١٣ | رياح عنيفة.

352 60 10
                                    

عِند خروجي من المنزل لأوّل مرّة مُنذُ زمنٍ طويل لفح الهواء صدري بعُنف، وأخذت الرياح تتصارَع مع ملابسي لتتسلّل البرودة إلى جسدي فتلسعه، وكأنّ الرياحُ تستقبلني بالترحاب بعد غيابٍ طويلٍ! تحتفلُ بأنّها تمكّنت منّي أخيرًا بعدما كُنتُ أتهرّب منها أسفل الأغطية بين جُدران منزلي الدافيء..

كاد صدري أن يتثلّج لولا أنّي وصلتُ برفقة صوفيا لعيادة الطبيب في الوقت المناسب، أجلِسُ على الكُرسيّ الخاص بي أعبثُ بأصابع يدي بينما الطبيبُ يُطلِقُ سؤاله الرابع: "أيمكنكِ أن تشرحي لي كيف بدا الأمر برفقة هذا المخلوق؟ كيف شعرتِ وماذا رأيتِ وكل التفاصيل المُمكنة.."

أغمضتُ عيناي لوهلةٍ، أخذتني ذكرياتي في رحلةٍ سريعة عبر الزمن.. مرّ بذهني كل ما حدث بسُرعةٍ خاطِفة، عالم الخيال ولمساتُ شون وإبتسامته العذبة التي تُرسِلُ الطمأنينة إلى قلبي كُلّما لمحتها، وكل ما منحني من سعادة! لا أصدّق أن هذا تبخّر بين ليلةٍ وضحاها.. لا أصدق بأن هذا قد يكون مرضًا! أيُّ مرضٍ هذا الذي جعلني أبلغُ ذروة السعادة؟!

لن أنكر مَدَى رُعبي وقلقي من تلك المُقابلة، ولكنّ الطبيب إستقبلني بإبتسامةٍ بَشوشة وعرّفني بنفسه ثم ألقى على أذنيَّ بعض الكلمات التي خدّرت القلق الذي دبّ في روحي.. أخبرني بأن أتخيّله صديقًا أحكي له ما جرى معي، ولن يستهزىء بأقوالي وسيحترمها كلّ الإحترام، شجّعني على الخروج من حالة الإضطراب التي تملّكتني وبدأ يسحبُ المعلومات من فمي بمهارةٍ شديدة.. فإرتاح قلبي لهذا الإستقبال.

بالتأكيد لم أُرِد المجيء كُليًّا، ولكنّي لستُ طفلةً صغيرة لأكُن مُرغمة على إتّباع تعليمات مُربيتي! ففي نهاية المطاف قرار ذهابي للطبيب تمّ بموافقتي.. رغم عدم إرتياحي للأمر فهُناك شعور ما يراودني بأنّ زيارتي للطبيب لن تضر.. فقد تشبع فضولي وتروي عطشي لتفسير تلك الحالة الغريبة التي وقعتُ أسيرةً فيها!

تنحنحتُ لأتحدّث بنبرةٍ هادئة مُحدقةً بالفراغ أمامي: "بدا الأمر طبيعيًا جدًا! وكأني برفقة صديق لي.. لم يُراودني الشك للخظة بأنني أتوهّم! فكل ما شعرت به كان دليلًا قاطعًا على حقيقة ما يحدث.."

لم يُعلّق أبدًا، ترك لي المساحة الكافية لأفرج عن مكنون صدري "في كلّ مرّة أراه بها كُنتُ أشعُرُ بالسعادة تغمرني، ورأيت معه ما لم أرَه طوال حياتي! لقد إصطحبني للأماكن التي لم أزُرها بسبب عجزي في سنٍّ مُبكِّر! وساعدني على تخطّي المشاكل التي كانت تقابلني في حياتي المهنيّة وإن كانت بسيطة.. لكن وجوده أحدث نتائجٍ ملحوظة، وفارق كبير في حياتي." رفعتُ عيناي لأجده مهتمًا بحديثي، وطبّق شفتيه ليوميء برأسِه بينما يُفكِّر..

"أيمكنكِ إعطائي مثالًا عن المشاكل التي ساعدكِ في تجاوزها؟"

أومأتُ قائلة "أحيانًا ينقطعُ عنّي الإلهام فأضيعُ بين حروفي ولا أجد ما عليّ كتابته.. فكان يُلهمني ويمدّني بالأفكار والأحداث وما إلى آخره! ومرّاتٍ أُخرى كنّا نتناقش حول رفضي للتعامل مع بعض دور النشر لرغبتهم بمقابلتي.. وفي الحقيقة مجيئي هنا اليوم لما حدث لولاه، نوعًا ما."

منتصف الليل في باريس.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن