الفصل العاشر

190 14 5
                                    


تجاهل ماسبق و أخبرني
كم يلزمني من البكاء لأطيب  ؟
و كم من الوقت سأمضي لأتجاوز خيبة كهذه ؟
ما الذي لو فعلته سيعود بي إلى حيث  كنت قبل أن ألتقيك  ؟
سأخبرك أنا 
إني كمن يمشي طويلا ليتجاوز الأرض
أو ينام كثيرا ليستيقض للأبد
أدرك عبثية ما أقول
إنا متعبة و حسب
أصفع وجه تفاؤلي الكاذب
و أحتضن حلمي المذعور
و أصلي ثم أنام
نوم الحالم عبادة
                           ( ندى ناصر )

توقفت سيارة الأجرة قرب باب المنزل نزلت بتعب بالغ صغيرها أسرع يركض لداخل صارخا بفرحة عارمة راقبت السائق ينزل حقيبتها لتدفع الأجرة و تشكره بإقتظاب
أسرعت نجلاء تحتضنها و ترحب بها دخلت لصالة المنزل حيث جلست السيدة زينب فوق احد المقاعد بأريحية إقتربت تقبل كفها و تجول ببصرها أنحاء المنزل لتجد ضالتها تركض مسرعة إليها إلتقفت جسد صغيرتها الغالية تحتظنها بقوة تشم عطر شعرها تتمسك بها كطوق نجاة قبلت وجنتيها المكتنزتين بقوة لتضحك الصغيرة بمرح نظرت الرماس لنسخة المصغرة منها وهمست
: جودائي الغالية يا أمي و أختي
  راقبتها نجلاء و أمها بنظرات حزينة لتتسائل الأخيرة في سرها
: أي مصيبة وقعت على رأسك هاته المرة يا تعيسة الحظ
بدء جواد يحكي اطوار رحلتهم بفرح
:  لقد قابلنا خالي رعد
جلست الرماس لترفع رأسها تقابل نظرات نجلاء إقتربت تجلس قربها تعرف معزة شقيقها بالنسبة لها و كم عانت جراء إنقطاعه في الفترة الأخيرة تذكرت الزيارة المستعجلة منه قبل عدة ساعات مباشرة بعد مغادرة الرماس للمدينة إعتذر مطولا شارحا أسبابه بإختصار آخذ عنوان شقيقته ليلحقها لاكن ملامح صديقتها لا تنبأ بالخير لكزت كتفها لتستدير الأخيرة تاففت نجلاء و عيون صديقتها تلمع صرخت بحنق
: بحق الله ألا تملين من البكاء
  قاطعتها الرماس بهمس ذبيح
:  لقد رئيته 
هزت نجلاء راسها قائلةًً
: أعرف أنا أيضا رئيته لقد زارنا قبل أن يلحق بك
:  ليس رعد
تسائلت نجلاء بهوية الشخص الذي سيجعل لقاء صديقتها به محطمة هكذا توسعت عيناها و هي تسمع الإسم من شفتي رفيقتها
: سيف
بعد مدة كانت الرماس تريح رأسها في حجر السيدة زينب الحاني صديقتها أخذت الأطفال لغرفتهم سامحتا لهم بالعبث بما يريدون
لم تخفي شيئاً عن صديقتها او أمها أخبرتهم بكل أحداث رحلتها الغريبة
عادت نجلاء لصالة المنزل تناظر صديقتها المستلقية بتعب و في يدها تعانق الهاتف تكرر كل دقيقة و أخرى معاودة الإتصال بشقيقها بلا رد
أسرعت الرماس تعدل جلوسها و صوت غريب يجيب على هاتف رعد
: نعم من انتي
: عفوا أنا أتصل بهاتف شقيقي رعد المنذر
نظر الشرطي لرعد القابع منذ ساعات في الزنزانة لو كانت النظرات تقتل لكان ميتا الآن إبتلع ريقه قائلا
: أهلا سيدتي شقيقك رعد محبوس في قسم الشرطة
إرتجفت يدها لتوقع الهاتف أرضا و تجلس على طرف الكنبة تخترع ألف سيناريوا بشع لما يمكن حصوله لشقيقها يا الله هل ؟؟
نفضت رأسها و أسرعت تعيد إلتقاط الهاتف
وقف رعد من مكانه شقيقة واحدة ستتصل به كل هذا الوقت راقب الشرطي يرتبك و هو يكرر النداء
: سيدتي يا مدام آنستي هل أنتي معي هل أصابك شيئ نظر رعد لسيف السارح في ملكوت لا يعلمه الى الله ليقترب من قضبان الزنزانة يعاود لكمها بقوة ليجفل الشرطي و صوت محادثته الرقيق يطرب آذانه
: لما مذا حصل هل اقصد هو تأذى
: لا سيدتي مجرد شجار حامي الوطيس معى رجل آخر 
همست الرماس بخوف هل أستطيع معرفة إسم الرجل الآخر أمسك الشرطي وثيقة سيف يقراها بتمعن
: سيف سلمان الجارحي
أغلقت الرماس الهاتف بعد أن أخذت العنوان الكامل للمخفر و تأكدها أن كلاهما حي نظرة لسيدة زينب تشرح لها وضع أخاها
: هل تمتلكين رقم شخص آخر من أهلك
هزت الرماس رأسها لتسرع لحقيبتها الصغيرة تخرج منها دفترا كانت قد سجلت فيه أرقام إخوتها من هاتف رعد بعد نسيانه إياه و هو يأخذ جواد إلى الحمام أعطتها رقم شقيقها الأكبر محمد و جلست قرب نجلاء تراقب السيدة زينب و هي تجري الاتصال من هاتفها الخاص
: سيد محمد المنذر
أسرعت الرماس تستمع لصوت شقيقها الغالي يتحدث برزانته المعتادة
راقبت نجلاء امها تصيغ كذبة بيضاء كونها عجوز كانت في المحطة و راقبت شجار أخيه معى شخص عرفت أنه من  آل الجارحي
تعمدت ذكر اسم سيف الكامل لمعرفتها بعمق التصدع بينهم
أملته العنوان الذي أعطتها إياه الرماس معيدة تذكيره أن أخاه من أعطاها الرقم سمعت صوت الغالي يتشكر السيدة زينب مرارا و تكرار قبل أن يغلق الخط على عجال
نظرت السيدة زينب ل الرماس الجالسة. قربها على الأرض تبكي حالها و حال إخوتها  و بخبرة سنين طويلة أدركت أنها تبكي حال ذاك الرجل الغريب أيضا 
ناولتها نجلاء كوب ماء و عادت لمكانها تدعوا سرا لرفيقتها الغالية
أشعت الشمس غابت منذ فترة عاد يستغفر و أنامله تلاعب أحجار سبحته
إنهما محبوسان هنا منذ الصباح و ها قد غادرت آخر خيوط شمس لهذا النهار لم يتضايق لبقائه هنا بلا فائدة على العكس كم كان محتاجا لمكان بعيد يجلس فيه لساعات بلا إزعاج
لولا الرعد الهادر قباله أعصابه التي إزدادت إشتعالا منذ إجابة الشرطي على أحد الإتصالات الهائلة التي لم يتوقف هاتف رعد عن تلقيها
يذرع الزنزانة الضيقة جيئة و ذهابا يشتم أحيانا و يستغفر أحيانا ليعاود الصراخ و لكم الحائط أو ركل السرير  بلا فائدة
توقف فجأة و هو يلمح القادم من باب المخفر شقيقه الأكبر محمد بعبائته البيضاء الناصعة ملامحه الهادئة على الدوام
خلفه دخل إبنه الأكبر هيثم من ينظر إليه يقسم على أنه من صلب رعد ليس في الملامح الخشنة أو في ردات الفعل العصبية لاكن في القناعة الباطنية لكل منهما
خلفهما دخل إبن عمه سمير راقب شقيقه يكلم الشرطي بطريقة يفرض فيها الإحترام لشخصه غصبا عن الجميع  سمير الذي إقترب منه يحيه بهدوء و إبن شقيقه الذي أسرع يعانقه حال فتح الزنزانة
لم يكن أمر خروجه صعبا مجرد مشاجرة تافهة في منطقة نائية حفنة من المال و حل الأمر
أسرع رعد يقبل كف أخيه الأكبر الذي ناظره بعتاب بالغ  أمسك اوراقه يعيدهم لجيبه و يزفر بضيق من عدد مكالمات أخته أصوات أخرى شدت إنتباهه نظر محمد لملامح أخيه الغاضبة على الدوام دخول وائل الجارحي زادت من الغضب في عيناه
وقف سيف يحمل معطفه و يعدل من هندامه لا ينكر أنه تفاجأ من حظورهم لاكنه متعب حتى ليفكر يريد المغادرة بأسرع وقت
بعض الأمور توضحت في رأسه وعليه التاكد منها  أمسك محمد ذراع رعد يحثه على الخروج ليقبل عليه وائل يسلم عليه بإحترام رد السلام ليفعل سمير المثل و يبقى إبنه الأكبر و شقيقه واقفان كالتماثيل نظرات والده احرجته أنزل هيثم رأسه يرد السلام بخفوت ليكتفي رعد بهز رأسه بإماءة خفيفة 
في الخارج جلس هيثم في مقعد السائق قربه سمير في حين جلس والده و عمه في الخلف رعد المتكأ على المقعد بتعب واضح محمد ينظر لطريق بشرود  يرغب بتعنيف شقيقه لاكنه ببساطة لا يجرأ أدار رأسه لجهة شقيقه ليقول بخفوة
: هل عليك أن تقاتل سيف الجارحي في كل مكان تلتقيان فيه
: لاتقل إسمه
هدر هيثم بكره واضح ليؤنبه والده بحدة
: تأدب ياولد ولاترفع صوتك في وجود الكبار
عاد يناظر الطريق و إسم الرجل الذي هز هدوء حياتهم يثير فيه رغبة بدائية في القتل كم يمقته ربما لم يتجاوز سنه الواحدة و العشرون لاكنه يدرك كل شيئ و يتذكر كل شيئ من غلطة إبن عم والده الدنيئة لدفع عمته الغالية الثمن عمته الحبيبة كم يشتاقها بئر أسراره و رفيقة طفولته فارق السن الضئيل جعلهم أقرب للإخوة حتى عمه رعد الذي يموت في التراب الذي يمشي عليه تعلم حبه من عمته الراحلة
يذكر حنقه و نفاذ صبره من غضب عمه رعد المتواصل لاكن عمته كانت تجعله يرى الأمور بمنظور ثاني في كل شيئ حتى غادرت يوما بلا عودة إعتذر من والده و عاد ينظر لطريق
: من الجيد أنك أعطيت رقمك للمرأة العجوز
قالها محمد لرعد الذي يقلب الهاتف في يده بشرود رفع رعد حاجبه بتساؤل
: من تقصد
: المرأة التي إتصلت بنا تخبرنا بفعلتك الطائشة
فكر رعد بداخله انها شقيقته تصرفت كعادتها هز رأسه متمتما
: أجل أنا لقد نسيت أمرها تماما
عاد يريح رأسه على المقعد ليهب صارخا
: و إبن الجارحي من أخبره ناظره محمد بهدوء ليقول بصوته المتزن على الدوام
: أنا إتصلت به لا رغبة لنا بالمزيد من المشاكل معهم
ضحكت مرحة من هيثم ليقول
: لقد فادتك أشهر السجن أعجبني مظهر ذاك الشائب
ضربة خفيفة من رعد على رأس إبن أخيه قائلا
: ياولد عمك قبضته قاسية حتى بدون دخوله السجن
ليقول محمد
: لو كنت مكانك لما تفاخرت أنظر للخريطة التي رسمها الشائب على وجهك
ضحك سمير بصخب ليؤكد كلام إبن عمه
: معه حق أخي محمد إبن الجارحي لم يقصر معك يا رعد
همهم رعد بسخرية ليسمع صوت شقيقه يستغقر بصوت عالي

إني أحببتك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن