١٢- في خطر

6.9K 284 1
                                    

-لا ادرى بالضبط ما على ان افعله وما على ان افكر فيه
جاءت هذه الكلمات بنبرة باكية كان يمكن ان تجرحها لو لم يعمد برينت على الفور لاحاطة كتفى فوبى بذراعه
شدها اليه مرة اخرى ثم تركها سائلا : ماذا ستفعلين ؟ هل ستبقين هنا ؟
-علىّ ان ارحل ، ولكن علىّ اولا ان اطمئن الى ان الطفلين بخبير من دونى ...
لم يتبق لها ما يكفى من القوة لتشرح شعورها نحو طفلى ماكس ، وتابعت تقول : ثمة مواضيع ... امور على ان اتاكد من انها استقرت قبل ان ارحل
من الافضل الا تقول المزيد كما انه سبق لها ان فتحت قلبها له بما يكفى ، جلسا على السلم امام شقة برينت وكان ماكس قد ذهب الى المدينة ، رغم تذمره من ذلك . بدا وكأنه فقد اهتمامه بعمله حاليا ، لكنه كان قد التزم بهذه الصفقة شخصيا منذ عدة اشهر
فى هذه الاثناء ، وفيما راح الولدان يلعبان على كومة الرمال ، وجدت فوبى نفسها تقصّ على برينت بحذر قصة علاقتها مع ماكس . اعترفت له بحبها لماكس لكنها وجدت ان كشفها عن هذا الامر لم يجعلها تشعر بارتياح تام ، فشهقت ثم ترددت وهى تنظر اليه بابتسامة مرتجفة : اشكر لك اصغاءك الى ، وانا واثقة من اننى سأتمالك نفسى ... ان اجد شخصا افضى اليه بما فى نفسى ساعدنى كثيرا
ربت برينت على ظهرها بارتباك ثم قال : لاباس فلدى ثلاث شقيقات اصغر منى سيعانين فى وقت ما مثل هذه الامور ، وبما ان والدى توفى وانا الابن الاكبر ، فاظننى ساستفيد من هذا التدريب
انه فتى طيب لطيف يراعى مشاعر الاخرين ومن المؤسف انه ليس اكبر سنا فربما كانت لتقع فى غرامه بدلا من ماكس ...
وكانها قد تقع فى حب رجل غير ماكس ! وقالت وهى تقف : شكرا من الافضل ان اذهب الان ، واراك لاحقا
ونفضت الغبار عن سروالها ثم راحت تهبط السلم ، تنفست بعمق ثم اتجهت الى كومة الرمال ، وقد عقدت النية على الا تظهر للطفلين انها كانت تبكى : هيا يا اولاد حان وقت الدخول وقت الدخول الى البيت لنتناول وجبة خفيفة
لم تسمع جوابا فرفعت نظرها لتجد كومة الرمال مهجورة . هزت كتفيها ودخلت الى المنزل معتقدة انهما دخلا اليه من دون شك ، لكن المنزل بدا هادئا ايضا
تملكها القلق اذ تركت الولدين على كومة الرمال حين ابتدات تتحدث الى برينت وهى لا تظن انها مكثت معه اكثر من دقيقتين ، ونادت : جيك ، جوش ، اين انتما ؟ حان وقت تناول الطعام
فتشت جميع انحاء البيت والاراضى من حوله ، وعندما انتهت بدا الذعر يتملكها ، وانضم اليها برينت يساعدها
وتشبثت فوبى بذراعه : كم بقينا نتحدث انا وانت ؟
-ربما خمس دقائق ، انت لا تظنين انهما ضاعا اليس كذلك ؟
-لقد ضاعا طبعا
واخذت نفسا عميقا لتتمالك نفسها : اسفة ، انا قلقة قليلا . هل تتذكر اخر مرة رايتهما فيها ؟
-على كومة الرمال ، عندما ابتدأنا انا وانت بالحديث بعدئذ ، استغرقت فى الحديث فلم انتبه الى ما كانا يفعلانه
لم يكن برينت مضطرا لمراقبة الولدين لان هذه وظيفة فوبى ، ولدا ماكس فى عهدتها وها هى ذى تفقدهما . لعلهما ذهبا الى الطريق فوجدهما شخص مريض نفسيا ... او اسوا من ذلك
غمرها ذعر بالغ للحظة ، فجمدت مكانها لا تستطيع التفكير . دام هذا لحظة واحدة قبل ان ان تعود الى الواقع : لابد انهما فى مكان قريب ، لكن اذا لم اجدهما بسرعة ، فعلىّ ان اتصل بماكس لاخبره بما حدث
وفى تلك اللحظة ، ظهرت سيارة ماكس فى الطريق الخاص ثم توقفت امامهما . عندما نزل منها نظر الى وجهها وسأل : ماذا حدث ؟
-الولدان مفقودان ، انهما ليسا فى المنزل او اى مكان قريب
شحب وجه ماكس : منذ متى رايتهما ؟
-منذ حوالى عشر دقائق
كان وجهه قد جمد وهز راسه : كان على ان ابقى لمراقبتهما ، ما كان على قط اان اتركهما معك
المتها كلماته لكن من حقه ان يدينها : انا اسفة يا ماكس ، اعرف ان الذنب ذنبى
التفت ماكس الى برينت وارشده الى الجهة التى ينبغى ان يفتشها ، قائلا : اذا لم نجدهما خلال ربع ساعة ، فساستدعى الشرطة
واسرع باتجاه اشجار التفاح وهو ينادى طفليه ، مركزا اهتمامه على ما يفعل ، ولاحظت فوبى ذلك لعله لايريدها فى اى مكان قريب منه ، لكنها تريد ان تعثر على الطفلين باللهفة نفسها
رافقته وبعد دقيقتين من البحث والنداء ، لاحظت فوبى لعبة من البلاستيك ملقاة على الارض قرب السياج البعيد ، مدفونة تقريبا بين الاعشاب الطويلة ، فاسرعت نحوها ثم نادت ماكس : هذه اللعبة من كومة الرمال ، وهو اخر مكان رايتهما فيه
اخذ ماكس ينادى بالحاح اكبر ، لكنه لم يسمع جوابا ، ومع ذلك كانت الدمية تشير الى ان الطفلين سلكا هذا الطريق بكل تاكيد . تسلقا السياج ثم اسرعا الى ضفاف الخليج الصغير حيث كان جيك وجوش جالسين بجمود كتمثالين ووجهيهما كالثلج شحوبا . كادت فوبى تسقط على ركبتيها لشدة ارتياحها ، لكن الارتياح لم يدم طويلا فثمة شئ غير طبيعى : انتظر يا ماكس ...
لكنه اندفع الى الامام وهو يناديهما باسميهما
-كلا يا بابا
صرخة الرعب من جيك جعلت ماكس يجمد مكانه
قالت بصوت مرتجف وهى تشير من خلف جيك الى حيث كان جوش يتبادل التحديق مع الافعى : ماكس . ثمة افعى
كان الدمع يسيل على وجه جوش بينما جسمه الصغير يرتجف ، لم تعرف فوبى الى متى يستطيع الطفل الاحتمال ، كما ان الافعى بدت متململة هى ايضا . اذ راح لسانها يخرج ويدخل بحركة خاطفة وبشكل حاقد
-لاباس ، انتما شجاعان للغاية وسوف اتصرف انا
كانت لهجة ماكس هادئة ومطمئنة للغاية ، رغم انه بدا وكانه كبر عشر سنوات ، ومن دون ان يحول نظراته عن المشهد ، رفع صخرة كبيرة ثم تقدم الى الامام بثبات وهو يطلب من الولدين عدم الحركة فيما وقفت فوبى تنظر
وانتهى الامر فى لحظات ، كان رأس الافعى قد انسحق تحت الصخرة ، بينما اختطفت ذراعا ماكس جوش وجيك وهما يجهشان باكيين ، وضعهما ماكس على الارض واخذ يلامس راسيهما ، وهو يسالهما : هل لدغت الافعى ايا منكما ؟
ثم اخذ ينزع ملابسهما ويتفحص جسديهما
-لا يا بابا
وعاد جوش يرفع سرواله ساخطا : بقينا ساكنين كما قالت فوبى لننا
وانفجر جوش باكيا مرة اخرى : انتما تاخرتما كثيرا
اخذهما ابوهما بين ذراعيه مجددا بينما الطفل يتابع : بقينا هنا الى الابد
كبحت فوبى شهقاتها وركضت الى المنزل
لم يعد الطفلان بحاجة اليها الان ، فهما حيث ينبغى لهما ان يكونا بالضبط ، مع ابيهما ... القادر على تحمل مسؤوليتهما ،
ومهما كانت مشاكل ماكس فهو لن يبتعد عن ولديه بعد الان . اصبحت فوبى حرة ويمكنها الرحيل ، اذ يبدو انها غير جديرة بتحمل مسؤولية كهذه
وفى البيت جهزت الطعام والحمام للطفلين ، وبينما كان ماكس يرعاهما ، ذهبت الى غرفتها واخذت تحزم امتعتها وبقيت هناك حتى وضع ماكس الطفلين فى سريريهما
عندئذ تنفست متشجعة ، وحملت اغراضها ثم خرجت تبحث عن ماكس ، فوجدته جالسا فى المطبخ نصف المظلم مع بقايا عشاء الطفلين مبعثرة من حوله ، كان لا يزال مضطربا لكن اقل من السابق
وتمنت فوبى لو تستطيع ان تقول ان حالتها افضل ، وضعت امتعتها فى المدخل ثم ذهبت لتواجهه
-انا اتحمل مسؤولية ما حدث . كان يمكن لولديك ان يموتا اليوم ، ان لم يكن بلدغة افعى فغرقا ، والذنب ذنبى فى الحالتين : انت محق فى الا تثق بى منذ البداية
فقالت وهو ينهض : فوبى
لوحت بيدها ، ثم ضغطتها على فمها اثناء محاولتها استعادة توازنها : انا استحق كل انتقاد او تعنيف لاننى بتصرفى الانانى ، عرّضت ولديك للخطر . انت تحبهما للغاية يا ماكس ، ولهذا ستحرسهما وتحميهما مهما حصل ، وتمنحهما كل ما يحتاجانه . كل ما كان يمنعك من هذا اختفى الان
-هذا صحيح ، وسافعل هذا كله لكننى لا اريد ان اتحدث فى هذا الموضوع حاليا
وتقدم منها ووقف امامها مضيفا : كانت محنة مخيفة لهما ، ولنا جميعا كما انى تحدثت معك بخشونة عندما وصلت
فانطلقت من فمها ضحكة متهدجة : لديك كل الحق فى ذلك
-اعترف باننى اجد صعوبة فى الثقة بالناس
وتخلل شعره باصابعه باحباط وضعف : لكننى وثقت بك ، وما زلت بالرغم من تصرفى قبل حين . كاان ذلك مجرد توتر ، هل تفهمين ؟ لو كنت انا موجودا ربما لم يحدث هذا
-ما كان لك ان تثق بى . كنت لطيفا للغاية معى يا ماكس وانا اقدر لك هذا . لكن عليك الا تتظاهر فانا اعرف ما فعلت واعلم ان الجواب الوحيد على هذا هو ان ارحل وحالا
-ما هذا الهراء ؟
بدا غاضبا تقريبا ، وكأنه يكاد يفقد قدرته على الاحتمال
-لا يمكنك ان تعيش معى هنا يا ماكس ، نحن الاثنان نعرف هذا
وابتسمت بمرارة : لا يمكننى احتمال ذلك انا ايضا . لا ادرى كيف عرضت هذين الصغيرين البريئين للخطر . لهذا جمعت امتعتى ، واردت فقط ان اخبرك بمقدار اسفى قبل ان ارحل سأدع برينت يوصلنى ابلغ ... ابلغ جيك وجوش حبى
ارادت ان تقول المزيد لكنها خشيت ان تفقد سيطرتها على نفسها كليا ، وهى تريد ان ترحل مع ذرة من الكرامة على الاقل
-لن افعل شيئا كهذا
وقبل ان تخرج من الباب ، امسك ماكس بذراعها فجمدت مكانها ، وادارها نحوه لتواجهه قائلا : عليك ان تصغى الى فوبى
-لكننى ...
الا يراها بحاجة الى الهرب بعيدا ؟
جرها عائدا الى المطبخ واجلسها على احد الكراسى ، ثم وقف مشرفا عليها وكانه يخاف ان تهرب اذا لم يراقبها جيدا
-ارجوك يا ماكس
كانت تكره التوسل ، لكنها ظروف تدعو الى اليأس
-دعنى اخرج قبل ان تصبح الامور اسوأ
-لن تصبح اسوأ
وامسك بذراعيها وهزها برفق : لانك ستجلسين وتصغين الى ما ساقوله
اومأت ايجابا اذ لم تجد خيارا اخر امامها ، ولهذا ستحاول ان تتصرف على نحو يصون كرامتها ، وتساءلت ان كان لديها ما يكفى من التوازن لذلك . قال : ما حدث لجيك وجوش اليوم كان يمكن ان يحدث لأى شخص
-كلا ، هذا ليس صحيحا
-اخرسى ....
امرها بذلك بحزم فكان لهذا تاثيره المطلوب اذ اطبقت فمها بينما اومأ هو : هذا افضل ، كان بامكان ذلك ان يحدث فى أى وقت ، ولآى شخص
وترك ذراعيها لكنه يبتعد عنها : لعل كاترين لم تذكر هذا ، لكننى فقدتها مرتين وهى طفلة بعد ان تركها والدانا تحت رعايتى
-لم اكن اعلم هذا
وللحظة شعرت فوبى بشئ من العزاء ، لكنها عادت فهزت راسها : لابد انك كنت صبيا حينذاك
-حسنا ، كنت مراهقا انما كبير بما يكفى كى يثقا بى
واخترقت نظراته اعماقها تآمرها بمتابعة الانتباه : المرة الاولى التى حدث فيها ذلك ، تملكنى الخوف الى حد اقسمت معه على الا ادع ذلك يتكرر مرة اخرى ، لكنه عاد فتكرر
تملكها الفضول رغما عنها فسالته : كيف ؟
-لقد ادرت ظهرى فقط ، وبصراحة لم اعد اتذكر ماذا كنت افعل عندما هربت للمرة الثانية . كل ما اتذكره هو الالم البالغ الذى شعرت به عندما علمت انها هربت مرة اخرى
-وماذا عن والديك ؟
ارتسمت ابتسامة على فمه : كانا واعيين تماما لما قد يحدث للاولاد الصغار ، كانا منشغلين بتربيتى انا
-لا ارى ما علاقة هذا بى ، بفقدانى لولديك
-الوضع
هو نفسه
ولمس وجهها بخفة فائقة : اختفى الولدان عن ناظريك . نعم كان يمكن ان يصيبهما ضرر بالغ ، كما كان يمكن ان يحدث بالضبط لكاترين فى المرتين اللتين فقدتها فيهما
-لا اتصور انك اضطررت لانقاذ كاترين من بين فكى الافعى
لم تستطع فوبى ان تخفى نبرة العنف فى صوتها ، فهذا تقصير منها وتقصير لا يغتفر ، ومهما قال ماكس ، تبقى هى المسؤولة عن ذلك
-لم يكن ثمة افعى فى حالة كاترين ، لكنك فعلت كل ما يلزم اليوم يا فوبى . لاحظت بسرعة انهما كانا مفقودين وبدات البحث عنهما على الفور ، كما ان ارشاداتك هى التى انقذتهما وحالت دون ان يصبحا فى وضع اسوا بكثير من الوضع الذى كانا فيه
-آه ، كيف يمكنك ان تقول ذلك ؟
قال برقة : ما اقوله صحيح . هذا النوع من الافاعى ... لا تخبرينى ان شخصا غيرك هو الذى علمهما هذه الارشادات . انا لم افكر فى ذلك بكل تاكيد ، رغم انه كان علىّ ذلك
-كان بامكانهما ان ينسيا تلك الارشادات عند مواجهة الخطر يا ماكس ، او ان يتصرفا بشكل صائب ومع ذلك تلدغهما الافعى
كانت اعصابها منهكة ، وتزداد توترا بين لحظة واخرى : ارجوك لا استطيع ان اقتنع بهذا
صمت لحظة ثم اومأ براسه : لابأس سندع هذا الامر حاليا . نحن متعبان بعد هذا اليوم الشاق
مد ماكس يده يريد ان يلمسها ، وتلك اللمسة كانت شافية نوعا ما ، رغم ان فوبى لم تبد مستعدة بعد للعفو عن نفسها
وعلى كره منه ، خفض يده مقاوما لهفة تملكته بأن ياخذهها بين ذراعيه ، اذ حدثه شئ ما بأن هذا ليس مناسبا حاليا وقال : اذهبى الى غرفتك ويمكننا ان نتحدث عن هذا الامر صباحا
ترددت طويلا حتى ظنها لن تجيب ، لكنها اومأت اخيرا : سيكون جبنا منى الا اودع الطفلين ، ولهذا اظن ان صباح الغد سيكون افضل للرحيل
جاء الان دور ماكس ليؤمى بصمت ، فليس فى نيته الموافقة على ان تودّع ولديه
لقد ادرك بعض الامور عندما كان بجانب الخليج هذا اليوم ، ادرك انه يحتاج الى فوبى ، احتاج اليها لتساعده عندما حاول ان ينأى بنفسه عن ولديه ، احتاج الى تشجيعها عندما تملكه القلق ، من ان يرفضه ولداه
كما انه بحاجة الى فوبى لنفسه ، انه يريدها وحسب . انه لا يستطيع ان يفهم شعوره نحوها ، انه يريدها فقط . ربما فشلت اول محاولة له لاقناعها بالزواج ، لكن هذا لايعنى انه مستعد لليأس . غدا ، اول امر عليه ان يقوم به هو ان يعرض عليها مشروعه هذا
-تصبحين على خير يا فوبى ، ساراك غدا

الابوة الملائمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن