسى ... هذا الوضع لم يكن ممتعا ابدا ، كل ما اراده ماكس هو مدخل الى مخازن دانفرز العالمية ، ما يشكل اضافة حسنة الى الاتفاق الذى وقعوه على المستوى المحلى ، لسوء الحظ يبدو ان لفيليستى رأى اخر . قد رأى ماكس برنامجها من قبل فهى تريد رصيده فى المصرف ونفوذه المرتبط بعمله واسمه ، لكنها لن تحصل على اى من هذا ، وهذه حقيقة سوف ترغم على تقبلها فى النهاية . ادرك ان خروجه معها خطأ ما جعله يمتنع عن ذلك بعد عشائين معا ، حسنا ستفهم ذلك فى النهاية ، ونبذهل من ذهنه وقرر ان يخرج ليرى ولديه والمربية . كان يحاول البقاء بعيدا عنهما غالبا وهذا حسن من كافة النواحى فما من فائدة من اقامة علاقة مع ولديه فيما هو سوف يتخلى عنهما عاجلا ام اجلا ، من الافضل الا يمنحهما الامل منذ البداية مع هذا عليه ان يوليهما شيئا من العناية
اما فوبى فكان عليه ان يستبدلها بأخرى من قبل ، وهو لم يستطع ان يفهم لما لم يبذل جهدا اكبر ليفعل هذا . لعله لم يشا ان يريد من معاناتهما ، لكن حياتهما ستضطرب عندما يحدث التغيير ، مهما حاول ان يؤجل ذلك
من المؤكد انه لا يريد لفوبى ان تبقى هنا خصوصا وان وجودها لا يفيد سوى فى اثارته بكافة النواحى ، انه يرغب فيها وهذا الشعور لم يهجره رغم محاولته تجاهل ذلك ، كما انها مازالت تزعجه
تأوه ماكس ثم استدار حول زاوية البيت ، المنظر الذى طالعه صدمه ، مرشة للماء وسط المرجة الخضراء ، وشمس العصر تعكس اشعتها على المياه فتصبغها الوان قوس قزح بينما ولداه يقهقهان ويركضان فى الانحاء ، وفى يديهما مسدسات ماء صغيرة . كانت فوبى ترتدى ثوب سباحة هو اكثر ما رأه ماكس فى حياته رمزا للذوق السئ ، وهى تقفز على المرجة بينما البستانى ينظر باسما بجرأة وهو يتشاغل بتسوية تعريشة من النبات المتشابك ، بدا واضحا ان البستانى يغازل المربية ، والا لِم هذه الابتسامة العريضة المعجبة تلك ؟ لا عجب فى انها ... وعجز ماكس عن العثور على الكلمات التى يمكن ان تصف تأثير تينك الساقين الطويلتين اللتين صبغتهما اشعة الشمس بالسمرة ، بدت وكأنها فى بيتها هنا فى حديقته ، وكأنها من سكان المنزل وقد نشأت هنا لتبقى على الدوام . يا لها من فكرة غريبة وسخيفة ! لم يكن لديه فكرة عما اثارها لكنه يعلم ما الذى أثاره هو
قال صارخا بلهجة اتهام ، ما جعل الصمت يسود المكان : ماذا تفعلين ؟ اليس لديك اى انضباط ؟
رفع برينت حاجبيه ثم حمل ادوات عمله واسرع مبتعدا ، وهو يتمتم ببعض الاعتذارات
اخذ الولدان يحدقان فى والدهما برزانة ، وقد اسدلا يديهما بمسدسات الماء الى جانبيهما ، بدا انهما يريدان ان يهربا هما ايضا ، لكنهما لم يجرؤا على ذلك فيما قالت لهما بصوت بالغ الرقة : لم يكن يعنيكما يا عزيزى ، اذا شئتما يمكنكما ان ترشا الماء من مسدساتكما على كل النبات . فالنبات بحاجة الى المساعدة ليبقى حيا ونضرا فى هذا الجو الحار
اوما الولدان ثم ذهبا بعيدا لكى يرشا الماء على الورود بجانب الشرفة
عندما ابتعد الطفلان عن مرمى السمع ، استدارت فوبى الى ماكس ويداها على وركيها متحدية وهى تقول بصوت خافت : لِم هذا كله ؟ افزعت الولدين بصراخك هذا
شعر ماكس بشئ من الندم ، لكن من المذنب هنا الذى اضطره للصراخ ؟ وقال : لم اكن اوجه سؤالى الى الولدين كما تعلمين جيدا ، بل اليك انت . لم ار فى حياتى مثل هذا العرض المفزع ، وارجو الا ارى شيئا كهذا مرة اخرى
-اتهمتنى بأننى عديمة الانضباط ، ارى ان عليك ان تفسر كلامك هذا
وحملت المرشة الى بقعة من الارض بقربه حيث اخذت ترشها بالماء وترشه هو معها
-كنت اساعد ولديك على ان يستمتعا باللعب فى يوم حار وغير مريح
امسك ماكس بذراعها يبعدها عن الرشاش ، فكلامها جعل مزاجه يغلى ، وبذل جهده ليبقى صوته منخفضا : بدوت حمقاء فى الساحة ، شبة عارية امام البستانى او امام الولدين . انا لا اعتبر هذا عملا لائقا
حملقت فيه قائلة : حمقاء ؟ ومع برينت ؟ وكأننى استعرض نفسى بابتذال ؟ هل هذا ما عنيته بكلامك ؟
لم تنتظر منه اى رد بل اندفعت متابعة : هل انت اعمى ، يا ماكس ؟ ام انك مريض عقليا ؟ هل انت بحاجة الى علاج ؟ لان هذا هو التفسير الوحيد المعقول الذى يمكننى ان افكر فيه وانا اراك تتهمنى بكل هذا الهراء
-انت تعرضين قدرة سيئة للولدين
وعاد اهتمام ماكس الى جسدها شبه العارى انما من دون عجلة هذه المرة
-هذا اللباس غير محتشم ، كما ان تصرفك غير محتشم ايضا
وارغم اهتمامه على التحول الى اعلى ، الى الشفتين فى الوجه الغاضب ، وانحبست انفاسه ثم ادرك انه مازال قابضا على ذراعها : كنت تتباهين بعرض نفسك امام البستانى ، بينما ولداى البريئان ينظران
ضحكت فوبى ، انما من دون بهجة ، وسحبت ذراعها من قبضته
-اولا يا ماكس ، ما من خطأ فى ما البسه فقد رايت فتيات ترتدى اقل من هذا بكثير
وعندما هم بالجواب ، رفعت يدها : كلا . دعنى انهى كلامى اولا
وهزت يدها امام لباسها تدعوه لكى ينظر اليه ، قائلة : انظر . هل ترى هذا القماش ؟ انه بسماكة بطانية من الصوف ، انظر يا ماكس هذا اللباس مصنوع من قماش يعود الى اكثر من ثلاثين عاما وهو اكثر حشمة من الفساتين القصيرة التى تلبسها النساء فى المجتمعات متى واينما شئن ومن دون ان يهتم بذلك احد
وعندما نظر رأى ان كلامها صحيح ...
ولكن كيف تمكنت من ان تبدو مهلكة ومثيرة وشهوانية ؟
-انا اعتذر
لم تخرج هاتان الكلمتان بسهوله من فمه ، وكان من الحماقة او عدم التعقل بحيث اندفع الى الامام حتى اصبح بأمكانه ان يرى القطرات تنحدر ببطء نحو نهديها ، واذا به يمد اصبعه يوقف هذا الانحدار قبل ان يدرك ذهنه تماما ما يفعل
تراجع على الفور وقد تملكه الذهول لفعلته هذه ، ولشهقتها المجفلة ، وللطريقة التى استجاب فيها جسده بهذه السرعة لملامسته لها
-بغض النظر عن الدافع الحقيقى الذى جعلك ترتدين هذا اللباس ، مازلت تتباهى به ، ارجو ان تتوقفى عن اغراء برينت بهذا الشكل ، واظن انه من الافضل فى المستقبل ان ترتدى ثيابا اكثر حشمة عندما تلعبين بالماء مع الولدين
اومات وقد احمرت وجنتاها غضبا : بكل تاكيد . فى اول فرصة سانحة سأركض الى المدينة واشترى ثوما يمتد من عنقى حتى اخمص قدمى . هل سيعجبك هذا وهل اشترى قبعة سباحة ؟ ام ان شعرى من عدم الجاذبية بحيث لا يمكن ان يثير شهوة اى رجل ؟
-ها انت تصرخين بسخافة
لقد شعر بانه سخيف هو ايضا ، جعلته يشعر بأنه سئ بينما لديه كل الحق فى ان يغضب منها ، كانت تلعب فى ساحة الدار من دون ملابس كافية ، فاذا ما اثرت فيه بهذا الشكل ، فسيشعر كل رجل على وجه الارض بالشئ نفسه لو رآها
-انا سخيفة يا ماكس ؟
ورفعت انفها فى الهواء واستدارت : ربما عليك ان تفكر فى معنى كلمة مثيرة فى وقت ما
واجتازت ساحة الدار ببطء وتشامخ لا يحسنهما سواها بقدميها الحافيتين ولباس السباحة القبيح المزين بالازهار الذى تلبسه
تأوه ماكس لكنه لم يستطع ان يحول نظره عن قامتها المتمايلة بشكل ممتع
انها تتباهى بنفسها ، لقد ادرك ماكس معنى ما رآه

الابوة الملائمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن