كانت "آنى" نائمة ... لقد مرت ساعات طويلة منذ أن اعترف لها "شيز" بحبه . وعبر لها عن عواطفه الحقيقية نحوها ..
بدأ "شيز" يلاحظ تباشير الفجر خلف التلال ، لم يغمض عينيه طوال الليل ن ولم تكن إثارته وقلق يدوران حول "جاك لابواز" ، إن السارق لم يظهر له وجه حتى الآن ، لقد انخدع "شيز" ولكن لا أهمية لهذا على الإطلاق .
إن أمامه الآن مشكلة أكثر حدة وألما ... امرأة حمراء الشعر ترتب على يد الأخوات الصالحات في الدير في كوستاريكا ، أصبحت الآن امرأته . كان يعرف أن تبادل الحب معها سيغير كل شئ وقد فعل .
ظل على مر الساعات يجتر تبعات عمله ، الذى اندفع دون شك فيه بدافع العاطفة . انه لم يتماسك . كان كل شئ يدفعه للاستسلام لغريزته واحاسيسه الداخلية . ولكن ما معني ذلك ؟
حتى لو أقنع نسه بأن اعترافه بالحب وتبادله معها كان وليد لحظة من السعادة المشتركة إلا أنه كان يعرف تماما انها ترى الامور غير ما يراها , انها تحبه بصدق وعنف وليست على استعداد لان تتنازل عن حبها بعد ما حدث .
لاشك في انها في هذه اللحظات تحلم بثوب الزفاف . وشهر العسل ولاشك في انها تحلم ايضا بأن تنجب له العديد من الاطفال.
خرج "شيز" من كيس النوم الخاص به , واخذ يسير على قدمين حافيتين حتى قمة التل وهو يلقى في طريقه نظرة على المنجم المهجور . فكر في الارتباط والزواج والاطفال وكلها امور مترابطة .
ولكن "شيز" لايريد ارتباطات من أي نوع . لقد كان والداه مرتبطين بالزواج . وربما كان الحب يربطهما في البداية ثم حلت محل ذلك الكراهية والحقد . لقد رأي بنفسه كيف تدهورت علاقتهما واصبحت غير طبيعية وانتهى الامر بأن خنقا كل ما كان جميلا بينهما .
وإذا كان قد أقسم على شئ ما فهو انه لن يرتبط ابدا بأي شخص , لانه في الارتباط العاطفي دائما يوجد شخص يتعذب .
اصبحت كل مشكلته الان هي اقناع "آني" وحسب ما يعرفه عنها فإنها سترفض دون شك . ان تعتقد انها لم تقع على شخص يشاركها حياتها . كانت تعتقد في ذهنها تماما انها لن تستطيع الوصول الى أي شئ بقليل من الصبر . لاشك ان كل الاقوال الحكيمة التى كانت تعرفها أخرجتها من الكثير من المأزق . وهو ليس الشخص الذى يريد ان يحطم أوهامها بعد العاطفة والرعد والبرق ..
ارتجف وهو يأمل ان تكون رجفته من البرد وهو يعلم جيدا ان البرد ليس السبب . انه كان يرتجف دائما من تلك الاماكن المفتوحة التى تنمي الامل لدي الناس .. انها تعد المرء بأن يري "قوس قزح" ولكن ذلك لا يتحقق ابدا .
- ما الذى تفعله يا "شيز" ؟
استدار "شيز" ليس في الحال وانما ببطء. لم تكن لديه أية رغبة في ان تقرأ افكاره . ان ما تنتظره منه مستحيل ان يتحقق .
تصلب فكه وهو يتساءل : ما الذى يمكنه ان يقوله لها حقا , ولكنه لم يجد الوقت الكافي ليعثر على الكلمات . لانه سرعان ما وجدها الى جواره .
سألته وهي لاهثة الانفاس :
- ماذا هناك يا "شيز" ؟ هل هو اللص ؟
هز رأسه نفيا دون ان ينظر اليها .
- إذن ما الذي لايسير على ما يرام ؟
- كومة من الاشياء يا "آني" .. كومة من الاشياء.
استدار نحوها وهو يستعد لأن يقدم لها جرعة تمهيديه للجرح الذى سيسببه لها . فكر في اليأس .. لابد ان يضفي اليأس على عينيه .. فجأة اصبح جمالها فاتنا . سألته :
- هل انت نادم لانك اعترفت بحبي ؟
- "آني"...
تعثرت الكلمات في فمه . انه يعرف ان كلماته لن تضئ عينيها ولكنه نطقها على اية حال .
- سأبذل كل ما في طاقتي لتعثري علي جنسيتك الأمريكية إذا كان هذا ما تريدينه . إن لى اتصالات . بل إنني على استعداد لأن أقسم علي ذلك لو اقتضي الامر ذلك .
- تقسم ؟
- سأطلب من مساعدي ان يشهدا على ذلك .
- ولكننا متزوجان يا "شيز" ! فلماذا تريد أن تقسم ؟
أشاح بعينيه حتى لا يراها مجروحة وقال :
- إن هذا لن ينجح يا "آني"
- ما الذى لن ينجح ؟ نحن ؟
ثم خفضت من صوتها واستطردت :
- إذا أردت التراجع فلا بأس .. إن الامور يمكن ان تسير .. بعد القليل الذى منحته لي .
- يا إلهي ! الا تحاولين ان تفهمي ؟ أنا لا اجد أي رغبة في الزواج وليست لدي نية للزواج على الاطلاق . ليس معك ولا مع أي امرأة اخري . ليست لدي أي رغبة في المرأة ولا أي ستائر صفراء في المطبخ !
بدلا من ان يري الدموع في عينيها رأي تعبيرا لم يسبق له ان عرفه ابدا من قبل . كانت تحدجه في ذهول وغير تصديق . وكأنها في حضور وحش خرافي .
- هل تعتبر حبي لك قليلا ؟ واننى كنت عاشقة لك منذ لقائنا الاول في "كوستاريكا" ؟ أليس لكل هذا أي اهمية ؟
- بل له كل الاهمية يا "آني" .. وكيف تشكين في ذلك ؟ ولهذا السبب يجب قطع العلاقة في الحال . أنا لا استطيع ان ادعك تعتقدين ان هناك مستقبلا أمامنا معا . لقد حان الوقت للانتهاء من ذلك .
قالت له وقد اصبح صوتها بعيدا فجأة وكأنها تتحدث مع نفسها :
- يمكننا الا نظل متزوجين , يمكننا الطلاق بعد الاعتراف بجنسيتي الامريكية .
استدار نحوها :
- ولكن يا "آني" إن الزواج الذى تم في "كوستاريكا" كان الملجأ الحتمي الاجباري , لإنه لم يكن هناك أي حل اخر .. وحتى إن كان الزواج قد تم فإنه لا قيمة له , وحتي إن كانت له قيمة فلابد من إلغائه .
ترنحت "آني" كان الحصى يمزق قدميها الحافيتين . ولكن الالم لم يكن يقارن بالحقيقة البشعة التى ألقى بها في وجهها .
انه لا يحبها , لقد غامر بحياته لينقذها بل إنه تزوجها ولكنه لم يحبها ابدا وهو لن يحبها على الإطلاق .
كانت العاصفة تعتمل بشدة في رأسها , لقد تصورت ملايين الطرق لتقول له : إنه ليس سوي إنسان أناني قذر وفاسد , وانه محروم من كل ما هو طيب في الحياة , ولكن نظراته الشاردة الغائبة كانت تعني أن كل ما ستقوله لن يغير من الامور شيئا .
وانغلق الباب ربما كانت على حق قبل كل شئ . إنه غير قادر على الحب , الامر بالنسبة لها في هذه الساعة سيان ولم يعد لها سوي رغبة واحدة وهي الابتعاد عنه . لقد كان وجوده مؤلما لها جدا . ومجرد فكرة انه يمكن ان يساعدها اصبحت ممقوتة وكريهة . ولكنها ستهتم بذلك فيما بعد .
حاليا إنها في حاجة للابتعاد عنه . قالت في تلعثم :
- أنا يا "شيز"
أسكتها "شيز" بحركة من يده . اختنقت الكلمات في حلقها عندما فهمت أنه لا يريد منها ان تصمت عن عمد عندما همس وهو يميل نحو بئر المنجم :
- هناك شخص ما .. لا استطيع ان أراه ولكن لابد انه "جاك لابواز"
- أنا يا "شيز"
- صه .. ليس الآن . ليس هذا من الحكمة والحرص ربما كان مسلحا .
جذبها نحوه . اغمضت "آني" عينيها , انها لا تصدق انها ملتصقة به . ولكنها تحررت بعنف منه رافضة الاستسلام لمشاعرها .
- أرجوك يا "آني" لاترتكبي حماقات . ابقى هنا طالما لا اعرف من هو تحت فإننا لن نكون في أمان أنا وأنت .
اخرج سلاحه أمام انظار "آني" وما إن اختفى حتى تملك الخوف "آني" . ما الذى سيحدث لو وقع له حادث ما ؟ إنه يخاطر بأن يصاب .
اهتز كل جسدها من الارتجاف والنشيج . انه يلقى بها كورقة مهملة . والان يطلب منها ان تنتظره دون أن تقوم بأي حركة ! لايمكن ان تقبل ذلك لايوجد امرأة تصاب بالمرض خوفا وقلقا على رجل انتزع قلبها لتوه . لايجب علي أية حال ان تبالغ في انفعالها ! من يظنها ؟
إنها قبل كل شئ تريد أن تنطلق بعيدا عنه .. حلت رباط الجواد وانطلقت في طريقها .
# # #
عندما شاهدت "آني" البيت . لم تستطع ان تمنع دموعها من الانهمار فوق خديها في حين انها شعرت بالارتياح والخلاص . كان أول شئ تنوي ان تفعله هو ان تأخذ حماما طويلا وساخنا ليعيد إليها نشاطها . ربما ستعيد التفكير بعد ذلك فيما ستفعله في بقية حياتها .
ولكنها ما إن دفعت الباب لتتحه حتى أحست بان هناك شيئا ما مريبا قد حدث ، ورغم الصمت التام الذى ران على المكان ، هناك شئ ما يقول لها : إنها ليست بمفردها . ارتجفت وتحشرج صوتها في حلقها وهى تسأل في قلق وخوف :
- هل هناك أحد هنا ؟ من هناك ؟
- كنت سأطرح عليك هذا السؤال ؟
كان صوت الرجل خشنا وقاسيا للغاية . حتى إن فرائصها ارتعدت واحست بالثلج يسرى في أوصالها حتى النخاع ، استدارت ولمحت شبح الدخيل الغامض وسط العتمة ، لقد كان في مثل ضخامة "شيز" . لقد كانت له هيئة حيوان كبير الحجم ، أو إنسان لم يعرف المدنية وكأنه عاش حياته كلها في الأحراش . قال لها الرجل بلهجته الفظة :
- أين هو "شيز بودين" ؟ وماذا تفعلين هنا ؟
فهمت "آنى" في الحال . أنه اللص الذى يطارده الجميع "جاك لابواز" ردت عليه بعد فترة . وهى تحاول أن تكتسب وقتا :
- "شيز" ليس هنا .
رأت نفسها الآن رهينة . سألها الرجل :
- اين هو ؟
قالت بهدوء مصطنع :
- لست أدرى . لقد رحل ... هذا كل ما أعرفه وهو لن يعود قبل عدة أيام على ما أظن .
ألقت نظرة على الحجرة فسألها الهارب وهو يشير إلى الباب :
- هل هناك احد آخر ؟
ردت عليه "آنى" بصوت ثابت أملاه عليها الخطر المحدق بها . وقد أقتنعت بأن هذه هى الطريقة الوحيدة التى تواجه بها هذا الوحش .
- لا ... لا يوجد أحد .
حدجها الرجل طويلا في قسوة لا تطاق . ثم دفعها نحو الحجرة قائلا بلهجة آمرة :
- هيا لنتحقق ... أنت أولا .
كررت عليه :
- لا يوجد أحد .... لقد رحل .
سألها – وقد لمح الباب السرى داخل الحجرة :
- ما هذا ؟
- لا شئ ... إنه باب خلفى .
- افتحيه !
دخلت "آنى" النفق والرجل يسير خلفها خطوة بخطوة دون أن ينطق بكلمة ، وعندما وصلا إلى الكهف أطلقت صرخة ، وانتهزت تأثير المفاجأة عليه لتدفعه داخل النفق ، سمعته وهو يتحسس طريقه وقد ركع على ركبتبه ثم تبع ذلك صوت سقوطه في الهوة . أعادت إضاءة الكشاف الذى يعمل بالبطارية الذى سبق أن استخدمه "شيز" عندما حاول إنقاذها ، ثم اقتربت من قتحة الهوة بكل حذر .
كان المنظر الذى رأته مثيرا للضحك الشديد . جلس ضحيتها وسط الطين وهو يدعك ركبتيه وقد بدا مثل قط متوحش أو فهد مفترس . سألته – وهى تكتم ضحكتها :
- من أنت ؟ " جاك لابواز " ؟
ضاقت عيناه ونظر إليها ، وقد خف رعبه بعض الشئ وقال :
- عادة ما يكون حظى أفضل ، ولكن لا ... لست "لابواز" الذى تدعينه أنا "جونى ستارهوك" صديق قديم لـ "شيز" .
- تقول من أنت ؟
وقعت "آنى" تحت تأثير الصدمة ... إن هذا مستحيل لقد رأته في "كوستاريكا " وكان يبدو عليه أنه من أصل هندى أمريكى ، وقال عنه "شيز" إنه محام مشهور .
وجهت الكشاف الضوئى نحو وجهه . مرت بذهنها فكرة كريهة وفكرت ، وهى تبتسم : يا له من حيوان فاخر ، ولسوء الحظ أنها عاشقة لرجل آخر . بدأت "آنى" تشرح وهى تتلعثم :
- ربما كان على أن أقدم لك تفسيرات . ألا أذكرك بشئ ما ؟
وجهت كشاف الاضاءة نحو وجهها فقال لها :
- لو أخرجتينى من هذا الجحر فإننى سأكون في حالة أفضل تسمح لى بإدراك من أنت .
- إن "شيز" لديه سلم من الحبال ، ولكنى لا أعرف حقا أين وضعه .
- اللعنة ... يا لسوء الحظ ... أتقولين إنه سبق لنا أن التقينا .
- نعم ... في "كوستاريكا" وأستطيع أن اخبرك كيف تم ذلك .
- هيا قصى .
# # # # #
عندما انتهت "آنى" من حكايتها نهض "جونى" واقفا على قدميه . كان موزعا بين الشعور بعدم التصديق لما يسمعه ، والشعور بالسعادة . سألته – وهى تشعر بالاحباط وخيبة الأمل :
- أنت لا تتذكرنى ... أليس كذلك ؟
- إن لدى إحساسا بأننى أمام شخص عاد إلى الحياة بعد الموت . إذن أنت تلك الصبية التى تزوجها "شيز" ؟ "آنى" .... هل هذا كان اسمك ؟
لم تستطع "آنى" أن تمنع دموعها الغزيرة من الانسياب فوق وجنتيها . إن هذا الرجل الضخم الجثة الذى لا يقل قوة ولا ملاحة عن "شيز بودين" ، والمحاصر الآن في هوة من الطين هو أول شخص يتعرف عليها ويعترف بصحة زواجها من "شيز" بل لقد قال اسمها . قالت من بين نشيجها :
- نعم ... إنها أنا "آنى ويلز" ! سامحنى ! لقد خشيت ألا تتذكر ، إن كل الناس نسونى . لقد أعتقد "شيز" أننى مت من سنوات .
- لابد أن الخبر نزل عليه نزول الصاعقة .
- آه ... عليك أن تقول هذا فعلا .
اطلقت "آنى" زفرة طويلة ثم قالت له :
- ولكن "شيز" لا يتذكرنى ولا يتذكر ما حدث بيننا ... إنه يريد إلغاء عقد زواجنا .
- وأنت لا تريدين ذلك ... أليس كذلك ؟
قالت معترفة – وقد زاد نشيجها قوة :
- انا أحبه ... أعتقد أن هذا واضح ، أليس كذلك ؟
- بلى هذا واضح يا "آنى" . في كل مرة تنطقين فيها اسمه يظن المرء أنك تتلين صلاة ... هيا احكى لى ما الذى حدث .
انطلقت "آنى" في سرد حكايتها الحزينة وأنهت الحكاية أمام نظرات "جونى" المذهولة قائلة :
- أنا كارثة حقيقية ... هذا ما يقوله هو .
قال "جونى" – وهو يتساءل في نفسه كيف يمكن لرجل أن يقاوم هذه المرأة الطفلة ، والألم الذى يقرؤه في عينيها الزرقاوين :
- إنني لن أضع يدى في النار لو كنت مكانه ما دام مقتنعا بأنك كارثة حقيقية ، ولكن لابد أنه مجنون إذا رفض نعمة حبك وسيكون له معى حديث طويل .
نظرت إليه في دهشة :
- ماذا تقصد ؟
- انا لا أعدك بشئ ولكن لدى خطة صغيرة في رأسى أحتفظ بها لنفسى ؟
أنت تقرأ
زواج بالقــوة ) للكاتبة فلورنس كامبل
Romansaأطلقت "آنى" زفرة طويلة وقالت لـ "جونى" : - ولكن "شيز" لا يتذكرنى . ولا يتذكر ما حدث بيننا . . إنه يريد إلغاء الزواج . - وأنت لا تريدين ذلك . أليس كذلك ؟ قالت وقد زاد نشيجها وارتفع عويلها : - أنا أحبه . . أعتقد أن هذا واضح . . أليس كذلك ؟ - بلى هذا و...