كم انت حي ?

197 19 7
                                    

قصَّ لي شاب: تطوّعت لخدمة الشيخ بهجت(قده) فكنت أقدّم الشاي في مجلسه العزائي، وكنت حينها في الثانوية. سافرت مرّةً بضعة أيام إلى مشهد للزيارة، وبعد عودتي ذهبتُ إلى الشيخ(قده) في حاجة وقلت له: «لقد كنتُ في مشهد.» قال: «طيّب، هل شاهدتَ الإمام الرضا(ع) لدى دخولك المقام؟» قلت: «كلا.. بالتأكيد لم أرَ الإمام.. بل زُرتُه!» قال: «ألَم ترَه حتّى في المنام أثناء مقامك في مشهد؟!» قلت: «كلا.» قال: «يعني أنك لم ترَه إلى الآن رغم كل سفراتك هذه إلى مشهد؟!!» قلت: «لا.» قال: «عجيب! إذن أنت لم تزُر مشهد إلى الآن!!»

لماذا، يا رفاق، لا تتوقّعون ملاقاة الحسين(ع) كل ليلة؟! أمثالي فاتتهم الفرصة، ولا يصيرون آدميين، لكن ماذا عنكم؟ يا أبا عبد الله، أتيناك وأحوالنا في شدّة التعاسة لكن نريد هذه المرة أن نبدأ بآمال عريضة جداً.

هل ستمرّ عشرة محرم هذه أيضاً دون أن نسمع صوتَك؟! كم أنتَ حي؟!

يقول لك الدين: حياتك ذات أهمية، فسَمِّنها! كُن حيّاً جداً! خُذ من الحياة نصيباً عظيماً! الله يستاء من العبد الذي لا يجني من حياته نصيباً.. ضخماً.

القرآن يصرّح بأن هناك حياتين. هل تدري ماذا سيحصل إذا فُتحَت عينُ قلبك؟ أو تفتّحَت أُذُن روحك؟ أو ماذا سيحدث لو صارت يدُك يدَ الله؟ أو ماذا ستفعل على نجوم السماء إذا غَدَت قدمُك قدماً إلهية؟ هل تعلم إلى أين يمكن أن يصل إدراكُك؟ «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً.» يقول الدين للإنسان: «انظر.. عليكَ أن تكونَ في منتهى الحياة!» فحياتك هذه ليسَت حياةً، أنت تعيش كالجمادات، لم ترتفع عن الحيوانات غيرَ شَعرة.

«فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً.» يقول العلامة الطباطبائي(ره): الحياة الطيبة لا تعني: أنني أُنَقّي له حياته هذه، بل يقول الله: «فَلَنُحيِيَنَّه»، أي سأمنحه حياة أخرى، بل إن تلك الحياة تختلف تماماً عن هذه، إنه سيولَد من جديد، سيخرج من رَحِم أُمّه «الطبيعة»، سيتحرّر بالكامل، سيُقطع حبلُه السُرّي من رَحِم الطبيعة! سيكون قادراً على السير.. على النطق.. على السماع.. على الإبصار، سيأكل الطعام.. سينمو. يقول لك الدين: حياتك ذات أهمية، فسَمِّنها! كُن حيّاً جداً! إربَح من الحياة ربحاً عظيماً! الله يستاء من العبد الذي لا يجني من حياته ربحاً.. ضخماً حسنٌ، أوّد أن اُناجي الله قليلاً في ضوء هذه الآية. تشرع بعض آيات القرآن بالقول: «صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ!» أي طُرشان، خُرسان، عُميان.

نعم، نحن لسنا عُمياناً.. الحمد الله، فلقد قلتَ يا ربي: من آمن واتقى فإن «أولئك هم المفلحون»، أما الباقون فهم صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ.

طيّب، إذن أنا الآن لستُ أطرش وأخرس وأعمى، الحمد لله. لكن إلى أيّ حد عيني مفتوحة؟! نعم، عيني تُبصر، لكن كَم تُبصر؟ كم تسمع أذني؟ إلى أيّ مدى أنا حي؟ إلى أي مدى؟ ما مدى إحساسي بأن الإمام الحسين(ع) يقترب من كربلاء؟ كم أنا أشعر بقلب صاحب الزمان(عج)؟ هذا القلب قريب مني جدّاً.

إن بإمكانه(ع) أن يسألني: «لماذا لم تفهم إحساسي؟!» قال أحدهم للإمام الصادق(ع): «سيدي، صدري يضيق تارة ويفرح تارة، ولا أعلم السبب!» فقال(ع): «نحن أهلُ البيت أئمّتُك فمن الطبيعي أن ينقبض صدرُك إذا انقبضَت صدورنا وإذا سُرِرنا فإنك تفرَح!» بل وفوق ذلك، إنك ستفهم أيضاً ما سبب فرح صاحب الزمان(عج)! فقط كُن حيّاً! يا أخي، عِش قليلاً!

✨الشيخ بناهيان✨حيث تعيش القصص. اكتشف الآن