و في غيابك كل شيء بخير إلا أنا
~~~~~~~~~~~
طال حوار العيون بين الرفيقتين لتتنهد نجلاء قائلتا بهدوء
: أخي لا يهتم لهاته الأمور
: هل سأل عن حياتي السابقة
قالتها الرماس بتسائل لتجيب الأخرى بدون تردد
: لا عزيزتي لم يسأل لاكنه معجب بك لما رآه منك طوال بقائك هنا أربع سنوات
: ولم يسألك من قبل عني قبل هاته الأربع سنوات هل حاول جاهدا معرفتي
حاولت نجلاء فهم المغزى من أسئلة صديقتها لكنها أجابت بصدق و هي ترى لمعة عيناها
: لا ولا مرة سألني مرة و لم يلح
نهظت الرماس من مكانها لتصرخ بعصبية
: أرأيت لم يهتم و لن يهتم لم و لن يسأل أحد عن الفتاة التي أتت قبل أربع سنوات تحمل معها طفلان و تدعي أن زوجها توفي في الحدود و هي مجرد لاجئة كل مايرونه هو إمرأة وحيدة بلا سند و لا ضهر جارية مثالية صدقيني لو عرف كل سكان البلدة عن أكاذيبي و بأني مجرد مطلقة بأطفال غير شرعيين ستكون لهم وجهة نظر أخرى حتى شقيقك
راقبت نجلاء عصبية صديقتها التي كثرة هاذه الأيام لتقول بجدية مطلقة
:مطلقة و أطفال غير شرعيين أغرب شيئ سمعته في حياتي
: نجلاااء بحق الله ليس وقت سخافاتك
: ﻻ أنتِ السخيفة
قالتها بعصبية و هي تقف في مواجهة صديقتها
: توقفي عن قول السخافات كنت متزوجة و حملت بأروع تؤم في العالم والدهم لايزال حي في الجهة الأخرى من العالم لذا توقفي عن نعتهم بغير الشرعيين
إنهارت الرماس جالسة على الكرسي الخشبي خلفها لتقول بخفوت
: أتظنينني أكره أطفالي أو أندم على محافظتي عليهم كل مافي الأمر أني أنني رباه
وضعت وجهها بين كفيها و هي تشهق باكية حمدت نجلاء ربها أنها أرسلت الطفلين لأمها قبل قليل فإنهيارات أمهم الباكية لا تبشر بالخير إقتربت من رفيقتها النائحة تعانقها و تربت على شعرها لتسمع صوتها المبحوح يخرج متلعثم
: نجلاء أنتي تعرفين رباه...أنتي تدركين كل شيئ أنا خائفة للموت
زاد عناق نجلاء لصديقتها و صوت نحيبها يعلوا
:لابأس لابأس عليكي إهدئي كل شيئ بخير
إبتعدت عن حضن نجلاء تمسح دموعها لتنظر إليها الإخيرة و تقول بجدية
: رباه تبدين بشعة و أنت تبكين
ظحكت الرماس بخفوت لتردف نجلاء
: حتى و أنت تضحكين نفس الشيئ
هاته المرة ظحكت الرماس بصدق و ظربت صديقتها لكتفها لتشاركها الأخرى الضحك و تقول
: هكذا كوني قوية أطفالك في حاجة إليك
وقفت الرماس وهي تمسح الدموع العالقة برموشها و تقول بمرح
: حسنا سأنزل لوالدتك في الأسفل أخذ قرداي و أنطلق لشراء تذاكر السفر
هزت نجلاء رأسها و هي تقول
: حسنا سآتي معك أحتاج لوازم الخياطة للمعمل
إرتبكت الرماس و هي تقول
: يا إلاهي نسيت صاحب المعمل تماما أراهن أنه سيرفض إعطائي إجازة أخرى
عانقتها نجلاء و هتفت
: لا تقلقي بهذا الشأن دعي هذا الأمر لي
أسرعت نجلاء تلبس عبائتها لتلحقها الرماس نازلتان لطابق السفلي و الذي تشغله عائلة نجلاء و يربط بين الطابقين سلم خارجي قبلت طفليها المتعلقان بوالدة نجلاء و ينادياتها جدتي بفرحة هائلة من الأخيرة
: لا تزعجا جدتكما كونا مؤدبين
إستمع الأطفال لنصائح والدتها التي لا تنتهي لتقول نجلاء بضيق
: بحقك يا رماس نحن نذهب لعملنا يوميا و الأطفال في حوزة أمي ألا تملين من نصائحك
وقفت والدة نجلاء السيدة زينب بجسدها المكتنز تقترب من الفتاتان و هي تقول
: لاتكثري النصائح لن يستمعا إليها على كل حال صحيح يا أولاد
هتف الشقيان بصوت واحد
: طبعا
تخصرت الرماس قبل أن تمسكها والدة نجلاء من ذراعها و تقوﻻ
: أليس لديكما عمل غادرا منزلي
ضحكت نجلاء و هي تخرج من المنزل في حين بدءت الرماس تتوعد صغيريها لتزفر زينب بضيق و تقول وهي تغلق الباب
: لا تتدخلي بيني و بين حفيدي
نظرت نجلاء لوجه صديقتها الممتعض لتقول بمرح
: فكي هاته التقطيبة و دعي أمي تهتم بهما
: لاعجب أنهما أصبحا يتمردان زيادة عن اللزوم
قالتها و هي تسرع خطاها بإتجاه ورشة الخياطة حيث تشتغل هي و مجموعة من نساء البلدة جالت ببصرها لتتسائل
: لما يجهز العم أحمد منزلا آخر هل سينتقل
لوت نجلاء شفتيها بإمتعاض قائلة بكره
: لاحبيبتي لم يعد هناك رجل يتعب نفسه من أجل زوجته الأولى ذاك الشائب العجوز سيتزوج مجددا
شهقت الرماس و تهتف بإستنكار
: مذاا لاكن أولاده متزوجين ألا يخجل
تنهدت نجلاء و أردفت بلا إهتمام
: توقفي عن التصرف كأنك قادمة من بلد أجنبي عاداتنا نفس عاداتكم أم هل ستخبريني أنه لم يكن هنالك رجل يركض خلف غرائزه و يتزوج بأكثر من واحدة
لوت الرماس شفتيها و قالت بغل
: أعرف لاكني أعتقد أنه الأصغر سنا من ينحاز لغرائزه ليس شيخا مثل العم أحمد
عادت نجلاء تقول بلا إكتراث
: صدقيني حبيبتي كل الرجال كائنات تركض خلف غرائزها
لتكمل الرماس
: كالحيوانات تماما
إلتفتت نجلاء تربت على كتف صديقتها قائلة
: رائع حفظتي الدرس لا رجل في هذا الكون يهتم لإمرأة واحد عيناه ترى كل نساء العالم بلا إستثناء
تلكأت في مشيتها فجأة تراه تزوج الآن له أطفال يحملون إسمه و يعيشون بطريقة طبيعية نفظت الأفكار التي تحوم حوله و أسرعت تلحق نجلاء التي و قفت قرب ملحق صغير تجمع قربه عدد من الأطفال يحملون ألواح خشبية وقفت تراقبهم بابتسامة واسعة لتقف نجلاء قربها تحاوط كتفها و تهتف
: أنظري للمدرسة الراقية
ضحكت بشدة و هي ترد
: أفضل من لاشيء
تسائلت الأخرى
: ألا تفكرين بإحظار التوئم إلى هنا
: لا أدري أنا ألقنهم بعض الدروس في البيت كما أنهم سيطالبون بأوراق الثبوتية
تأففت نجلاء وقالت بضيق
: و كأنها مدرسة عليا
عادت الأفكار تتلاعب في رأس الرماس هاته البلدة لا تحتوي غير مستوصف صغير لايكاد يغطي أهم الإحتياجات الأولية الملحق الصغير و الذي جعله بعض السكان مدرسة إبتدائية للأطفال الصغار ليتوقف أغلبهم عن الدراسة و بدء معترك الحياة في سن صغيرة لن تنكر أن الموضوع بدأ يزعجها لاتريد هاته الحياة المكفهرة لأطفالها تفكر جديا في الرحيل عليها مناقشة الأمر معى من ساعدها للوصول إلى هنا لكزتها نجلاء تخرجها من أفكارها
: موضوع شرودك في كل وقت و مكان بدأ يقلقني
شبح إبتسامة مر على شفتيها و هي تسرع خطواتها للوصول للمعمل
و في الغرفة الواسعة إنتشرت ماكينات الخياطة القديمة و الأقمشة من كل الأنواع النساء من مختلف الأعمار منهمكات في التفصيل و الخياطة جلست كل واحدة منهما في مكانها نظرت إلى القماش الوردي و فكرت للحظة بثوب لصغيرتها الجميلة إبتسمت و هي تمسك قطع القماش الباقية و تتجه للمدير آخذة الإذن بإستعماله
واو قالتها نجلاء و هي تمعن النظر في الفستان الجميل المتداخلة الوانه بين الوردي و الأبيض مزين بلؤلؤات فضية
: أتظنينها ستحبه
تسائلة الرماس و هي تناظر صديقتها حملت نجلاء الثوب و تحسسته بأيدي خبيرة لتعيده لمكانه قائلة
: صدقيني ستعشقه
إبتسمت بحبور و هيا تقف و تعدل طرحتها
حسنا بقي الأمر الأهم أخذ الإذن لتغيب غدا
: إلحقيني
هتفت نجلاء و هي تتجه نحو الباب المؤدي للمكتب الصغير جابت بنظراتها أنحاء الغرفة الصغيرة كان أشبه بمخزن منه لمكتب عدد من العلب مرصوصة في جهة أطراف القماش هنا و هناك و المكتب المحطم طرفه و المعدل بصنادق خشبية رائحة السيجارة رخيصة الثمن ملأت أجواء الغرفة و على كرسي خشبي جلس رجل ستيني يناديه الجميع حاج إبراهيم ملامحه تدل على رجل بسيط رأسه الأصلع شارباه الطويلان و بطنه المنتفخة من كثرة الأكل الخفيف من الكشك القابع خلف ورشة الخياطة
رفع نظره لزائرتان ليتنهد بضيق قائلا
: خيرا يا نجلاء ما الذي أحظرك قبل نهاية الدوام
جلست بإرتياح على كرسي موضوع بإهمال في طرف الغرفة لتقول بلا مقدمات
: صديقتي ستأخذ إجازة غدا
وضع الحاج إبراهيم الدفتر من يده و ظهر الإستنكار على ملامحه قبل أن يقول
: إسمعيني أنا أعاملكن جميعا كبناتي
إبتلعت الرماس ريقها بتوتر عارفة أن ماسيقوله لن يعجبها لاتنكر حجم المساعدة و التجاوزات التي فعلها من أجلها أو السلفة الكبيرة التي منحها إياها من أجل فحوصات و أدوية جواد حين كسر ساقه عاد صوت حاج إبراهيم يقول
: لاكن صديقتك إسمحيلي أن أقول تجاوزت المعقول في هذا الشهر فحسب غابة أكثر من أسبوع و لن أتحدث عن فترة الغياب الطويلة عقب حادث إبنها وجه نظراته ل الرماس و أردف
: أعرف ضروفك يا إبنتي أنتي أرملة وحيدة بتؤم و المشقة هائلة عليكي لاكن كل العاملات أصبحن يجدنك سببا عندما أرفض تغيبهن
فكرت الرماس بخوف مايقوله صحيح منذ قدومها للعمل هنا و هي تخرق القوانين و الحاج إبراهيم يغض النظر في البداية كانت تتأخر في القدوم صباحا كون التوأم لا ينامان مبكرا فتسهر معهم ثم مرضهم المتتالي كانت تغيب كل أسبوع مرة و أحيانا إثنين و في الفترة الأخيرة زادت فترات غيابها بسبب نزلة البرد التي أصابت جوداء و حادث جواد تنحنحت بإرتباك و قالت
: خيرك على رأسي حاج إبراهيم لاكن الطبيب أصر على معاينة ساق جواد
: يا إبنتي أنا أعرف ماتعنين لاكني أميزك كثيرا عن باقي العاملات و هن يقتلنني بنظراتهن
تدخلت نجلاء قائلة
: رجاء يا حاج مشيها هاته المرة و نعدك أن تكون الأخيرة
أنزل الحاج إبراهيم رأسه و بعد تفكير قال بدون إقتناع
: حسنا لا بأس
أسرعت نجلاء تقبل كفه و تلحقها الرماس ربت على كتفها قائلا
: دعينا و حدنا يانجلاء
خرجت نجلاء تتمتم
: و كأنها ستخفي عني شيئ
راقبت الرماس الرجل يتحرك من مقعده جهة ركن قصي و يخرج مفتاحا كان يخبأه بين طيات ثيابه أخرج بعظ الأوراق النقدية و مد يده يخباهم بين كفيها رفضتهم بإصرار عجيب ليزفر الرجل بغضب
: يا إبنتي أمسكي إنها مساعدة و ليست صدقة
أمسكت المال بيد مرتجفة قائلة
: شكرا جزيرا لك
عاد لمقعده يجلس بأريحية قائلا
: لا تشكريني يا بنية فلست طيبا كما تظنين ستعوظين ساعات كثيرة من العمل
إبتسمت بإتساع و الدموع تتلئلئ في عينيها
: الله يباركلك حاج إبراهيم
:إذهبي يا إبنتي الله يوفقك
في طريق العودة للبيت قالت نجلاء و هي تشد عبائتها
: الجو بدء يتقلب
همهمت بخفوت و هي ترد
: إنها بوادر الشتاء أراهن أنها ستمطر غدا
: كم أتمنى ألا تمطر أريد الذهاب و العودة بلا مشاكل
عانقتها نجلاء قائلة
: لا تخافي سيكون كل شيء بخير
إستدارت لصديقتها تهمس
: أنت تقولين هاته الجملة كثيرا
: لنقل إني أرى الأمور من المنظور الجيد
وصلت للبيت متعبة بعد يوم كامل من الجلوس على ماكنة الخياطة ظهرها يؤلمها من شدة الإنحناء و عيناها تدمعان من التركيز بعد ضجيج هائل من توئمها الغالي أصرت السيدة زينب على تحظير العشاء لكلتا العائلتين لاكنها رفضت بقوة حتى همست لها نجلاء أن شقيقها غير موجود تبادلت نظرات الإمتنان معها فهي متعبة من كل جهة و لا رغبة لها في المزيد من السماجة
العشاء كان لذيذا جدا إرتمت على الكنبة في حين كانت نجلاء تغسل الصحون ناولتها السيدة زينب فنجان شاي أراح أعصابها المشدودة و تحت إصرارها على مبيت جوداء معها كي لا تبكي عند مغادرتها صباحا صعدت إلى طابقها و جواد لا تسعه الدنيا من الفرحة رغم سفره للمدينة مرة واحدة فقط و ساقه مكسورة تذكرته ينسى ألمه و يمعن النظر في كل المعالم المختلفة كليا عن بلدتهم النائية الصغيرة إنبهاره بالمباني الكبيرة و السيارات حديثة الطراز جعلتها تفكر بخوف هل ستجعل صغيريها يعيشان كالمتخلفين بلا ذنب أسرع جواد يغسل أسنانه و ينفذ أوامر أمه بلا تردد إبتسمت بحب لصغيرها الرائع قبلت وجنتيه و أحكمت الغطاء عليه لتطفأ نور الغرفة و تخرج
في غرفتها أخرجت حقيبتها الصغيرة تأكدت من أوراق جواد الطبية و بعض الثياب وضعت الحقيبة قرب الباب و نزعت عنها طرحة رأسها لينساب شعرها كشلال غجري تجاوز خصرها بعدة إنشات أمسكت المشط تسرحه و ذهنها يسافر لآلاف الأفكار و على المنضدة الموضوعة قرب السرير لمعت العلبة الخشبية الصغيرة إقتربت تجلس على حافته تمسك العلبة تظمها بقوة علبة الكحل المزينة بأحجار كريمة نادرة كانت هدية وداع من إبنة عمها الغالية (سمراء) قبل مغادرتها منزلهم لمنزله هو
كم إشتاقتها كم تمنت أتعبها الحنين لكل شيئ غصة البكاء تحرقها تقف كحصن متين على أعتاب صدرها تضيق عليه الخناق بشده ترتعد أطرافها طالبة الرغبة في الإنهيار لبضع دقائق لتبكي لتنوح حضها العاثر قلبها الملتاع
إنهمرت دموعها بلا توقف منذ متى لم تضع كحلا على عيناها وقفت قبال المرآة شعرها الناعم يسترسل و يغطي ضهرها كله عيناها بلونهم الغريب متعبتان من السهر و البكاء أمسكت عود الكحل بيد مرتجفة تمرره على جفونها و رموشها الطويلة لتشكل دموعها خيطا أسود على طول وجنتيها جلست على الأرض تنهار تتذكر أول كلمة قالها لها
: مالون عينيك[أصبحت هشة سرعان ما أبكي
حد ان مواء القطط خلف بابي يبكيني
وصلاحية القهوة المنتهية أسفل القارورة تبكيني
و صوت الطائرة يبكيني
و المعاطف الشتوية على واجهة المحلات تبكيني
حتى اني لم اعد اتكحل
أخشى إن فعلت أن تهتك الدموع السوداء ستر حزني
( ندى ناصر )]
أنت تقرأ
إني أحببتك
Romanceو أظل وحدي أخنق الأشواق في صدري فينقذها الحنين.. و هناك آلاف من الأميال تفصل بيننا و هناك أقدار أرادت أن تفرق شملنا ثم انتهى.. ما بيننا و بقيت وحدي أجمع الذكرى خيوطا واهية و رأيت أيامي تضيع و لست أعرف ما هيه و تركت يا دنياي جرحا لن تداويه السنين فطو...