٩ | قلمٌ مَكسور.

432 74 43
                                    

الشغف..
مِن المُهم أن تتعرّف على شغفِك في رحلتك الطويلة بدربِ التعرُّف على نفسِك! قد تتسائل لِمَ إتّخذتُ الكِتابة شغفاً. سوف أسألك لِمَ تجِدُ نفسَك في سماعِ الموسيقى؟
أرواحنا عَطشَى للفنّ.. قد تختلِفُ وسائلنا لِلسعي في إروائها، تختلِفُ طُرُقنا في تغذيتها لكن تبقى النتيجة واحِدة: سَوق البشريّة نحو عالمٍ أفضل، مليء بالسلامِ النفسيّ والعُقول المُفكِّرة.
الكِتابة أحياناً صرخة توحي بإنهيارنا الداخليّ، أحياناً ضحكة تنمّ عن سعادتنا، وأحياناً ظلام يفضحُ حزننا.
ننثِرُ على الورقِ مشاعِرَنا في كلماتٍ تُجمِّع ما بداخلنا مِن فَوضَى بطريقةٍ أنيقةٍ تُسعِدُ شخصاً آخراً عند قراءة بعثرتنا!
أحياناً تخوننا الطُرُق في الإفصاحِ عن أحاسيسنا، فتُعانقنا الحروفُ مُجسّدةً ما نشعُر بِه في إنسيابٍ ونعومة على الصفحات.
ألا يُدهشُكَ أن تقرأ كِتاباً تجده مُخاطباً لروحِك؟ فأنتَ تقرأ كاتِبَه وتتصفّحه خلال قراءة مؤلَّفاتِه. نعم، جميعُنا نترُكُ قِطعاً مِن أرواحنا بين سُطُورنا.. أفكارنا ومعتقداتنا وشخصيّاتنا تتعرَّى أمامَك على الصفحاتِ دون خجل. لعلّ أحدهُم يجمعُ تِلك القطع المُتناثرة مُصلِحاً حطام روحِه ومُرمّماً كُسورَه. الكِتابة هي طريقةٌ جريئة ومُباشِرة ورائعة لنقلِ ما يطوفُ بعقلك لأحدهم.. لعلّهُ نورٌ يَهدي طارِقاً، وعِناقٌ يُدفِيءُ لاجئاً. مشاعِرُنا هي ما تُميّزنا كبشر، فعبِّر عن مشاعرك بطريقةٍ تُرضيك وجِد شغفك الحقيقيّ!
احضِر ورقةً وقلماً.. وإفتح أبوابَ قلبِك، ودَع قلمَك يأخُذُ جَولةً فوق الأسطُر تاركاً خلفه الأحرُف الراقية. الكتابةُ ليست موهبةً فقط، هي عِلمٌ واسِع. والكاتِبُ ما هو إلّا شخص إمتلك ما يكفي مِن الشجاعة للتعبير عن مشاعره، فَوَراء كل سطرٍ يُكتَب هُناك حِكاية مَخفيّة.. هُناك أرواحٌ أرهقتها مصاعِبُ الحياة، فبَكَت بالحروف!
حياة الكاتِب يُسيِّرُها بقلمِه، فأنا لا أتخيّلُ نفسي بقلمٍ مَكسور!
ببساطة الكِتابةُ شغفي لأنها صمتٌ ثِرثار، وتزاحُمِ أفكار.
ألَم تُحضِر ورقةً وقلماً بَعد؟!

إبتسمتُ بعدما ضغطتُ على زِرِّ النَشر، وأخذتُ أنتظِر التعليقات بفارغِ الصبر.

"ألِكسندرا، الفطورُ سيبرُد!" نادَتني صوفيا، فحرّكتُ عجلات الكُرسي مُتجهةً نحو المائِدة.

تناولتُ حسائي وظلّت صوفيا تُحدّثني وأُحرِّكُ لها رأسي، في حينِ أنّ ذهني شاردٌ تماماً.

أُفكِّرُ في كلامِ شون.. وأجهلُ ما عليّ فعله!

كفّ شون عن الظهورِ لي، حتّى حين أكتُب في الرواية خاصته.. لم يعُد يأتي بتاتاً.

"ألِكسندرا؟!"

رفعتُ عيناي لصوفيا فوجدتها عاقدةً حاجبيها، وإستفهَمَت "ماذا بِكِ؟ لاحظتُ أنّكِ لستِ على ما يُرام."

رفعتُ كتفي قائلة "لا، أبداً.. أنا بخير!" ثم تركتُ المِلعقة وجففتُ فمي بمنديلٍ ورقيّ.

سحبتُ نفسي حتى وصلت إلى الحديقة الخلفيّة، وأخذتُ أُراقِبُ أوسكار يلهو في الأرجاء، بينما يتغلغل شون في أفكاري أكثر وأكثر..

في كُلّ زاوية أجِدهُ يحتلّ تفكيري، أيُّ هربٍ ينتشلُ فِكرِي مِنهُ؟

أهو مُحِق؟! هل أُعذِّبُ نفسي وأقضي عليها دون أن أشعُر؟ هل أتفنّنُ في جعلِ نفسي تَعيسةً وحيدةً مُتوارية خلف شاشة الحاسوب لا تُخاطِب العالم الخارجيّ سوى خلال لوحة المفاتيح البارِدة؟! هل أنا بالغت في خوفي مِن مواجهة الناس بمظهري الجديد؟

أخشى نظرات المارة لي وأنا علي كُرسيٍّ مُتحرِّك، أخشى أن يعرِفُ مَن يقرأ أعمالي بأنّي عاجزة! وأخشى أن أُقابِل المزيد مِن أشباه فلين وصديقاتي-كما خُيِّل لي-.. فلم يعُد في قلبي جُزءٌ قابِلٌ للكسر، لقد تألّمت بما يكفي.

رنّ الهاتف في جيبي، لينتشلني مِن بئرٍ طويلٍ مِن الحُزن كاد أن يبتلعني.

إسمُ لاري بيكر أضاء الشاشة! فسُرعان ما أجبتُ مُبتسِمة لألقي التحيّة في شغف..

"آنسة جروفر، يسرّني إبلاغكِ بأنني سأنشر جميع الأعمال التي أرسلتِها لي!" نبرتهُ اللطيفة زادَت إبتسامتي إتساعاً، وأخذت أُعبِّرُ عن دهشتي بعبارات الشُكر التي أغرقتهُ بها.. حتى تلاشَت إبتسامتي تزامُناً مع قولِه "ولكن عليكِ أن تأتي إلي مقرّ دار النشر كي نُناقش بعض التفاصيل، وننهي بعض الأوراق، ونضع اللمسات البسيطة على كتابِك."

*****

مرّةٌ أُخرَى.. هل كُنتُ مُخطِئة بحقِّ نفسي حين أتّخذتُ منزلي سِجناً؟ وكتابتي ملاذاً؟ وحاسوبي رفيقاً؟

فلقد ضيّعت الكثير والكثير مِن الفُرَص التي لا تُعَوَّض، والعروض المُغرية مِن الناشرين ذوي الصيت والشهرة، على رأسهم لاري بيكر الذي رفضت عرضه صباحاً.

قد وصلت بعثرتي وحيرتي إلى ذروتها! إزدادت حالتي تأزُّماً وإنتباتني كآبةٌ مزّقت أعماقي.

ها أنا وحيدةٌ في غُرفتي. أظلّ لساعاتٍ طويلة شاردة الذهن. أنتظرُ مَجيء شون بصبرٍ مَعدوم، وأعصابٍ تالِفة.

مرّت الساعات، وأنا أضيعُ بين أفكاري وتمُر الثواني وتنقُص إحتماليّة ظهور شون لي، وينقُص مُعدّل ثقتي بأنّه لن يخذلني وقتما أحتاجه!

ترقرقت دِمعة اليأس في عيني.. وتنهّدتُ تنهيدةً حملت كل ما بي مِن وجعٍ ووِحدة.

وجدتُ نفسي وجهاً لوجه أمام الكِتابة -ملاذي الوَحيد-، فناديتُ صوفيا لتساعدني علي الوصول للحاسوب بالطابق السُفلي.

مسحتُ دموعي وكتمتُ غضبي في أعماق نفسي، وصلتُ لمكتبي وقُمتُ بأخذ مجموعة الأوراق مِن فوقه وأخذتُ أبحث عن القلم الذي كان فوق تلك الأوراق.

"صوفيا، هل أخذتِ قلمي؟" صِحتُ بينما أبحث، وتوقّفتُ عن فتحِ الأدراج وعن الحراك تماماً حين وقعت عيناي عليه.

وقد كان قلماً مَكسوراً.

*****

إيه رأيكوا في الشابتر؟

إيه توقعاتكوا؟

شون فين؟

أشوفكوا علي خير❤

منتصف الليل في باريس.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن