الفصل الخامس

5.5K 118 2
                                    

كان "شيز" قد أسرج الجواد واستعد لأن يلكزه عندما سمع "آنى" تناديه باسمه :
- "شيز" .
استدار ثم رآها تقترب وسوطه فى يدها . قالت صائحة وهى تجرى نحو الاسطبل الذى احتفظ فيه "شيز" بجواده "سموك" وجوادين آخرين وبغلين .
- قلت لنفسى إنك ستحتاج إليه .
وصلت وهى تلهث ، وقد بدا عليها الرضا . لأنها لحقت له ، أخذ "شيز" السوط من يدها ثم هز رأسه علامة الشكر . كان منظرها يدل على أنها نهضت لتوها من الفراش ، كانت نائمة عندما خرج لمدة نصف ساعة أخرى وعندما عاد القى عليها نظرة ، كان الغطاء قد انزلق إلى الأرض ووجد ان منظرها رائع فى ذلك الوضع ، لاحظ أيضا أنها كانت مكومة مثل الكرة وهى نائمة ، مثل هرة صغيرة ، والآن وهو يراها مستيقظة وأمام نظره ، وهى تجدحه وكلها أمل ورجاء وجد فيها اشياء اخرى خاصة وهى لا ترتدى شيئا تحت بلوزتها مفكوكة الازرار سوى قميص النوم الذى ترتديه ليل نهار ، حتى وهى تاخذ حماما .
خفضت عينيها عندما قال لها وعيناه مركزتان عليها :
- إن الفضيلة لها حسناتها .
- آه نعم . ان هذ ا يعني .
- إنني اعرف ماذا يعني هذا .
نظرت إلي عينيه مباشرة لمدة لحظات وهو امر لم يعتد عليه "شيز" , عادة ما كان الرجال والنساء يجدون صعوبة في تحمل نظراته , أو علي الاقل كان يبدو عليهم الضيق اما ألا تتأثر هي , فان ذلك اصابه برعدة .
انتهى بها الحال الى ان فتحت فمها ولكن كالعادة لم تنطق بكلمة مما كان يأمل ان يسمعه في تلك اللحظات . قالت .. وهي تشير بأصبعها إلى أحد بغال الاسطبل :
- هل يمكنني ان اصحبك اليوم ؟ فقط مرة واحدة لقد أصبحت صديقة للبغل "فير" ولن نسبب لك أي إزعاج .
كانت تسأله تقريبا ان يسمح لها ان يصحبها كل يوم , ولكن "شيز" كان يرفض رفضا قاطعا .
- آسف يا ذات الشعر الاحمر . اليوم سأفتش على مزرعة "ماكافري" , واذا حدثت مشكلة أثناء جولتي فلا أعرف ماذا افعل معك .
بعد هذه الكلمات امتطي "شيز"صهوة جواده . وصفر للكلب وعندما وصل إلى بقعة العشب عند طرف مكان متسع . اكتشف ان "شادو" لا يسير خلفه . دهش واستدار . ورأي ان كلب الرعب الاسكتلندي كان جالسا في استمتاع عند قدمي "أني".
صاح "شيز" :
- هيا .. تعال !
لم يرد "شادو" ان يتحرك من مكانه فصاح :
- ما الذى فعلته في الكلب ؟
هزت كتفيها بما يعني انها لم تفعل شيئا , نادي "شيز" ثانية على كلبه , ولكن "شادو" ظل ثابتا كالتمثال .
لم يصدق "شيز" عينيه فاستدار نصف دورة .
قالت "آني" وهي تربت بيدها على رأس الحيوان المتمرد:
- أعتقد أن "شادو" يريد ان يخبرك أننا نشكل فريقا .. وإذا أردت أحدنا فلابد ان تأخذ الثاني .
همهم "شيز" في غضب .. وهو غير قادر على إخفاء دهشته :
- إنه إذن ابتزاز .
ظل يحدجهما . هي و"شادو" فترة طويلة وهو يدعو السماء أن تهب لمساعدته . ولكن يبدو ان السماء لم تكن في صالحه في تلك اللحظة واضطر اخيرا الى الاعتراف بأن الاقدار في ضف "آني" , وانه يحارب ضدها في معركة خاسرة .
قال :
- حسنا , اذهبى وارتدي ملابسك . ولكن لو حدث شئ سيئ فأنت المسؤولة .
بعد لحظات كانا يتبختران فوق الجواد والبغل . يتبعهما الكلب "شادو" وكأنهم اسرة صغيرة وسعيدة . كان "شيز" يحاول ان يقنع نفسه انه فعل خيرا عندما سمح لها بالحضو . ثم انتهى الى ان قال في نفسه : إن من الخير ان يشغلها بعمل ما . وان هذا سيجعلها تنسى افكارها وخططها في إغوائه . والتى شغلتها كثيرا في الأونة الاخيرة .
انها لم تكف عن طرح الاسئلة حول الرجال والنساء والعلاقات العاطفية بينهم . وهي لا تحاول ابدا ان تضايقه بأسئلتها . وانما من الواضح انها كانت تريد ان تعرف , وكان هذا واضحا من تركيزها على نوع الاسئلة .
اما في هذه اللحظات فلم يعد هناك ما يقلقه حول هذا الموضوع لم يسبق لها ابدا حتى الان ان امتطت جوادا , وقد وجه إليها "شيز" بعض التوجيهات فقط . كان قد اخبرها ان تستقر فوق المطية مثل شوكة الدريس المغروسة في القش . بحيث يصبح جسدها هو يد الشوكة وساقاها مثل أسنانها , بهذه الفكرة حاولت ان تبذل جهدا كبيرا حتى تصبح مثل قطعة أنية معدنية من أواني المطبخ .
ولكن هذا المخلوق الضخم الذى يتحرك ويتململ باستمرار لم يتح لها الفرصة لتحقيق ذلك . وبدت وكأنها تحاول ان تلتقط قطعة لحم ضخمة بشوكة سلطة , وكانت من حين لأخر عندما تشعر بالامان تلقى نظرة مختلسة نحو "شيز" . وهي تأمل ان يسارع الى مساعدتها . ولكن "شيز" ظل صامتا وشاردا , الى ان ارتكب "شادو" حماقة الاحتكاك بإحدي اشجار الكافور , واخذ ينبح , ضحك "شيز" ضحكة مكتومة , ثم رفع عينيه لتلتقيا لحظة بعيني "آني" عندما حدقت فيه ادركت ان احساسا غريبا غمرها , واوشكت ان يغمي عليها .
- هل كل شئ على ما يرام يا آنسة ؟
عندما ناداها بهذا اللقب اول مرة لم تكن واثقة بأنها تحب ذلك , ولكنها بدأت تتعود عليه . عندما وصلا الى سور المزرعة نبهها "شيز" , وامر "شادو" ان يكف عن الزمجرة , ثم اشار باصبعه الى مجموعة الماشية . وقال :
- إن الثيران ذات القرون الطويلة لايمكن توقع تصرفاتها .
حمل سوطه , وسألته "آني" والفضول يدفعها إلى أن تطرح السؤال الذى يصول ويجول في راسها منذ ان قابلته اول مرة :
- أخبرني يا "شيز" لماذا تستخدم السوط؟ إنه سلاح غير مألوف.
اجابها بابتسامة غامضة :
- إنه يسبب خسائر اقل ... مثلا استطيع ان انزع سلاح الرجل دون ان اقتله .. او إرهاب امرأة دون أن المسها .
نظرت إليه "آني " غير مصدقة :
- لست أصدقك .
قال وهو يستدير نحوها :
- لا تصدقين اننى استطيع نزع سلاح الرجل أم إرهاب المرأة؟
لقد سبق لها ان رأته ينزع سلاح رجل في "كوستاريكا" , ولذلك لم تشك في الجزء الأول من تبريره لاستخدام السوط . سألها :
- هل تريدين ان تشاهدي عرضا لذلك ؟
- لا 
استأنف "شيز" طريقه وتبعته "آني" على مضض . وهي تدرك أنه يحافظ على مسافة معينة بين القطيع وبينهم وهو يطرقع بسوطه من حين لاخر . كان صوت صفير السوط يزيد من عصبية "آني" و وتحس في كل مرة انها تلقت صدمة كهربائية .
انها على اية حال تحاول ان تتأكد من شئ واحد . وهو ألا يحاول تنفيذ عرضه عليها هي .
اطاح "شيز" بسوطه , وقطع زهرة سوسن بمهارة جراح بطرف السوط . راقبته "آني" وهو يهبط من فوق ظهر الجواد .
سألها – وهو يستدير نحوها :
- هل تحبين الزهور ؟
هزت رأسها في حركة غريزية لادخل لها بان كانت تحب الزهور أم لا .
قال لها وهو يقدم لها زهرة السوسن :
- على أية حال إن تأثيرها اجمل فوق شعرك عن شعري .
اخذتها "آني" دون تفكير , ودستها خلف اذنها . على اية حال لقد فعلت ذلك ما دام يسعد الرجل ذا السوط . سألها :
- هل تحبين ان تهبطي من فوق الجواد ؟ هل تريدين فك عضلات ساقيك ؟
تركت نفسها تنزلق من فوق البغل الى الارض , وهي ترتجف بشدة فوق ساقيها عندما ساعدها بوضع يديه حول وسطها , ليضعها فوق العشب . من الافضل لها ان تتماسك . خاصة وهي تحس بانها اقرب اليه من أي وقت منذ ان عادت تبحث عنه . لقد مر أسبوع وهذا بالضبط ما أرادته . ان تمكث معه على الأقل أسبوعا .
ان هذه النزهة الصغيرة وضعتها وسط السحاب . نزعت بلوزتها ووضعتها حول وسطها امام نظراته شبه المذهولة . وشبه المستمتعة . قال لها وهو يلقى اليها بقبعة رعاة البقر التي يرتديها :
- من الافضل أن تضعى القبعة على رأسك , ثم مال نحو الارض ليلتقط سوطه . قال لها :
- يبدو ان هذا الشئ الصغير يسبب لك العصبية , ألا تجدين أنه ربما . في يوم من الايام تحتاجين الى تعلم استخدامه ؟
- لا .. شكرا .
لم يكن لديها ادني رغبة في لمس السوط , وهي متاكدة من ذلك تماما . براعته في استخدام هذا السلاح كان يشد أعصابها الى اقصى درجة . ولكن هناك امرا اخر . ان خوفها الذي تحسه لا يختلف عن خوفها من الثعابين السامة في الغابات الاستوائية .
قالت لها ترد على سؤاله القديم .. وهي تبتعد وسط البراري :
- سأتبع نصيحتك وألين عضلات ساقي .
- اننى استطيع ان اعلمك "طرقعة" السوط في لمح البصر .
سكت فترة . ثم استطرد بصوت رقيق :
- لن يفيدك الهروب في شئ يا "آني" . إن الامور تنتهى بان تمسك بك بطريقة او باخري .
- ولكنى لا اهرب . إنني اتمشي .
قال وهو تنفعل انبهارا بجمال الزهور - :
- "آني" ما الذى لا يجري على ما يرام ؟
- لاشئ
- إذن تعالى وكلميني.
قالت له – في دلال وصوت رقيق :
- دعني في حالى . أريد فقط أن اجني بعض الزهور .
- انا لا اكرر الطلب مرتين يا "آني"
اخذت يدها ترتجف , وهي تتظاهر بانها لم تسمع شيئا , وركعت لتقطف زهرة ثم احست بشئ يحتك بظهرها , وعندما رفعت عينيها نحوه , وجدت ان بلوزتها لم تعد في مكانها حول وسطها وانما بين يديه , سألته :
- لماذا ؟ لماذا فعلت ذلك ؟
- حتى اجذب انتباهك , مم انت خائفة يا "آني" ؟ من السوط ؟ لايوجد سبب للخوف .
اجابته – وهي تحدجه بإمعان :
- بل هناك سبب .. إنه خطير جدا . قد يجرحني .
- لن يجرحك السوط . استطيع ان استخدمه دون ان يصيبك أي خدش .
تراجعت للخلف وهي تشعر بجفاف حلقها :
- إن هذا أمر سخيف – إنك لن ..
- إنه لعبة اطفال . انظري لن اسبب لك أي اذي .. وما عليك سوي ان تحتفظي بالهدوء .
صاحت – وهي تغمض عينيها وقد اصابها الرعب الشديد :
- يا إلهي !
اخذت ترتجف ثم سمعت صوتا يشبه صوت الرعد . وعندما فتحت عينيها رأت السوط يلتف حول وسطها . ثم جذبها نحوه :
- إنه مجرد لعبة اطفال يا "آني " . هل انت بخير ؟
كان كل شئ قد اختفى حولها وكأنما احاطه الضباب او الغبار . قال لها :
- لا تتحركي والا ضاق السوط حول وسطك . 
سقط السوك على الارض . بينما سقطت بين ذراعيه . قال لها :
- هذا هو كل ما هناك . انه لا شئ .. لا شئ .
همهمت وصوتها يخنقه الشهقات والبكاء :
- انا لا احب الاسواط .
- سامحينى إذا كنت قد سببت لك الخوف . لقد أردت فقط ان تعرفي انه ليس هناك ما يدعوك الى الخوف . ولم أجد افضل من عرض بسيط حتى اقنعك .
- في المرة القادمة ارجوك الا تتسرع هكذا ؟ هل فهمت ؟
بدا تعبيرها يسليه . ثم سألها :
- ماذا تقصدين ؟ هل عجلت الامور ؟ إن آخر مرة على ما اذكر كنت تصيبين بالخيبة عندما اردت تهدئة اللعبة .
تذكرت "آني" ان ذلك كان عند اول لقاء لهما , لقد كانا على حافة الاندفاع في مغامرة عاطفية , لقد كانت عيناه تقولان ذلك , وهي لن تنسى ابدا ارتجاف صوته , وحرارة نظراته . قالت له وهي ترتجف بكل جسدها :
- حسنا . ربما انت على حق , وان عليك ان تتعجل اللعبة .
غامت عيناه .. انه يفهم بالضبط ما تريد ان تقوله .
اجابها – وهو يمرر يده في شعره :
- لا تغريني يا آنسة "آني" .. ربما لن تحبى اللعبة عندما تنتهى 
قالت له بثقة :
- بل سأحبها .. واعدك بذلك .
- إنني اتساءل عم إذا كنت تعرفين ماذا أريد ؟
- اعدك باننى ساحب ذلك .
احست "آني" برغبة شديدة في ان تعترف له بحبها , وتثبت بذلك صدق كلامها من انها زوجته ولكنها عاجزة عن الإتيان بأي حركة لتشجيعه . إن تأثيره قوي ومدمر ويصيبها بالعجز . فجأة نهض "شيز" وقال :
- هل تسمعين يا "آني" ؟ الجياد .. هناك شخص ما يقترب .
- الجياد ؟
تساءلت لماذا يريد منها ان تنتبه الى الجياد ؟ انها لا تحس الا برغبة واحدة .. ان يستمرا الى ان يعترف لها بأنها زوجته وهي لا تستطيع الانتظار اكثر من ذلك .
فجأة امرها بصوت خشن انتزعها من شرودها :
- افعلى ما اقوله لك ولا تطرحي اسئلة .. اذهبي واختبئ وسط الاشجار . هل تسمعيني ؟ هيا اسرعي .
نفذت الامر وكأنها منومة مغناطيسيا . او كأنها انسان آلي . ولكنها عندما استدارت قرب الاشجار وقفت فجأة . انه الفضول الذى يسيطر عليها ولا تستطيع معه ان تفعل شيئا . انها في حاجة الى معرفة شئ ما . سألته :
- هل صحيح يا "شيز" انك يمكن ان تستخدم السوط مع امرأة دون ان تؤذيها ؟
قال وهو يعدل من وضع قبعته فوق رأسه :
- اننى ماهر جدا ولكني لست واثقا بأننى ماهر لهذه الدرجة .
رأت "آني" ثلاثة رجال يقتربون . انهم سارقو جياد في الشمال . هذا ما اخبره به الرجال الثلاثة . قال لهم :
- سأكون معكم خلال دقيقة .
ثم استدار نحو "آني" :
- عودي الى البيت . اتعشم ان تعرفي الطريق . خذي معك الكلب ولا تتحركي حتى اعود .
بدأت "آني" طريق العودة . وهي تشعر بالقلق انه صائد الجوائز . وهي تعرف ذلك . ولكن الفكرة لا تسعدها على الاطلاق . ماذا لو جرح او اصيب ؟ وماذا لو غاب عدة ايام وربما اسابيع ؟
مررت يدها في شعرها ودهشت عندما عثرت على الزهرة في وسط شعرها . انها معجزة ان ظلت الزهرة في مكانها بعد كل تلك الانفعالات والحركات . اضاءت ابتسامة وجهها النضر الصبوح . حلو التقاطيع , وهي تمسك الزهرة وتفحصها بعد ان نزعتها من مكانها وسط شعرها لقد واتتها فكرة .. انها تعرف ماذا تبقى امامها لتفعله .
ما ان وصلت المنزل حتى بدات العمل . ولكن الشئ الوحيد الذى كانت تجهله هو هل لديها الشجاعة الكافية لتتم العمل ؟

زواج بالقــوة ) للكاتبة فلورنس كامبل  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن