على كل من يتعرض للدين أن يكون على استعداد للتعرّض لجمع الأضداد. في الدين، وفيما يطرحه الدين من رؤى ويصدره من أحكام نلاحظ أن هناك لوناً من الجمع بين الأضداد. فهو يجمع بين أمور لا تجتمع في الظروف العادية. أنتم أنفسكم حينما تشرعون بتهذيب النفس وتحاولون أن تجعلوا من أنفسكم، كمتدينين، أناساً مهذّبين ستلاحظون أنه لا بد لكم من جمع الأضداد.
فإنّ لكل منّا حسنات ورثها عن أبويه؛ فهذا متواضع وليّن العريكة دوماً، وذاك كريم سخي على الدوام، وثالث بخيل باستمرار. وإذا بالكريم يُمتحَن بأن لا ينفق المال في موضعٍ ما، وإذا بالبخيل يُمتحَن بأن يُنفق مالاً في موقف ما، وإذا بالمتواضع الليّن يُمتحَن بأن يكون صلباً متكبّراً في وقتٍ ما، أعني تكبّراً في الظاهر، أي أن يكون صلباً شديداً. وإذا بالصلب يُمتحَن بأن يكون ليّناً سَمحاً في ساعةٍ ما. فبأيّ حسنة اتّصفَ المرء يتوقَّعُ منه الله حسنةً أخرى تكون ضدها!ولو تأمّلتم في حياتكم لشاهدتم أمثلة من هذا. يقول الواحد منهم: إن كان في قريني هذا العيب فهذا تحديداً ما لا أتحمّله! وإذا بالله يهيئ لك قريناً يحمل هذا العيب نفسه وأن عليك – بالمناسبة – أن تتحمّل هذا العيب بالذات، وبه يكون تكاملُك! لكن الناس، في العادة، يهملون أصل الموضوع فيلجأون، أحياناً، إلى الطلاق (وهو في معظمه لا داعي له) متصورين أن فيه الحل، فيقعون في معضلة أكثر تعقيداً!
لكن لأي شيء خُلِق الإنسان أساساً؟ لكي يبعثَ تغييراً ما. وما معنى التغيير؟ هل المُقرَّر هو أن أقوم بتغيير في حياتي أو أن أحصُد بضعَ علامات على بضع حسنات أتحلى بها؟ لا شك أن عليك القيام بتغيير.
ـ لكن أما تريد منّي فعل الصالحات؟الله: وما تنفعني صالحاتك؟ لو أردت الصالحات فهذه الملائكة تفعلها وكلها تعمل لي! أتراني أريد صالحاتك؟! أو أنتظرُك لتقدّم لي بضعة أعمال صالحة؟! بل أنا أريدك أنت!
ـ أنا! وماذا تريد مني؟
الله: إنما في التغيير تكاملُك.سأل أحدهم الصادق(ع): ما الفتوّة؟
قال(ع): «مَا تَقُولُ أَنتَ؟»
قال: إنها عند الناس أن: «إِن أُعطِينَا شَكَرنَا وَإِنْ مُنِعنَا صَبَرنَا».
والله لقد قال حسناً، ولم ينطق بسوء، فالشكر والصبر هما أيضاً فضيلتان بارزتان. لكنه(ع) قال: «إِنَّ الكِلابَ عِندَنَا بِالمَدِينَةِ هَذا شَأنُها!» فليس من التكامل أن يصل المرء هذا المقام. لكن الفتوّة عندنا أهل البيت هي: «إِنْ أُعطِينَا آثَرنَا وَإِنْ مُنِعنا شَكَرنا».لاحظ.. هذه الخصلة لا تأتي بسهولة، فلا بد من التغيير لبلوغها، فلا يصبح المرء هكذا في الظروف الطبيعية.
النهج الذي يزوّد الدينُ به الناس هو نهج يجعلهم جامعي أضداد. فالناس بشكل طبيعي لا يجمعون الأضداد، إذ أنّ لكل شخص نفسيّتَه، وإنْ أحب التصرف وفقاً لنفسيته فلا حاجة له إلى التغيير، لكن لأنّ الدين يريد أن ينشئ الإنسان جامعاً للأضداد فلا بد للأخير أن يغيّر. التديّن الذي لا يدعونا إلى التغيير ليس تديّناً، بل تحايلاً! وكيف يتحايل البعض في التديّن مثلاً؟ هكذا: يمارس من الدين ما يتلاءم ونفسيتُه ولا يقوم – المحتال - بأي تغيير، هو يُتقن ذلك جداً! ثم إنك ترى عمله صالحاً، إجمالاً، ولا غبار عليه! ما الغبار عليه؟!
على كل من يتعرض للدين أن يكون على استعداد للتعرّض لجمع الأضداد. إنّ لكل منّا حسنات ورثها عن أبويه. بأيّ حسنة اتّصفَ المرء يتوقَّعُ منه الله حسنةً أخرى تكون ضدها! ولو تأمّلتم في حياتكم لشاهدتم أمثلة من هذا.