١٢ | ألوان باهتة.

363 57 25
                                    

"ماذا تعني أيها الطبيب؟" جفّت دموعي على وجنتيّ بينما أنظر للطبيب البيطريّ الذي كان يُفسّرُ لنا حالة أوسكار، ولكن عقلي قد توقّف تمامًا ولم يعُد يسعني إستيعاب ما أسمعه..

"إن كلبكم مُصاب بداء الكلب، وهو يسبب إلتهابًا حادًا في الدماغ وينتقل للإنسان مسببًا الوفاة بمجرد ظهور الأعراض! ولا علاج لهذا المرض سوى بقتل الكلب.."

تجمدت حواسي وشُلّ لساني لِما سمعت، أخذتني الصدمة ولم أنطق بحرف، تركت دموعي تأخذ مجراها على وجنتيّ بصمت..

إستأنف الطبيب حين لاحظت صمتي "إما أن تقتليه بنفسِك، أو أقتله أنا إن لم تتحمّلي الأمر.. ماذا تختارين؟"

"مُستحيل!" تحشرجت نبرة صوتي بينما أحتجّ، لتضمّني صوفيا في عناقها وأجهش بالبكاء..

"أُقدِّرُ حالتكِ النفسية آنستي.. ولكن فكّري بالأمر! يجب عليكِ فعل ذلك، وإلا سوف ينقل المرض إليكم ويؤدي للوفاة.. وستطول سنوات عذابه بهذا المرض، موته راحة له ولكم."

"لا أستطيع.." حرّكت رأسي نافية ليزداد بُكائي، فإحتوتني صوفيا أكثر.

مرّت الدقائق.. وتنحنح الطبيب لينهض قائلاً "وصلتني إجابتكِ بوضوح."

أومأت له صوفيا على مضض، وأنا في بُكائي مُنغمِسة..

*****

مرّ إسبوع على موتِ أوسكار. لازلتُ في كُل يوم أسترجِعُ عندما كان ينبحُ بحزن في كلّ وقت كنت فيه مريضة وألزمُ فراشي ولا أخرج لألعب معه.. أتذكّر كم كان يمتنع عن تناول الطعام ولا يستجيب لمحاولات صوفيا في اللعب معه عندما أكون حزينة وأحتجز نفسي داخل غرفتي...

تمرّ مراحله العُمريّة برأسي ومداعبتي له وملاعبتي له ولحظات شقائنا وفرحنا معًا كشريطٍ طويلٍ مَحفورٍ في أعماق ذاكرتي لا يمكنني إيقافه..

أتذكّر عندما عاد أبي ومعه أوسكار وكان جروًا صغيرًا كهديّة عيد مولدي العاشر كم بكيت لشدّة سعادتي! الآن نفس الشيء يُبكيني ولكن لشدّة حزني! إعتدتُ على وجود أوسكار في كُل ركنٍ ألتفت به في المنزل. لقد شاطرني أحزاني وأفراحي كما لم يفعل أحد!

يصعُب عليّ محو تلك الذكريات الثمينة من ذاكرتي، يصعُب عليّ التوقّف عن التفكير بأكثر مَن إهتم بي وحاول إسعادي بكل الطرق وتحمّلني وأحبّ كل ما فيّ من عيوب!

لطالما لجأتُ للكتابة وقت حزني وفرحي وحماستي وكل ما قد أشعر به.. ولكن تلك المرة لم أفعل.

الكلمات أبَت أن تنصاع لي لتُكوِّن جُملة مُفيدة، وكأنّ حُزني هذه المرة كان أكبر مِن أن أُعبِّر عنه بثمانية وعشرون حرفًا!

علمتُ منذُ رأيت قلمي مكسورًا بأنها علامة واضحة على أخذي لإجازة طويلة من الكتابة، فمنذ ذلك الحين لم أُضِف حرفًا في دفتري أو حتى على لوحة المفاتيح وتوقّف هاجسي الكتابيّ..

منتصف الليل في باريس.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن