الجزء الرابع

66 5 0
                                    

#مارد_من_الإنس
#الجزء_الرابع
{ ميرا الدويري }
أنه الحب أنه الحياة أنه الدافع وراء الحياة, أم هو الشفق الذي هزم الظلام, ليس بخنجراً نفيس وأرصدة بنكية أو نفطية إنما بكبسة زر سافرت من هاتفه لهاتفي. أنا له كنوز الشرق وحكم الغرب, بعيونه نقية بريئة كأطواق الياسمين التي لها القدرة على الإزهار بعيداً عن نسيم قد يجرحها. ألعاب لم يتقنها مارسها علي وإدعيتُ تصديقاً, صديقاً كان أو حبيباً أصبح لم يعد يهم فكلاهما إلي جانبي. لاأستطيع, لا أريد, لا أتمنى صديقاً أو حبيب فإستحلفني البقاء كما أريد. فاجأنا الحب أم داهمنا لا يعرف فكل ما يراه بالحياة؛ حرب, خسارة وربح ومعي كل طرق لا تؤدي إلا للخسارة ألا إنه رءاني ربح لأن أنقى القلوب لا تدنسها أطماع لم تنبت بنفسها بل غرست بها عنوة. زواجي نكبة وطلاقي رحمة وعودتي معجزة وافقني على ذلك فقد إنتظر معجزته منذ عقود وها أنا الان أمامه لا ينقصنا إلا تصديق العالمين على حبنا, لا يعرف أن العالمين إن علموا لشقوا بيننا قارات وبحور هو على أتم الإستعداد لخوضها ليلقاني بنهاية الطريق.
كنت جارية حتى إعتقتُ على بوابات صدره فأيقنتُ أن الحرية بداخلي ساكنة لا ينقصها إلا ثورة على كل من طغى. أنا القمر ترك السماء وإستوطن كتفه فباتت النجوم تحسده لايدري أنه الشمس أنه الغذاء لكل ضوء وهجاج. علمني الحب علمني أن جمالي رقراق زاده جمالاً, جمالاً يكفي كل النساء وتمنى أن أكون إمرأة عادية في مقدوره إخفاء لهاثه المحموم كلما إلتقاني. دعاني لترك طبقة يحسبها رقي متخليةً عن عطوري وملابسي الفرنسية وسيارتي الأمريكية لأشاركه غابات الأرز بدمياطه وبرزخ جمع البحر يلتقيان حيث الصباح الفتاح بلا صخب المدن والضجيج.
ليس لديه باع بالمصممين ويكره الشوكة والسكين وطعامه هو الحنين وكل ما أمتلِك هو إنصياع الجنين لحبلاً سري أمدني بالطمئنين. إلي أين حبيبي ألم تختار وجهة بعد فيردد أن وجهته معتمة لا ينيرها إلا حطب حطام عائلة هى كل ما يملك إنما من زرع حصد ومن إلتقى أحب ومن سبح طفى ومن تفائل بالخير وجده ومن تنبأ بشر لم يمنعه عنه إلا القدير.
  عدتُ للصفوف البشر لما وجدني بين الأنقاض, أنقاض عشتُ داخلها حتى سهوا عني وبنوا من فوقي حصونهم عازفون راقصون فارحون بإنجازهم الصديم(1) لما وجدوا من قبري منفعة. أبي أراد العديد من الأولاد وأمي لم تستطيع إنجاب غير ولد واحد وأنا. أخ عشتُ بظله المعتم لسنوات بـبيت يسكنه أشباح الماضي وثلاثتنا, كريم شارد بين تعليمات الأب وحزن الأم وصمت الأخت الدائم, فأي حديث قد يربطنا.
منذ سنوات بعيدة نزلت من سيارتي الخاصة التى كانت تقلني لمدرستي الثانوية ودلفت لمنزل الموتى, أمي بحزنها الذي تفاقم اليوم وأبي سعيد بإنجاز ما, عندما رءاني تهلل وجهه لأول مرة فقد علمت من كريم لما كنا أطفال ونكيد بعضنا البعض أن أبي لم يريدني لأني من تسببت بمرض أمي لان أمي أثناء ولادتها إنتابها نزيفاً دموي شديد فنقل لها على وجة السرعة دماءٍ ملوثة بالإيذاء الدائم ولذلك تمنى أبي أن يتخلص من الإيذاء المتمثل في فتاة له لأنه لا يحب الفتيات أبناء ويحبهن عشيقات فقط والسنوات صدقت على كلمات كريم.
  بشرني أبي ببشرة سارة, فرصة لا تأتي بالعمر إلا مرة واحدة فقد أتآني بعريس رجل أعمال شاب وملياردير, قاطعت وصفه المفصل وذكرته بما سهى لما قلت : 
- إنت وعدتني تتركني أنتسب لمعهد الفني بروما, نسيت ؟
- عريسك هيخليكي تلفي الدنيا ويمكن يفتحلك معهد لحسابك
تم كل شيء بيسر وسرعة مدهشة زفاف إسطوري في قصر عجائبي ببيروت, زوج بعمر أبي وحنانه المزيف جعل من جسدي منفضدة لسيجاره, كان حيوان سادي يجد بألآمي نشوته, بالنهار زوج مثالي حنون يسعد عروسه الصغيرة وعند الليل تتمثل به شياطين العالم السفلي أجمع ويجمع كل صنوف العذاب ليرى الصفاء حيث فكرته الشيطانية عن الجنس أن المرأة لا يظهر معدنها الأصيل إلا عند الألم الحقيقي. هربت مرة فأعادني أبي لقصر زوجي آسفاً على تصرفي المتهور ووعده بأنه لن يتكرر وللعجب لم يغضب زوجي علي وأهداني القصر الذي سكنت به وردد أمام أبي بلا حياء أنني أكثر إمرأة أرضته ولا يبغى إلا رضائي ثم طلب من أبي أن يسوي عقد شراكة جديد مع محاميه؛ كانت تلك هي مكافأة أبي لما أعادني للجحيم طوعاً.
سمعت أن لكلاً درجات, للجنة درجات وللجحيم دركات وعند هذه المرة سكنت الدرك الأسفل وكلما تحملت كلما حصدت حتى حصدت الكثير فقررت الهرب مرة أخرى. لم أعود لأمي ليعيدني أبي مرة أخرى للزوج المجنون وسافرت لنيويورك وبحثت عن أخي حتى وجدته برفقة أخرى تشاركه السكن, تفاجأ بي بالطبع ثم طلب من صديقته الذهاب للتسوق ليختلي بصديقته من بيروت وليس أخته فذهبت بعيونها الشكوك. قلت مباشرة :
- بدي إياك تساعدني, معي مصاري كتير
أجابني بضجر :
- بعرف, لكن البابا من وراك وراح يردك لزوجك
-   ساعدني كريم مشان الله راح موت
لم يبدي إهتماماً فخلعت كنزتي ووقفت أمام أخي نصف عارية لأول وأخر مرة, جعلته يشاهد ما حصدته بخمس سنوات برفقة سادي من عمر أبي وحينه وضع يده على جبهته بسقم ثم زفر بضيق وقال:
- إلبسي أواعيكي, راح ساعدك
وجائت المساعدة عبر إخفائي عن العيون حتى يأس أبي من البحث عني والزوج طلقني ليتزوج بأخرى أما أنا كرهت كل ما ربطني بالماضي؛ لبنان, أبي وأمي الضعيفة فقررت العودة للقاهرة لأرى المخلوق الوحيد الذي يجعل من أبي بشر. يتذلل لها يركع تحت قدميها وترده خائباً بكل مرة وتعود لزوجها الفقير الذي يسكنها مسكن غير مكتمل الإنشاء ويقود سيارة متهالكة إنما يتذكر ذكرى ميلادها وزواجهما ويهاديها بالكتب الشعرية والنثرية لكاتبتها المفضلة غادة السمان وإن كان زوجها لا يفضل الأدب النسائي النحاب. السمان أصبحت المفضلة إلي أيضا بعدما أعارتني فدوي كتبها لترفع من معنوياتي الحضيضية وتعلوا بوعيي المغلق على ما عانتيه.
  تركني منير وشأني ولم يعد يلح علي بأزواج أخرين بعد توصية من فدوى زدتها أنا لما أودعت ما حصدته من عِشرة السادي بشركة أبي على هيئة أسهم لأصبح شريكة ومالكة قدري وحبي وحبيبي. شاب أسمر وسيم يحبني غير عابئ بما حصدته أو أملكه, نحصوا السنوات سوياً لتقترب النهاية السعيدة ضابط طيار وحبيبته, أقنعني بعدم الحاجة للدراسة أو العمل يكفيني إنتظار عودة حبيبي من عمله يوماً بعد يوم ليتغلب الشوق على قلبي كما قتل الشوق قلبه وأحياه. لم أبخل عليه بمعلومة عن الماضي أو الحاضر؛ أبي بلطجي عتيد ورجل أعمال مشبوه, أمي راقصة معتزلة وأنا كنت لأخر من قبله فجائت إجابته مفاجئة:
-  محدش بيختار أمه وأبوه, ميرا كانت إيه ما يهمنيش اللي يهمني ميرا بقت إيه ؟
أجبته بقين:
-   مع حسام
إبتسم برضا وأمسك بيدي ثم قلبها يمنى ويسرى وكأنه يراها لأول مرة ومن ثم إتخذ القرار لما بسط راحتي داخل راحته وقبلها بينما يقول :
- بحبك 
لم أبادله الحب فقد أسكتني الخوف ثم نطق عني :
-  بس إنت ايه اللى يجبرك تكون مع واحدة زيي؟!
- اللى يجبرنى أكون مع واحده زى الملايكه زيك إني بحبك, مش إنتي بس اللى عندك عقد أنا كمان مليان فيونكات من كل لون, محدش كامل
ملاكاً, يرآني ملاك بعدما كنت إبنة غير مرغوب بوجودها ثم كلبة مطيعة إنما الان أمسيت فتاة عادية لها حبيب يراها الأمل الذي يصبوا إليه, يملك قلباً صغير كسنوات عمره ويخشى علي ومني ومن جمالي الذي سلب عقله ويخشى أن يسلب عقول أخرين, كيف بعدما تنازلت عن كل جمال بدون حضوره الطاغي وإرتديت ملابس قبيحة من إختياره, تركت سيارتي وركبت إلى جواره سيارة أبيه المتهالكة التي نسحبها على الطريق أكثر من قيادتها, نأكل وجبة لا تكلفه أكثر من عشرة جنيهات ونلعق مثلجات بخمسة جنيهات ثم ينتهي مصروفه لليوم وحينها نعود للمنزل لمزيد من الأحاديث التي لا تنتهى, سنوات مراهقة ومشاعر بريئة ضلت مني وهو من أعادها لقلبي الممزق.
يريد لي السجن المشدد فهو يغار من نظرات من يحسبهم مدققين بجميلته, فلينظرون ألا يعلم إنني لا أرى إلا عيناه حتى عندما أنظر بالمرآة لا أرى إلا وجهه الباسم. عاماً بعد عام أنتظر نهاية القصة المأساوية لفتاة لا تليق بإبن اللواء جلال عبد المقصود صاحب الصيت الطيب الكريم, طالب الكلية الجوية المتفوق, أمه ليست راقصة أو زوجة أبيه الحالية ولكن تسابقت السنوات ولازالت بعيناه النظرة الحالمة ذاتها وأخته الصغيرة تترقب زفافنا لتصبح صديقتها معها بفيلتها والجيد لم تعد تسأل عن كريم فقد إستيقظت أخيراً من أحلام الطفولة وبات لها حلمٌ صغير مثلها يلوح لها من أسفل البلكون بالخفاء لما يزور والده والدها وهو برفقته ثم تنظر لي بسعادة منيرة وتشير لي بأن هذا هو المختار فأهنئها على خيارها الموفق فهو طيار كذلك وسوف يحلق بها للأفق كما حالي الحالم .
الذكرى الثالثة لميلادي بين يديه ولم ترد منه مكالمة أو رسالة وحينئذ جابت الشكوك عقلي المسود من ماضي لا خلاص منه. ترى إستيقظ أخيراً من غفوته ووجد ما يناسبه أم أشغله عني شاغل أكبر . الثلاثاء الأربعاء الخميس موعده ولم يأتي فأيقنت أنه وجد ما بحث عنه بعيداً عن دروبي المعتمة.
الجمعة رسالة - مستنيكي- إرتدت ملابسي على الفور ثم خلعتها مجدداً لأتخلى عن ذوقه المريع بالملابس ليجعلني بشعة للجميع حتى يرى الجمال وحيداً ولكن اليوم مختلف وسوف أذيقه الويلات التي أذاقها لي بمرارة الإنتظار. فستانٌ قصير ناعماً أحمر اللون لأنه يحب الاًحمر وقد أرخيت شعري الذهبي على ظهري وإكتسبتُ المزيد من السنتيمترات لما إرتديت حذاء عالي لتناطح قامتي قامته ويحترق قلبه كما إحترق قلبي بلوعات الفراق.  وثبتُ على درجات الفيلا ومنها للطريق العام بعيداً عن صراع العائلات فنحن حبيبين خفييان قصة حبنا سرية حتى معجزة من السماء.
وجدته تحرك بالسيارة للطريق العمومي ولم يلحظ الفستان بعد فركبت بجانبه في صمت يحمل العديد من الكلمات إلا أنه لم يرهف السمع لكلمة واحدة ولثم وجنتي بقبلة ثم قال :
- وحشتيني
حدجته بإذراء ولم أبالي بوحشة وإفتقاد هو من تسبب بهما فأردف ببرود :
-  إتفِلْقي
  ثم إنطلق بالسيارة ليومنا الجديد. صمت لا نهائي لا أعذار ولا تبريرات عن سر غيابه بأهم الأيام إليه, هو من قال بمرة سابقة. شوراع قديمة, بنايات متقاربة بل تكاد أن تكون متلاصقة, سفارات مترفة لأكثر من دولة أجنبية, حراسات تجوب الشوارع, يبدوا حياً قائم بذاته إنما لا أذكر إنني مررت به من قبل. مررنا على النيل ومجموعة من البنايات الممتدة على أطرافه حتى توقف وصف السيارة أمام إحدى البنايات وقال آمراً :
-  إنزلي
-  إحنا فين أصلاً ؟
وبمزيداً من البرود قال :
-  إنزلي
زفرت بضيق وترجلت من السيارة أرخي فستاني على ساقيَّ فإلتفت ناحيتي وقال متهكماً :
-  هو كده طوِل يعني ؟! يايلا همشيها إنهارده عشان عيد ميلادك
يذكر وكذلك لم أبالي وإنتظرت وجهة سحبني إليها سحباً. كانت بناية جانبية لا تطل على النيل الذي مررت من جانبه, بوابة جسية عتيقة وليست زجاجية كسائر البنايات الأخرى, دلفنا منها وحينها إنتفض البواب الأسمر النحيف عن مقعده الرخامي المثبت بالحائط الرخامي بدوره كما سائر حوائط المدخل وحيى حسام بيه بحفاوة, يبدوا أنه زائر عتيد وكفاني إنقياد له.
توقفت أمام المصعد وقلت :
- إحنا رايحين فين ؟
- ممكن تبطلي كلام
-  مش هتحرك قبل ما أفهم
-  هخطفك, هغرغر بيكي, انتِي خايفه مني ؟
-  مش خايفه ياللا بينا
صعدنا سوياً حتى الطابق الرابع ثم شقة مفتاحها بحوزته ولم يصرح من قبل أنه يمتلك عقار, يدعوني لكابوس حسبته حلم السعادة الأبدي, الشقة ليست له ولصديق, سوف نقضي بها يومنا المميز بلا منغصات. لم أصدق ما أراه لو يظنني ما يطلب الان فيمَ إنتظاره لثلاث سنوات من العفة المقنَعة,  أهذا الحب أهذا الحلم أهذا التطهر الذي إنتظرته, على إنقيادي منذ علمت أن للحب مكان بهذا العالم الكاذب أكمل سحبي من رسغي لداخل الشقة المعتمة رغم النهار المتفجر فالظلام أفضل لكل دنس.
إختفى بالظلام الدامس ولم أعد تشعر به بجانبي, هنية وأضيئت الشقة بالكامل مرة واحدة, مجرد شقة قديمة الطراز إنما يبدوا عليها فخامة تسعينات القرن الماضي, أطقم مريحة للجلوس, صالون مذهب واحد, مزهريات صينية وبورتيهات مقلدة تغزو الحوائط وبالنهاية سحبٌ حنون إجتذبني من تفحص باقي الشقة الخالية حتى المائدة ويافطة معلقة بين عمودين أسطوانين طبع عليها بالأحمر البراق - كل سنه وأنت طيبه يا ميرا .. تجوزيني؟-
هربت الأفكار والشكوك لما رأيت قالب الكيك بالفاكهة المفضل إلي وعصير التوت وبلاهة تملكتني جعلتني أقول:
-  أنا مش فاهمة حاجة ؟
نظر لليافطة ثم تحول لي متعجباً وقال :
-   أخ إفتكرت, ثقافتك لبناني
إتسعت إبتسامتي لتهكمه الذي لا ينتهي على منشئي ثم تحولت عن اليافطة له وحينئذ جثى على ركبته اليمنى بصعوبة بينما يقول بتألم :
-  تدريب الأسبوع اللي فات كسّحني إيدك معايا يا بنتي
ناولته يدي ليستند عليها فأردف جثي ممسك بكلتا يداي :
-  أنا بحبك يا ميرا تقبلي تجوزيني وتعيشي في فيلتنا المتواضعة وتركبي لادا وتسيبى البورش
أومأتُ بالموافقة بسعادة مطلقة فهذا كل ما أتمناه بالحياة, أن ينتفض عن كل معرقل ويضمني إلى صدره بقوة أذابتني بين ضلوعه, ساكنة غلبني السهاد لسنوات بدونه, لم أعود إلى أن أطلقني وعانق ذراعه خصري بينما يخرج ولاعته من جيب بنطاله ليضيئ الشمعة التى تحمل رقم ثلاث بالإنجليزية نسبة لميلاد حبنا وقال :
- جبتها فاكهة زى ما بتحبي هتكليها كلها
إنتظر إجابة لم يجد فقد تاهت الكلمات أى تعبير بالعالم يصف سعادتي التى إكتملت لما تلمست شفاه جانب جبتي بقبلة حانية ومن ثم بدأ بإنشاد عيد ميلاد سعيد وحيداً حتى توقف فجأة وقال:
-  مش هتغني معايا ؟
أسعد عيد ميلاد لي, إمتلكتُ العالم لما أصبحتُ له, لما فقدتُ وجودي إلى وجوده لما توقف عن الغناء وأجلسني على رأس المائدة وهو إلى جانبي يقول :
-   كل سنة وانتي طيبة و معايا, طبعا هتسألى على الهدية, هقولك القناعة كنز هندوّر عليه سوا, اليافطة والتورتة خلصوا على المصروف وإستلفت من مالك وهتموَّنى العربية وإحنا مروحين أو نجرها من الزمالك للتجمع عادي 
- أنا بعشقك
صمت لهنية ثم جمع كلماته التى بعثرها عشقي وقال:
- انتِي عارفة ظروفي وعارفة مستوايا, مش هقدر ولا بعد 100 سنه أعيشك فى نفس مستواكي والله أعلم هيكون رد فعل بابا إيه لما أفاتحه فى موضوعنا وعايزك تجهزي نفسك لكل الإحتمالات
- إحتمالات إيه ؟
- لو بابا ما وافقش مش هيكون عندنا مكان نعيش فيه ويمكن يقطع عني المصروف ونضطر نعيش على مرتب الجيش فقط يعني عيش حاف وخيش, موافقة ؟
تحسست أناملي ملامحه القلقة وقلت :
- انا معايا فلوس كتير, بتاعتي مش بتاعت البابا
-  دى نقطة تانية عايزك تفهميها, أنا مقدرش أخلي مراتي تصرف عليَّ معلش قديم بس مقدرش أكون غير كده, هتقدري تكملي ؟ 
لا أستطيع إلا تنسم أنفاسه الدافئة, تحسس شفاه النحيلة التى أحتوت شفتاي, الرسو على ساقيهِ ليضمني إليه وأشعر بنبض قلبه المتسارع, أرخي ثقلي عليه ليحملني لغابة الأحلام البعيدة المنال, يلقي بي لنهر الحب ليشرب عبر كفَّي ووجنتيَّ حتى يهنأ, هذا هو التلامس الذي لم أشعر بلوعته الحارقة ولو لمرة بحياتي, الحرارة التى لم أتنعم بها وعششت البرودة بثناياي إلا جانب الألم, العرق الخالص من عطور باهظة لم تستطع إخفاء رائحة الجثة المتفسحة التى عاشرتها لسنوات, دموع لم أستطع منعها أو إخفائها عنه لما شعرت برجفة تلف جسدي الضعيف أمام هذه الجسد الفتي الذي يعصف بي, ومن ثم أخر الحقائق التى أخفيتها عنه ظهرت لعيناه التى لم تتنعم بقدر ما تألمت لحالي.
شرعت أنامله بتحسس حروق السجائر وضربات السياط بتحسب وكأنه يخشى إيلامي من أنامل كانت الدواء ثم قال متعجباً :
- طليقك اللي أذاكي ؟
أبعدت عيوني عن عيونه المتلهفة ولملمت شعراتي المتناثرة عن كتفه وقلت بهدوء القبور :
-  أيوه
قال متعجباً :
- ده مش بني أدم, إيه المتعة في كده ؟!
لم أستطع تأكيد أو إنكار ما قاله فقط نظرت إلي النافذة المغلقة بغرفة النوم لأهرب من حصار الشفقة بعيناه, نافذة كانت ملاذي لم أراها قبل ساعة أو ساعات منذ دخلت إلى الغرفة محمولة على ذراعيه.
قلت :
-  كان بنى أدم غريب ده لو كان بنى أدم فعلاً, ما كنتش أول زوجة كان في قبلى كتير وفى منهم ماتوا لكن أنا إتكتبلي عمر جديد بعد كل مرة ..
صمتت فقد شعرت بالخجل بالجهر على مسامعه بما كانت أفعله قبله فتنهدت بعمق وإستطرديت :
-  أخر مره هربت مقدرتش أستحمل الألم كريم خباني لحد ما جوزي يأس من رجوعي فطلقني
عيونه يملأها التعاطف والأسى على حالي وليس الإشمئزاز الواجب لمن وقعت أسيرة زواج المادة ولكن قلت رغماً عن ذلك :
-  أنا أسفة
- أسفة على إيه ؟!
ثم  ضمني لصدره وأردف :
-  برضه بحبك
*******************

مارد من الإنسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن