"انتظر حتى تنعم بغزارة العلم.. حتى تنال كثرة الإيمان.. حتى تحظى بوفرة الحب.. ومن ثم اعمَل!" هذا خطأ. فِكرَتُنا عن "العمل" هي أننا نظن أن العمل هو ثمرةٌ للعِلم والإيمان وأنّ علينا دوماً أن نزداد علماً وإيماناً كي نجني هذه الثمرة! هذا خطأ..
تسأله: لِمَ لا تأتي بهذا الفعل؟
يقول: لَم أصبح عاشقاً بعد!!
ـ لِمَ لا تُصَلِّ صلاة الليل؟
ـ لا مَيل لي إليها!
أقول له: لِمَ لا تمارس هذه الأعمال؟
يقول: لم أدرس الموضوع من كل أبعاده!ـ إنك تمارس طوال اليوم ألف عمل وعمل دون دراسة أبعادها فما إن تأتي إلى الدين حتى تتفلسَف؟! وتريد أن تتعمّق في حِكمة كل عمل؟! فما بال الأعمال الأخرى التي تقوم بها؟ كيف تمارسها؟ إنك تمارسها بذرّة من الفهم.. بذرّة من الرغبة..
"انتظر حتى تنعم بغزارة العلم، والإيمان، والحب ومن ثم اعمَل!" هذا خطأ. لا تدري أن هذا العمل، هذا العمل نفسُه، كم فيه من فوائد. فَلآتِك بمثال.. تَمُرّ بمحاذاة جدار في زقاق، لا تحدوك رغبة إليه ولا تريد أن تحبَّه، ولم يؤلّفوا لك فيه الكتب أن: "تعلَّق بهذا الجدار فهو تارة حجري وأخرى قرميدي، وطوراً بلون كذا وحيناً بلون كذا.. أَحبَّه.. سأُنشدك فيه شعراً..!" كلا، بل هو جدار مررتَ من جانبه سنةً، سنتين، ثلاث سنوات.. كان طريق ابتدائيتك من هنا، أو ثانويتك، أو كُلّيتك.. ثم فارقتَه.. وبعد سنوات: آآآه.. إنه الجدااار..!
ـ ماذا دهاك؟
ـ ذابَ فؤادي..!
ـ ما الذي جعلكَ تهيم حُباً؟
ـ لطالما مررتُ بمحاذاة هذا الجدار!!مجرّد جدار!.. جدار!.. أتفهَم؟! مجرّد جدار!..
أتريدُ أن تعشق؟ مارس سلوكاً ما.. سلوكاً ما! تريد أن تعشق ماذا؟ مُرَّ بمحاذاته كل يوم.. انظر إليه يوميّاً.. في ساعة معيّنة.. "انتظر حتى تنعم بغزارة العلم، والإيمان، والحب ومن ثم اعمَل!" هذا خطأ. كم عاماً وأنت تردّد كل صباح: "صلّى الله عليك يا أبا عبد الله" في ساعة معيّنة؟ مررتَ يومياً بمحاذاة جدار فأحببتَه..!
حبيبي يا حسين.. أريد أن أعتاد عليك.. كي أعشقك.. حبيبي يا حسين.. أريد أن أتعوّد عليك.. كي أكون عارفاً بك.. كم نحتاج من العلم؟ القليل جداً، وكم نحتاج من العمل؟ الكثير.. كم نحتاج من الإيمان؟ بمقدار قطرة.. وكم نحتاج من العمل؟ بقدر البحر..! والباقي يستقيم بالعمل..