مشاعر متولدة

14 3 2
                                    

       خلدا كلاهما إلى النوم يفكران ببعضهما . و لكن محمود لم يحظ بالقسط الكافي من النوم فقد تلقى إتصالا في الصباح المبكر و بينما كان في نقاش حاد مع أحدهم على الهاتف ،استفاقت قدر كعادتها تجهز الفطور للعائلة فلفت إنتباهها أن محمود يتلكم عن سلاح و قنابل فحاولت إستراق السمع و لكنه إنتبه لوجودها فخرج من المنزل مسرعا ليبتعد عن أسئلتها لم يكن مستعدا لإخبارها بما يحدث معه.  و مضى ذلك اليوم كأي يوم عادي بالنسبة لقدر خاصة و أن محمود نسي أمر القصة و ظل مشغولا لبضعة أيام يعود ليلا للمنزل لينام فقط .
     و ذات ليلة عاد كعادته متأخرا حاول أن لا يوقظ أحدا و لكنه فوجئ برؤية قدر تنتظره في غرفته ، مرتدية ثوبا شبه عار فاقع اللون مع الزينة على وجهها فصدم و أخذ غطاءه لفها به و أمرها أن تخرج من غرفته بنبرة حادة و لكنها رمت عنها الغطاء و قبلته و هي تبكي قائلة : أهكذا تفعل النساء اللواتي تقضي معهن الوقت خارجا ! أتريدني أن أفعل هذا أيضا و أشبههن !
فرد باستغراب : عن أي نساء تتحدثين يا قدر ! أنا أحبك أنت .
فسألته مجددا : إذن من هن سمية ، هناء و جنة اللواتي تكرر أسماءهن على الهاتف دائما!
     فضحك تلك الضحكة الشريرة التي تحبها هي و إقترب منها ، لفها جيدا بالغطاء ثم إحتضنها قائلا : أتغارين يا قدر ! فخجلت و ابتعدت عنه و هي تردد : أنت ثور لا تسألني ستجيب فقط . فنظر إلى عينيها كالعاشق الولهان : هل ستقبلينني مجددا إن أخبرتك من هن ! فإحمر وجهها ثم إتجهت إلى غرفتها غيرت ملابسها و بقيت تفكر فيما فعلت إلا أن قدم إليها يسألها إن كانت متفرغة لتتعرف على النساء اللواتي كان يتحدث عنهن خلسة في الهاتف .
     إعتدل في جلسته و أخبرها أن سمية زوجته و هناء و جنة هن بناته فإنفجرت عيونها بالدموع لينفجر هو الأخر ضاحكا : أمزح يا قدر أمزح. سأخبرك الحقيقة و لكن أرجوك لا تخبري أمي ، لقد تلقيت إتصالا من أحد زملائي بالعسكرية يخبرني أن السلاح قد نفذ منهم و هو بحاجة إلى عتاد جديد و الطريقة الوحيدة ليصل إليهم ستكون من خلالي أنا أما الأسماء فما هي إلا مجرد نعوت وهمية أطلقناها على الأسلحة كي لا نلفت إنتباه المحتل إلينا و نثير الشكوك حول عملنا .
        كانت منبهرة لما تسمعه واضعة يديها على فمها تحاول تصديق ما يلقيه على مسامعها . ففهم أنها تريد سؤاله متى سيغادر لكن الذهول قد منعها من ذلك فأضاف هو سأذهب بحلول الصيف يا قدر أي لا يزال أمامي بضع أشهر معكم قبل خدمتي التالية . إكتفت بالبكاء فقط فهي تعلم  الخطر الذي هو واقع فيه لم تتركه يغادر تلك الليلة بل إحتضنته كرضيع صغير يشتاق لتوسد كتف والدته . و في الصباح الباكر ما إن فتحت عينيها وجدت أنه ملتصق بها يتأمل ملامحها الهادئه فصرخت بشكل درامي جعله يغلق فمها بردة فعل غريبة منه ثم همست له : الوالدة ستقتل كلينا و تخللنا في حمض الليمون و تصب عللينا ملحا إن رأت ما كنا عليه الأن.. فضحك و قبل خدها بشكل طفولي و خرج من غرفتها متسللا إلى غرفته ، و جهزت هي الفطور كعادتها و كان محمود يبادلها الضحكات بين الفينة و الأخرى .
و ما إن إنتهوا من ذلك حتى بادر محمود يسأل أمه بشكل ممازح : هل تسمحين لي بأخذ أختي قدر معي اليوم ! و لأنها كانت شديدة الثقة في كليهما سمحت له بذلك . فأخذها إلى التلة التي إعتادا الإلتقاء فيها . و تساءلت هي عما إذا سيكونان لوحدهما فأجابها انه أحضرها لوحدها بغية أن تسرد عليه القصة التي وعدته بها. فتحولت فجأة إبتساماتها الى حزن و كأن غيمة سوداء تشكلت فوق رأسها . كانت تعلم أن جرحها ذاك لن يندمل أبدا . إلا إذا فتحته و عقمته من الداخل .

سقطة سرمديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن