فرد جديد

10 2 0
                                    

       استيقضت قدر على زغاريد أم محمود التي كانت تردد : يا قدر رايح يصير عندنا بوبو بالعيلة.
فعادت قدر لتغط في نومها لأنها ظنت أنه حلم وردي أخر تعيشه بالخيال . و إرتاحت بالقدر الكافي الذي جعلها تذهب للمنزل و هي سعيدة للغاية فأحلامها تتحقق أخيرا ستصبح أما . فوضعت قلما و ورقة أمامها لتخط رسالة لمحمود و لكنها عجزت عن التعبير لشدة فرحها فرسمت طفلا صغيرا فقط من دون أي كلمات هاته المرة و إستغرقت بعضا من الوقت لتصله ؛ و ما إن فتحها حتى ظن أنها الورقة الخطأ ظل يقلبها ليحاول فك رموزها إلى أن أخبره أحد زملائه أن ما على الورقة هي رسمة لطفل رضيع ففهم المقصود و صار يصرخ كالمجنون : يا الله سأصبح أب ثم ركع أرضا يحمد الله على نعمه و هرع ليكتب ردا لزوجته بالرغم من إختلاط الكلمات عليه :
      قدر يا أجمل صدفة حدثت معي ، لقد زينتي قدري دوما بإبتسامتك و ضحكاتك الطفولية ، آه لو تعلمين كم إشتقت لضمك بين أضلعي ، إشتقت كثيرا للإستماع لأحاديثك الطويلة و انت تسردين علي قصصك المضحكة ، أكاد لا أصدق نفسي . لقد رزقني الله بزوجة مثلك و سيصبح عندنا رضيع صغير يا حبيبتي، له أصابع صغيرة مثل أصابعك و ملامح هادئة و جميلة كملامحك الخلابة سأحبه لكنني سأحبك أكثر  فأنتي التي جلبتي الجنة لي . جعلتني أعيش السعادة و أنا في أوج الحرب يا حبيبتي ، الله يخليكم لي و يكبر عيلتنا.
         وصلت الرسالة إلى قدر ، كانت كلماته الأنيس الوحيد لها بالرغم من الدعم الكبير الذي قدمه لها الوالدان إلا أنها كانت تشتاق له دائما و تبكي لغيابه و صارت تبعث له الرسائل بشكل يومي،  و مرت أشهر كانت قدر قد جعلت محمود يعيش فيها جميع اللحظات معها فقد أخبرته عن أولى دقات قلب الجنين و ارسلت له صورا بإستمرار ، كانت تخبره عن تقلبات مزاجها وما إشتهته من أكل . لم تغفل عن التفاصيل الصغيرة بل أبقته على تواصل معها بشكل يومي ثم إنقطعت أخباره لثلاثة أسابيع مما جعلها تصاب بنوبة هلع ظنت أنها فقدت زوجها للأبد . و لكن كان يتحظر لمفاجئتها فقد خاطر بحياته و قطع تلك المسافة فقط ليكون إلى جانبها و يعرفا معا جنس الجنين . فهي كانت ترفض فعل ذلك لوحدها .
      دق باب المنزل و كانت الأقرب إليه ففتحته لتفاجى بزوجها  يقف أمامها  و هو معافى . فإحتظنته و هي تبكي ثم إلتحقت والدته لتضمه هي الأخرى و كانت من أسعد اللحظات و أقساها ، فثلاثتهم تمنوا لو أنها لا تنتهي فهو قد رأى والدته و  زوجته ببطنها المنتفخ في حين كانت الإثنتان ممتنتان لله على رؤيته سالما . و جلسوا يتبادلون الحديث مطولا فقدر كانت تتكلم دون توقف تحاول إخباره بكل صغيرة و كبيرة  ثم تركتهما أم محمود ليتكلم كأي زوجين ، و  اتجهت كعادتها تحضر الطعام الذي يحبه إبنها في حين إقترب محمود من قدر و وضع يده على بطنها فصمتت قليلا و بقيت تنظر إلى عينيه ، كانت سعادته عارمة . ثم مازحها قائلا : لقد سمنتي قليلا أليس كذلك ! فأجابته كله بسبب جنيننا الثور الذي يشبه أباه يجعلني أتناول الأخضر و اليابس فقط لأغذيه .
      ثم بقيا لساعات يناقشان الأسماء و قررا أخيرا أنه أذا كانت فتاة سيسميانها جنة أما إذا كانت صبي يسمونه باسل. حددا موعدا مع الطبيبة لتعلمهما عن جنس الجنين كلاهما كان يريدان أن يكون إبنهما البكر صبيا . فصليا معا ودعا الله أن تكون ذريتهما صالحة . و استيقظا باكرا ليلاقيا المصير الذي انتظراه مطولا . فبادر محمود يسمع النبضات أولا التي جعلت عيونه تدمع في حين كانت قدر تضغط على يده بشدة و لا تفلتها ،ثم أتمت الطبيبة فرحتهما بأن بشرت الإثنين أنهما سيرزقان بصبي صحته جيدة فسجد محمود أرضا يحمد الله على أفضل خبر تلقاه في حياته .
     ثم أخذ قدر للتسوق و جلبا أجمل و أظرف الأغراض لإبنهما و بشرا والديهما بأنه سيصير لهما حفيد إسمه باسل . و لكن للأسف انتهت أجمل عشرة أيام قضاها محمود و عائلته ، و إضطر للعودة إلى المقاومة فالأمور تزداد حدة ولقلة إلتزامه أجبر على القيام  بمهمة صعبة للغاية و هي القيام بتفجير أحد ثكنات المحتل و تحرير الأسرى الفلسطينيين ، فأخذت هاته القضية باله و شغلت تفكيرة لشهرين متواليين لم يستطع خلالها التواصل مع قدر .
       وضع خطة محكمة كي لا يتأذى أحد من رفقائه الأسرى مع إسترجاع قطعة الأرض التي سلبت منهم على الضفة و الوقوف في وجه المحتل بالسلاح المناسب. تآكل دماغه من شدة التفكير و الأرق. كان يريد أن ينهيها بأسرع ما يمكن ليلحق على ولادة صبيه و يقف إلى جانب زوجته التي إزداد خوفها عليه خاصة و أنه لم يعلمها بمخططاته الأخيرة  .
     ازدادت صعوبة الأمر مع مرور الوقت فحياته في  خطر بعدما وكلت إليه مهمة إنقاذ أرواح عدة من الموت وراء القضبان . إستعد جيدا و لبس بذلته المجهزة  ضد الرصاص و إتجه إلى الثكنة حاملا أحد القنابل المفخخة ؛ كان يحاول وضعها أرضا و لكنه سرح يفكر في عائلته فلمحه أحد جنود الإحتلال فصار يطلق النار صوبه إلا أنه ركض مبتعدا عن الضفة فوقع في النصف الأخر من الثكنة أين سقطت منه محفظته الصغيرة التي كانت بها هويته و صورة زوجته و لكنه لم يكن يملك الوقت الكافي لأخذها خاصة و أن جنود الإحتلال قد أطلقوا إنذار لدخول غريب إلى المنطقة المحظورة و ما هي دقائق حتى دوى إنفجار في الضفة فسارع إلى إخراج رفقائه و إلتحق باقي المجاهدين إلى جانبه و إستطاع بدعم من الله إنقاذهم جميعا مع إصابات طفيفة إستطاعوا معالجتها فيما بعد . كما إستطاعوا حمل ذخيرة معتبرة من السلاح تساعدهم في مهماتهم القادمة .

سقطة سرمديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن