أشرقت الشمس

35 5 1
                                    

تسارع مرور الأيام و كبرت ذات الوجه العابس ليصير عمرها سبعة عشر عاما رغم أن جسدها ضعيف إلا أن تقاسيم وجهها كأنها صنعت منها عجوزا سبعينية تكاد تغادر الحياة .
تحملت قسوة الظروف حولها و التعنيف اليومي ، و كانت كالخادمة تعمل ليلا ونهارا لإرضاء من بالديار علهم يستوفونها طعامها و مشربها. و لكن المسكينة كانت تجني القليل عند نهاية كل يوم ، حرمت من حقها في التعلم و ذلك لإنعدام مصروفها ، كانت طموحها أسمى من أن تدفن في زوايا ذلك الميتم المظلم. بالرغم من ذلك كانت تصارع جاهدة للحفاظ بكل تفصيل عن حياتها البائسة ؛ أرادت انت تخبئ ذكرياتها فهي لاطالما اعتبرت ذاكرتها بيتا تعتزل العالم و تختفي في أوساطه .
بقيت على هاته الحال إلى أن بلغت من العمر سن الثامنة عشر ؛ ذلك السن الذي تعتبره جميع الفتيات مميزا فهو يحررهن من القيود . و أصبح على مسؤولي دور الرعاية صرفها فالوفد من الرضع مجهولي الهوية كان في تزايد . اضطرت للخروج من هناك بدون رغبة منها لتترك مكانها البارد لرضيع جديد سيعيش بدوره مأساة أخرى.
وجدت المسكينة نفسها أمام الباب مع حقيبة صغيرة بالكاد امتلأت لقلة أغراضها لا تعرف أين ستكون وجهتها القادمة فهي وحيدة لا احد يواسيها في محنتها. و لكنها شعرت بالحرية اخيرا فقد كانت كالأسير الذي حرم من الإستلذاذ بأشعة الشمس و خضرة الطبيعة .

تركت الحركة لقدميها فقادتاها إلى اقرب مطعم ، ولجت إليه مترددة الخطى ، لتجد إمرأة مسنة ضعيفة البصر و رجلا كهلا في عقده الرابع . و ما ان نظرا إليها حتى ركعت على رجليها تتوسلهما أن يبقيانها بالمكان لأنها لا تملك أحدا ليساعدها ، تبادلت العجوز و إبنها النظرات ثم أومأت له برأسها أن يشغلها معهم فهم بحاجة لمن يعتني بنظافة المكان قليلا ، فردت الروح الى وجه قدر المسكينة ظنا منها أنها قد فعلت جميلا بجعلهما يشفقان عليها في حين أنها قد إعترفت لغريبين بأكبر نقاط ضعفها ، لم يكن عليها إخبارهما أنها وحيدة ،لا أهل يحمونها من ذئاب الحياة .
قضت ليلتها الأولى إلى جانب العجوز بعد أن أشبعت بطنها جيدا و البسمة تعلو شفاهها. و كأن الحظ الجيد يعانقها لأول مرة فهي وجدت عملا تسترزق منه و مكانا يأويها فور خروجها من ذلك الميتم الذي دفنت فيه طفولتها .
استيقضت و النشاط قد عم المكان حولها . شغلت الموسيقى و تراقصت على أنغامها جهزت الفطور لهما و نظفت المكان جيدا ، نشرت لمعتها في كل مكان . و انتظرت إستيقاضهما بلهفة .

استمتعوا ثلاثتهم معا بالفطور كعائلة مبتهجة و باشروا بعدها بالعمل و كانت جد ممتنة لما يحدث حولها فالزبائن كانوا يتوافدون بشكل كبير كما لو أن الجميع يرحب بها بينهم . و سعدت هي بلقائهم أيضا . عملت جاهدة لإرضائهم و لفت إنتباههم بحسن تعاملها .

أنهكها العمل الكثير إلا أنها كانت جد راضية عن نفسها ، و مرت أيام عديدة و هي على هاته الحالة ،ممتنة جدا لتغير نمط حياتها فقد صار لها مصروف يومي تجمعه، اخيرا أصبح بإمكانها الإعتناء بنفسها كأي فتاة بسنها ، أخذت المبلغ الذي جمعته و اتجهت الى السوق لتقتني فساتين جميلة و أدوات تزيين ،فهي بالأخير أنثى تستهويها الألوان الجميلة التي تبعث الى النفس الشعور بالأمل و الحياة الرائعة .

سقطة سرمديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن