- حركة واحدة وتصبح رجلا ميتا .
ألقى "شيز" نظرة من فوق كتفه ثم تردد فترة قبل أن يجيب :
- انت لم تكن أبدا قناصا ماهرا يا "جاك" .
- الق بسوطك أرضا يا "شيز بودين" !
فتح "شيز" يده وترك السوط ينزلق للأرض . سأله "جاك لابواز" :
- كيف خمنت ان لدى مخبأ في المنجم القديم ؟
- إنه الإلهام يا "جاك" .... الإلهام !أتعرف ما هو ؟ ثم إنني تذكرت المرة الأخيرة التى وضعت فيها يدى عليك أنك كنت مغطى بالطين ، واستنتجت من ذلك أنك كنت تحفر بئرا عميقة في الأرض ، وأنك كنت تبحث عن شئ ما ، وأنك ستعود مرة ثانية إلى نفس المكان إذا أتيحت لك فرصة الهرب ... إن هذا هو الذكاء يا "جاك" وأنت طبعا محروم من الذكاء لأنك تجسد الغباء الشديد وكل الناس يعرفون ذلك فيما عداك أنت لأنك تظن نفسك ماكرا وذكيا .
- أنت ماكر جدا يا "شيز" ولهذا السبب على أن أفعل شيئا أشعر بالندم عليه من الآن . سأضع رصاصة في مخك ، فقد يهدئ ذلك من ذكائك بعض الشئ .
ربما كان "جاك" محدود الذكاء حقا ، ولكن لن يتردد لحظة فى ارتكاب جريمة قتل بأعصاب باردة ، باعتباره مجرما بالطبيعة . والجميع يعلمون ذلك بما فيهم "شيز" طبعا .
- هل تعلم ماذا ينتظرك يا "جاك" لو أنك أضفت جريمة القتل إلى خطاياك التى لا تعد ولا تحصى ؟
- هذا يعتمد على وجهة النظر الخاصة بكل منا ، ليست لدى أى نية فى أن يتم القبض على هل فهمت ؟ لقد بدأ الكيل يطفح بى .
فجأة أحس "شيز" بعدم رغبته على الاطلاق فى أم يموت وأنه يريد أن يستمر متمتعا بالحياة ... لقد كان المستقبل ممهدا أمامه تماما ... وقدره الذى ينتظره فى البيت اسمه "آنى" !
"آنى" ؟ هل بسببها يريد أن يستمر على قيد الحياة ؟ من أجل تلك المرأة التى حولت حياته إلى جحيم ؟ المرأة التى تجرى المصائب والكوارث فى دمائها ، ولا تتنفس إلا المحن والمشاكل ؟ ولكن عليه أن يقنع نفسه بالعكس ، وان يتقبلها رغم ان كل ما فيها يدعوه الى كرهها .
إن كل شئ يقوده الآن الى مصيره المحتوم معها . ربما كانت "آنى ويلز" لا تحتمل ، ولكنه لا يتحمل ابدا فكرة ألا يراها مرة ثانية .
قال "جاك لابواز" فى ضجر :
- هل تسمعنى يا "شيز بودين " ؟
احس "شيز" بماسورة المدفع الرشاش فى عنقه . إنه فى لمح البصر يمكن أن يسقط صريعا على الأرض . حتى قبل أن يفتح فمه . فجأة سقط على الأرض والتقط سوطه ، ولفه حول ساقى "جاك" الذى فقد توازنه ، وانهار مثل قطعة خشب أفسدها السوس ، صاح فى لهجة انتصار :
- هذا هو العمل الحق يا "جاك" ، يجب أن أحطمك قطعا ... يجب أن أفرغ بندقيتك فى رأسك الخاوى ، ولكن الرجل الذى أمامك يا "جاك" أمامه المستقبل كله ، وهذا هو السبب الوحيد الذى يدفعنى لأن أبقى على حياتك التى لا تساوى شيئا .
# # # #
- أين أنت يا "آنى" .
لقد اختفى جوادى ... ربما عادت إلى البيت أو أنها تاهت وسط التلال .
بدأ "شيز" رحلته و "شادو" فى أعقابه .
فى المنزل لم يعثر "شيز" على أى أثر لها ، جره "شادو" إلى حجرته . صاح "شيز" فى هلع وهو يرى باب الحجرة السرى مفتوحا لا يمكن أن يحدث الأمر مرتين .... ألم تسمع تلك المرأة الرهيبة المثل الذى يقول : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين .
ذهب يبحث عن كشاف ضوء يعمل بالبطارية فى المطبخ ، ثم توغل فى النفق ، صاح ، وهو يقترب من الهوة :
- "آنى" هل أنت بخير !
عندما وجه ضوء الكشاف نحوها وجدها تبتسم ابتسامة عريضة وقالت :
- "شيز" ؟ هل عدت ؟ ... متى عدت ؟ أنا و "جونى" كنا فقط ....
ثم أضافت بعد لحظات من التوقف :
- هل أنت بخير ؟
تردد لحظات قبل أن يفهم ماذا تعنى ، سألها :
- " جونى " ؟ "جونى" من ؟
- أنا هنا أيها العجوز !
- "ستارهوك" !
أوشك الكشاف الضوئى أن يفلت من يد "شيز" ، وهو يحاول البحث عن وجه صديقه القديم .
- "ستارهوك" ؟ ولكن ما الذى تصنعه عندك ؟ ومعها ؟
شرحت "آنى" :
- لقد سقط فى الهوة .... إن الأمر يطول شرحه . ولكنى أردت ان اساعده وأخرجه من الهوة فسقطت بدورى .
قاطعها "شيز" قائلا :
- دقيقة واحدة ... سأذهب لأحصل على السلم المصنوع من الجبال .
رد عليه "جونى" :
- الأمر لا يستدعى العجلة ، لقد اكتشفنا أنا و "آنى" أن بيننا أمورا كثيرة مشتركة .
سأله "شيز" فى ارتياب :
- ماذا يعنى هذا الذى تقوله ؟
- لا داعى للثورة ... إنها تحب الطعام الملئ بالتوابل . وأنا كذلك . هذا كل ما هناك .
- هل أنت واثق بأن هذا كل ما هناك ؟
- آه ... نعم ... إننا نحب أيضا أفلام الغرب ورعاة البقر .... أليس هذا صحيحا يا "آنى" ، ثم ....
- ثم ماذا ؟
صاحت "آنى" :
- "شيز" هل قررت أن تخرجنا من هنا أم لا ؟
- ليس قبل أن أحصل على الاجابة ... وماذا بعد ؟
- هل انت واثق بأنك تريد الإجابة يا "بودين" ؟
- هيا انطقها يا "ستارهوك "
- حسنا يا راعى البقر ، لقد جلبته على نفسك ، ان صغيرتك "آنى" تعشق الهنود الحمر ، إن الآنسة المحترمة لديها ذوق رائع حقا . وإذا لم تتزوجها فإننى سأفعل ، هل رأيت عينيها ؟ إنهما مذهلتان ! لم يسبق لى أن رأيت عينين فى مثل زرقتهما .
- لا تتعب نفسك فقد لاحظت ذلك بنفسى ، ولكن أعتقد أنك نسيت شيئا يا "جونى" .
كان يتحدث بصوت معسول ماكر :
- إننا متزوجان فعلا .
لم يستطع "ستارهوك " أن يخفى ابتسامته العريضة التى ملأت وجهه ، قال :
- هل نسيت أننى محام ؟ لقد قمت بإلغاء العديد من الزيجات .
- لقد فات الأوان أيها العجوز ... لقد تم زواجنا رسميا بالأمس .
صاحت "آنى" :
- "شيز" ! ألا تعتبر أن الأمر بيننا شخصى جدا ؟ هيا أخرجنا من هنا !
ذهب "شيز" لإحضار السلم المصنوع من الحبال ، ولكن ما إن أتم عملية إخراجهما من الحفرة بعد جهد حتى أراد ان يستأنف حديثه مع صديقه القديم "جونى" ، ومساعده السابق ، قال "جونى" له :
- انت متزوج ؟ كم أحب أن أرى ذلك يحدث ، انت عاجز على أن تسعد اى امرأة .
حبست "آنى" أنفاسها ، لقد شاهدته يقتل رجلا فى "كوستاريكا" ولكنها لم تره أبدا وقد امتلأت نظراته بكل هذه الكراهية ، أصابها الهلع وارتجفت وصاحت :
- لا ! .... هذا يكفى ... أنتما الاثنان ! أنا لن أتزوج أيا منكما ... أليس هذا واضحا ؟
# # # #
فتح "شيز" الباب وخرج وقد تبعه "جونى" خطوة بخطوة . سألته "آنى" :
- هاى ! أين أنت ذاهب ؟
- سأجرى رهانا مع هذا الخبيث لأحدد مصيره .
- حسنا جدا ... سآتى معكما .... ربما تحتاجان إلى يد المساعدة .
قهقه الرجلان عاليا وكل منهما يضرب الآخر على ظهره .
تضايقت "آنى" وعادت إلى البيت . وشاهدت سوط "شيز" فى أحد الأركان ، وتساءلت إن كان أحد قد استعمله معه . صاحت تناديه :
- "شيز" !
رد عليها وقد لمح السوط فى يدها :
- "آنى" ؟ ما الذى تصنعينه ؟
قالت – وهى تحرك السوط فى كل اتجاه – "
- سأفعل ما يجب أن أفعله . لا تتحرك يا راعى البقر ! أنت لن تذهب إلى أى مكان بدونى .
أخذت تلوح بالسوط وكان لديها نية استعماله . قال "جونى" بصوت ممطوط :
- يبدو انها جادة .
- كونى عاقلة يا "آنى" ... إن تحت يدى لص ماشية تعود على الهروب .
- لا ... إن عندك زوجة وهى موجودة هنا . إن اصك الخبيث يمكنه ان ينتظر .
تدخل مساعده "جونى" قائلا ... وقد أصابه الهلع :
- "بودين" ! أنت لم تقل لى إنها تستطيع استخدام السوط ! إننى أنهار .
لم تدع "آنى" نفسها تنخدع بالمجاملة الصادرة من مساعد "شيز" وصديقه العجوز ، استدارت نحو "جونى" وقالت له – بصوت رقيق ولكنه حازم :
- كم هو رائع أن ألقاك بعد كل تلك السنوات . ولكن أرجوك أن تتركنا ... هل هذا ممكن ؟ إن لدينا أنا و "ششز" كلمتين نتبادلهما .
ابتسم "شيز" بدت مثل " كلامتى جينى" الشهيرة فى أحد أيامها العصبية مزاجها العكر .
قال لها أخيرا وهو يهم بالخطو نحوها :
- ضعى هذا جانبا يا "آنى" فقد تتسببين فى إصابة أحد .
لم تعطه الفرصة ليكمل عبارته وطرقعت السوط فانتزعت قبعته العريضة الخاصة برعاة البقر .
همهم "جونى" :
- اللعنة !
ظل "شيز" مسمرا فى مكانه ، كان من الممكن أن تتسبب فى خلع إحدى عينيه ! كان يصارع ثورة من الغضب العارم التى انطلقت بداخله ولكن الأمر كان أقوى منه .... لقد بدت فاتنة ، إنه لم يسببق له ان رأى امرأة فى جاذبيتها وأنوثتها العارمة .
قال "شيز" موجها الحديث لمساعده القديم :
- هل يمكنك أن تعنى بـ "جاك لابواز " إن أمامى امرأة فى حاجة إلى .
همهم "جونى" ... وهو يصعد إلى سيارته :
- حسنا ! حسنا ! سأذهب إلى الفندق ، وإذا احتجت إلى فما عليك إلا ان تشير .
ثم استدار نحو "آنى" وقال :
- كونى لطيفة معه يا "آنى" فهو على أية حال زوجك المسكين .
ابتعدت السيارة "البيك آب" القديمة الخاصة بـ "شيز" وقد أثارت عاصفة من الغبار العالى والكثيف ، قالت "آنى" لـ "شيز" :
- إننى أمنعك من الاقتراب ما دمت لم تجب على سؤالى .
- ولكن يا "آنى" انت تعرفين جيدا أننى لا أهتم باللصوص ! وأنت تعرفين أيضا أنك الشئ الوحيد المهم عندى يا ملاكى ، إن رغبتى الوحيدة هى أن أسعدك .
- كف يا "شيز" أرجوك .......... أرجوك . إننى أنتظر تفسيرا ، أريد أن أعرف لماذا ذهبت وقصصت كل شئ على "جونى" ... إننا متزوجان وإننا عشنا حياة زوجية كاملة .
- حسنا جدا ... نحن متزوجان .
عندما أدرك ما يزعجها اتسعت ابتسامته :
- انت تعرفين جيدا أن حبنا اكتمل الليلة الماضية ، وأننى لن أنساها أبد الدهر يا "آنى" .
كان يحاول إثارتها ، وذكرها بكل اللحظات السعيدة فى الليلة الماضية . أول ليلة حب حقيقى فى حياتهما الزوجية . كانت تحس بقسوته رغم رقة كلامه .
سألته بصوت حازم :
- اشرح لى يا "بودين" ؟ فى الليلة الماضية لم تكن تريد أن تسمع شيئا عن الزواج والأمومة والستائر الصفراء على نوافذ المطبخ ... هل تذكر هذا أم نسيته ؟
أخذ "شيز" نفسا عميقا حتى يحتفظ بسيطرته على الموقف ثم قال :
- لقد قلت : إننى أحترم الزواج إذا كان هذا ما تريدين وسأذهب إلى مكتب الهجرة وأقول لهم إننى تزوجتك فى "أمريكا الوسطى" . زواج رسمى يا "آنى" أنت زوجتى شرعا ، إنه أمر شرعى ورسمى .
- اسمع يا "شيزط إننى لا أنتظر منك تضحيات . لقد كان باستطاعتى أن أقبل هذا العرض فى أول ليلة ، ولكننى لا أريد ذلك الآن . لقد حدثت أمور كثيرة من وقتها .
كان "شيز" موزعا بين الضحك والدموع من سخرية الموقف الكبير . لقد وقع فى الليلة الماضية أولا تحت تأثير الحب وثانيا لأنه كان قد أوشك على الموت .
لقد انفتح قلبه لها ، لأنه تعلم كيف يعرفها على حقيقتها . قال لها بعد صمت طويل كان خلاله شاردا :
- أنا لا أضحى بشئ يا "آنى" .... لا شئ على الاطلاق نحن متزوجان وهذا بالضبط ما أتمناه .
- أنت ؟ ولماذا ؟
هذا هو السؤال ! لقد كان هو و "آنى" طرفين متضادين ولكنه كان تعلم أن يخسر المعركة ليربح الحرب كلها فى النهاية . لقد تعلم حب المرأة .
قال لها :
- أنا أجد صعوبة فى العثور على الكلمات المناسبة للتعبير عما يدور فى روحى . أعلم أن المرأة تحب أن تسمع من فم الرجل أنه مجنون بحبها ، وأنه لا يستطيع الحياة بدونها . كل ذلك صحيح فى حالتى ، ولكن ليس هذا هو السبب الحقيقى . إن الأمر أكثر بساطة جدا . وليس شاعريا .
أطلق زفرة قوية وهو يحاول ان يعثر على الكلام ، ليعرف شيئا لا يجد له تعريفا ، ثم استانف قائلا :
- إننى أحس بأننى أفضل وأنا بجوارك يا "آنى" يا ملاكى ... هذا كل ما هناك . اعرف أن من الصعب تصديق ذلك عندما أتذكر كيف كان تصرفى فى الايام الماضية ، ولكن الأمر هكذا ببساطة ... أنا لم يسبق لى أبدا أن أحسست بما أحسه الآن معك .
تقطع صوته ، صاحت "آنى" فى لهفة :
- "شيز" !
- انا أحبك يا "آنى"
ولكن "آنى" كانت تحت تأثير صدمة رهيبة ، وقد فقدت توازنها ، لا تستطيع أن تأتى بأى حركة أو تنطق بكلمة . كان لديها شعور بأن شعاعا يفصل بينهما ، ومع ذلك هما قريبان من بعضهما بعضا بشدة .
لقد انتظرت وقتا طويلا حتى إنها وصلت إلى حالة جعلتها لا تصدق ما حدث . قال لها – وهو يمد لها يده :
- تعالى يا "آنى" .
غشيت الدموع عينيها أمام نبرة صوته الدافئة . انها ستكون له ... ليس أمامها أى خيار ، لم يعد هناك أى شئ يمكن أن يفرق بينهما ، إنه يمتلكها روحا وجسدا .
زفرت وهى فريسة خوف لا مبرر له ولا تعرف له تفسيرا :
- يا الهى ! أوه يا "شيز" !
كانت مشلولة وكأنها مسمرة فى مكانها ، ودت لو طارت إليه ولكن ساقيها ثقلتا وكان وزنهما اطنان ولم تطاوعاها . جأة أحست به قريب منها . ألقت ذراعيها حول عنقه ، وهى تهمس فى نفسها :
- لقد اتى إلى ... لقد اتى إلى بمحض ارادته .
قال لها بحنان :
- هل ترغبين فى أن تصبحى زوجتى يا "آنى" ؟ هل تريدين الزواج بى ؟ مرة ثانية ؟
أنت تقرأ
زواج بالقــوة ) للكاتبة فلورنس كامبل
Romanceأطلقت "آنى" زفرة طويلة وقالت لـ "جونى" : - ولكن "شيز" لا يتذكرنى . ولا يتذكر ما حدث بيننا . . إنه يريد إلغاء الزواج . - وأنت لا تريدين ذلك . أليس كذلك ؟ قالت وقد زاد نشيجها وارتفع عويلها : - أنا أحبه . . أعتقد أن هذا واضح . . أليس كذلك ؟ - بلى هذا و...