الفصل التاسع عشر

212 18 9
                                    

لقد اخترقتني كصاعقة
وشطرتني نصفين
نصف يحبك ونصف يتعذب
لأجل النصف الذي يحبك
أقول لك نعم
وأقول لك لا
أقول لك تعال
وأقول لك اذهب
أقول لك لا ابالي
وأقولها كلها مرة واحدة في لحظة واحدة
وانت وحدك تفهم ذلك كله
ولا تجد فيه أي تناقض
وقلبك يتسع للنور والظلمة
ولكل أطياف الضوء والظل ...
لم يبق ثمة ما يقال
غير أحبك !!...
أنت
                        غادة السمان
          ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الرماس
صرخ إسمها بفزع و هو يقترب من مكان وقوعها  الحفرة التي غارت فيها قدم الفرس واقعتا داخلها  لتسقط الراكبة عليها بعيدا عنها بقليل
نزل مسرعا من الحصان و دفعه عدة مرات لينطلق راكضا في طريق أخرى
تأوهت بألم من ساقها و هو يحاول إيقافها قائلا بإهتمام
: أنت بخير هل تأذيتي
هزت رأسها بالنفي و عيناها تناضران الفرس الواقعة
أمسك وجهها بين يديه و مرر نظراته على جسدها الواقع أرضا متأكدا من سلامة كل شبر فيه قبل أن يأخذها في حضنه زافرا بإرتياح
يستمع إلى صوتها المرتعش بإسم الفرس ليبعدها عنه قليلا و يقترب من الحفرة
جثا على ركبتيه و أغمض عينيه من بشاعة الموقف
لقد كسر ساقها و غصون حادة إخترقت جسدها
أمسك هاتفه الغير صالح للإستعمال بعد تبلله كليا
ثم رماه جانبا لعدم نفعه كان سيطلب المساعدة من العم عباس لاكن الآن لا خيار آخر
صهيل خافت جدا من الفرس المتألمة جعلته يمد يده يلامس رأسها
صوت الرماس المرتعش يأتيه مترجيا
: لنخرجها من هنا
لا رد سمعته منه لذا عادت تكرر طلبها بلا فائدة
راقبته يقف و ينزع البندقية الملفوفة في غطاء جلدي من ظهره
توسعت عيناها بصدمة لإدراكها ما سيفعله
: لا أرجوك سيف
إستدار على همسها و لأول مرة بإسمه و إبتسم لجمال الموقف و بشاعته في نفس الوقت
رفع نظره إليها
الشتاء تمطر بجنون و هي تقف قباله ترتعش من البرد شفتاها المترجيتين و نظراتها الخائفة
رفع البندقية بهدوء و نظر إلى الحصان الأبيض الواقع داخل الحفرة حيث لا تزال قدمه تنزف جراء الغصن المخترق لها
أطلق زفيرا خانقا من صدره و وجه الفوهة لداخل الحفرة
: سيف لا
صرختها تزامنت معى صوت الطلقات التي إستقرت في جسد الحصان لتنهي ألمه
لا    لا
عادت تصرخ من بشاعة المنظر قبل أن تندفع نحوه تظرب ظهره بلا توقف
: قاتل كلكم كذا لك  تبا لك سيف الجارحي لينتقم الله منك
نظرت نحو الحفرة حيث قابلتها العينان الكبيرتان الشاخصتان في الفراغ و الحفرة تمتلئ بالدماء
جثت على ركبتيها تفرغ أحشائها نافرة من المنظر
شتم بخفوت و هو يقترب منها ممسكا بذراعها
: الرماس هل أنت بخير  راما
عند الهمس الأخير دفعته بعنف بإشمئزاز صارخة
:إبتعد عني لا تلمسني لا تقل إسمي أصلا قاتل تبا لك
رفع رأسه لسماء على الشتاء البارد تطفي غضبه من مصيبته النائحة قربه لاكنها عادت تظرب كتفه بوهن شاتمت إياه و كل فرد من عشيرته
: كيف فعلت هذا
: لم يكن أمامي خيار آخر
توقفت ناضرة إليه بصدمه
:طبعا لاخيار إلا القتل نأسره نلهو به قليلا ثم نقتله
أنت وكل
:لست أنا من فتح المقصورة اللعينة
قاطعها بغضب أخرسها ثم أكمل
: و من أخبرك أني راض بوجودك في حياتي
توسعت عيناها من هجومه المباغت
:أتضنين أني سعيد بالعيش معى قتلة أخي
: لم أقتله لست قاتلة أنا لاذنب لي
: و ما ذنبي أنا
ترنحت في وقفتها و ما زاد من ألمها أنه لم يمد ذراعيه ليلتقفها كالعادة بل تركها تجلس على ركبتيها أرضا و من علوه إستمر
: توقفي عن كونك المضلومة الوحيدة هنا لدي تحفضاتي أيضا لاكن هل تريني أنوح و أشكي و ألوم الكون كله على حياتي
لم تضن يوما أن قطرات المطر عنيفة و قاسية هكذا لاكنها اليوم تعرف قسوة المطر و قسوته
جسدها يزداد إرتعاشا و أمعائها تتلوى بألم
رفعت وجهها الباكي إليه و هي تهمس
: لم أقصد أنا
إقترب منها أكثر و هاته المرة لم يكن لها القدرة لمجادلته النظرة تصبح أكثر ضبابية و كلماته المهدئة تأتيها مشوشة جدا
همس إسمها و هو يمسك جسدها  الذي إنهار بين ذراعيه فاقدة الوعي
                 ~~~~~~~~~~~~~~~
أيها الغريب 
حين أفكر بكل ما كان بيننا
أحار..
هل علي أن أشكرك ؟
أم أن أغفر لك؟
                ~~~~~~~~~~~~~~~
ألم فضيع  شعور بغيض  أحاسيس سيئة كوابيس كثيرة جعلتها تشهق بعنف و تفتح عينيها
هاته غرفتها الضلام حالك ليست مبللة مهلا من ألبسها هاته الثياب
بدموع لا حصر لها صرخت
: أمي  ماما ماما
غير قادرة على التحرك من مكانها و وهن غريب يجتاح خلايها دفعت ما كان موضوع على الأباجورة قربها ليدوي صوت تحطم في الغرفة و صوتها يزداد نحيبا عند تذكرها ما حصل
: أبي أمي يا الله ساعدني
صوت الباب الذي فتح و الأقدام المهرولة إتجاهها جعلتها ترتمي في حضن أول شخص إقترب منها
العمة التي شدت على حضنها و هي تلهج بدعاء صامت
تبكي و تشهق بحرقة منادية أمها متوسلة الجميع لأخذها إليها
: أريد أمي أرجوكم أعيدوني إليها أبي سأموت إلحقني
دموع شهد تغرق عينيها و هي تتذكر الجلبة التي أحدثها الحصان و صوت إطلاق النار من الغابة
العمال الذين أسرعوا لتمشيطها و البحث عن الضائعين داخلها
مظهر سيف الذي يحمل الرماس كجثة هامدة بين ذراعيه رافضا المساعدة لإدخالها للمنزل
واضعاإياها داخل حوض الإستحمام المملوئ بالمياه الساخنة طالبا من والدتها إكمال ما بدأه
و الآن و هي تشهق بطريقة تؤلم القلب في أحضان أمها المعانقة لها بقوة
إقتربت أكثر تجلس على الأرض قرب السرير تمد يدها و تمسك يد الرماس النائحة
                    ~~~~~~~~~~~~~
صوت العامل يخبره أنه تم دفن الفرس و أفضل مافعله هو القتل الرحيم لها ثم يشرح حجم الإصابة الهائل لقدمها و بطنها و إستحالة نجاتها
كل هذا يعرفه و يدركه ما لا يعرفه هو الحل معها
أفكاره كلها عندها هي مذا دهاه ليقسي عليها في الكلام و هو يدرك حجم هشاشتها
يطمئنه عقله الغاضب منها  بأن لا خيار آخر لا كن قلبه الملتاع عليها يرفض ذالك تماما
بخطوات متمهلة صعد الدرج إلى غرفتها بعد حمام ساخن و أكوب قهوة عديدة
فتح الباب بهدوء
زفير غاضب منه و من مضهرها تكاد تختبأ داخل زوجة عمه و إبنتها تمسد خصلات شعرها التي ماتزال مبتلة
رفعت العمة رأسها إليه ثم أزاحت رأس النائمة من حجرها بهدوء و تقف قباله إبتسامتها الهادئة المتعاطفة معه و ربتت خفيفة على كتفه ثم غادرت لتلحقها إبنتها بعد أن طبعت قبلة حانية على جبين النائمة
إتكأ على السرير ساحبا إياها قربه غير آبه بإعتراضها الواهن يده تمسد ضهرها بخفوت و فكره شارد في البعيد
                 ~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كأن يديكَ المكان الوحيد، كأن يديكَ بلد.. آهِ من وطنٍ في جسد .
               ~~~~~~~~~~~~~~~~
رائحة مألوفة تزكم أنفها ذراعان تشتدان على جسدها المتعب المتخشب
حركت نفسها بوهن لتبتعد عنه جاعلتا إياه يستيقظ من غفوته سائلا بصوته المتحشرج
: أنت بخير
نظرت إليه عدت دقائق بلا رد  و عند تأكده من عدم ردها وقف مغادرا بلا أي إضافات
               ~~~~~~~~~~~~~~~~~~
ها قد عادت لتلك القوقعة مجددا
و حتى السطح منعه عنها المطر الذي يتساقط بلا توقف هاته الأيام
أمسكت كوب الشاي الذي قدمته لها شهد و عادت إلى حضن العمة التي تعانقها و هي تلاعب خصلات شعرها
إنطفئت عيناها و عاودت إلتزام الصمت الضحكات الخافتة جراء الفلم الذي يعرض جعلها تبتسم بلا روح قبل أن تعتذر صاعدة إلى غرفتها محاولة أخذ قسط من النوم
                  ~~~~~~~~~~~~~~~
فتحت عيناها ببطئ و جابت أرجاء غرفتها الصغيرة لا يزال الضلام يسدل جناحه في الأرجاء
إرتدت خفها البيتي و تحركت إلى الأسفل
الهدوء يعم المكان و صوت الرياح موحش للغاية 
فتحت باب غرفة العمة و إبتسمت و هي تراقب وجهها النائم و في غرفة شهد شدت عليها الغطاء الهارب جراء نومها المتقلب و غادرت
عند باب غرفته وقفت لوقت طويل قبل أن تدفع الباب و تدخل
بإستغراب شديد من سريره المرتب خطت إلى الداخل و إرتمت على الفراش
تفكر في كل شيئ و في اللا شيئ التعب الذي نال منها جعلها تغمض عينيها و ترحل في نوم عميق
لأول مرة تزور عائلتها في حلم جميل لا تصحبه الكوابيس البشعة إبتسامتها تتسع و عيناها تنفتحان ببطئ مدركتا أنها تتوسد صدره العريض  قبل أن ترفع رأسها لتقابل عيناه المراقبتان لها
لعدة ثواني إستمرت تحدق به فقط و لأول مرة تمرر نظراتها على تقاسيم وجهه جبهته العريضة أنفه المستقيم عيناه الهادئتان و شعره المبعثر
لا تعرف ما يجب أن تشعر به الآن أتعتذر أو تتمسك بكبريائها المجروح
لذا أعادت رأسها إلى صدره الرحب تدفنه هناك و تهمس بصدق
: انا لا أكرهك
نفسه خرج من رئتيه كتنهيدة حارقة مذا سيفعل معها كيف سيتعامل معى تصرفاتها التي تقوده للجنون عزوفها عن النظر إلى وجهه حتى أنهته اليوم بنومها في غرفته بلا إكتراث له
مد يده يرفع ذقنها و يطالب منها تكرار ما قالته
رغم جرحها البالغ من كلماته القاسية لاكنها كررت بهمس
: أنا لا أكرهك رغم أنه علي ذالك
إبتسامة واسعة انارت وجهه المتعب ليقول
: و لما عليك ذالك
هزت كتفيها بلا رد و شردت لعدة ثواني ثم همست
: لا أدري أعتقد أنه من المفترض هذا
وجهه الذي إقترب منها أكثر مستنشقا عنقها و لاثما له عدت مرات ثم يريح جبهته على خاصتها محدقا في عينيها الباهتتان
: ليس عليك ذالك صدقيني لست مظطرة لكرهي
يدها الدافئة حطت على وجنته الخشنة لتقول
:آسفة بشأن الفرس
أمسك يدها يقبل راحتها قائلا
:كل ما يهم هو أنت فداكِ ألف فرس
إبتسمت بوهن بصدق و راقبته يقترب منها أكثرا مقبلا شفتيها بإنقطاع
هاته المرة لم يكن لها نية في الهرب أو الإبتعاد عنه أراحت يديها على كتفيه سانحة له بالغرق فيها أكثر
يديه تسافران على جسدها تلامسان كل مايمكنه في حين تجوب شفتيه كل إنش فيها
تدفن رأسها في عنقه و تغرس أضافرها في ضهره و يستقبل صدره العاري صرختها المتألمة
                  ~~~~~~~~~~~~~~
‏"لقد عشت معك شعور أول مرة من كل شيء وهذا يكفي لأتذكرك دائمًا."
                    ~~~~~~~~~~~~~~

إني أحببتك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن