على مر التاريخ كان يساور الأنبياء والأولياء في موضوع إقامة الحق خوف من الآخرين. وتارة كان هؤلاء الآخرون الظلمة، وتارة أخرى كانوا عامة الناس.«اللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِهِ دِينَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّى لا يَسْتَخْفِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْق» (دعاء الافتتاح)
ولهذا لم يكن أولياء الله يُصرّون كثيراً، ولما كانوا يرون أن الرأي العام لا يستطيع نصرتهم في مواجهة الظالمين أو أن الناس أنفسهم لا طاقة لهم على تحمّل أحكام الدين فقد كانوا يتراجعون.
لما اعترض أمير المؤمنين علي(ع) على الناس في المسجد أنّ الصلاة بهذه الطريقة لم تكن على عهد رسول الله(ص) وأن ما تقومون به الآن بدعة ومخالف لحكم الإسلام تظاهر الناس ضده مع اعتقادهم جميعاً بعلمه وفضله(ع) فكان أن ترك علي(ع) الناس يُصَلّون كما يشاؤون. وقد جاء في الحديث أن قسماً كبيراً من أحكام الدين لم يستطع أمير المؤمنين علي(ع) تطبيقه لما شاهد أن الناس لا طاقة لهم على تحمله، وذلك خوفاً عليهم من الخروج من الدين. بل لقد أوضح(ع) أن سبب عدم مطالبته بحقه بادئ الأمر كان الخوف من أن يُمحى حتى هذا المقدار الذي يقام الآن من الصلاة! فلم يكن للناس تلك الطاقة على تحمّل أوامر الله الثقيلة.
ولقد ذكر التاريخ أنه حينما أرادوا اغتيال رسول الله(ص)، وكشَف جبرئيل الأمين(ع) خطتهم وزاد النبي(ص) من حُرّاسه، بل وتم إلقاء القبض على الفاعلين، التفتَ حذيفة لرسول الله(ص) مستفسراً عما عليهم صنعه بالفاعلين: أيقتلونهم، أيكشفون أمرهم، فإنهم قد حاولوا قتل رسول الله(ص)! فأشار عليه النبي(ص) أن يتركوهم مستدلاً بأن الناس سيقولون: لقد قتلَ محمد أصحابَه الذين نصروه! فالناس لا يعلمون بجرمهم.
إذن الخشية من الرأي العام الذي لا قدرة له على تحليل الأمور كان يضطر رسولَ الله(ص) إلى عدم تنفيذ بعض أحكام الله.
وهذه هي أشكال الخوف، الخوف من إقامة الحق. لكن الإمام المهدي(عج) سيظهر في زمن لن يكون هناك خوف من إقامة الحق. إنه(عج) سيظهر حين يكون بالإمكان إقامة الحق بتمامه، فإما الكُلّ، وإما لا.
فلو اكتفينا حينها بإقامة جزء من الحق، فها نحن الآن نقيم جزءاً من الحق، فكل مجتمع ديني، وفي أزمنة مختلفة، يقيم جانباً من الحق.
لكن الإمام المهدي(عج) سيظهر لإقامة الحق كله من ناحية، ولإقامته في جميع أنحاء العالم من ناحية أخرى.
وحينذاك ستُطبَّق هذه العبارة: «حَتَّى لا يَسْتَخْفِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْق».
إذ ذاك لن يبقى شيء من الحق لا يمكن إقامته خوفاً من عدم تحمل الناس.