الجزء الأول

834 21 2
                                    

#مارد_من_الإنس
#الجزء_الأول

[ مالك مراد ]
أخر من خرج من فيلا الزمالك شاب يدعون أنه يملك عينين خضراوين رغم إنهما بالله أقرب للبنية عند سطوع الشمس, أبيض البشرة إنما زال بياضها لسمرة جذابة إكتسبها من تدريبات كلية الجحيم تحت الشمس الحارقة. سبقاه والديه للمرسيدس ليقلاه للكلية كما يحدث بعد إنتهاء كل إجازة له, سعيدين فرحين متفاخرين بإنجازهما العظيم بعدما خدعه أبيه وطلب منه التقدم للإلتحاق بالكليات العسكرية.
هذا أحمق أنا؛ مالك, نجل رجل الأعمال البارز مراد المنشاوي من يملك أقسى قلباً بالوجود ليفعل بولده البكر ما فعل.
  لم أكن لأذهب إلا طاعةً لأبي فقد كنت على يقين أنه ضرب من المحال أن يقبلوا شاب قامته نحو مائتان سنتيمتر ليكون طالب بالكلية الجوية. ألم يكن بالسابق الطياريون الحربيون قصار القامة ماذا حدث للأيام السوداء التى تزداد قحالة يوماً بعد يوم ولكن ليس للأيام القاحلة أي صلة بعذابي فقد ولدت وعلى رأسي لعنة تسمى "سوء التوقيت" ويوماً بعد يوم يتوالد السوء فقد كان سوء تقدير مني ومن الجميع متطلبات الكلية الجوية لأن الكلية طلبت بتلك السنة خاصة مواصفات مختلفة لدفعة مميزة يعدوها لشيء ما علمته بالسنة النهائية, وسوء إستيعاب مني لعقل أبي الماكر الذي علم بكل ذلك وأخفاه عن ولده البكر, وبالطبع سوء خاتمة لأنني أكثر ولد أثقل أمه بمشكلاته التي لا تنتهي . أجبرت على ترك أحلامي؛ موسيقاي؛ فرقتي؛ وفتاتي المسكينة التى أعولها وباقي الفتيات الاتي لا يتحملن فراقي؛ وكان هذا جزاء بر الوالدين بالدنيا .
  منذ وطئت قدماي أرض الكلية شعر بضئالة لم أستشعرها في حياتي فأغلب الطلاب على معرفة وثيقة ببعضهم البعض ونصفهم جاءوا من عائلات عسكرية أو شرطية . أما أنا مالك مراد مالك المنشاوي معشوق النساء الأوسم والأفصح بين أي جمع أمسيت بكلية الحجيم الفاشل الطبال المتوقع رفضه قبل إنتهاء العام الحالي بإذن الله وتوفيقه. لا أعلم فيمَ رغبة الجميع الملحة بالإلتحاق بالشُعب العسكرية إستيقاظ من الخامسة صباحاً, الخامسة ونصف الإفطار, السادسة إلا ربع طابور الصباح المسود ثم تمرينات رياضية تحت الشمس الحارقة وأعلى الأسفلت المتلهب منها لبداية اليوم الدراسي. محاضرات بلا فاصل لدقيقة ولابد أن أكون بها بكامل عقلي وإلا سببت أنا وأمي وأبي وعائلتي فرداً فرد.
  بالعسكرية كل شيء لابد أن يتم بسرعة ودقة ومنه الأكل والإستحمام والإستذكار والنوم أيضا وأهاً من النوم بعنبر به عشرون طالب أثاثه بالكامل من الحديد الصلب أسِرة مزدوجة حديدية, خزائن حديدية, مراتب حديدية حتى الملابس كانت على الأغلب حديدية, أيضا كل ما حولي يحمل طابع القسوة فالجدران رمادية موحشة توحي بتوحدك بأنك الأحمق الوحيد الذي نجح للوصول للجحيم سالماً لتنعم بموت متجدد.
كنت أخر من إلتحق بالكلية لأنال بفخر السرير الأثير بجانب دورة المياة, وأنا من أصحاب النوم الخفيف المتقلقل وكلما نوى زميل دخول الحمام حف الأرض بشبشبه للحمام ثم السينفونيات الغير المنتظمة وأخيراً شفيتم .
  بسنتي الأولى كنت شهيراً للغاية ولكن ليس بطريقة جيدة, الأطول والأوسم أيضا ذا العيون الفذقية ثم لقّبت نهايةً بكلوديا تيمناً بالعزيزة كلوديا شيفر عارضة الأزياء العالمية الأطول قامة بين كل نساء الأرض. كان أبشع عقاب سقط علي من أمي بكائها أما أبي إعتمد على قطع مصروفي بخلاف الإغلاق على ألآتي والآت الفرقة الموسيقية بجراج الفيلا ثم أطرد من المنزل ليلاً أو نهار للطرقات أما بالكلية إتخذ العقاب أشكال أخرى لم تجول يوماً بخيالي الخصب ومنهم حرمان من الطعام, تقشير أجولة البطاطس والبصل, تنظيف المراحيض والأروع الوقوف بلا حراك بالساحة الكبرى للكلية حتى أفقد الوعي بعد خمسة أيام وهنا علمت لمَ قُبلت بكلية الجحيم . لدي قدرات خارقة تميزني عن باقي البشر جسدي يجدد نفسه أفضل من عشرة رجال. بنية عظامي أصلب من ثمان رجال, نظري حاداً ثاقب حتى في الليل, لديه قرنية تملك ثلثي قدرات منظار الروية الليلة, لذلك فضَّل مجلس الكلية إختياري حيث عمر الطيار أقصر من الشخص العادي نظراً للظروف القاسية التى يواجهها بالطيران على مختلف المستويات من الضغط الجوي والتى تجعل أعضائه الحيوية أكثر عرضه للتهالك.
  وفرحتاه, ليس مكاني ليس المستقبل الذي أرجوه, حلم ليس لي, تبدل طموحي لأني الإبن الأكبر لرجل صعيدي يستنكر وجود مطرب بعائلته العريقة ولكن هيهات حلمي ملكي.
  بكل إجازة أعود لفرقتي وموسيقاي ولكن لست وحيد, لفيفاً من المخنثين من زملائي بالكلية يحاصروني أينما ذهبت, يأتون للإحتفال فينقلب عليهم شر إحتفال. يأتون للبحث عن الرفقة الناعمة وحينها أمنع عنهم كل رفقة ليقضوا الليل بصحبة ما يستطيعون دفع ثمنه من الخمور الرديئة. زعيمهم إبن كبير المعلمين جلال عبد المقصود, تصادف أن يكون أيضاً الأول بصفه للسنة الاولى, يقترب من المسرح ليراقص إحداهن فأبتدت إستجابة رغم تعليماتي الدقيقة من حول الإقتراب من هذا الجمع الطائر وحينها أرسلت لها فتاتي لتمنعها عن حماقتها فإبعتدت على الفور وحينها عاد حسام في خزيه.
دقائق من المشاورة بين حسام ولفيفه حتى إتخذ القرار والطريق للمسرح, وضع إبن كبير المعلمين  يده على آلتي الموسيقية( الأورج) فتوقفت عن العزف بعد أن تخربت نوتي وحينها قال:
- دقنا حاجه بلدي
ثم أخرج أكبر ورقة مالية رءاها في حياتها ووضعها داخل جيب سترتي, ولمزيداً من الإستهزاء نظر حسام بشغف – لفتاتي - المطربة ذات الوجه المليح والصوت الناعم وأردف:
- لو عايزها ترقص عليها أدفع كام ؟!
أخرجت العشرون جنيه من جيب سترتي ثم قلت بهدوء:
- كده, إنت, غلطت في البيوت, وهتضطرني أغلط فيك
إبتسامة تهكمية كانت الإجابة ولابد من إستجابة رادعة, فاجئته بلكمة تفاداهاه حسام ببراعة فصرعته بالأخرى إنما تفاداها كذلك ثم قال والإبتسامة تتسع على ثغره:
- إللي يعند علينا يبقى لا مجنون لا أهبل, لك حق الإختيار
بهدوء آسر بصق الحسام الكلمات الأخيرة وخرج من الليلة الضائعة مثل مثيلاتها, لم ينعم بتذوق النعومة التى يبحث عنها ألا يكفيه التفوق هو ولفيفه. كل دفعتي منكبين على دراستهم بكل حماس وترقب لليوم الذي سوف يستطيعون به الصعود على متن طائرة حقيقية أما أنا كل آمالي وطموحي الصعود على متن طائرة أيضا ولكن مدنية لتنقلني لعالم أخر أكثر مدنية.
  ماذا حسب الحسام يجعلني سخريته وأتركه بلا عقاب وهذا كان أول عقاب حط عليه؛ سوف يظل بمعزل عن عالم الديب مالك مراد. إنتهت السهرة بلا أجرنا بسبب عراك حسام الذي لم يكتمل حتى, فلملمت المعدات على نغمات السخط من أعضاء فرقتي أما هى لم تنبس بكلمة واحدة وحينها أخرجت كل ما بجعبتي من نقود وناولتهم لها وقلت:
- مشّي نفسك بيهم لحد ما أتصرف
وضعتهم بشطنتها النسائية الامعة التى جلبتها لها من أخر رحلة لي لأمريكا وقالت :
- ماضيقش نفسك ولا تشيل همي, أنا لقيت مكان عايزين فيه
قاطعتها بعصبية:
- عايزين رقاصه, مفيش حفلات من غيري يا ماهي
أومأت بالموافقة وإنتهت من حزم متعلقاتنا في هدوئها المخلمي؛ كم أنا في حاجة إليه .
لم تنتهي السهرة لإبن كبير المعلمين, ينتظر عقابه برفقة ثلاث من زملائه, لا ضير معي الغلبة فأعضاء فرقتي خمس وسوف نتغلب عليهم ليصبح بالغد الحسام كلوديا عوضاً عني. تقدم مني مطرب الفرقة وقال محذراً:
-  الواد بتاع السيرك ناويلك على نيه
كتوم مهرج السيرك ذا التخفي المدهش من اللكمات؛ لم يجازف بعراك داخل حانة قد يتطور وتتدخل الشرطة, وحينها يذكر بملفه المشرق أنه غير منضبط, وأنا أيضا لطالما كنت كتوماً. نظرت لحسام منتظر خطوته فقال من أعلى سيارة أبيه المتهالكة:
-  قول للحريم اللي معاك ترووح عشان عايزينك فى مصلحه واللي عايز برضه من الحريم اللي عامله رجاله ترووح بما فيهم إنت, يرووح وأنا مسامح
- جيت لقضاك
تمسكت حبيبتي بي كعلقة أمازونية تحثني على المضى تاركاً ثأري فطلبت منها بحزم العودة لمنزلها وبالغد إحتفال القصاص, فتركتني على مضض والخيبة تنضح عن وجهها بينما توصيني بالتروي ولو لمرة واحدة بقرار إتخذه. غادرت الفتيات وبقى الرجال فتقهرر حسام للخلف كما المتوقع وترك صديقان من أصل ثلاث يتقدما بينما يقول:
- روقوهم وسيبولي الطويل فيهم
وهذا مرادي بأي حال. سارعت للحسام المتقهر فسارعني أحدهم بلكمة قوية أسقطتني أرضاً, لا ليس ذلك فحسب, اللكمة جعلتني أحلق بالسماء إلى أن تكومت أرضاً أبحث عن قبراً يكرم مسواي الأخير, نفس الصديقين تناوبا على باقي أصدقائي حتى سقطوا واحداً تلو الأخر, خمسة رجال أسقطهم رجلين بأقل من دقيقتين وحينها نزل الحسام عن السيارة وتقدم مني على وجهه الإبتسامة الحالمة.. يجذبني من سترتي لأقف لمواجهته.. يهندم لي ملابسي الممزقة إثر العراك .. أصابعه تكمش وجنتاي بمرح وبالنهاية ناولني ضربة رأس رنحتني بل جعلتني أري الليل البهيم نهاراً مشرق عجزت عيناي على إستيعابه على حين غرة. عندما عاد الليل من جديد حاولت التماسك من جديد كما حاولت أن أصرع الحسام بلكمة ماكرة قد تعيد لي ما تبقى من كرامة جرى هدرها على الإسفلت إنما أمسك حسام بقبضتي ولوى ذراعي بالكامل للخلف فأصبحت سجين ذراع الحسام الأيسر الذي إلتف من حول عنقي كثعبان مكير ينوي الفتك به, ضاق الخناق أكثر .. تقلصت ذرات الأوكسجين من الهواء .. ثوان وأذهب للقدير ألا أن الحسام ألقى بي أرضاً لأسقط على معدتي وأفترش الأرض, وتوالت الضربات من حذاء حسام لمعدتي وحتى فقد الوعى تماماً
   لم أتذكر شيء بعد ذلك إلا وجودي بمشفى عام نقلت إليها برفقة أصدقائي ثم أبي وصياحه علي مستنكراً إستهتاري الذي سوف يفقدني حياتي ومن ثم تموت أمي حزناً علي.
  عدت لكلية الحجيم قبل أن تندمل جراحي المتعددة التى كست وجهي وأصبحت الان رسمياً Hosam's bitch  . أنهي اليوم الدراسي الطويل وأعود لعنبر النوم مباشرة لأتجنب الإستهزاء على حالتي المذرية حتى بيوم أتاني الحسام وحيداً. جلس على السرير الذي يليني بصف الأسرة وليس له ثم قال بتهكم:
- إزيك يا فنان
لم أجيبه وأكملت صف ملابسي بخزانتي الخاصة فأردف:
- إنت إيه اللي دخلك الجويه وإنت طبال ؟
أغلقت خزانتي بعنف صدع الأجواء وقلت:
- وإنت ما لك يا إبن العميد
- بص يا فنان, الكليه دي, بيخشها رجاله وبيتخرج منها أبطال وإنت شكلك ولا راجل ولا زفت, أنا لو منك أخدها من قاصرها وأسيب مكاني لواحد يستهله وصدقني ملايين يتمنوا مكانك إللي مش عجبك
- هتعرف أنا راجل ولا لاء قريب
إبتسم حسام وقال :
- لا يا سيدي راجل وسِيد الرجاله كمان, أنت خدت علقه مُكن واحد غيرك كان زمانه ميت وشيّلني ذنبه وأنا مستعد أساعدك عشان تبقى راجل بحق وحقيق
لكزته بكتفه بعنف ثم قلت متوعداً:
- إتكل على الله لحد ما أعرفك مقامك
لم يهتز الحسام لوعيدي وخاطبني بهدوء:
-  مقامي ومكاني أنا عارفهم كويس وأديني فيه, هعمل معاك صفقه, تظبطنا هظبطك
- ماليش في الشمال
بادلني حسام التهكم :
- خف على نفسك بدل ما أكمِّل عليك وتتخرج من الخدمه في الكليه والكباريهات, إحنا شفناك كذا مره في كذا حته وشفنا البنات عامله عليك إيه وبصراحه معندناش وقت نظبط و نحب, عايزينك تظبطنا وإحنا نحب بالجامد
-   ماليش في الشغلانه دي, بس شكلك فاهم فيها كويس, ما تلعبها لحسابك
ترك حسام الهزل بحزم القول:
- إسمع, إنت درجاتك هتخرجك من الكليه بالكتير أوي السنه الجايه وتترفض لو مش عايز ده يحصل إسمع الكلام, أنا مش بقولك اشتغل إريـال أنا بقولك عرفنا بدل ما تقطّع علينا مطرح ما نوروح , وأنا هساعدك وهخليك تتخرج وتفرح أهلك بيك وصدقنى معايا مش هتخسر
كل ما جاب عقلي حينها دموع أمي ونعيها لإبنها الأكبر الذي يحرق مستقبله ولا يستطيع أحد ردعه, لومها لنفسها لأنها لم تهتم بي كفاية وتركتني لأهوائي التى قد تقضي علي وبالنهاية تقضي عليها. أخي الأصغر بسنته الثالثة بالجامعة بينما أنا بسنته الأولى متعثراً.
أجبت حسام :
- ماشي, بس أول حاجه عايز أعرفها, إزاى عرفت تضربني الضرب ده كله من غير ما ألمسك
إبتسم الحسام بنصر وقال:
- إنهارده عاملين إستدى جروب تجيب كتبك وتيجى قاعه حداشر عندنا إمتحان شفوى كمان اسبوع , سلام يا مالك قلبي
اللعنة على عمر دياب الذي جعل من إسمي مزحة جديدة. لمَ لا لأجرب أليس الطيران حلم الجميع لمَ ليس حلمي. تبعت حسام للحلقة الدراسية المنعقدة بقاعة الدرس الخاصة بالطلاب فبدأت المجموعة بالتهامس فور رؤيتي, أشار لي حسام أن أجلب كرسي وأنضم إليه فقال أحدهم:
- فين كتبك ولا جاى تعمل نمره يا كلوديا ؟!
ضحكت الحلقة الدراسية ثم قال حسام وهو يشير تباعاً على أفراد الحلقة معرّفاً:
- أمجد, نور, حسن, مايكل ..  ثم نظر إلي وأردف .. كلوديا
فعادوا للضحك وحينها هممت للنهوض من الحلقة منهياً تلك المهزلة إنما من يدعوا مايكل أمسكني من ذراعي وأجلسني مجدداً وقال:
- بص معايا ولما ترجع العنبر إبقى راجع من كتبك
صاح من يدعوا أمجد بمايكل:
- والمسيح الحى طيبة قلبك هتضيعك
وبدأت الحلقة الدراسية, كل ما يدرسوه إلى جانب المواد العسكرية كانت الفيزياء وإتضح أن الفيزياء أم الرياضة, ولم أكن أعلم صلة القرابة تلك بينهما فلطالما كنت بارع بالرياضيات, وتصادف أيضا أنني بارع بالحفظ فقد كان في وسعي حفظ نوتة موسيقية كاملة فور سماعها رغم أنني لست دارس للموسيقى والان وجدت نغم جديد لأحفظه برأسي وكانت القوانين المتعددة التى شملت كل المواد المدروسة بمنهجي الثقيل. علمت لاحقاً أن المجموعات الدراسية إكتملت بدوني لأني ببساطة لم أتقدم لأياً منهم وأقوى المجموعات من ضمتني بنائاً على توصيات ثلاثة معلمين لمحوا بي النبوغ وكان على رأسهم أبا حسام وهو كذلك من دفع ولده لصداقتي .
لا زلت للأن لا أجلب كتبي للحلقة الدراسية فجميع الكتب مكانها رأسي, وبُهرت المجموعة الدراسية بقدراتي بالتساوي مع المعلمين ثم حدثت مفاجأة زلزلت الجميع وأنا من ضمن من تزلزل؛ إسمي درج بين الخمس الأوائل بدفعتي. جاء ترتيبي العاشر, في الحقيقة لا يكون هناك عشرة أوائل مجرد خمس لكن نجاحي في عامي الثاني صدمة مدوية .
  راقت لي الفكرة طالب مجتهد في إنتظاره مستقبل مشرق مضمون, أيضاً لما علم أبي بنجاحي أدمعت عيناه فرحاً وأمر بذبح الذبائح وتوزيع العطايا ومن العطايا سيارة جديدة ومفتاح شقة خاصة ببناية يملكها أبي بالزمالك أصبحت الان ملكاً لي ولكل رفقه أرغبها. إنتهى عصر قطع المصروف ليحل محله عصر الوفرة بكل شيئ مال, نساء, ورفقة. أصبحت مدعوا لكل حفلات والدي برفقة أصدقاء الكلية لأكون أكثر الشباب شهرة. ذاع صيتي وأصبح الجميع يتودد إلي أصدقائه, رفقائي بالكلية فمعي مفتاح العالم المفقود بل عدة مفاتيح أولهم (المُكنه ) وأخرهم النقود.
ولكن برغم كثرة الاصدقاء كان الأقرب إلى قلبي واحداً فقط, الحسام, طيب القلب غير مرائي مثل الجميع لم يبخل عليه بمعلومة داخل أو خارج المنهج الدراسي, نصبني أخيه الأكبر حيث كنت اكبر دفعتي بثلاث سنوات لأني الوحيد الأوحد الذي رسب بالثانوية العامة لثلاث مرات. أنا أيضاً لم أبخل عليه بمعلومة ولكن بتخصصي الآسر.
دخل حسام علي مكتبة الكلية وقطع قرائاتي عن الطبيعة الجوية بـأسيا. جلس بجانبي وقال:
-  عايزك فى حاجه كده
- مش هشرحلك ميكانيكا ريّح نفسك إنت بقره
حدجني بغضب وقال :
- تصدق انك كلب مش عايز منك حاجه .. ثم عاد للتوسل .. أنا كنت عايزك تشرحلي حاجه غير الميكانيكا
ربتتُ على كتفه مهوناً وقلت :
-  سيبك من المذاكره يا حسام يا أخويا عيش حياتك, عندى ليك حتة نساوين هتموت عليك وإنت ولا هنا
-  بتكلم على مين ؟
- يارا يا زعيم وخلي بالك جايه فى أى حاجه
- مش دى صاحبتك ؟
- انا أصاحب الاشكال دى ! هى ليله والمصلحه قضيت وعايزاك إنت بقى عشان مصلحه جديده
حدجني حسام بإشمئزاز وقال :
- بلغها أسفي الشديد
لم أفهم مالك فيما إشمئزازه من أبلغ الفتيات بمركز الزمالك الثقافي وقلت:
- إسمع مني دى بت يالهوي حكاااايه هتنسيك اهلك
- شكراً خليهالك تنسيك اهلك انت
-  إتحرق هباسيها لأمجد يمكن يرضى يدينا ملزمته, كنت عايز إيه ؟
- بص انا شفت واحده وعجبتنى ومش عارف أدخلها إزاى
- حلوه ؟
أغمض حسام عيناه بشغف ثم قال بتمهل التأمل العميق:
- عمبتعقد
- لبنايه يا واد يا لعيب, إسمها إيه ؟
- وانت ما لك قولي أكلمها ازاى وخلاص
- وهو إنت محتاج شرح, الحريم بيجوا عليك وإنت مديهم ضهرك إديها وشك وعرّض الباى وأنفخ التراى
- ما عملش معاها حاجه
- قوتلها إنك جويه؟
- عرفت وعادى
- إمممم لبنانى حلو وتقيل, هو إنت شفتها فين ؟
- بنت الجيران
- طيب سهله أنطرها وهى خارجه وهى داخله وحاكيها تاني
- ما هو أنا مكلمتيهاش أولاني دي تعرف أختي الصغيره
- إنت ليك اخوات بنات يا حس وأنا معرفش إحجزهالي أكيد شبهك وأنا مش عايز أكتر من كده
- ياعم خلينا فى اللى إحنا فيه قولى أعمل إيه ؟
- دى حاجه سهله جداً خلي أختك تعرف خط سيرها وإعمل قابلتها بالصدفه مره واتنين والباقى عليك إنت
وإنتهى الدرس.
تركت الفرقة قهراً حتى يتراجع عني لقب الطبال ومارست هوايتي داخل أسوار الكليه فقط إن وجدت الوقت, إنما الشيء الوحيد الذي لم أستطع التراجع عنه رغم رفض أبي كانت ماهي؛ حب حياتي. إبنة الجيران, زميلة الصف التى نمت أسرع من قريناتها حتى طالتها نظرتي المميلة لمعشر النساء أجمع وكان ما كان, أهدتني كل ما تملك أيام عمرها الضائعة بلا أمل, حب لا ينضب رغم نزواتي وهفواتي, وأخيراً أصبحت زوجة أطلبها وقتما أشاء لما أشعر ببرودة لا يسكننها إلا صدرها الدافئ .
إنسحب أعضاء الفرقة واحد تلو الأخر وكلاً إتخذ طريقه وحيداً أما هى أجبرتها على ترك الغناء وألزمتها دراستها في كلية الأداب قسم الفلسفة والذي لا تفقه به شيء على الإطلاق إنما من أجلي تركت حلمها وتوسدت أحلامي. أكبر مطلب لها بالحياة هو تتمة, خاتمة لتلك القصة العاطفية الشائكة, مجرد خطبة بعد أن علم الجيران وأمها وأصدقائنا إنها لي أما أنا إنتظر الوقت المناسب حتى أخبرني أبي برغبته بتزويجي ليتكلل نجاحي طيار ومتزوج رغم أنني لازلت بالسنة الثالثة فطلبت عروسي وحينها قال كلمة واحدة
- إنسي
قلت وقلت, محاسنها, طيبتها, أمها المسكينة المريضة, إنما لم يصلح مع أبيهي أياً من الحيل حتى أنه أنهى فكرة الزواج برمتها للحين وضاعف مصروفي وإستبدل سيارتي بأخرى موديل السنة لإلهائي عن الوفاء بالوعد وحينها ناولت ماهي ما تضاعف عن مصروفي علها تشعر بشيئاً من الأمان.
قطع علي حسام مرة أخرى قراءاتي, وجلس بجانبي يقول:
- حبيبي
- حياتي
- قابلتها
إسترعى الحديث إهتمامي حتى أنني أغلقت كتابي والإختبار الشفهي بالغد وقلت بحماسة:
- فرحني, هتيجبها المركز إمتى ؟
نظر لي حسام بإستنكار وقال :
-  مركز إيه يا واطى دى بنت ناس وخرجت معايا بالعافيه بعد ما أختى قطعت نفسها عليها وهى ربع ساعه ومشيت وسابتنى قفايا يقمر عيش حتى ما أخدتش موبايلها
- كاورك
- أختى قالت لى كده برضه
- أختك تمن سنين بتقول كاورك لا أخطبهالي
- لخّص أعمل إيه ؟
- إحكيلى كل اللى حصل بالظبط
لقاء عابر بضغط طفولي من أخته الصغيرة, إصطحب به جارته الحسناء لمول حديث الإنشاء بالقرب من حيهم الجديد بالتجمع الخامس , كانت تتحدث بالكاد خاصة لما تركتهما أخته وذهبت للعب مع أقرانها, الجميلة تدرس بالجامعة الأمريكية, تركب البورش, وتسكن قصراً يقبع على الناحية المقابلة لمنزل اللواء جلال المتناهي البساطة إنما هناك بارقة أمل للحسام فالجميلة ليس لها أصدقاء أو أخوة وحيدة إلا منه وأخته الصغيرة وحينها نظرت لحسام بثقة وقلت بقين :
- البت دى حلوه أصلي.. صح ؟
أكد حسام كلماتي بحماسة شديدة:
-  دى حلوه حلاوه ما تتوصفش
- عشان كده ملهاش إصحاب الولاد بيعاكسوها والبنات بيغيروا منها يعنى وحيده ودى فرصتك, تخش عليها صديق وطبعاً الصديق وقت الضيق سيبك من الحب والرغى لما تلاقيك باصصلها عادي هتستغرب بس هتثق فيك وبعدين الحب هيجى وتيجى الزمالك
- أبو الزمالك اللي شغلاك وهصاحبها إزاى بس, بتقطم معايا على طول
- أختك أم لسان طويل هى اللى هتجرها
- ربنا يعافيك لسانها أطول منها
- قول لأبوك إنى جاى الجمعه الجايه أخطب وأشبُك هو ده إللى بدوّر عليه
5

مارد من الإنسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن