الفصل الثالث عشر

228 13 4
                                    

نحن الطيبون جدًا بدافع الفطرة ..
المتسامحون كثيرًا بدافع الخوف ..
المتغافلون بدافع العيش ..
المتأمّلون بدافع التفاؤل ..
المغفّلون بدافع الثقة ..
المتردّدون بدافع الحذر ..
يحين علينا لحظةً حاسمة ..
لا نعود بعدها كما اعتادوا أن نكون ..
نصحو من سبات سذاجتنا الشتويّ بفزعٍ مفاجىء ..
لا مُبرّر له بالضرورة سوى التشبع ..
كتلميذٍ متفوق تأخر في نومه عن الامتحان ..
نسارع في الثأر لـ كرامتنا بشعرٍ منكوش ..
وقميصٍ مُجعّد !
            ~~~~~~~~~~~~~
أسندت الرماس رأسها على السور الخشبي
أيعقل أن للريف هذا السحر الهائل
أشعة الشمس تعويذة خرافية و رائحة أشجار الليمون قصة أخرى
الأعشاب البرية و الأصوات الساحرة ل الطيور المحلقة تجعل الروح تهدئ بشكل عجيب
صحتها تحسنت خف الألم و إلتأم الجرح
بعضها وليس كلها داخلها لا يزال يصرخ
لم و لن تنسى يوما ما حصل
ماتعيشه هاته الأيام و منذ قدومها إلى هنا قد يراه البعض تلبد لا كنه في الحقيقة راحة نفسية و هذا أمر عجيب بالنسبة لها توقفت عن البكاء و النواح في سابقة من نوعها
ربما لاتزال متباعدة شاردة متعبة باهتة كما لم تكن يوما لاكن أهدأ نفسا و أكثر تقبلا
جالسة أرضا في الفناء الخلفي للمنزل إبتسامتها تتسع و هي تراقب شهد تطعم بعض الدجاجات و تركض خلفها معيدة إياها لخمها
هاته المزرعة مبهرة الجمال
المنزل بطابعه القديم مكون من طابقين
مصنوع من الخشب على النمط الريفي الدافئ تسنده أعمدة خشبية ضخمة و تعانقه الطبيعة من كل جهة مع نغمات ألوان وتفاصيل دافئة تعطي أناقة خلابة
الحديقة الخلفية بتفاصيلها الجمالية عفوية و غير مخطط لها تبعد التفكير عن عقلها مؤقتا
تحركت من مكانها تلامس شجيرات الورود المتفتحة بعدة ألوان تختار بعضها لقطفها كباقة تزين بها مائدة المطبخ في عادة إكتسبتها مؤخرا
ل شهد طاقة إيجابية عالية لاكن ما باليد حيلة الأمر خارج عن طاقتها
لكم ترغب في مشاركتها ضحكاتها الصاخبة و تصرفاتها المجنونة لاكن الله وحده يعلم ثقل الغصة التي توجع قلبها
نظرت برضا للباقة بين يديها و تحركت لداخل المنزل
صوت السيدة نادية الخافت جعلها تتوقف عند الباب
إذا هو هنا
منذ وصولها و إحضارها إلى هنا لم تحتك به هي لم تغادر غرفتها و هو لم يضهر بالجوار تدرك أنه يشغل الغرفة في الطابق السفلي و تدرك أنه شديد الإنشغال في المزرعة ماتكاد قابلته إلا بضع مرات مصادفة
صوته المتزن يأتيها محادثا عمته
: دعيها عمتي هذا من حقها
: أعرف بني الأمر فقط أني خائفة أخشى عليها من كثرة إنعزالها
إنكمشت على نفسها وهي تدرك أنها محور الحديث
عاد صوت سيف الخافت يتسلل إلى أذنيها
: بعض العزلة دواء يا عمة راحة مؤقتة لكل نفس متعبة إعادة شحن لروحنا
: أليست هروبا من الواقع
: بل هو تعود و كل ما كان الأمر صعبا و مؤلما كانت فترة تقبلنا له أطول يا عمة و الرماس نزعت من عالمها و وضعت في عالم آخر لذا دعيها لديها كل الوقت الذي تحتاجه
إتكأت على الحائط و أرهفت السمع للحوار المؤلم لقلبها لكم غريب أن يختصر أحدهم ما تسكته الدموع كلما حاولت الحديث عنه
حتى صوت الخطوات المغادر ما إستطاع تحريكها من وقفتها حبست أنفاسها من وقفته القريبة منها ما رفعت رأسها و ما عرفت معنى نضراته لها
عند باب المطبخ وجدها تتكأ على الحائط تمسك بين ذراعيها حزمت ورود كانت سابقا تنافسها جمالا
و الآن عيناها الفارغتان و رأسها المنحني يبعد الصورة السابقة آلاف الأميال
تحركت من أمامه مبتعدة لاكن صوته الآمر أوقفها
:لا أريد رؤيتك في الخارج مجددا بلا غطاء رأسك
       ~~~~~~~~~~~~~~~~
تحركت من مكانها تضع الوشاح الصوفي على كتفيها و تخرج من الغرفة
نزلت الدرج الخشبي بهدوء و إبتسمت في وجه السيدة الحنون التي أسرعت إليها
:الرماس إبنتي هل تحتاجين شيئ
إبتسمت و هي تجيب
: لا عمتي أنا فقط أردت المشي قليلا
: في هذا الوقت
ظهر الرفض واضحا في كلام المرأة الأكبر سنا لاكن الأخيرة عادت تطالب برجاء
: عمتي الجو يفتح النفس
لانت ملامح الأولى لتقول بعد تفكير
:حسنا فل يفتح نفسك جيدا لأنك ستأكلين كل ما طبخته
إتسعت إبتسامتها و هي تهز رأسها بالموافقة قبل أن تغادر
شدت على الوشاح حولها و النسيم البارد يضرب وجهها بقوة تمشت في الحديقة الصغيرة للمنزل
و من نافذة المطبخ لوحت السيدة الكبيرة لها مشيرة ألا تبتعد كثيرا منظر الأم و صوت شهد الضاحك يقتلها حنين تتذكر كيف كانت كانت للأسف مثلها
جلست الرماس على صخرة كبيرة قرب مدخل الإسطبل لقد مشت حتى آلمتها قدميها إبتسامتها تتسع و هي تسمع صهيل الخيول خلفها
: مساء الخير
الصوت الهادئ أجفلها بشدة صرخت بفزع و هي تقف متعثرة لتلتقفها يدي سيف الواقف قربها
:إنتبهي
قالها و ذراعيه تسندانها لتقف بثبات أبعدت ذراعيه بعنف و هي تدمدم
: بحق الله من أين ظهرت لما لم تصدر صوتا
:صدقيني فعلت أنت من كان في عالم آخر
نظراتها الغاضبة تقابلت معى عينيه المبتسمتين لتقول من بين أسنانها
: إنها فسحة خصوصية يا سيد
رفع سيف حاجبيه و هو يقول
: هل يمكنك إيجاد مكان آخر بعيدا عن مدخل العمال
إلتفتت حولها بإرتباك قبل أن تتنحنح بحرج و هي
تجيب
: حقا لاكني لم أرى أحد
: أكذب
: لم أقصد لاكن حسنا لم أعرف طريق العودة
رفعت رأسها على وقع ضحكته العالية و التي هدئت على منظرها الممتعض
: لا بأس لدي عمل في الداخل أكمله و نذهب معا
تحرك بضع خطوات ليستدير متسائلا
: هل تأتين
: و العمال
إبتسم قائلا
: أنا لم أرى أحدا
بخطوات متمهلة متراجعة تبعته لداخل الإسطبل
:سبحان الله
همست لنفسها و منظر الخيول الرائعة الجمال يخطف الأبصار
إقتربت من إحدى المقصورات لتمد يدها تلامس رأس الحصان الذي علا صوته مبتعدا بعنف رافسا باب المقصورة عدة مرات
تراجعت بخوف من منظره الذي جعل سيف يقترب ممسكا اللجام مهدء إياه
راقبت الرماس الموقف بوجل قبل أن يستدير سيف إليها قائلا
: لقد تم ترويضه حديثا لم يتعود على البشر بعد
: آسفة ضننته لن ي
قاطعها بهدوء
: لا بأس عليك لا تخافي
: لست خائفة
: واضح
قالها و عيناه تتوقفان على يديها الممسكتان للوشاح بقوة قبل أن يردف
:تعالي سأعرفك بآخر لا يعاني من مشاكل معى البشر
تبعته حيث دخل إلى مقصورة أخرى عند الزاوية
و هناك راقبته يمشط شعر الفرس ناصعة البياض قبل أن يستدير إليها قائلا
: أميرة أعرفك إلى الرماس
رفعت عيناها إليه تلك الطريقة التي همس بها إسمها لن تفارقها يوما
كررت الإسم بإبتسامة واسعة
: أميرة
: ليكون ماعجبك
:لا إطلاقا يليق بها
: إقتربي
إستجابت إلى أمره مقتربتا أكثر منه و من الفرس الواقفة بهدوء
ناولها سيف المشط لتمسكه بفرح و تبدأ تمشيط الشعر الأبيض الطويل
لطالما فعلت هذا معى والدها و شقيقها الأكبر الأمر يجري في دمها و كم أسعدها سابقا أحزنها حاليا
أطلقت تنهيدت طويلة من فيض الذكريات حتى ماضنته تافها و مكررا له طعم خاص الآن
و قبالها راقبها سيف بتمعن لا ينكر أنه تفاجأ من إستجابتها له لقد تعود على إنعزالها و نظراتها اللائمة خاصة له
أما مبادلته الحديث أمر آخر صوت الحصان الهائج جعلها تتوقف عن ما تفعل قائلة
: إنه جامح سيكون صعبا ترويضه
: لا بأس كان هناك من هو أجمح منه
رده البسيط جعلها تجيب بشيئ من القسوة
: طبعا و هل هناك أسهل من نزع شخص من بيئته و حياته لجعله كما نريده نحن
: إنه حيوان وليس شخص
: لكم غريب كم يتشابه البشر و الحيوانات في بعض الأقدار
رفع نظره إليها تتحدث عن نفسها الآن بالتأكيد
وضع ما كان بيده أرضا ثم إستدار إليها
: لنعد للمنزل
رمت المشط أرضا و سبقته للخارج بخطوات سريعة شهقت بعنف و هي تصطدم بكتف شاب كان يحمل بعض الأغراض
: آسف يا سيدة لم أنتبه آسف
نظرت الرماس إلى الشاب المعتذر بسيط المظهر على أعتاب الشباب نظراته موجهة للأرض بإحراج
:منير
إستدارت إلى سيف المقترب منهم و الذي نظر بتسائل لشاب الذي سارع بالقول
:آسف ياشيخ لم أعرف أنه لديك مرافقين
: لا مشكلة لما كنت تركض
: لقد وصلت عربة العلف و العم عباس يسأل عنك
: حسنا قادم ورائك
كرر الشاب إعتذاره ل الرماس قبل أن يغادر راكضا
: تعالي لأدلك على الطريق
لم تعطيه أي رد بل سمحت له بالمشي قبلها لتلحقه بخطى ثقيلة نظراتها توقفت على الجلبة عند المدخل الكبير للمزرعة
و من خلف ضهره العريض تسائلت
: كم عدد العمال هنا
:حوالي سبعة
إجاباته هادئة مختصرة بطريقة تغضبها تفضل لو كان شريرا على الأقل ستكرهه بضمير مرتاح لاكن الإهتمام الصادق في عينيه لا ترتاح إليه إطلاقا
تجاوزته مسرعة حين لمحت أضواء المنزل و عند الباب قابلتها أم شهد و الضيق واضح على وجهها
: رماس بحق الله أين كنتي
:آسفة عمتي كنت في الجوار
ما كانت ستقوله العمة بقي في حلقها حين لمحت سيف يلج خلفها
بإبتسامة واسعة رحبت به و هي تشد الرماس من يدها لداخل المنزل
: لقد أعددت لك مائدة تنسيكي نفسك بسرعة إغتسلي و نحن في إنتضارك
صوت شهد الصارخة من المطبخ جعل والدتها تقلب عينيها بلا فائدة
: بسرعة راما سأموت من الجوع
على المائدة المتوسطة جلست بهدوء تقلب محتوى الصحن بشرود
شهد بتسائل
: راما لما لا تأكلين
وضعت الملعقة جانبا وهي تقول مبتسمة
:لا شيئ أنا فقط لست جائعة
وقفت من مكانها تتمتم بتحية خافتة قبل أن تصعد لغرفتها تشيعها نظرات العمة الحزينة
           ~~~~~~~~~~~~~~
ليلتها جافاها النعاس طويلا تسائلت كيف سيكون شكل حياتها في المستقبل و هل ستتقبل هاته الحياة يوما و ماعساها تفعل غير هذا
أمر آخر يمنع نومها الكوابيس التي أصبحت رفيقها الدائم كل ليلة تعيش فيها ذكريات متكررة خاصة إمرأة تطاردها بسكين تحركت من سريرها بإرهاق من الجيد أن شهد لم تمانع طلبها غرفة منفصلة متأكدة أن تململها طوال الليل لن يمنع الأخيرة في النوم لاكنها ستطرح أسئلة لا إجابات لها
غادرت الغرفة متجهة للمطبخ علها تجد مسكن للآلام
قطبت حاجبيها من الأضواء المشتعلة هذا الوقت الرابعة فجرا من عساه يكون
بخطوات خافتة وقفت عند باب المطبخ و الذي تلعب التفاصيل الخشبية الدافئة دور كبيرا فيه من الأرضية إلى الجدران
رائحة القهوة غزت أنفها بقوة إبتسمت بلا وعي
ضهر عريض قامة مديدة و كأنه الغالي رعد في إحدى نوباته الغريبة إستدار على مهل لتتجمد إبتسامتها على شفتيها
ها هي تعود مجددا و تكسر القاعدة بوقفتها هنا
إرتباك ملامحها و إرتعاشت شفتيها جعلته يضع ما بيده قائلا
: أنت بخير
هزت رأسها بلا معنى و إستدارت لتغادر
: لا تستطيعين النوم
توقفت مكانها غير قادرة على تجاهله و العودة إلى غرفتها هالة الهدوء و السكينة المحيطة به تمنعها عادت خطوت إلى الخلف و رفعت رأسها إليه الهالات السوداء تحت عينيها كانت جواب واضح
إقترب من المائدة المتوسطة للمطبخ و سحب أحد الكراسي
إلتقت نظراتهما لبضع ثواني و بلا وعي منها إقتربت لتجلس بهدوء و تراقبه يخرج بضع علب من الأدراج وضع إحداهم أمامها و أرفقها بكوب ماء
مدت يدها تقلب العلبة بيديها بذهن شارد
دقيقة أو دقيقتين مرتا ليضع قربها كأس تصاعدت أبخرته حاوطته بيديها تقتبس بعضا من دفئه
تأملها الطويل للكوب قاطعه صوته القائل
:شراب مهدئ للأعصاب مصنوع من نباتات تنصح بها عمتي
عادت تهز رأسها بلا معنى و برودة غريبة تسيطر على أطرافها
:إشربي قبل أن يبرد
كالمنومة تماثلت لأمره قربت الفنجان من فمها و إرتشفت بعضا منه مغمضة عيناها بإرتياح
: كيف حالك
سؤاله الخافت قابله صمت طويل منها أنهاه هو بسؤال آخر
: كيف تشعرين الآن
وضعت الكوب من يدها و حدقت فيه مطولا قبل أن تجيب بهزة كتف و بضع كلمات باهتة
: لابأس الأيام تمضي
هز رأسه قائلا
: طبعا كل شيئ سيمضي
:هل أعددت القهوة في هذا الوقت
نظر إليها بإستغراب لاكنه سرعان ما إبتسم مجيبا بإيمائة خفيفة
: ألا تستطيع النوم أيضا
:لا أنا مسافر الآن
رفعت رأسها إليه متسائلة
: هل ستعود إلى هناك
: طبعا لقد أطلنا البقاء هنا
إرتعاش يديها جعل الكأس بمحتواه الساخن ينسكب
أسرع هو يمسك يدها لتقف مبتعدتا عنه قائلة بإرتعاش
:لن أعود ...مستحيل
عاد يمسك يدها ساحبا إياها واقفا قرب الحوض
عيناها تراقبان الماء البارد ينسكب بغزارة كالذكريات السيئة في ذاك المنزل
أنفاسه التي تلفح رقبتها أرسلت داخلها رعشة خفيفة
إستدارت إليه تقابله بنظرات خائفة و وقفتها المحتجزة بينه و بين المطبخ زادتها إرتباكا
راقبته يمسك المنشفة يلفها على يدها قبل أن يقول
: أتنوين البقاء هنا إلى الأبد
: أتمنى
همسها الخافت صادق مؤلم قابله كلماته الهادئة
:لا يمكن هذا
قاطعته بخفوت
:أعرف لاكني بدأت أشعر ببعض الراحة
مد يده يرفع وجهها إليه عيناها الجميلتان لانتا و هو يقول
:بضع أيام أخرى لاكن سنعود لابد من هذا

إني أحببتك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن