الإصابة

133 14 0
                                    

الإصابة

مرتضى بارسيان، علي مقدم

تركت الكتائب كافة أماكنها وتقدمت إلى الأمام. كان علينا تخطي المواقع المقابلة والخنادق والدشم، لكن هذا الأمر صار صعبًا جدًّا مع طلوع الصباح. 

في إحدى المرات، واجهنا معضلة كبيرة بالقرب من جسر "رفائية". كان أحد العراقيين يرمي من داخل إحدى الدشم ومنعَنا من التقدم. مهما حاولنا، لم نستطع أن نهدم الدشمة الإسمنتية حيث العراقي.

ناديت إبراهيم ودللته على الدشمة الإسمنتية. نظر إليها جيدًا وقال: "إن الحل الوحيد هو الاقتراب منه ورمي قنبلة يدوية داخل الدشمة". ثم أخذ مني قنبلتين وزحف باتجاه الدشم الأمامية، ولحقته أنا أيضًا. 

اختبأت في إحدى الدشم، كان إبراهيم يتقدم وأنا أنظر إليه. وجد إبراهيم مكانًا مناسبًا في إحدى الدشم القريبة من الرامي العراقي، لكن حصل أمر غريب فجأة.

أحد التعبويين من صغار السن، أصيب بنوبة عصبية. فصوّب الكلاشن على إبراهيم وهو يصرخ: "سأقتلك أيّها العراقي". 

رفع إبراهيم يديه وهو جالس، ولم يتلفّظ بأي كلمة. انحبست أنفاس

201

الجميع، ولم نكن نعرف ماذا نفعل. لم ينقطع صوت الرشاش لحظة. تقدمتُ زحفًا إلى الأمام، ووصلتُ إلى تلك الدشمة. كنت أدعو فقط: "إلهي، أنت ساعدنا، لم نواجه أي مشكلة مع العدو منذ البارحة، وها نحن اليوم نواجه هذا الوضع".

فجأة صفع إبراهيم ذلك الشاب على وجهه وأخذ منه سلاحه. ثم احتضنه! وكأن ذلك الشاب قد عاد إلى وعيه وصار يبكي. ناداني إبراهيم وسلّمني ذلك التعبوي وقال: "لم أصفع يومًا أحدًا على وجهه، لكن الأمر هنا كان يستوجب الصفع"، ثم توجّه نحو الرامي العراقي.

رمى القنبلة اليدوية الأولى ولكن من دون فائدة. ثم وقف وركض خارج الدشمة ورمى القنبلة الثانية وهو راكض. بعد لحظات انهدمت الدشمة حيث كان الرامي. وقف الشباب وهم يكبّرون وبدأوا بالتقدّم. نظرتُ إلى الشباب والفرح يغمرني، لكن فجأة، بإشارة من أحد الشباب، نظرت إلى خارج الدشمة. 

انخطف لون وجهي ويبست البسمة على وجهي. كان إبراهيم غارقًا في دمائه على الأرض. رميت سلاحي، وركضت اتجاهه. 

لحظة انفجار القنبلة، دخلت إحدى الرصاصات إلى فمه وأصابت رصاصة أخرى قدمه من الخلف. كان ينزف بشدة. وقع على الأرض وهو بحال من الغيبوبة تقريبًا. صرخت بأعلى صوتي: "إبراهيم". 

بمساعدة أحد الشباب، نقلنا إبراهيم وعددًا من الجرحى في إحدى السيارات إلى المستوصف في "دزفول". كان إبراهيم حاضرًا خلال كل مراحل العمل وقد أصيب في المرحلة النهائية بعد السيطرة على الدشم الأخيرة للأعداء. كنت حزينًا جدًّا وأبكي طيلة الطريق. لا سمح الله... لا...كما إنّه جُرح في الليلة الأولى للعمليات، ونزف كثيرًا. لا نعرف الآن إن كان سيصمد.

قال طبيب المستوصف في "دزفول": "إن الرصاصة التي دخلت في فمه،

202

خرجت بشكل إعجازي من رقبته. ولم تؤذِ أي مكان. لكن الرصاصة التي أصابت قدمه، سلبته القدرة على الحركة. لقد تفتت العظم الخلفي لقدمه. لذلك يجب نقله إلى "طهران". كما إنّ جرحه في خاصرته قد انفتح مرة ثانية وهو ينزف". 

تمّ نقل إبراهيم إلى "طهران". بقي شهرًا في مستشفى "نجمية"، حيث أجريت له عمليات عديدة وتمّ سحب عدد من الشظايا الكبيرة والصغيرة من جسمه. قال إبراهيم للصحفي الذي جاء لإجراء مقابلة معه في المستشفى: "على الرغم من الجهد الذي بذله الشباب في الاستطلاع والمعلومات لأجل هذه العمليات. لكن بلطف الله وعنايته، لم نقم بأي عمليات في "الفتح المبين". كنا نمشي في مسيرة وشعارنا يا زهراء. كل ما حصل هناك هو بفضل وعناية السيدة الصدّيقة الزهراء عليها السلام".

وأكمل إبراهيم قائلًا: "حين كنا في الصحراء، نأخذ الشباب في هذا الاتجاه، ثم في ذاك الاتجاه وهم متعبون، سجدتُ وتوسّلت بإمام الزمانعجل الله تعالى فرجه الشريف وطلبت منه أن يرينا الطريق. حين رفعت رأسي بعد السجدة، كان الشباب هادئين، وأكثرهم نيامًا. كما هب نسيم عليل، فمشيت مع مسير النسيم. لم أمش كثيرًا فإذا بي أصل إلى خندق بالقرب من مقر المدفعية".

في النهاية عندما سأله الصحفي: "هل لديك كلمة توجهها إلى الناس؟"، قال: "نحن خجلون من الناس الذين يتبرّعون من خبز عشائهم إلى الشباب، أما أنا فيجب أن يتقطع جسمي إربًا إربًا كي أستطيع أن أردّ جميل الناس". 

لم يكن إبراهيم قادرًا على الحركة بسبب كسر عظام قدمه. بعد مدة من ملازمة المستشفى، عاد إلى البيت وبقي ستة أشهر بعيدًا عن الجبهة، لكنه لم يغفل عن النشاطات الثقافية والاجتماعية والدينية مع شباب الحي والمسجد.

*******

203

 

ســلامٌ عـلى إبراهيــم "مكتمل "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن