شتات ثم لملمة 1

16 2 0
                                    

      رسالة قدر للوالدين :
  أبي ، أمي لا أعلم إن كان سيشرفكما أن أنعتكما هكذا بعد الأن أم أنكما ستكونانين غاضبين بسببي .
خاصة أنت يا أمي قد وضعت كامل ثقتك في ، جعلتني في مكانة إبنتك حتى أنك فضلتني على إبنك فلذة كبدك في الكثير من المواقف ، أخذتني إلى حضنك و أنا في أشد ألامي. كنت الوحيدة التي إستمعت إلي بتأني و دون إصدار الأحكام علي . فأنت أيضا إمرأة و ذات قلب مرهف حنون ، أطعمتني و ألبستني ، حميتني و دافعت عني و جعلت لي مكانة خاصة لم أكن أطمح حتى بالوصول إليها و لكنني خذلتك ، كذبت و خنت عهودك ، فأنا أحببت إبنك ، أحببته  فتغلغل إلى أعماقي و جعلني أسقط بداخله أيضا .. سقطت سقطة سرمدية لا بداية و لا نهاية لها ، الأن صرتي تعلمين لما كنت أتحاشى التكلم معه و النظر إليه أمامك ،كنت أخاف أن يدق قلبي فتفضحني عيوني العاشقة و تخرج مني كلمات حب و هيام فأخسر رضاك  . الأن لا يمكنني التواجد معه بنفس البيت  بعدما أخبرته أنني فقدت أعز ما تملكه الفتاة و أخجل من مواجهتك بكل هاته الأسرار التي أخفيتها عنك ، لا أعلم وجهتي الأن و لكن أرجوك يا أمي سامحيني و إبقي إلى جانب محمود ، فهو بحاجة إليك الأن .
      وضعت أم محمود يديها  على رأسها بعد أن قرأت ما كتب على الرسالة ، فقد ذهلت مما حدث و سارعت لتكلم إبنها الذي لم يجب على هاتفه ، و لم يكن أمامها حل إلا الصبر و الصلاة .
كانت تدعو الله أن يحفظ كلاهما في حين أن أبا محمود سأل عنهما في كل الأماكن المحتملة و لكن للأسف لا يوجد خبر عن الإثنين ؛ و بعد إنقضاء يومين قدم محمود إلى المنزل في ساعة متأخرة بحالة يرثى لها ، كان مخمورا يترامى على الدرج يحاول لملمة شتاته و إسترجاع توازنه ، و ما إن فتحت له والدته الباب صار يصرخ : أين هي يا أمي أنا أحبها أين هي ! تعالي يااا قدر أرجوك أنا ضائع تعالي ..
صفعته والدته ليستعيد وعيه فهي كانت تراه بتلك الحالة لأول مرة ، تجرد من شخصية محمود العاقل التقي ليقابل والدته بصورة محمود العاشق المدمر فأخبرته ببرود لقد ذهبت ألا تعلم ! اااااه إن كنت ترد على إتصالاتك لكنت عرفت في الوقت لتلحقها يا غبي . و لكنك إخترت الهروب لتأتيني بهاته الحالة ، لم أربك لتكون جبانا يا محمود إنهض و لملم نفسك و لا تظهر أمامي قبل أن تستعيد وعيك كليا ، أريد الحديث غدا مع رجل و ليس رضيع.
      نام تلك الليلة باكيا ثم  استيقظ  باكرا يصلي الفجر و يدعو الله أن يغفر له خطاياه التي إرتكبها ،ثم جلس ليرتاح فلمح ذلك الكتيب على مكتبه فأخذه و صار يقلب صفحاته بألم ، جعلته قدر يقرأ ما بين السطور و ما إن وصل إلى الصفحة الأخيرة حتى إنتبه إلى أن الحبر الذي كتب عليها جديد تلك كانت لتصبح أخر رسالة منها له :
حبيبي محمود الذي لم أنعته يوما بهذا الإسم رغم أنني قضيت سويعات عديدة في غرفتي أتلفظه بيني و بين نفسي ،ترددت مرارا في أن أخبرك حقيقتي للسبب الذي رأيته اليوم ، كنت أخشى ردود فعلك ، خفت أن أخسرك ، أتمنى أن تتغير نظرتك قليلا عن المجتمع لا تكن متعصبا مثلهم ؛  لم أحافظ على غشاء بكرتي لأن قوتي لم تكف فأنا كنت ضعيفة البنية و لكنني حافظت على كرامتي فظللت أقاوم و حاولت جاهدة التضرع لله ليساعدني على تخطي هاته المحنة و تخطيتها فأنا قد وقفت مجددا على قدميا ،كرهت الرجال كثيرا و إعتبرتهم تمثالا واحدا فمن الخارج تبدو عليهم الصلابة و الوقار و من الداخل وحوش أدمية تتبع غرائزها الحيوانية فقط، إلى أن جئتني أنت على هيئة الملاك مسحت ما على ذاكرتي من غبار و جعلتني أغير نظرتي فآمنت أنك مختلف ، أحسست بالحنان و الأمان إلى جانبك و لكن ليس لوقت كاف فما إن صدمتك بحقيقتي حتى تركت يدي و جعلتني أسقط و ارتطم بالأرض . هل تعلم أن القلب الذي كسرته ينتمي إليك ! و لكنني سأغادر و ابتعد عنك .
    ترك محمود الدفتر و هرع إلى الخارج لا يدر إلى أين فهو كان يجري بكل الإتجاهات يبحث عنها يصرخ بإسمها : يا قدر عودي لي أنا أحمق قد أفلتك عودي فأنا لازلت عند رأيي أنت عائلتي . في حين كان ينظر له الناس بإستغراب يخالونه مجنونا ، خاصة و أنه قد أزعجهم بصراخه و ظل يبحث عنها لساعات طويلة دون أن يبلل ريقه أويتناول لقمة أكل لأنه كان خائف بشدة أن تكون هي في حالة من الجوع .
     تعبت رجلاه من كثرة المشي إلا أن قلبه لم يتعب فهدفه كان إيجادها و أخذها إلى منزلها . و فجأة تذكر التلة التي إعتادا الجلوس عندها فأسرع إلى هناك ليلمحها مستلقية على الأرض تتوسد حقيبتها الصغيرة ، كانت محطمة الكيان تعبة للغاية لم تأكل شيئا من يومين حتى برزت عظمتا خدها من شدة الجوع وكانت تطفئ ظمأها ببعض من المياة الملوثة. فأخذها إلى حضنه و لم يتمالك نفسه فبكى أمامها ، كانت شبه غائبة عن الوعي فلم تلتلقط جل ما كان يقوله ثم هوت بين يديه و فقدت كامل وعيها ، فأخذها إلى المشفى أين تم علاجها من حالات التسمم ، ثم عاد بها الى المنزل .

سقطة سرمديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن