١٠ | الشمس والقمر.

441 72 67
                                    

كوبُ الحليب الدافىء حُصِرَ بين كفّاي. يُرسِلُ الدِفىء إلى أطرافي وليته يُدفِىء قلبي البارِد! فقد أنهكتهُ ريحُ الشتاء القاسية.. وليالي ديسمبر التي تُقلِّبُ في صفحات السنة التي على وشك أن تمضي، وتُذكّرنا بكل آلامنا.. كم حبيبٍ فقدنا، وكم جرحٍ أخذنا، وكم وجعٍ تحمّلنا!

ظننتُ أنّ الجلوس في شُرفة المنزل سيُساعدني على ملىء رئتاي بالهواء النقيّ وإفراغ ما برأسي مِن تزاحُم! ولكنّي كُنتُ مُخطئة، فحتّى تغريد العصافير فوق شُرفتي لم يجبرني على الإبتسام ككل مرّة.

أغلقتُ عيناي حين مرّت بي نسمةٌ مِن الهواء، وتنهّدت.. لتحمل الرياح تنهيدتي وترحل، لكنها لم تحمل وجعي.

حالةٌ مِن الملل أصابتني، فرغبتُ بالرحيل مِن الشرفة. أدرتُ عجلات الكرسيّ وإلتفتُّ لأدفعه للداخل.. ولكن وقوفه أمامي جعل يدي تتجمّد فوق العجلات!

تمتمتُ بدهشة "أنت هُنا!" ثم أخذتُ أبتسِم، وشعرتُ بقلبي ينبِضُ بقوّة وكأنني لم أحيا قبلاً. رأيتهُ يُحارِبُ إبتسامته ليخفيها، ويتظاهر بالجمود أمامي بينما يقول "لطالما كُنتُ هُنا." فإتّسعت إبتسامتي أكثر.

"لِمَ لم أرَك إذاً؟"

تجاهَل سؤالي، وطرح سؤاله الماكِر "أخبريني، كيف حالُكِ؟" وأخذ يحدّق بعيناي وكأنه يعلم الإجابة، بطريقةٍ أثارت خجلي.

"مِن الغباء أن تسأل سؤالاً تعرِفُ إجابته، صحيح؟" تلاشَت إبتسامتي لأبادله تلك النظرات الماكِرة، وأُحدِّقُ بعينيه طويلاً.

"ومِن الأغبى أن تستمرّي بتعذيبِ نفسكِ وتنكرين ذلك، صحيح؟!" رفع لي إحدى حاجبيه في غضب، فسُرعان ما هربت عيناي لأسفل.

"صحيح." همستُ بخفوتٍ حمل كُل ما يحملهُ قلبي مِن ندم، فجفل شون مُتسائلاً "ماذا قُلتِ؟!"

رفعتُ عيناي إليه مُسترسِلة "صحيح! لقد كُنتَ مُحِقّاً.. أنا أُعذِّبُ نفسي لا شعوريّاً." فرأيتُ أطرافَ شفتيه ينحنيان ليُشكِّلا إبتسامةً لطيفة، قبل أن يتقدّم نحوِي ويجثو على رُكبتيه ليكُن بمُستواي.

إلتقط يدي ليأخُذها بين كفّيه.. فأمدّني بحرارةٍ عجز كوبُ الحليب عن إمدادي بها! وإبتسم لينظُر بعيناي قائلاً "إيّاكِ وأن تظنّي أنني أردت إعترافكِ لأشمت بكِ! فهدفي الوحيد هو مساعدتكِ."

كم كان جميلاً وبعض من خصيلات شعرِه المتمرّدة تتطايرُ بفعل الرياح وبعضها الآخر يتدلّى علي جبينه في غنج، وإبتسامتهُ تشعُّ لُطفاً أجبرني على الإبتسام.

عقدتُ حاجباي بخفّة لأتعجّب "أتمضغُ العلكة؟"

رقّص حاجبيه قائلاً "بنكهة البطيخ." لنضحك معاً، ويده لا تزال تحتضِنُ خاصتي.

"هل إشتقتِ لعالم الخيال؟ أم إلي أصدقائنا هُناك أكثر؟"

"إشتقتُ لك أكثر من كليهما!" إبتسمتُ لهُ بخفّة، فدفن رأسه فوق ساقاي مُتمتِماً "يا للحرج!" لأضحك بقوّة، ورفع رأسه ليظهر وجهه الذي أخذ اللون الأحمر مما زادهُ لُطفاً.

منتصف الليل في باريس.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن