١٥ | جرثوم.

362 66 20
                                    

ظهرت الشمسُ لتقضي على ليلٍ طويلٍ غمر قلبي همًّا، شرعَت تحتلّ السماء وتغشي الكَون مشارقًا ومغاربًا، آكلةً ما تبقى من عتمة وظلام بائس.. لتسدل آشعتها الدافئة فتبثّ النشاط في روح الشوارع والأزقّة فتمتلئ بالمارة، وتملأ القلوب أملًا، وتطوي صفحةً من صفحات الماضي لن تعُد أبدًا... مُعلِنةً عن بداية يومٍ جديد يحمل في خباياه الكثير مما نجهل.

كاد الصداع أن يهشّم رأسي، فحاولتُ تدليك جانبيّ رأسي أثناء إقتحام صوفيا للشرفة كالمُعتاد..

ناولتني كوبًا دافئًا من الشاي لتتحدّث "علمتُ أنّكِ ستكونين في الشُرفة في هذا الوقت. ألم تنامي أمس؟"

هززتُ رأسي نافية، فلم يغمض لي جفنُ ولم يهدأ لي بال مطلقًا...

إستنزفتُ طاقتي كلها في التفكير حتى بِتُّ ضعيفةً وسقطتُ فريسةً للصداع يعتصرُ رأسي دون رأفةٍ ورحمة بما أنا غارقة به من عذاب..

راقبتُ شروق الشمس اليوم لعلّه سلامًا من شون كما وعدني.. لكنّي لم أعُد أُصدّق وعوده.

السماءُ فوقي زاهية بالألوان وتغمرها الشمس بخيوطٍ ذهبية، ولكن سمائي كانت أكثر بؤسًا.. مُظلمة جدًا، تملأها الغيومُ ويغمرها الضبابُ الكثيف. وقلبي كورقةٍ هشّة تعبث بها الرياح العنيفة وتقذفها حيثُ تشاء، وعيني كغيمةٍ سوداء تتساقط دموعها بشكلٍ مُستمِر...

قد غلبتني فكرةٌ باتت تجذِبُ إنتباهي، وتحومُ أمام عيناي بطريقةٍ مُزعِجة.. حتى قررتُ أن أتخلّص مِنها.

نظرتُ لصوفيا وناديتها.. ثم إستأنفتُ: "أتذكُرين حين سمعتِني أصرُخ، فسألتِني إن كنت بخير فأخبرتكِ أن لاري بيكر وافق على نشر عملي؟"

عقدَت حاجبيها مُستذكِرة، ثم قالت "أجل."

إبتسمتُ قائلة "رجاءً إحكي لي ما حدث وقتها، مع ذِكرِ التفاصيل.. وكأنّي لم أكُن موجودة." فإندهشت صوفيا للحظات، ثم قررت أن تلبّي رغبتي الغربية من وجهة نظرها..

"ركضتُ نحوكِ فور أن سمعتكِ تصرخين وسألتكِ إن كنتِ بخير، نظرتِ أمامكِ لفترة رغم وقوفي بجانبكِ مما أثار دهشتي! ثم أخبرتِني بهذا الخبر السار، فتعجّبت لكونكِ تبكين وتصرخين لهذا السبب.. حينها بدوتِ وكأنّكِ تريدين رحيلي فأخبرتِني بأن أملأ صحن أوسكار بالطعام، فرحلتْ.. لكنّي سمعتكِ تضحكين بعدها بشدة."

إستمعتُ لها بتركيزٍ وهدوء شديدَين، حتى إنتهت.. فأخذتُ أُفكِّر.. ثم سألتها "أتذكرين أيضًا يوم أحضرتِ لي الظرف الوردي في الشُرفة؟"

"أيّ ظرف؟!" عقدت حاجبيها، فدفعتُ عجلات الكرسي نحو الداخل، حتى وصلتُ للمكتب لأفتح أحد أدراجه وأُخرِج الظرف ثم أعود للشرفة وأمدّه لها مُعلِّقة: "هذا الظرف.."

الدعوة لحفل التكريم الذي لم أحضره قط..

"آه، نعم أتذكّر!" رفعت عينيها إليّ بعد أن قلّبت الظرف بين يديها، ثم تابَعَت بعد أن أدرَكَت مَقصَدي:

منتصف الليل في باريس.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن