وداع

10 2 0
                                    

تأخرا كثيرا و أصابها ملل شديد ، إتصلت  بزوجها و لكنه لا يرد ، فجلست تحاول تهدئة نفسها بمشاهدة بعض من أفلام الكرتون التي يحبها إبنها و لكنها ليست في العمر المثالي لتستمتع بها فصارت تقلب بين القنوات عما قد يلهيها فلفت إنتباهها صور حادث سيارة و أربع ضحايا غطيت وجوههم و لم يتم الكشف عنها تطبيقا لتعليمات المحققين فوخز قلبها مما جعلها تهرع للهاتف و تتصل مجددا بمحمود و ظلت تكرر الإتصال لساعتين إلا أن رد عليها أحدهم أخيرا يخبرها أنه وجد الهاتف بقرب مسرح الجريمة الذي راح ضحيته شاب و طفل و عجوزين إن كانت معنية تعيد الإتصال بالرقم مجددا بعد قليل كما أنه تأسف بشدة و قام بتعزيتها  . فوقع منها الهاتف و سقطت هي الأخرى أرضا لم تقو على حمل نفسها من هول ما سمعته ، كانت تضغط على أذنيها و الدموع تجري كالنهر على خديها :ليس صحيح هم قادمون سيطرقون الباب الأن هم بخير ... ظلت تردد هاته الكلمات حتى طرقت الشرطة باب المنزل فهرعت المسكينة و هي في حالة يرثى لها مع بعض الأمل: إبني بااااسل جيت يا ماما !!!!!. و ما إن فتحت الباب حتى فوجئت برجال الشرطة يقفون على الباب يريدون إستدعاءها للتعرف على الضحايا ، توقفت عن التفكير ، كانت سارحة بخيالها تتذكر أول يوم قدمت إلى المنزل و أول الدموع التي ذرفتها عند عتبة الباب ، تذكرت كيف خفق قلبها لحبيبها ؛ كيف أمسك يدها لأول مرة و وعدها أن لا يتركها ؛ إسترجعت ذكرى ألام الولادة و هي تصارع لإخراج روح من روحها و كيف ضحك لها باسل عوض أن يبكي كما فعلت هي عند خروجها للحياة  . صارت تصرخ في جميع أنحاء المنزل لا تعلم ماذا تفعل ؛  تريد رؤية حبيبها و إحتضانه تريد إسكات الوجع بقلبها تريد إطفاء النار التي نشبت بداخل كيانها ؛ صارت تكسر كل ما حولها فتدخل الطبيب ليهدئ من حالها و أخذوها إلى المشفى أين ستتعرف على الضحايا و ترى إن كانت هي المعنية بالرغم من أنهم تأكدوا من أنها هي البائسة  التي يبحثون عنها بسبب صور العائلة الموزعة في كامل المنزل .
فتح أول صندوق رأت فيه العجوزين ممسكان بأيدي بعض لا يفترقان فركعت أرضا تبكي بحرقة لم تستطع تمالك نفسها فخرجت تسأل عن مكان زوجها وإبنها فأخبروها أنهم يفضلون لو أنها لاتراهم الأن ، إلى أن يحين وقت دفنهم ، و لكنها أصرت كثيرا و صارت تصرخ : لا تحرموني من رؤيتهم أرجوكم دعوني أرى زوجي فسمح لها الطبيب الشرعي برؤيتهما لوقت قصير .
     المسكينة فقدت قدرتها على الوقوف ما إن رأت زوجها مستلقيا على سرير أبيض و ووجه كبياض الأغطية يشع نورا ، إتكأت عليه تكلم رفاته :  لماذا يا حبيبي ! ليت قدري صار قدرك و ما رأيتك مستلقيا على هذا الفراش قبلي ؛ عد أرجوك لا تترك صغيرتك لوحدها كيف سأجابه وقعات الحياة و لعناتها من دونك ! أخبرني كيف سأعيش فأنا الأن فقدت روحي معك فقدت قلبي و فقدت طعم الحياة ، كنا سنربي باسل و نعلمه ليصير طبيبا ناجحا و الأن غادرتماني حتى دون أن تودعاني ..و دخلت في نوبة جعلتها تصرخ و تمزق ملابسها ،لم تكن تع شيئا من حركاتها عادت لتحتضن زوجها وهي تردد : أنت بارد ستصاب الزكام مجددا و لكن لا تخف سأحضر حساء الخضروات ، ستتحسن فقط إفتح عينيك..  و قبلت خده فبكى لبكائها جميع من كان حولها،  و حاولوا بكامل قواهم إبعادها عنه و لم يسمحوا لها برؤية طفلها حيث تم تهدئتها بإبرة مخدرة جعلتها تنام مطولا ، ثم إستيقضت لتجد أن جنازة عائلتها أشيعت لكن الميت الوحيد كانت هي . دفن أربعتهم معا و لم تنشف دموعها بعد بل ظلت تبكي لليالي طويلة من دون أن يرف لها جفن ، أخذتها أحدى الجارات إلى منزلها و حاولت الإعتناء بها و تقديم يد العون لها إلى أن ظهرت نتائج التحقيق و تبين أن عائلتها إستشهدت في سبيل الله ، فمجموعة من الصياهنة حاولوا الإنتقام من زوجها فعاقبوه بأن سلبوا منه عائلته و لكنهم لا يعلمون أنه سيعاد لم شمل العائلة البريئة في الجنة.

سقطة سرمديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن