تعارف

14 3 1
                                    

       غاص كلاهما في نظرات الآخر ، إرتعش قلب قدر و ضعف كيانها أمام عيون محمود كأنما رأت ملاكا ، ثم دق الباب فجأة لينهي تلك اللحظة التي اوقفت الزمن لكليهما و نهضت لتفتحه  لتفاجئ بقروم الوالدني محملين بالأكياس ، فساعدت أم محمود التي إزداد تعلقها بها فقد صارت تعتبرها بمثابة إبنتها ، و حضرا معا ألذ الأطباق و أشهاها لأنهما عزمتا نساء الحي فرحا بقدوم محمود .
و ما إن إلتمت النسوة حتى صرن بعضهن يشكر قدر على الأكل اللذيذ الذي تعبت و هي تعده بينها أخريات كن مشغولات في نشر النميمة إذ نعتنها بالتي لا أصل لها و ما إن وصل هذا الكلام الجارح إلى مسمع قدر حتى كساها الشجون و عبس وجهها فإنسحبت من بينهن و إنزوت في سقيفة المنزل تذرف الدموع و إلى جانبها دفترها كالعادة تدون عليه ذكرياتها السيئة .
    لاحظ محمود إختفاء قدر فبحث عنها ليجدها تجلس مهمومة و عيونها محمرة من شدة البكاء و عندما رأته صارت تخفي وجهها  عنه و تسأله عما إذا كان يريد شيئا يأكله أو يحتاج أحدا ليغير ضماداته فأجابها ضاحكا : يا قدر ما بالك تصرين على إظهار الفتاة الجيدة أم أنك تشفقين علي ! تجاهلت سؤاله لتجيبه بسؤال أخر هل أنت بحاجة لأحد يشفق عليك أيها الثور ! ثم إنتبهت لما قالته و وضعت يدها على فمها بحركة عفوية اثارت إعجابه و لكنه تفادى إحراجها كثيرا فسألها عن هواياتها لترد حتى بدون تفكير و إبتسامة عريضة على وجهها : الكتابة . فلاحظ تورم وجهها و ما إن سألها عن السبب صارت تتجاهله و تنظر إلى الأزهار مرددة أنها تحب الحمراء و تمقت ذات اللون الأصفر كما انها تفضل سماع الموسيقى الهادئة و تحب الليل أكثر من النهار . فإكتفى بالنظر إليها تتحرك من زاوية إلى أخرى تردد على مسامعه ما تحبه و ما تكرهه و كأنها الطريقة الوحيدة ليتعرف على ما تخبئه بداخلها من مكنونات . ثم إنتبهت الى نفسها و اعتذرت منه قائلة: لقد هذيت كثيرا أعذرني إن أصبتك بالصداع ،و لكنني أريد أن أعرف ما تفضله أنت. فضحك مجددا و أخبرها أن الزمن سيفعل ذلك ثم أضاف أنه الورود الصفراء له و هو يحبها كثيرا ،فبادلته الضحكات و ظلا معا قرابة الساعة تحدثه عن الكتابةو هو يخبرها عن معاناته في التجنيد .
و قطع حديثهما أبو محمود بإنضمامه إليهما و صار هو الأخر يخبرهم عن ذكريات شبابه و كيف تعرف على أم محمود و كأنه  أدرك أن قلب إبنه نبض حبا لقدر . حينها شعرت المسكينة و كأن قدرها إبتسم أخيرا لها فقد حظيت بجو العائلة . و إعتادوا هم أيضا على عيشها معهم. و مر شهران على تواجدها بالمنزل حيث كان الوالدان يعتنيان بها و هي لم تتخلى أيضا عن واجباتها فقد كانت تطبخ لهم و تنظف بكل مودة حتى أنها صارت تشاركهم الحديث كثيرا و صار سطح المنزل مكانها المفضل أين تخلو بنفسها فتدون كل ما يتبادر إلى ذهنها من أفكار. و صارت تتشارك العديد من مواضيع الحديث مع محمود حتى تعود على صوتها و طاقتها المفعمة بالإجابية، و هب هو أيضا لمشاركتها  أسراره التي عجز عن إخبار والديه بها ، صارت صديقته رغم أن والدته مصرة على أن يناديها:  أختي قدر .
تعافى محمود و صار بإمكانه الحركة دون الإرتكاز على أي شيء ، و لكن قلبه الطفولي دفعه لإختبار مدى إهتمام قدر به خاصة و أنهما كانا لوحدهما بالمنزل ،وقف إلى جانبها يعلمها كيف تقطع الخيار كوالدته فجرح إصبعه عمدا ثم سقط أرضا. و هو يدعي أنه لا يستطيع المشي فذعرت المسكينة و صارت تبكي و هي تمسك به و تردد : هل أنت بخير ! حرك ساقك طمئني ! ما به إصبعك ! دعني اجلب عدة الإسعاف كي أضمده و هل تريدني أن أطلب والدك  ! فنظر إليها و هو يتألم مدعيا البكاء و الصراخ فضمته إليها و هي تبكي ، لم تكن تدري ما عليها فعله ثم ضحك محمود من ردة فعلها و اخبرها أنه بخير فدفعته بعيدا عنها و لتخفي خجلها هرعت إلى جلب ضمادة و وضعتها على إصبعه ثم أمسك بيدها و اخبرها أنه أحس بشيء غريب يختلف عن العادة و لكنها ذكرته أنه عليهما إعداد طعام الغداء للوالدين قبل قدومها و ذلك لتغيير مجرى الحديث ، ثم أضاف هو قائلا : هل لاحظت شيئا غريبا في والديا يا قدر ! صارا يخرجان معا كثيرا و قليلا الحديث هاته الأيام ! اتظنين أنهما على مايرام ! فأومأت برأسها أنها لاحظت نفس الشيء و لكنها إحترمت خصوصياتهما فلم تتجرأ على سؤالهما.

سقطة سرمديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن