عاقبة القوم الذين تركوا إمامهم وحيداً..
لا إله إلا الله. اسمعوا مني هذه القصة المخيفة.
عاقبة القوم الذين رضوا بالحد الأدنى من كل شيء..
أمير المؤمنين(ع) خطب في الناس.. أمير المؤمنين(ع) بثَّ غُصَص صدره.. أمير المؤمنين(ع) راح يئنّ أمام الناس.. أمير المؤمنين(ع) بلغ ذروة الشكوى.. أمير المؤمنين(ع) ترك الناس.. أمير المؤمنين(ع) أخذ يناجي ربّه على مرأى من الناس.. وضع المصحف على رأسه وبدأ يخاطب الله أمامهم وجرَت هذه الكلمات على لسانه: «اللَّهُمَ قَدْ مَنَعُونِي مَا فِيهِ فَأَعْطِنِي مَا فِيه»، اللهم إنك تعلم أن هؤلاء القوم منعوني من الحق الذي أعطيتنيه في كتابك.يقول الراوي: حتّى رأيت أوراق المصحف تقلّبها الريح فوق رأسه(ع). «اللَّهُمَّ قَدْ أَبْغَضْتُهُمْ وَأَبْغَضُونِي»، إلهي، أنت تعلم أنني أبغض هؤلاء القوم، وتعلم أنهم يبغضونني أيضاً. «وَمَلِلْتُهُمْ وَ مَلُّونِي»، اللهم إنك تعلم أنني قد سئمتهم. ثم يصيح: وتعلم أنهم قد سئموني أيضاً.
ثم نادى ربّه والمصحف فوق رأسه: إلهي خذ عليّاً من هؤلاء وأعطهم مَن هو شرٌّ منه: «أَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي»، وخذهم مني وأعطني في رضوانك وقربك خيراً منهم: «فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُم».
فماذا كانت مشكلة علي بن أبي طالب(ع) مع الناس يا أصدقائي؟ ماذا كانت المشلكة؟ أين كانت مشكلته؟ كانوا يقولون له: يا علي، إلى أين تريد أخذنا لإيصالنا إلى الحدّ الأعلى؟! أتريد إعمار العالم كله؟! أتريد تحقيق ذروة العدالة؟! دعنا بربّك.. نريد أن نعيش حياتنا! فكان(ع) يقول لهم: لكنكم إذ ذاك ستعيشون حياتكم أيضاً. وحينذاك أيضاً ستحلّ السكينة، ويسود السلام، ويتوفّر كل شيء، بل ستكون النعم أبقى، وسيكون كل شيء أفضل
ـ ماذا تريد أن تفعل يا علي.. دعنا وشأننا.
كان سرّ غربة أمير المؤمنين(ع) هي أن القوم رفضوا الذُّرى التي أرادها علي(ع). فلا تقنعوا بالقليل! فلقد قنع قوم علي(ع) بالقليل! لقد قنع قوم علي(ع) بالقليل.. كانوا يقولون له: يا علي، لسنا أهلاً لإمامتك لنا! هذا هو السر. فلا تتصورُنَّ أن أهل زمانه كانوا جميعاً جُناة، شاهرين للخناجر، آكلين للحرام، من أولاد البغاء،.. كلا، بل لقد قنعوا بالقليل فشقُوا! قنعوا بالقليل فتحوّلوا إلى جُناة وقطّعوا الحسين(ع) في كربلاء إرباً إرباً! أجل، فبدايتهم كانت أنّهم قنعوا بالقليل.
الإمام الخميني(ره) (ولا حاجة لقراءة كلماته على مسامعكم) كان يقول: «نحن لم نُقِم الجمهورية الإسلامية لإعمار بلدنا.. نحن نبغي تحرير العالم بأسره.. نحن نريد أن نوصل أبناء البشر كافة إلى السعادة». لقد قال في وصيته: «فليتنبّه مسؤولو البلاد إلى أننا لم نجتمع من أجل بضع مدن وبلدات، بل إنّ في نيّتنا تغيير العالم كله!»
لقد قنع قوم علي(ع) بالقليل فشقُوا.. قنعوا بالقليل فتحوّلوا إلى جُناة وقطّعوا الحسين(ع) في كربلاء إرباً إرباً!