- هيا أفعلها إذن ! ما الذى تنتظره ؟ لا تظن على أية حال أننى سأخلع ملابسى تحت التهديد ؟ لن أفعلها لك أو لأى رجل آخر.
كانت تتحدث برابطة جأش وهى واثقة بعملها ، ولكنها سرعان ما لاحظت احتقاره إنها لم تكن قد حسبت رد فعله هذا . كانت نظرته التى اشتبكت مع نظرتها كفيلة بأن تجعل الميت يرتجف ، بدت عيناه فاحمتا السواد أكثر لهيبا حارقا من نار جهنم . قال :
- أنت لم تفهمى ما قلته يا ذات الشعر الأحمر . أنا لم أترك لك حرة الخيار ، إما أن تنفذى أو أقوم أنا بالتنفيذ .
نظرت إليه دون أن يطرف لها رمش ثم قالت – وهى ترفع يديها:
- هيا مزقنى إربا . ولننته من هذا العذاب .
- هل أنت واثقة بما تقولين ؟ هل تريدن حقا أن تموتى ؟
وجهت له نظرة يستطيع أى راعى بقر أن يفهمها .
- هل تأملين أن تتلقى البركات الأخيرة ؟ أنا لست قسا ، ولكننى أستطيع ان أفعل شيئا . . أن أرشك بالماء أو أى شئ ما .
أحست "آنى" بالارتياح من لهجته الساخرة ، على الأقل لم يمزقها كما طلبت . قالت وهى تخفض يديها فى هدوء :
- إننى أستغنى عن البركات الأخيرة . فلست كاثوليكية .
قال لها أمرا :
- "آنى" ؟ هل ستنزعين تلك الملابس اللعينة ؟ نعم أم عليك اللعنة ؟
- لا . . ولا تحت تهديد المسدس !
فهمت أنه ليس من السهل أن تثنى "شيز بودين" ، ولم يضايقها أن يتمادى الرجل فى اصراره إلى أقصى الحدود . .انتهى بها الأمر إلى أن قالت له :
- حسنا . . لقد انتصرت على مبادئى ولكن لا جدوى على الإطلاق من أن أصر على التمسك برأيى وإلا أين أستطيع أن أذهب بعد أن قطعت آلاف الأميال حتى أقابلك ؟
بدأت فى خلع حذاء التنس والبنطلون الجينز ، ثم سألته وهى تشير إلى الباب :
- هل يمكن أن تخرج ؟ما دمت ستذهب على أية حال فإننى سأناولك ملابسى من وراء الباب عندما انتهى .
دهش "شيز" عندما وجد نفسه يعبر الباب ، اللعنة عليها .. كم هى متسلطة وآمرة ! من بين كل الفضائل التى حاولوا أن يعلموها له كانت الطاعة آخر ما يمكنه أن يفعلها نظر إليها وهى تفك حزام البنطلون إن هذه اللعينة لها طريقة خاصة تجعله يخرج عن شعوره . قال لها فى تهكم :
- هل تحبين أن أساعدك ؟
تجاهلته وأخذت تواصل عملية خلع ملابسها ، ولم يجد أمامه سوى أن ينتظر خلف الباب حتى تعطيه ملابسها ، وعندما تأخرت صاح فيها فى غضب :
- يجب أن أذهب . . فلم أعد أطيق الانتظار .
نظرت "آنى" فى ذهول إلى الباب الذى صفقه بعنف قبل أن يرحل ، كانت تتحرق فضولا لتعرف أين سيذهب . . ثم لماذا هذا الغضب المفاجئ ؟ هل كان يخشى أن يغرق ويرتكب حماقة تهز صورته فى عينيها ؟ هل هذا ممكن ؟ ثم ما هذا التغيير المفاجئ فى مسلكه ؟ ما هى مشكلة هذا الرجل ؟ النساء ؟ أم "آنى ويلز" ؟ أم كليهما؟
أخذ "شيز" فى الخارج يتنفس فى صعوبة . . إن مشكلته الان أن يجد الأكسجين الكافى ليعود إلى صوابه .
عاد وطرق الباب بعنف :
- إننى لا زلت فى انتظار ملابسك حتى أنشرها لتجف .
قالت له وهى تناوله الملابس :
- لقد فعلت ما تريد . . هل أنت راض ؟
راض ؟ انها ليست الكلمة المناسبة لحالته .
نادت "آنى" :
- تعال هنا يا "شادو"
منذ أن غادر صاحب الكلب المنزل لم يترك مكانه أمام الباب . نظر إليها كلب الرعى الاسكتلندى من نوع "كولى" نظرة متعبة وغير راضية وكأنه يحملها المسؤولية عن رحيل سيده ، وربما لأسباب أخرى .
شملت "آنى" الغرفة بنظراتها ، كانت حجرة فقيرة وعارية جعلت الرجفة تسرى فى اعضائها ، لم يكن على الجدار سوى بندقيتين معلقتين . . لا يوجد لوحات ولا ستائر ولا لمسة ألوان تعطى بهجة للمكان .
لقد كان التقشف باديا على المكان وكأنه دير أو مكان عبادة لناسك .
لسبب ما اختار "شادو" تلك اللحظة حتى يترك موقعه . وعندما عبرت الحجرة لتفحص ركن المطبخ عن قرب سار الكلب بجوارها خطوة خطوة ، وأحست بأنفاسه تصطدم بقدميها الحافيتين ، تركته "آنى" يتبعها وبدا الكلب يحتك بها وكأنه يحاول جذب انتباهها قالت له وهى تحد رأسه :
- إنك ظرف أيها الكلب .
مالت عليه لتداعبه واجتاحتها موجة من العواطف والانفعالات عندما بدأ الكلب يلعق وجهها ، هذه أول مرة يظهر لها أحد بعض الحرارة والحفاوة منذ بدأت رحلتها الطويلة . كم هو رائع أن تجد مخلوقا حيا بجوارها ، إنها تحس بأنها فى بيتها أو هذا على الأقل ما تخيلته لأنها فى الحقيقة لم تعش حياة عادية .
تمنت فقط لو أن هذا البيت أقل برودة مما هو عليه وأقل تقشفا .. إنه ليس على الاطلاق المنزل الذى تخيلته ، لقد تصورته فى صورة شاليه صغير ، وظريف ، وبه ستائر على النوافذ ، وبالتأكيد تصورت نفسها واقفة فى المطبخ تعد إفطارا شهيا ودسما . ثم ماذا عن رجل البيت ؟ هل هو حبيبها راعى البقر ؟ تصورته وصدره عار يقطع الخشب من أجل نيران المدفأة .
توقع الكلب مداعباتها . وقالت له فى حزن وكأنها تتقبل منه العزاء فى مصاب جلل ك
- شكرا .. اخشى ألا يتذكرنى سيدك إذ أنه ليست لديه الرغبة فى ذلك .
أحست بموجة من الخوف تغمرها ، وجذبت الكلب الاسكتلندى نحوها . تساءلت فى رعب ماذا سيكون الحال فيما لو رفض "شيز" مساعدتها ؟ إنها ستجد نفسها مقيدة اليدين والقدمين تحت رحمة رجال الهجرة .
ولقد سمعت الكثير حول هذا الموضوع . سرت رجفة كالثلج فى جسدها .. إنهم سيعيدونها إلى "كوستاريكا" هل هذا ما سيحدث لها بعد السنوات الخمس الأخيرة التى كانت عبارة عن كابوس مستمر ؟
أحست بعظامها مثلجة حتى النخاع ، لفت نفسها فى بطانية .. كم من الوقت مضى بدون ان تتناول شيئا من الطعام ؟ ربما بضعة أيام . إنها بدأت تفقد إحساسها بالوقت والأشياء بدأت تختلط فى ذهنها وتزداد موضا وكأنها وسط غمامة ، ثم أمامها نوم عميق وطويل لابد أن تعوض به سهر الايام والليالى .. إنها منهكة ، ولكن لا مجال أمامها لأن تستسلم ، ما دامت لم تعثر بعد على حل لمشكلتها . قالت لتسأل نفسها – بينما أخذ الكلب مكانه بجوارها :
- ما الذى سأفعله ؟
نظر إليها الكلب بعينين بنيتين واسعتين مليئتين بالتعاطف والحزن على اليأس الذى غمرها وأغرقها ثم أراح رأسه على ركبتها .
التعاطف ؟ إن تلك الكلمة جعلتها ترتجف حتى أعماق نفسها ، وجسدها ، وكأن الكلمة أرسلت إليها بواسطة تدخل سماوى غامض
أخذت تردد بصوت عال :
- إنها نهاية الزمان .
وفجأة عرفت ما الذى عليها أن تفعله ، إنها تعرف .. قالت لـ "شادو" وابتسامة واسعة تعلو شفتيها :
- شكرا .. أنت تعرف كذلك يا "شادو" .. أليس كذلك ؟ أنت تفهم ! سأقوم بإغراء سيدك . ولا يوجد حل آخر .
أخذ قلبها يدق بسرعة مضاعفة داخل صدرها وهى تدرس السؤال من جميع نواحيه . أن تغوى "شيز بودين" ؟ ولكن كيف تفعل ذلك ؟ وهل توجد امرأة فى العالم قادرة على إخضاع ذلك الرجل المصنوع من الفولاذ ؟ هل تستطيع أن تجعل نفسها مرغوبة لدرجة إخضاعه ؟ ربما تعتبر رغبتها هذه حقيقة وواقعا ، ولكن بداخلها شئ ما يؤمن بأنها لو أغوت "شيز" فستعود إليه الذاكرة . عندئذ لن يدعى أنها ليست ذات أهمية لديه ... أليس كذلك ؟ إنه لن يستطيع وقتها أن يدعى أنها غير موجودة . قالت فى نفسها : إن ذلك لن يكون هينا ، كيف يمكنها أن تغوى رجلا لا يريد أن يقيم معها فى بيت واحد ؟
رغم تحفظ "شيز" الواضح هى لا تعرف شيئا عن الاغواء ، ومحاولة إجباره على الاعتراف بالزواج بها ، إنها لا تعرف شيئا عن الرجال ! لا شئ على الاطلاق ، فهى فى الوقت الذى كانت الفتيات الشابات يتلقين مغازلاتهن الاولى كانت تقوم بتعليم القراءة والكتابة لصغار الهنود الحمر فى الدير ، وإذا كانت قد أحست بأنها أثارت "شيز" أثناء عملية إجبارها على خلع ملابسها فإن ذلك كان مجرد مصادفة سعيدة ، إنها لا تعرف كيف تفعل ما لم يساعدها الرجل على اتخاذ الخطوات اللازمة والمناسبة ، ومن الواضح الجلى أن "شيز" مصمم على عدم إتخاذ أى خطوة فى هذا الشأن .
تذكرت قول الأم الكبرى فى الدير فى "كوستاريكا" :
- يجب أن تعرفى كيف تنتقلين إلى الفعل إذا رغبت فى تحقيق أهدافك .
فتحت "آنى" فجأة عينيها على اتساعهما .. لقد تحدث "شيز" عن الحمام .. أليس كذلك ؟ وجدت ما كانت تبحث عنه فى حمام ضيق ، لا يزيد حجمه عن دوب ملابس ، إنه ليس ما كانت تأمله وتهفو إليه ، ولكن هذا لم يحبطها ويمنعها من ان تقوم ببعض الزينة .
قالت فى نفسها ، وهى تدعك جسدها بقوة حتى تشعر ببعض الحرارة حيث كان الماء باردا . حتى بعد كل تلك السنوات من الحياة الجافة داخل الدير فى معاناة ومحنة وحرمان ، أحست ببعض الذنب عندما وجدت سعادة فى أخذها حماما ، تساءلت وهى تتأمل مدى بساطة ملابسها وخلوها من أى تطريز أو أى قطعة حريرية .. هل الفضيلة هى أحسن مكافأة لها حقا ؟ أخذت تدعك شعرها بقوة .. تساءلت أيضا أى فرصة أمام امرأة زرية الملابس مثلها فى إغواء رجل عنيد مثل "شيز بودين" .
انتهز "شيز" فرصة مروره بالمدينة ، ليحاول الانضمام إلى رفاقه القدامى ، ولكن دون جدوى لقد كان "جونى" يشهد أمام المحكمة الاستئنافية ، بينما رحل "جيوف" فى مهمة سرية للغاية إلى مكان ما فى الشرق الاقصى .
ترك لهما "شيز" رسالتين عاجلتين ، بل إنه استخدم شفرة قديمة خاصة حتى يجعلهما يفهمان أن هناك أمرا عاجلا ، أمرا عليه يعتمد حياته .. ربما لن يستسيغا طريقته وتكتيكاته عندما يعرفان نهاية الأمر ، ولكن عليهما اللعنة ، فإن حياته هى التى تتعرض للخطر !
هناك امرأة تقيم تحت سقف بيته وتدعى لها حقوقا زوجية عليه وعلى بيته وحياته ! إن هذا الوضع لا يسعده على الاطلاق ، ثم إنه لا يحب تلك الرغبة التى تدفعه إلى محاولة أن يعود إليها بسرعة . فى الحقيقة لم تكن "آنى" هى التى يتحرق شوقا للقائها ، إنها ليست المرأة التى وضعته فى هذا الوضع المثير والمضطرب ، وإنما كل تلك المجموعة من الانفعالات والعواطف التى أحضرتها معها . إنها تمثل تهديدا لنمط حياته ولسلام روحه.
لابد أن يمسك بزمام الأمور بين يديه . استعاد – للحظات – المنظر الذى شاهده قبل أن يغادر البيت .
يا له من أحمق شرير ! قال فى نفسه : إنه لا يجب أن يخدع نفسه فهو فعلا يتحرق شوقا لأن يعود إليها ويراها .
لم ينتبه إلى جمال السماء الأرجوانية واستدار وحمل أكياس المؤونة ، وعندما عبر عتبة الباب أعتقد أنه مستعد لتلقى أى مفاجأة ، تخيلها نائمة فى السرير وقد تكومت مثل الهرة الصغيرة ، أو طارت هاربة ومعها كل ثروته ، أو ربما توجه نحوه ماسورة مسدسها ، ولكن لم يخطر على باله أن يجدها لا تزال فى الحمام .
وقف "شيز" مذهولا تحت تأثير الصدمة ، إن العواطف التى أثارتها فيه كانت مزيجا من البراءة والمكر . أعادته إلى فترة سن المراهقة بما فيها من ممنوعات ... كان يسعى دائما للحصول عليها مثله مثل أترابه ، وتذكر الأفلام والصور التى كان يشاهدها خلسة مع رفاقه فى مخزن الغلال أو أسفل الدرج ، أخذ يعنف نفسه : عليك أن تتعقل يا راعى البقر قبل أن تسقط أكياس المؤونة من يديك !
وضع أكياس البقالة والتموين على مائدة البوفيه ثم سألها من وراء باب الحمام :
- "آنى" ... ولكن أخبرينى ماذا يجرى ؟
ردت عليه وهى ترتدى ملابسها الداخلية التى لم تعطها له لينشرها حتى تجف :
- إننى آخذ حماما .
عندما خرجت من الحمام وعليها القليل من الملابس ذهل من التباين الواضح بين بشرتها العاجية بلون اللبن واحمرار شعرها الطويل . أسعده الحظ وتمالك نفسه حتى لا يأتى بعمل يندم عليه فيما بعد .
لقد أحس بنبضه يتسارع والدماء تندفع داخل شرايينه بعنف وهو يراقبها ، إنها جنية البحر التى طالما قرأ عنها فى طفولته ، والتى تظهر لتخطف الرجال وتذهب بهم إلى أعماق البحر .
كانت الشابة واقفة عند نهاية الحجرة ، وكان من الواضح أنها لا تشعر بالخجل او الضيق من مفاجأته لها وهى فى تلك الحالة التى لم يسبق أن وجدت نفسها فيها أيام الدير ، وما بعد الدير . ومع ذلك إذا كان ما قالته عن الحياة فى الدير صحيحا فلابد أنها لم تشاهد رجالا كثيرين ، بل إنها لم يكن لها الحق فى أن تأخذ حماما وهى عارية .
هكذا علمتها الأخوات الصالحات . فالجسد عورة وخطيئة يجب أن تسترها وألا تعرضها للرؤية حتى لنفسها . قال لها بلهجة جافة :
- جففى نفسك .. وارتدى بقية ملابسك .
قالت له فى هدوء :
- ولكن ليس لدى ما أرتديه ... لقد انتزعت منى ملابسى .
خلع "شيز" قميصه وناوله لها وقال لها :
- ليس أمامك سوى أن ترتدى هذا القميص وسأقوم بترتيب المؤونة والتموين .
تركت القميص يسقط عند قدميها ، وجدحته طويلا دون أن تأتى بأى حركة لتستعيده قالت له بصوت مرتجف ورقيق :
- لدى فكرة أفضل .. لماذا لا نرتب تلك الأشياء معا ؟ ...
أنت تقرأ
زواج بالقــوة ) للكاتبة فلورنس كامبل
Romansaأطلقت "آنى" زفرة طويلة وقالت لـ "جونى" : - ولكن "شيز" لا يتذكرنى . ولا يتذكر ما حدث بيننا . . إنه يريد إلغاء الزواج . - وأنت لا تريدين ذلك . أليس كذلك ؟ قالت وقد زاد نشيجها وارتفع عويلها : - أنا أحبه . . أعتقد أن هذا واضح . . أليس كذلك ؟ - بلى هذا و...