للغضب قدرة على ان يحرق المشاعر الاخرى او على الاقل ان يخفيها خلف هديره الهائج . كان هذا حال فوبى حين سمعت صوت سيارة ماكس تعود متاخرة ذلك المساء ، كانت غاضبة الى حد لم تعرفه من قبل ما جعلها لا تستطيع ان تنتظر لحظة واحدة من دون ان تصب جام غضبها عليه
كان الطفلان مستغرقين فى نوم عميق فى سريريهما بعد ان تناولا الدواء وارتاحا مطمئنين الى مستقبلهما الذى صممت فوبى على ان تسانده ، هذا ما تنوى القيام به بالضبط به الان ، ولن تهتم مثقال ذرة فيما لو عاد ماكس مع فيليسيتى لكى يجعلها شريكته فى الحياة ، وفى هذه اللحظة بالذات على فوبى وماكس ان يتفاهما وحدهما الان وهذا من اجل جيك وجوش يكفى ماكس مراوغة وخوفا ورفضا للالتزام مهما كثرت الاسباب التى لا تعرفها ، وستحرص على ان يقوم بما هو مناسب نحو ولديه ويبقيهما معه ويبعتنى بهما بالشكل الصحيح ، والا سوف ... سوف تاخذهما منه بنفسها ، ولن يتمكن من منعها يا لسخافة افكارها هذه . لكنها كانت تساعد على استمرار غضبها وقاد الغضب فوبى الى الخروج بخطوات واسعة بطيئة ، وعندما دخلت الى المرآب صفقت باب البيت خلفها ... وكان هذا غباء منها اذ سادت الظلمة على الفور ... لكنها اخذت تتلمس طريقها الى الامام متجهة الى مقعد السائق مصممة على ان تفاجئ ماكس قبل ان يلتقط انفاسه
انفتح باب السيارة ثم انغلق ما منحها من الضوء ما يكفى لترى ماكس واقفا يواجهها
-لن تاخذهما بعيدا
كان صوتها حادا بعض الشئ لكنها لم تستطع ان تتجنب نبرة التهجم : لن تاخذهما الى اى مكان ، هل تسمعنى ؟ لا يهمنى مدى روعة فيليسيتى . هذان الطفلان سيبقيان مع ابيهما ، ويحصلان على رعاية ابيهما واهتمامه
وبقيت تسير فى ما ظنته الاتجاه الصحيح وهى تتابع : انت مدين لهما بهذا يا ماكس ... وانت تعلم هذا ... اووو ....
واصطدمت بصدر صلب ، لتحيط بها ذراعان قويتان تثبتانها . بينما هى تقاومه بشكل آلى لتتخلص من قبضته . كان هو يقول بنبرة ضاحكة : من الافضل ان تلتقطى انفاسك ، يبدو انك اسات الفهم
سوءالفهم ... واخذت تضرب فى الظلام لكنه امسك بقبضتها قبل ان تصيبه ضربة منها ، فراحت تتلوى وتقاوم بينما هو يجرها ويسير شيئا فشيئا نحو مفتاح الاضاءة . حاولت التخلص منه لكنها لم تنجح ، وعندما اضاء ماكس المكان كشف عن مدى التقارب بين جسديهما والتصميم على ملامحه وهو ينظر اليها ، واخذت فوبى تتنفس بعنف : لا يمكنك ان ترسل الولدين الى مدرسة داخلية او اسوا من ذلك . الا تدرك مدى قسوة ذلك اذا ما هجرتهما بتلك الطريقة بينما سبق وخسرا الكثير ؟
فقال وهو يهز كتفيها : لا تكونى غبية ، ليتك تكفين عن هذه الثرثرة وتصغين الى ...
-اهتمامى بولديك ليس غباء يا ماكس
وحاولت مرة اخرى ان تضربه ، وصدها مرة اخرى ، ثم قال : هذا ليس ما اعنيه
جاء صوته اكثر عمقا ، لكنها كانت من السخط بحيث لم تلحظ ذلك . فكيف تلحظ معناه ؟
-انت تدّعين ان خبرتك فى الحياة تكون ردة فعلك
-ربما هذا صحيح
وردت راسها الى الخلف : اذا كان هذا هو الحال ، فلدى سبب وجيه لهذا ، ولداك لا يستحقان نوع الطفولة التى عشتها انا . لم اشعر بان ثمة من يحبنى ، ولطالما تساءلت عما اذا كان نزلاء الملجأ قد ارتكبوا ذنوبا فاستحقوا هذا العقاب ، لا يمكنك ان تفعل هذا بهما . يكفى سوءا انك تبتعد عنهما ، اذا ما فضلت فيليسيتى عليهما وتخلصت منهما كما تريد . لن يبقى لهما شئ ... لاشئ
بدت الرقة فى نظراته وقال : فوبى ....
-اين هى تلك المرأة على اى حال ؟
طرحت هذا السؤال وحمّلته غضبها واستنكارها ، فهى لا تريد ان تقف هنا وتدع ماكس يبدى شفقته عليها بسبب ماضيها ، كما بدا جسدها يتجاوب معه ، وهذا ما لا تريد لماكس ان يلحظه . ونظرت الى داخل السيارة فوجدتها فارغة فيما قال : فيليسيتى ليست هنا وهذا واضح
كان جسداهما متلاصقين الى حد لم تشأ فوبى ان تفكر فيه
قالت : دعنى اذهب
-بعد دقيقة ، انت لست موضع ثقة حاليا
-هذا مضحك ، اذا كان هناك من هو ليس موضع ثقة فهو انت
واخذت تتلوى لكى تتمكن من رفسه بقدمها ، لكنه ثبتها مكانها بحزم وشدّ ذراعيه حولها : كفى تململا والا لن اكون مسؤولا عن النتيجة
فى هذه اللحظة شعرت بانها تكرهه حقا ، وقالت تظهر مدى ما فقدته من تمالك نفسها : انت كمعظم الرجال ، لا تفكر الا فى ... كما هو حالك الان ، انت ... انت ... انت ...
واحمرت وجنتاه وسالها : ماذا حدث عندما شرحت لك طبيعة علاقتى بفيليسيتى ؟ وذلك عندما جئت الى البيت واكتشفت انها هنا ؟
قالت وهى تضرب الارض بقدمها : لم تشرح لى قط
وجمدت مكانها لئلا تبوح بما فى داخلها : لم تخبرنى قط عن مدى علاقتك بها
-بالضبط ، لم اخبرك لانك سبق واقتنعت بظنونك حتى قبل ان تسالينى . انت ادنتينى ولم يكن لدى حظ
-لا يمكنك ان تنكر انه ثمة شئ ما ...
-هذا صحيح ، ثمة شئ
واشتدت ذراعاه حولها وهو ينظر فى عينيها مباشرة : انا لست قديسا يا فوبى ، عرفت نساء عديدات فى حياتى ، وفيليسيتى واحدة منهن انما لمدة قصيرة جدا . خرجت معها وهذا كل ما فى الامر وقد انتهت العلاقة قبل ان تاتى الى هنا ، ومازالت وستبقى كذلك دوما . لا يمكننى حتى ان افكر فى ما رايته فيها وجعلنى اخرج معها
فقالت فوبى بلهجة غير واثقة : سيكون بينكما اعمال ، انا واثقة من انها ....
هز راسه : انا واثق من انها قالت الكثير . ساحصل على الاعمال اذا بقى العرض ساريا بعد ان طردتها من بيتى والا فهذه خسارة . لقد كدرت الطفلين الى حد كبير ... وكدرتك انت ايضا
قال الجملة الاخيرة بصوت خافت : فاخذ قلبها يخفق بقوة وخفضت بصرها راجية الا يكون ماكس قد لاحظ نظراتها ، وقالت : ولكن ... امتعتها ما زالت هنا
ولامس كتفيها ما جعل احاسيسها تتفتح ببطء : سوف ياخذ برينت امتعتها الى وكالة السياحة غدا ليرسلوها لها ، ذلك لا يهمنى حقا
-انها ....
وضع اصبعه على شفتيها : لديها جدول اعمال لم اكن جزء منه ، احتملت وجودها لكى اسمع ما ستعرضه على فى العمل ، فادركت انى اخطات حين انتظرت
-ظننت انك تريدها بقربك ، وانك منجذب اليها . عندما كنتما تذهبان الى المكتب كنتما انت وهى ....
فقاطعها مؤنبا حتى لتفكيرها بذلك : لم نكن نفعل شيئا
امتدت يداها الى صدره وقد استرخى جسدها ليذوب بين ذراعيه ، وكانه يعلم مركزه وماذا يريد
يبدو ان فوبى لم تعد تشعر بذلك الغضب الملتهب الذى رافقها طوال النهار ، وفكرت فى ان عليها ان تبتعد عن ماكس وتتحرر من امساكه بها الذى استحال اكثر من مجرد تلامس لكنها لم تتحرك ، لم تستطع ان تحمل نفسها على التخلى عن هذه المشاعر الرائعة
قال والاخلاص والعتب فى عينيه : لابد انك تعلمين اننى لا استطيع ان ابعد جوش وجيك عنى ، يا فوبى
حدثتها نظراته بالحقيقة اكثر من كلماته ، وتابع : اسف لان فيليسيتى استطاعت ان تجد طريقها الى هنا سمحت لها بالبقاء ما جعلها تحدث كل تلك الفوضى ، اى شخص اخر قد ياتى اثناء غيابى فاطرديه ، اتفقنا ؟
بسطت يداها على صدره فسمعت خفقان قلبه تحت اصابعها
-ماذا لو طردت شخصا مهما حقا فجعلتك تخسر ملء شاحنة من النقود ؟
-حينذاك ساتعامل مع شخص اخر ، فهذه مجرد قضية مال
وشدها اليه ثم اغمض عينيه وتنفس ببطء وعمق متشمما شيئا يريده ويحتاج اليه
-اشتقت اليك يا فوبى ، اردت ان اعود الى البيت وامضى وقتا مع طفلى وانظر الى وجهك عبر المائدة . فليساعدنى الله ، اذ لا استطيع ان افسر ذلك لكننى اريدك وحسب
وعانقها بشدة بينما احاطت هى عنقه بذراعيها . ارادت هذا وماذا يهم اذا ما شعرت بالندم لاحقا ؟ حاليا لديها ماكس حيث تريده ، كما انه يريدها ، ورفع راسه قليلا للكن ذراعيه اشتدتا حولها : فهمت ان الولدين نائمان ؟
اومات غير قادرة على استيعاب اى شئ اخر
سالها وقد بدا وكان المكان فرغ من الهواء : هل هما مستغرقان فى نوم عميق ؟
فهمست : لقد تناولا دواء للزكام ، واتوقع ان يكون نومهما ثقيلا
اوما : فلنخرج اذن ، فبقدر ما استمتعت بالحديث معك هنا يمكننى ان افكر فى مكان اكثر راحة
عندما مد يده لها ادركت انها دعوة لاكثر من مجرد شرب القهوة فى المطبخ . انها ستتقبل هذه الهدية اذ يبدو ان ماكس يعتقد انها تعيش دوما للحظتها الحاضرة ، وعليها هذه المرة ان تثبت له صحة رايه ، ووضعت يدها فى يده
قادها الى داخل المنزل حتى وقفا فى غرفة الجلوس التى لم يكن ينيرها سوى مصباح صغير وجذبها اليه لياخذها بين ذراعيه
قال : تفوح من جسدك رائحة الورد
هزت كتفيها : انه كريم احبه للغاية
-يا للحلوة الضعيفة فوبى
وجذبها اليه فيما ردت : انا لست ضعيفة ، بل قوية
-بل انت رائعة الجمال ومثيرة الى حد لا يصدق
انعشتها كلماته وادفاتها واكتسحتها البهجة بشكل لم تعرفه من قبل ، وقالت : وانت ...
وترددت واغرورقت عيناها بالدموع فضمها اليه وقال : كان ابوك مخطئا ، فانت تستحقين اكثر بكثير مما اعطاك
-وكيف عرفت ؟ ابتعدت عنه قليلا لتتمكن من ان تتفحص نظراته وهى تتابع : لم اتصور يوما ان تخبرك كاترين ، فهذا سرنا المشترك
-كاترين لم تخبرنى ، اردت ان اعلم فاجريت تحرياتى حتى عرفت ما حدث
-منذ متى تعلم ذلك ؟ وما الذى عرفته ؟
-علمت انه رفض الاعتراف بك ، لم يشا ان يعرف عنك شيئا ، ومع ذلك اقنعته بشكل ما
-لم اقنعه بالضبط
كان صوتها فاترا خاليا من اى تعبير ، وابتدا الاحباط يتملكها لم تكن فوبى تحب التفكير فى الماضى فهو يؤلمها ويسبب لها الكآبة من دون فائدة : حاولت امى ان تبتزه عندما حملت بى ، وبعد ان ولدتنى ايضا لكنها فشلت ، فالقت بى فى مأوى الايتام . عندما بلغت الحادية عشرة قررت اننى نلت كفايتى من تلك الحياة فاقتفيت اثر ابى ، ولم تكن امى قد اخفت عنى اى معلومات ، واخبرته اننى ساطالبه باجراء فحص الحمض النووى ثم ابيع القصة للصحف اذا لم يخرجنى من الملجأ
فقال ماكس متالما : كان عليه ان يعترف بك ، انه ملزم بذلك
-لم يكن يريدنى كما اننى لم اكن اريده انا ايضا . اردت مدرسة داخلية راقية ، وهذا ما طلبته منه لم اطلب صحبته او شفقته . لقد وافق على الدفع شرط ان ابقى بعيدة عنه ، وكان هذا يناسبنى تماما
فقال ماكس وهو يحتضنها : كان مخطئا . لو انه علم مقدار خسارته لتملكه الاسف الشديد . لم اخسر سوى اربع سنوات من عمر جيك وجوش لكنى اشعر وكان هذه السنوات سرقت منى الى الابد
-اتعنى هذا حقا يا ماكس ؟
لم تتوقع قط ان تسمع مثل هذا الاعتراف من ماكس ، وسالته : ماذا عن القرار الذى اتخذته بان تبقى بعيدا عنهما ؟ ظننتك لا تهتم بهما كثيرا
-واظنك اعتقدت اننى لم اهتم قط بكاترين ايضا ؟
وكان جوابه مليئا بالمرارة
-كلا ، لم اظن ذلك ابدا
هذا صحيح ، فقد ادركت منذ البداية ان ماكس يحب اخته ويريد لها الخير دائما
-فلندع هذا الموضوع ، ولنستمتع بهذه اللحظة
وادنى ماكس راسها يريحه على صدره
-وكانها اللحظة الوحيدة ؟ لاننى لا اناسب بيئتك ؟
ورغم انها لم تتحرك ، الا انها ابتدأت تنسحب عاطفيا
اجفل واجاب : لِم تقولين هذا الان يا فوبى ؟
-انها الحقيقة وحسب
ورسمت على شفتيها ابتسامة وهى تبتعد عنه فقال : هذا ليس صحيحا ، فانت تعجبيننى كما انت الان
لكن رنين كلماته بدا اجوف
-احقا يا ماكس ؟ حتى مع ملابسى غير المنسقة وشعرى الاشعث وتصميمى على ان اقول ما افكر فيه مهما كانت النتيجة ؟
كان صمته معبرا للغاية ، وشعرت بشئ يتحطم فى داخلها وتساءلت فى سرها عما اذا ستشعر مرة اخرى بانها على مايرام
لكنها عادت واستمدت القوة من مكان ما وقالت بهدوء فيما هى تتجه نحو الباب : انا مجرد مربية هنا ، تصبح على خير يا ماكس
أنت تقرأ
الابوة الملائمة
Romansaتلقى ماكس ساوندرز اكبر صدمة فى حياته عندما اكتشف انه والد صبيين توأمين لم يكن عنده فكرة عن وجودهما كيف عليه ان يواجه المواقف الان بصفته والد دون والدة ! لم تعجب فوبى جيلبرت فكرة العيش مع ماكس كمربية . لكنها لم تستطع ان تقول لا بينما طفلان صغيران بحا...