2

4.9K 64 11
                                    

طال الانتظار والنتيجة لم تظهر بعد ،خمسة عشر يوماً من التوتر المستمر فالسنة الدراسية رغم كونها صعبة لكن لحظات الإنتظار أقسى وأكثر رعباً ،تُرى هل ستحقق أمنيتها وتلتحق بكلية الآثار أم أن عقبة ما ستقف في طريق هذه الأمنية الطفولية البريئة ،أم أن عدد الراسبين في ازدياد هذا العام ،كثرت الهواجس والأفكار الشيطانية المرعبة في رأسها الصغير ،انتفضت من نومها مذعورة كعادتها في الأيام الأخيرة ،ولكن يبدو أن هذا اليوم مختلف تماماً عن باقي الأيام ،فوالدتها تبدو نشيطة والإبتسامة تملأ وجهها الصبوح مما جعلها تبدو أكثر جمالاً
- صباح الخير يا أمي

- لقد مر الصباح منذ زمن يا بُنيتي ،انتبهي لعمرك الذي يضيع هدراً في النوم والكسل .

- يا أمي هذا فقط تعويضاً لأيام التعب الماضية ،أرجوكِ لا أريد أن استمع لتلك الكلمات كل يوم أريد إجازة يا أمي .

قالت كلماتها الأخيرة وذهبت لتساعد والدتها في أعمال المنزل التي لا تنتهي ولكنها صدمت عندما سمعت والدتها وهي تتحدث مرة أخرى

- من المؤسف أن تكونِ طالبة في كلية الآثار وتتحدثين معي بهذه الطريقة ،ألست والدتك أيتها العالمة الصغيرة !

ردت بصدمة
- أهذا حقاً يا أمي!؟ ،هل نجحت حقاً !!

- الحمد لله الذي عوضني بكِ يا أمل ،أسميتك أمل لأنك أملي في الحياة ،أنتِ شعاع النور الذي يظهر في الظلام الدامس ،وأنتِ الطريق المزهر الذي يتوسط الصحاري الخالية من الحياة ،أنتِ أملي .
____________

تحت شعار حرية التعبير نكتب ،وبشعار (مخالف للسلطة) يُلقي القبض علينا ،فمنا من يعود ويمشي في طريقٍ مستقيم كما يُقال ومنا من يقبع في السجن عشرات السنوات ،أي حرية تتحدثون عنها ،هذا التاريخ الذي تكتبونه بأسطرٍ من غبار ستأتي عليه رياح عاتية تمحوه في أحد الأيام .
كانت هذه بداية لمقالة كتبها طارق وهو طالب بالفرقة الرابعة من كلية الآداب شعبة الإعلام ،وقد تم إعتقاله في السنة الماضية ولكنه خرج من السجن بكفالة كبيرة ،ونشاطه الطلابي لم يتوقف بعد ولم يتنازل عن مواقفه في التعبير عن السلبيات ،كان متفوقاً في كل السنوات الدراسية السابقة قبل أن يلتحق بالجامعة وحتى في الجامعة نفسها متفوق لكنه ليس من أولئك الذين يحالفهم الحظ في أي شيء كان..
كلما عبر عن رأيه يتم القبض عليه ،كلما دخل في نقاش مع أستاذ جامعي إحتد النقاش وإنقلبت ضده الموازين ،ودائماً ما يجد من يعادونه لأن أسلوبه دائمًا يجذب الجميع ،ومحبوب لدى طلبة الجامعة بأكملهم ...

والدته تخشى عليه كحال كل الأمهات ،ليس ابنها الوحيد ولكنه من يجمع شمل العائلة المفككة ،دائماً ما يشبه الدولة في علاقته بأسرته وهذا أبلغ تشبيه لديه ،تركهم والده صاحب الأملاك الكثيرة والأموال التي لا عدد لها وإكتفى بإرسال مبالغ لتسد حاجتهم حيناً ولا تكفيهم حيناً آخر ،أما عن والدته فقد تحملت فوق المر مراً ،وعانت في تربية أبنائها ...
إعتاد كل صباح على قراءة كتاب ،بعد إنتهائه من قراءة الورد اليومي ،كانت حياة روتينية جميلة ،كان عاشقاً لكتب التاريخ والسياسة والسيرة النبوية ،عندما يتحدث لأحدهم يشعر وكأنه يتحدث مع شخص لا يحيا معنا على نفس الكوكب ،أفكاره دائمًا مختلفة ،نظرته للأمور مختلفة ،كان شخص كالجميع ولكنه ليس كشخص آخر ..
منذ طفولته وخاصة من تاريخ ترك والده للمنزل وهو يكتب ما سيفعله في الحياة قد يحقق ما يصبو إليه حينًا ويبتعد حينًا آخر ..
رغبته في التعليم ،إختيار تخصصه ،وجهة نظره في الدولة وكيف سيعالج مشاكلها ،زوجته المستقبلية كل ما يريد أن يصنعه ...
كان قريباً جداً من الله سبحانه وتعالى ،ولا يدري كيف إقترب منه في ظل هذه الأسرة المفككة ،وهذه فرصة للجميع لاتهامه بأنه عضو في جماعة إرهابية ،فالدنو من الإسلام الصحيح إرهاب لدى الحكومات القمعية ،لكنه لم يبالي وإستكمل طريقه ،كان يسمع الجميع ولكن لا يصدق أحد ..
ذهب إلى الجامعة في أحد الأيام ليرى نتيجة الامتحانات وكان من المتوقع بالنسبة إليه أن يجتاز هذه السنة بمعدل مرتفع ولكن النتيجة لم تعبر عن ذلك ،المحاضر الذي ناقشه قام بفعل غير آدمي معه لم يجعله يرسب في مقرره الدراسي فقط بل في أكثر من مقرر لأساتذة صغار تتلمذوا على يده فعل ذلك كما يفعل مع غيره ،لكنه لم يبالي ولم يعتذر لأنه لم يخطأ منذ البداية ،قرر الذهاب إلى رئيس الجامعة فأخبره بأن يذهب إلى مكتب أستاذة دعاء بالطابق الخامس ليستخرج أوراق معينة ،ذهب فأخبرته أن هذه الأوراق متواجدة بالطابق السفلي لدى أستاذ أحمد ،ذهب فأخبره أنها بالأعلى،ثم هبط مجدداً وهكذا صعوداً وهبوطاً ،إنتهى الأمر ووصل إلى عدم تواجد هذه الأوراق على سطح كوكب الأرض ،رضى بالأمر الواقع ووحشية القدر هذه المرة أيضاً .. وظل شامخاً عزيز النفس ..

---------------------------------------------------
إنتهت أمل ووالدتها من تقديم أوراق الإلتحاق بكلية الآثار لطالما حلمت بكونها طالبة بهذه الكلية وظنت أنها بداية تحقيق الأحلام المؤجلة من الطفولة لم تكن تعلم أنها بداية اللعنة الحقيقية ...
أصبحت أمل طريدة كوابيس مزعجة كل ليلة ،لا تعي بما تتصرف وهل سيفيد تصرفها أم أن المجتمع سيواجهه بالحجارة والنار ..أستنشقت بعمق ثم خرجت لوالدتها وقالت
-أمي أريد أن أنزع حجابي .. أنا غير ملتزمة به من الأساس ..لماذا أرتديه ..كذلك حفظت من القرآن ما حفظت لم أجد نصاً قرآنياً صريح يدل على أنه فرض ..
أجابتها الأم بهدوء كأنها لم تسمع شيئاً على الإطلاق ..
-بل يوجد نص صريح في سورة النور يدل على أنا الحجاب فرضاً ،القرآن ليس مجرد حفظ كما تحفظين منهج التاريخ والجغرافيا إنه مُعرض للتفسير ..
- قالت أمل :- أين هو النص يا أمي
قالت الأم :-أقرأي سورة النور وسأوافيك بالتفسير الصحيح ...
بدأت أمل بقراءة سورة النور بسم الله الرحمن الرحيم (سورة أنزلناها وفرضناها... واستكملت )) وأخبرتها والدتها أن هذه السورة المخصصة بالأحكام في القرآن الكريم وأن كل الأحكام المذكورة بها فرض ،إلى أن وصلت للآية ٣١ (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) ..

----
أقتنعت أخيراً بأن الحجاب فرضاً فقد هدمت والدتها كل ما إدعته .. لم تكن رغبتها في نزع الحجاب هو أنه ليس فرضاً كما كانت تقول بل لأنها تريد أن تواكب المجتمع الجامعي المنفتح الذي ستكون عضواً فعالاً فيه عما قريب ..
___
واجهت أحداث يومها بخمول وذهبت للنوم وفي بدايته شعرت بأن شخص ما يمسك بشعرها ويمزق جسدها كان هذا الشخص (هي) نفس تحاول الاستقامة والأخرى في طريق غير مستقيم ،حدث بين النفسين صراع في المنام، فمزقت جسدها ،عندما إستيقظت ورأت الدماء تغطي ملابسها وجسدها ممزق لم تستوعب ،لكنها تمسكت بالفكرة المراهقة ،فهي في مطاردة دائمة مع الأحلام منذ الصغر .. وخاصة هذا النوع النادر من الكوابيس المزعجة ..
___________
كانت علاقتهما مقدسة تستمد قدسيتها من محو شخصية الآخر والسيطرة على قرارته المصيرية ،كان يضع الأغلال في عنقها ،والعقبات في طريقها لم يكن يراها إلا بصورة( الأمة) ودائماً يرى في نفسه (السيد )،يراها صغيرة في عينه ويحاول تصغيرها في أعين الناس ،كانت إختياره منذ البداية وحارب أهله من أجلها وإلى أن أصبحت أماً لابنائه تغيرت طريقته معها ،شعرت بالارتياب ولكنها كأي سيدة لم تُفكر في نهاية علاقتها مع من أحبت ،ليس من أجله فقط بل من أجل صغارها ،الحب لا يدوم للأبد ،لكن حاجة ابنائها لأبيهم لن تستطيع هي بشخصيتها الضعيفة أن تعوضها ...
_
#تقييم يا شباب 💪

أشدد به أزري حيث تعيش القصص. اكتشف الآن