١٣- هل نجت ؟

7.5K 280 2
                                    


كان المطبخ يعبق بروائح القهوة والكعك المحروق . كان الصباح دافئا ، واشعة الشمس تتسلل الى المطبخ من خلال نوافذه ، وقف ماكس عند الموقد تغمره تلك الاشعة ، وقد ارتدى سروالا قصيرا فقط فيما لوح لها بملعقة الطهى من حيث يقف : ها قد استيقظت . اننى احضر كعكا محلى للافطار ، وسنحتاج الى من يساعدنا فى اكلها
كان يمزح لكن التعبير الذى بدا فى عينيه كان جادا مصمما ، وعندما دخلت جالت عيناه عليها ثم عادتا الى وجهها
قال جوش وهو ينقر على المائدة بملعقة الحساء : هيا يا فوبى ، انت تضيعين الوقت
وقال جيك ضاحكا : عليك ان تاكلى الان ، بابا احرق بعض الكعك ولكن ليس كله
وامال صحنه يريها : انظرى
-نعم انا ارى وعادت نظراتها الى ماكس ، رغما عنها فابتسم لها ابتسامته الملتوية تلك . كانت قد اخبرت برينت امس انها تحب ماكس ، لكنها صدمت اليوم وهي تكتشف مبلغ يأسها من حبها هذا
نظرت اليه بسرعة من تحت اهدابها راجية الا يرى شعورها فى عينيها
-هل اضع لك الكعك ، يا فوبى ؟
اتراها لمحت شيئا غير عادى فى نظراته ؟ اتراه يعلم ؟
وتلوّت فى مقعدها لكنها ابقت نظراتها منخفضة : لا ، شكرا ساتناول القهوة بعد لحظات
عاد ماكس الى الموقد ، وارتاحت هى لحركته هذه ومدت يدها الى ابريق القهوة على المائدة . كانت يداها ترتجفان ما اضطرها لان تهدئهما لكى تتمكن من ان تسكب لنفسها فلا تبدو غبية حمقاء . لكن الم تثبت انها كذلك بحبها لماكس ؟
عند هذه الفكرة ، التفتت الى الولدين مكررة فى ذهنها ما عليها ان تقوله لهما ، راجية بصمودها فلا تنفجر باكية : جيك ، جوش ....
قال ماكس بهدوء مقاطعا كلامها : كنت احدثهما عن مدى حسن حظنا لانك علمتهما كيف يتصرفان اذا شاهدا افعى
وحمل الى المائدة طبقين من الكعك المحلى الساخن فوضع طبقه ثم سار اليها ليضع الثانى امامها : كما اننا تحدثنا عن عدم الذهاب الىالخليج ، ووضع سياج جديد لا يمكن اختراقه
-هذا حسن
اغمضت فوبى عينيها لئلا يظهر العذاب الذى تملكها بسبب قرب ماكس منها : فى الحقيقة يا ماكس ، ليس من الضرورى الحديث ....
-كلى الكعك الذى امامك ، يا فوبى
ووضع يديع على كتفيها لحظة ما جعلها تشعر براحة بالغة . تلهفت الى لمسته كما تلهفت الى حبه واهتمامه ، ما اضعفنى ....
ابتعد وجلس على مقعده لكن وقبل ان يبدأ بتناول طعامه ، القى نظرة فولاذية على الطفلين : لدى هذين الاثنين ما يريدان قوله لمربيتهما
انتبه جيك وجوش على الفور ، كانت اعينهما العسلية جادة ونظراتهما مليئة بالتصميم . يا الهى ، ما اشبههما بماكس !
-نحن آسفان لاننا هربنا
-نعم ، نحن آسفان جدا
-لن نفعل هذا مرة اخرى ، لانه كان سيئا للغاية
تنحنح ماكس : لندع هذا الان . لقد اعتذرتما لفوبى ، ومن المهم جدا الا تكررا فعلتكما . فى المرة القادمة قد يكون الوضع اسوأ بكثير
قالت فوبى وهى تضع يدا على كتف كل من الولدين : شكرا على قولكما هذا من المهم جدا لى ان اعلم انكما ستكونان آمنين
فقال ماكس بهدوء : من المهم لى وللولدين ايضا ان نعلم انك ستبقين هنا من اجلهما ، انهما يريدانك معهما . فى الواقع لقد اخبرتهما بانك من الانزعاج مما حدث امس الى حد انك فكرت فى الرحيل ، وهما يعارضان هذه الفكرة تماما
-لا يمكننى ان ابقى يا ماكس
وكانه لا يكفى انها عرضت حياة ولديه للخطر فاذا بها تقع فى حبه ايضا ، وعندما لم تستطع ان تفسر ذلك التفتت الى الصبيين : يا احبائى ، انتما سعيدان جدا مع بابا ، اليس كذلك ؟
اومأ الولدان ايجابا فاضافت : لقد كنت سعيدة جدا معكم هنا ، لكنكما بحاجة الى مربية حقيقية ، مربية ....
وسكتت تفكر فى ما عليها ان تختار لهما لو عاد الخيار لها : مربية مرحة ولطيفة وتحضر كعكا لذيذا جدا ، وتعرف كيف تختار الفطر ولا تخاف من روائح التراب والمواد التى تلمع الارض
وتصورت امرأة فى منتصف العمر تكرس نفسها لهما تماما ، امرأة لطيفة رقيقة للغاية وتشعر بالمسؤولية الى حد لا يصدق
-لكننا نريدك انت
-قال بابا انك ستبقين
بدا الولدان على وشك الانفجار بالبكاء ، ولم تكن فوبى تريد ذلك ولامت ماكس اذ اوقعها فى هذا المأزق وحملقت فيه
تنهد وهو يبعد طبق طعامه الذى لم يلمسه : انت تثبطين عزيمة القديس ، الا ترين ان هذا المكان هو مكانك المناسب ؟
-كان هذا ترتيبا مؤقتا بيننا منذ البداية يا ماكس ، لطالما اردت مربية اكثر نضجا
-وحصلت على واحدة ذات مخيلة وعزيمة كافية لكى تجاريهما
وضرب المائدة بيده قرب طعامه البارد مردفا : لكن الامور تتغير والناس يريدون التغيير
لاحظت انه قال يريدون ولم يقل يحتاجون وقالت : نعم ، هذه هى المشكلة بالضبط
ونظرت من حولها تبحث عن الهام ، ثم وجدت ما تقوله : اريد ان احدث معلوماتى فى المهنة واثقف نفسى بدلا من العناية بالاطفال ، اريد ان ابدا بالحصول على تلك الشهادة التى تحدثنا عنها
-كما تحدثنا ايضا عن طريقة مقبولة تماما لبلوغ ذلك الهدف من دون ان تضطرى لترك حياتك هنا
كيف يمكنها ان تحتمل كلامه هذا الان ؟ فقالت بنزق وهى تنظر الى الطفلين : لا يمكننى ان اجادلك
لعلهما صغيران لكنهما ليسا غبيين ، وطرح تلك الفكرة امامهما مرة اخرى ستقلب كيانهما رأسا على عقب ، وتابعت : انا اريد ان اتز... ، انت تعرف ما اعنيه من اجل الحب يا ماكس ، وليس لاى سبب اخر
ودت لو يرفض ذلك ، لو يقول انه يحبها ، وان بامكانهما ان يبنيا حياتهما معا على ذلك ، لكنه لم يفعل وبدلا من ذلك شحب وجهه ونظر اليها لحظة بصمت ، ثم قال بجفاء : لا باس يا فوبى ، اذا كنت تنوين المعاندة بالنسبة لهذا الامر ، فلا اظن انى قادرعلى جعلك تغيرين رايك ، سأبدا بمقابلة المرشحات للوظيفة منذ اليوم . اظن انك لن ترفضى منح الطفلين يوما او يومين من وقتك ؟ ستبقين حتى أعثر على مربية اخرى اليس كذلك ؟ لا يمكننى ان اراقبهما طوال الوقت فيما انا اقابل اللواتى يتقدمن بطلب . كما اننى بحاجة الى وضع جدول اخر للعمل ، اذ يبدو ان الجدول الموجود يجب ان يتغير ، لكننى لا استطيع ان اتخلى عن اعمالى تماما
-يمكنك الاعتماد على مركز الرعاية
لكنهما سرعان ما ادركت ان اليوم هو الاحد ، وموعدهما فى المؤسسة هو يوم الاربعاء
-نعم هذا خيار فى النهاية
نهض ماكس عن المائدة ونظف الولدين من دون تذمر ، ثم ارسلهما لمشاهدة التليفزيون محذرا اياهما من احداث اى شغب ، ثم عاد الى فوبى : ومع ذلك ستقدمين المساعدة حتى ذلك الحين ؟
قد يقتلها هذا لكن وجهى الولدين المتوسلين مازالا محفورين فى ذهنها ، وكذلك نظرات ماكس اليها الممتزجة بالحزم والاحباط ، ما جعلها تستسلم : نعم ساساعدكم حتى ذلك الحين
*
بينما اخذ ماكس يبحث عن مربية جديدة ، اخذت فوبى تبحث اثناء اوقات فراغها عن فرص عمل اخرى ، ولم يعجب هذا ماكس الذى راح يزرع غرفة مكتبة جيئة وذهابا وقد عاوده القلق . كان الوقت بعد ظهر يوم الاربعاء ، والطفلان فى مركز الرعاية وفوبى تضيع الوقت فى عمل ما بعد ان عادت محملة بمجموعة من الصحف ، قائلة : وهكذا يمكنك ان تبحث عن مربية
-انت لا تنعم النظر فى الصحف
جاءه هذا الاتهام من الممر خارج مكتبه ، فالتفت لدى سماعه صوتها ، وكانت قد اصبحت فى منتصف المكتب وهى تشير باصبعها الى كومة الصحف . متابعة : انت حتى لم تفتحها
نبرة الاتهام فى صوتها ، عدم اهتمامها بأى شئ عدا الرحيل عن بيته فى اسرع وقت ممكن ، كل هذا جعلا شيئا ما ينفجر داخل ماكس : لقد نظرت فيها
وسار مبتعدا عنها ، واخذ ينظر من النافذة : نظرت الى عشرات وعشرات الاعلانات ووضعت اعلانا لدى ما لا يقل عن مئة وكالة للتوظيف كما قابلت حتى الان ست مرشحات لهذا العمل
-لكنك لم توظف ايا منهن
بدت وكأنها تمالكت نفسها ، وحملت الصحف وتقدمت منه والقتها على صدره ، فرمى بالصحف على الارض ثم استدار اليها يواجهها غاضبا : لا تضغطى على هكذا يا فوبى ، صدقينى انا لست فى مزاج يسمح لك بأن تضغطى على حاليا
فقالت بصوت باك تقريبا : وانا لست فى مزاج يسمح لى بالبقاء هنا ، عليك هنا ، عليك ان تستمر فى البحث الان !
اخذ يحدق فى وجهها المنزعج وقال : قد سبق وانذرتك
وعانقها ورحبت هى بعناقه ، رغم انها دفعته من صدره ، لكنه امسك بها بسرعة متجاهلا دفعها هذا له ، فركلته لتتخلص منه
-لا تحاربيينى
زمجر بهذه الكلمات ثم اندفع مرة اخرى لعناقها
يفترض بها ان تقاومه ، يا لجهنم ! ما كان عليها ان تفعل ذلك . وصرفت باسنانها : لا اريد هذا
-لماذا بادلتنى العناق اذن ؟
وابتدأ الاحباط يتملكه بقوة اكبر بعد ان اصبحت بين ذراعيه مرة اخرى ، انه يرغب فيها الى حد بالغ
نطقت فوبى باسمه متاوهة . ايعنى هذا الاستسلام ؟ القبول ؟ كان فى نظراتها التى تتفحص وجهه ضعف ، وكانها تختزن هذه الذكرى
-فوبى يا حلوتى ، لا تحرمينى من هذا
وارتجف جسده عندما احاطت يداها بعنقه تجذبه اليها
-لا ادرى ماذا حدث لى
تمتماته هذه ترافقت مع موجة حارة اجتاحت جسده وافقدته السيطرة على نفسه ، واضاف : مؤخرا كل ما استطعت التفكير فيه هو انت
جمدت بين ذراعيه وحبست انفاسها بينما بحثت عيناها عن عينيه : احقا ؟ احقا تفكر بى طوال الوقت يا ماكس ؟
مر بيده على شعرها الكث واجاب : نعم ، ما ان انظر اليك حتى اشعر بالرغبة فيك
فتراجعت عنه قليلا : الرغبة الجسدية ، هذا ما تقصده اليس كذلك ؟
كان يريدها الى حد كبير ... ارادها لدرجة انه عرض عليها الزواج كجزء من صفقة كاملة
-نحن متلائمان معا ، وكلانا سيستفيد من هذه العلاقة حتى لو لم تقبلى بالزواج
الضحكة التى اطلقتها وهى تدفعه عنها ، حملت بعض التوتر ، ووقفا متواجهين يتبادلان النظرات لثوان قبل ان تقول : لا تلمسنى مرة اخرى يا ماكس
وازدادت ابتعادا عنه لكن نظراتها بقيت ثابتة على وجهه : فى الواقع انا ساجنبك مشكلة القلق بهذا الشأن وارحل فى هذه اللحظة ، ما من سبب يجعلك عاجزا عن مراقبة ولديك بنفسك الى ان تجد مربية . عملك سينتظر عند الضرورة
-ليس لديك وسيلة نقل ، او وظيفة تذهبين اليها
-يمكن لبرينت ان يوصلنى الى محطة القطار وسارحل الى سيدنى حيث لدى اصدقاء يمكننى ان امكث معهم حتى اجد عملا يناسبنى
-اى اصدقاء ومن يكونون ؟ هيا ... كونى عاقلة
وجد كلماته هذه بسيطة مقارنة مع الاحباط الذى جعلته يشعر به
-لست مضطرة لان اعطيك التفاصيل فانا لم اعد اعمل لديك وانا راحلة
كان ماكس على وشك الامساك بها ليحدثها عن كافة الاسباب التى تجعل تصرفها هذا جنونا عندما دق جرس الهاتف ، فشتم وهو يسير نحو الهاتف ويرفع السماعة
كان الاتصال من مدير اعماله فى نيوزيلاندا الذى وقع فى مازق مع زبونين
استغرقت المخابرة دقائق ثمينة ، وعندما وضع ماكس سماعة الهاتف كلن المنزل غارقا فى صمت كريه ، واظهر البحث ان امتعة فوبى اختفت كحالها هى . لكنها تركت ورقة على مائدة المطبخ تقول فيها ان برينت سياخذها الى المحطة وان على ماكس ان يتذكر احضار ولديه من مركز الرعاية
يا لوقاحتها ! واخذ يطوف حول البيت من دون هدف حتى حان موعد ذهابه فاستقل موعد ذهابه فاستقل سيارته الى المركز ليحضر ولديه . سيكون ملعونا لو استعمل السيارة الصغيرة التى كانت فوبى تستعملها رغم انه من اشتراها لها ، لكنه لا يريد ما يذكره بها ويضيق افقها وعنادها
وعندما عاد الى بيته لم يكن مزاجة قد تحسن ، وتذمر الطفلان عندما اخبرهما ان فوبى رحلت وان مربية اخرى ستاتى بدلا منها ثم اخذا يلعبان فى المقعد الخلفى وهما فى طريقهما الى البيت ، لكن سرعان ما تحول اللعب الى النزاع بينهما لينتهى الامر بهما الى البكاء . حين نظر ابوهما اليهما مزمجرا بغضب
كانا جالسين امام التليفزيون عندما لاحظ ماكس ان سيارة برينت عادت . يمكنه الان ان يعطى البستانى تعليمات عن عمل الغد فطلب من الولدين ان يمكثا فى البيت لا يخرجان منه حتى يعود ، وخرج يبحث عن البستانى ليجده فى شقته ، وقد ترك الباب مفتوحا . يبدو انه شغل التليفزيون فور دخوله ، وجلس ينظر الى خبر عاجل عن خروج قطار عن سكته
فلنتحدث عن عمل الغد . ثمة امور اريدك ان تفعلها قبل ان تبدأ بعملك المعتاد
كان صوت ماكس جادا نوعا ما رغم محاولته ضبطه ، فرفع برينت يده وكأنه يحاول اسكاته : انتظر ، انا قلق من هذا الخبر
التفت ماكس الى التليفزيون واذا بالمذيع يذيع خبرا عاجلا عن خروج قطار عن سكته ، وبدا اهتمام برينت واضحا
تابعا الاستماع الى بقية الخبر بصمت ثم اندفع ماكس على الفور الى الباب وهو يساله : فى اى وقت وضعتها فى القطار ؟
اخبره برينت فاوما ماكس ، محاولا الا يظهر مزيدا من القلق لكنه فشل فشلا ذريعا : ساتصل بالمحطة لارى ما حدث . تركت الولدين فى البيت ، لذا على ان اعود
-سآتى معك
اوما ماكس من دون ان يتوقف ، وعندما طلب الاستعلامات لم يستطيعوا اعطاءه معلومات تشفى غليله
لم يقولوا له بالضبط ما حدث او ما اذا كان هناك اصابات ، ولكن من المؤكد ان فوبى على متن ذلك القطار ، وشعر ماكس بالغثيان : ساذهب للبحث عنها
وكان قد خرج من الباب حين سمع برينت يناديه : اتريدنى ان امكث هنا مع الولدين ؟ ام احضرهما ونتبعك ؟
كان قد نسى امر طفليه . فاستدار الى الخلف وهو يحاول ان يفكر : لا ادرى ما الذى ساجده هناك ، لا اريد ان اخذهما ولكن ينبغى الا اتركهما هنا ، فهما لم يمكثا معك قط من قبل
-ساحضر عمتى كولين
وكان برينت قد اندفع الى الهاتف : لديها سيارة ويمكنها القدوم الى هنا . انها امرأة مسؤولة جيدا ، يمكننا انا وهى ان نراقبهما جيدا ، هل هذا ينفع ؟
اوما ماكس : هذا حسن جدا
اتفق برينت مع عمته ، ثم اوما عندما اسرع ماكس يبتعد بعد كلمة شكرا ، كانت افكاره مع فوبى اتراها نجت ؟ عليه ان يعرف هذا وبسرعة

الابوة الملائمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن