الفصل السابع

274 24 16
                                    

مرحبا، كيف حالكم؟

في الآونة الأخيرة خضتم الكثير من المعارك، وحققتم انتصارات مذهلة؛ لهذا السبب أحضرت لكم نصّيْن من كتاب «دمعة وابتسامة» للكاتب «جبران خليل جبران» هدية مني تقديرا لجهودكم. أنتم مطالبون بإعادة صياغتها، إبراز مواطن قوة النص، وطرح وجهات نظركم فيما يخص الموضوع الذي يعالجه كل نص.

•النص الأول:

هناك في وسط الحقل على ضفة جدول بلوري رأيت قفصا حبكت ضلوعه يد ماهرة، وفي إحدى زوايا القفص عصفور ميت، وفي زاوية أخرى جرن جفّ ماؤه وجرن نفذت بذوره.
فوقفت وقد امتلكتني السكينة، وأصغيت صاغرا كأن في الطائر الميت وصوت الجدول عظة تستنطق الضمير وتستفسر القلب. وتأملت فعلمت أن ذلك العصفور الحقير قد صارع الموت عطشا وهو بجانب مجاري المياه، وغالبه جوعا وهو في وسط الحقول التي هي مهد الحياة، كغني أُقفِلت عليه خزائنه فمات جوعا بين الذهب.

وبعد هنيهة رأيت القفص قد انقلب فجأة وصار هيكل إنسان شفّافا، وتحول الطائر الميت إلى قلب بشري فيه جرح عميق يقطر دما قرمزيا، وقد حاكت جوانب الجرح شفتي امرأة حزينة.
ثم سمعت صوتا خارجا من الجرح مع قطرات الدماء قائلا:

"أنا هو القلب البشري أسير المادة، وقتيل شرائع الإنسان الترابي في وسط حقل الجمال، على ضفة ينابيع الحياة أسرت في قفص الشرائع التي سنّها الإنسان للشواعر. على مهد محاسن المخلوقات بين أيدي المحبة مت مهملا؛ لأن ثمار تلك المحاسن ونتاج هذه المحب قد حرما على كلّ ما يشوقني، صار كل ما يشوقني بعرف الإنسان عارا، وجميع ما أشتهيه أصبح في قضائه مذلة.

أنا القلب البشري قد حُبست في ظلمة سنن الجامعة فضعفت، وقيدت بسلاسل الأوهام فاحتضرت، وأهملت في زوايا المدينة فقضيت، ولسان الإنسانية منعقد وعيونها ناشفة وهي تبتسم."
سمعت هذه الكلمات ورأيتها خارجة مع قطرات الدم من ذلك القلب الجريح، وبعد ذلك لم أعد أرى شيئا ولم أسمع صوتا فرجعت لحقيقتي.

•النص الثاني:

أهكذا تمر بنا الليالي؟ أهكذا نندثر تحت أقدام الدهر؟ أهكذا تطوينا الأجيال ولا نحفظ لنا سوى اسم نخطه على صحفها بماء بدلا من المداد؟ أينطفئ هذا النور وتزول هذه المحبة وتضمحل هذه الأماني؟ أيهدم الموت كل ما نبنيه ويذري الهواء كل ما نقوله ويخفي الظل كل ما نفعله؟ أهذه هي الحياة؟ هل هي ماضٍ قد زال واختفت آثاره، وحاضر يركض لاحقا بالماضي، ومستقبل لا معنى له إلا إذَا ما مرَّ وصار حاضرا أو ماضيا؟ أتزول جميع مسرات قلوبنا وأحزان أنفسنا بدون أن نعلم نتائجها؟
أهكذا يكون الإنسان مثل زبد البحر يطفو دقيقة على وجه الماء ثم تمر نسيمات الهواء فتطفئه ويصبح كأنه لم يكن!
لا لعمري فحقيقة الحياة حياة، حياة لم يكن ابتداؤها في الرحم ولن يكون منتهاها في اللحد، وماهذه السنوات إلا لحظة من حياة أزلية أبدية، هذا العمر الدنيوي مع كل ما فيه هو حلم بجانب اليقظة التي ندعوها الموت المخيف، حلم ولكن ما رأيناه وفعلناه فيه يبقى ببقاء الله.
فالأثير يجعل كل ابتسامة وكل تنهدة تصعد من قلوبنا ويحفظ صدى كل قبلة مصدرها المحبة، والملائكة تحصي كل دمعة يقطرها الحزن من مآقينا وتعيد على مسمع الأرواح السابحة في فضاء اللانهاية كل أنشودة ابتدعها الفرح من شواعرنا.
هناك في العالم الآتي سنرى جميع تموجات شواعرنا واهتزازات قلوبنا، وهناك ندرك كُنْهَ ألوهيتنا التي نحتقرها الآن مدفوعين بعوامل القنوط، الضلال الذي ندعوه اليوم ضعفا سيظهر في الغد كحلقة كيانها واجب لتكملة سلسلة حياة ابن آدم.
الأتعاب لا نكافأ عليها الآن ستحيا معنا وتذيع مجدنا.
هذا ولو علِم "كيتس" ذلك البلبل الصداح أناشيده لم تزل تبث روح محبة الجمال في قلوب البشر لقال: "احفروا على لوح قبري: هنا بقايا من كُتِبَ اسمه على أديم السماء بأحرف من نار."

أنتظر إبداعاتكم على أحر من الجمر، ودمتم سالمين.
كانت معكم الفارسة أنيلا.

بصيرة لغويّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن