سادساً: موقعة الجمل وخروج عائشة:

492 14 6
                                    

عندما علمت عائشة بمقتل الخليفة عثمان ومبايعة الناس لعلي قالت لعبيدالله بن كلاب الذي أخبرها بذلك: "والله ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك، ويحك أنظر ما تقول" فقال لها عبيد: هو ما قلت لك يا أم المؤمنين. فولولت، فقال لها: ما شأنك يا أم المؤمنين، والله ما أعرف أحداً أولى بها منه، فلماذا تكرهين ولايته؟
وصاحت عائشة: ردوني، ردوني.

فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبن بدمه!
فقال لها عبيد: ولم؟ فوالله أول من أمال حرفه لأنت، فقد كنت تقولين "اقتلوا نعثلاً فقد كفر"،
قالت: إنّهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأول،

فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد واجتمع الناس إليها
وقالت: يا أيها الناس، إنّ عثمان قتل مظلوماً، والله لأطلبن بدمه (1).

وقد وافق غضب عائشة غضب طلحة والزبير بعد أن استردّ الإمام علي(عليه السلام) عهد ولايتي اليمن والبحرين منهما، فنكثا عهديهما للإمام علي(عليه السلام)، وذهبا إلى مكة يحثون أم المؤمنين للسير إلى قتال علي، فخرجوا وقد سار معهم جيش كبير بقيادة أم المؤمنين متوجهين نحو البصرة حيث دارت رحى معركة عرفت باسم (معركة الجمل)،
وقد كان الظفر فيها بجانب جيش الإمام وقتل فيها طلحة والزبير وثلاثة عشر ألفاً من المسلمين، وكل هؤلاء ذهبوا ضحية دعوة
عائشة بالإقتصاص من قتلة عثمان والذين ادعت أنهم اندسّوا في جيش الإمام.

ومهما يكن الأمر، أولم يكن الأجدر بها أن تدع كل ذلك لولي الأمر؟

____________        

1- الطبري ج4 ص459، ابن الأثير ج3 ص206.

الصفحة 85
___________

وخصوصاً أنّ الله تعالى أمرها (وقرن في بيوتكنَّ)(1). وما هي وذاك؟
فعثمان رجل من بني أمية، وهي من تيم. إلاّ إذا كان لخروجها سبب آخر غير ذلك!؟

وبالرغم من أن واقع هذه الحادثة يُجيب على هذه التساؤلات بوضوح فإنّه يضاف إلى ذلك تنبؤ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذه الفتنة وإشارته إلى مسببيها. فعن عبدالله قال: "قام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: هاهنا الفتنة، ثلاثاً، من حيث يطلع قرن الشيطان"(2).

وقد اعتبر عمار بن ياسر أنّ طاعة عائشة في هذا الفعل كانت على حساب طاعة الله جل وعلا. فعن ابن زياد الأسدي قال:

"....فسمعت عماراً يقول: إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنّها لزوجة نبيكم(صلى الله عليه وآله وسلم) في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي؟"(3).

____________

1- الأحزاب: 32.

2- صحيح البخاري ج4 ص100 كتاب الخمس باب ما جاء في بيوت أزواج النبي.

3- صحيح البخاري ج9 ص70 كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر.

الصفحة 86
___________          

وحتى قبل هذه الحادثة بأمد بعيد،
فإنّ عائشة عُرف عنها غيرتها الشديدة من علي، وكانت لاتطيق حتى ذكر اسمه. فعن عبيدالله بن عتبة (إنّ عائشة قالت: لما ثقل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذنّ له، فخرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس ورجل آخر، قال عبيدالله: فأخبرت عبدالله بن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي) (1).

ولعل ما سمعته عائشة من قول علي لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بشأنها في حادثة الافك كان سبباً لهذه الغيرة والضغينة، فعن عبيدالله بن مسعود قال: "...وأمّا علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير" (2).

وقد وصف أمير الشعراء أحمد شوقي غيرة عائشة من خلال أبيات يخاطب بها الإمام علي(عليه السلام):

يا جبلاً تأبى الجبال ما حمل ماذا رمت عليك ربة الجمل
أثأر عثمان الذي شجاها أم غصة لم ينتزع شجاها
ذلك فتق لم يكن بالبال كيد النساء موهن الجبال

____________

1- صحيح البخاري ج1 ص61 كتاب الوضوء باب صب النبي وضوءه على المغمى عليه.

2- صحيح البخاري ج6 ص129 كتاب التفسير باب ـ لولا إذ سمعتموه ـ.

الصفحة 87

وإنّ أم المؤمنين لامرأة وإن تك الطاهرة المبرأة
أخرجها من كنها وسنها ما لم يزل طول المدى من ضغنها.

حقيقة الشيعة الإثنى عشرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن