#مارد_من_الإنس
#الجزء_الثاني_عشر
[مالك مراد]
إذاً التميز هو الطريق لأكون أول مصري عربي بأعالي السماء, بأخوية الإثنى عشر الأسطورية, مال حصانة نفوذ وعلم أخصه لبلدي . نحيتُ التميز قليلاً ونلتُ بعضاً من الراحة وعدتُ للقاهرة للأجازة الأولى بعد ثمان أشهر من الجحيم لألقى جحيمً أخر. أحوال أبي المادية مستمرة بالتدهور بلا أدنى أمل للتحسن, الشركة تنهار, المصانع غُلقت أبوابها, أبي قرر بيع فيلا الزمالك وبنايتين الزمالك والأسكندرية ويستعد للعودة لشقة المعادي التى تسكن بها جدتي الان ليخفف قليلاً من الديون المتراكمة. المبلغ المالي الذي كان يعينني على المعيشة بأمريكا كان مصاغ أمي تبيعه تباعاً وترسل لي النقود لأحيى مكرماً.
أين هشام الان ليجد لنفسي التى ملأها الضيق حلاً للترويح ولو قليلاً. كريم أكمل الدور الذي أداه بلوس أنجلوس لما نزل لمصر وعاد لدعوتنا للسهر على نفقته. منذ وصولي للقاهرة لم أسأل عن حب حياتي, فلم أستطع مواجهتها بمدى السوء الذي وصلت إليه حياتي فمن الان فصاعد, لن أستطيع حتى تأمين المبلغ الذي كنت أرسله إليها شهرياً فقد إنتهى مصاغ أمي وأتى دور جدتي ولن أقبل بذلك. لا أعلم كيف ستعيل نفسها أو أمها المريضة لذلك فضلت الإختفاء ولكن نساء متى خفى عليهن شيء.
أراها تدخل بخطى واسعة لقاعة الديسكوا بالفندق الفخم الذي دعانا إليه كريم ومن خلفها صديقتها الجديدة والتى نهيتها مراراً عن صداقتها المريبة. ترتدي بعضًا من ملابس الصديقة الفاضحة بلوزة لامعة شفافة أباحت مفاتنها للعيان وتنورة قصيرة تظهر سيقانها المغلفة بجوارب سوداء تزينها نقشات النجوم. تهتز الأرض تحت وطئة حذائها العالي وأول من إهتز وإلتفت للجمال الصارخ صاحب الدعوة الكريم وأثنى عليها بعيونه. تفاجأ كريم لما سقطت ماهي جالسة بيننا ووضعت رسغها على كتف حبيبها الغائب وحدثت صديقاي من معشر الطيور البشرية قائلة بلوم:
- انا مش زعلانة منه بس .. انا زعلانة منكوا إنتوا كمان
أجابها هشام بلهفة فكاهية بعض الشيء:
- حتى أنا؟
تفحصته ماهي متبحثة ثم خاطبتني :
- مين ده ؟
أجاب هشام تساؤلها مأخوذ بسحرها :
- هشام عطوية .. صديق وأتمنى من كل قلبي بناء جسور صداقة مديدة
ربت أمجد على كتف هشام مهدئًا لتلك اللوعة وقال موضحاً :
- خطيبة مالك
أنهى هشام فروض التعارف وقال آسفاً:
- لموؤاخذة.. تشرفت بمعرفتك
ضحك كريم هازئاً بلا أسباب ثم أعاد عيونه لمشروبه وترك الجميلة لمالكها بينما مالكها لفظ أدخنته سيجارته بعيدًا عن وجهها الصبوح ثم نظر لها وقال:
- مين اللى قالك إني وصلت .. هى مش كده .. إنتي فاكرة لما تخشى قبليها مش هعرف إنك لسه مصحباها خليها تنفعك
إحتدت ماهي وأنزلت رسغها عن كتفي وقالت بثقة :
- انا أصاحب الأشكال دى أنا بسمع كلام حبيبي
- إدينى أمارة
أجابتني بنعومة:
- ممكن أديك حاجة تانية
أعادت رسغها لكتفي ثم طبعت قبلة حانية على وجنتي رغم أنني نهيتها عن فعل تلك الأشياء بالعلن ولكن شغف فراق ثمان أشهر أصابها بالصمم.
صفق جمع الطاولة ملهلين وقال كريم للتهليل كذلك:
- المسامح كريم يا مالك .. خليها ليلة حلوة على الكل
لا أعلم فيم تدخله أو فيمَ تحدثه حتى لكن لابد أن يتدخل ويرغي ويزبد كيفما يشاء فنحن نجلس بالفندق الفخم على نفقته أم حظ العوالم الذي يلاحق ماهي اللعينة أينما حطت؛ فببادئ الأمر حسام يدافع عنها والان الكريم. فيما بعد تقبلت سخافات الكريم العديدة وتساقط بعض الكلمات الدونية منه لما علمت من هشام أن كريم نشأ وحيد بلا أخوة أو أصدقاء وعلاقاته لا تتعدى رجال الأعمال وموظفيه لذلك دائماً حاد الكلمات وغير مراعي لمشاعر أحد والأغرب كريم رغم ثرائه الفاحش لا يدفع مقابل صحبة أحد ولو نساء فكل من حوله طامعين بصحبته المفيدة وهو لا يحب أن يستغل من قبل أحد كما أن الصداقة ليست من شيمه ويراها أغلب الأحيان مضيعة لوقته الثمين. وهنا تهشمت إحدى أهم قواعد الدويري الصغير بمعرفته للثلاثي الطائر فقد بات له أصدقاء ليسوا في حاجة لنفوذه أو نقوده إلا قليلًا.
الكريم مهذب بتر نظرة التوق عن عيونه للجميلة رغم أنه طلب من النادل دورة مشروبات أخرى على شرفها المصون أما الجميلة عيونها تحتاج للإقتلاع من محاجرها فهي تتفحص الدويري الصغير بإعجاب واضح, تتفقد وسامته الأقرب لجمال النساء وبدلته الفالتينو وساعته الروليكس ومفاتيح البورشا. يروق لها أخر بوجودي فكيف الحال بغيابي, يبدوا نظرة أبي بالنساء لا تقبل تشكيك أبدًا فقد رءاها عاهرة على الطريق.
إنتهت السهرة لي وسحبت الجميلة وخرجت من الفندق لأخر الليالي بالزمالك وبعدها الإستعداد لإستعادة جيرتها بالمعادي.
الزمالك ولياليه الساحرة وهى من أمهر المشعوذات, حب حياتي, حبي الأول, جربت كل سحر ويبقى سحرها داخل نفسي. إرتوى العطش وخمدت الهمم وهي جاثية برسغيها على صدري تنظر لعيناي الحزينة وتسألني فيمَ الحزن, فكل مُلك يفنى وعلي ألا أزعج قلبي, فهي معي بكل الظروف. كاذبة لم يكن كريم الأول, لوح لها منتج مدعي فتركت الغناء بالفرقة التى تفرق أغلب أعضائها وقرر كلاً منهم الإنفراد بموهبته كما فعلت تماماً ولكن لا يبدوا عليها أثار غنيمة ظفرت بها.
قلت متسائلاً :
- سيبتِي المنتج ليه ؟
- كان عايز يعملي عقد احتقار بـ عشرسنين وحفلات خاصة وعايز يمضى العقد فى فيلته
- عجبتك الفيلا ؟
أزعجتها كلماتي الاذعة وإعتدلت عن صدري مسكنها كما تدعي وقالت:
- أكيد عارف عجبتنى ولا لاء
ضحكتُ بتهكم على عفتها المزعومة ثم قلتُ:
- قولتك وإنتي ركبتي دماغك ومشيتي ورا بنت الـكلب إياها
- وبتشتم ليه بس ؟!
- زعلانه عليها.. طب إيه رأيك هى بنت كلب واللى مشيت وراها زيها .. مبسوطة ؟
بلحظات عادت لسياميتها وقالت بنعومة :
- غايب عني تمن شهور وجاي تشتمني
- إحترمى نفسك وأنا وأحترمك .. عايزة إيه يا ماهى .. انتي ناقصك حاجة .. طلبتي حاجة وانا قصّرت .. ده أنا سفيت التراب عشان تاكلي إنتي البسبوسة
أجابتني بحدة ملوحة بكلتا يداها لتقطلع عينيَّ على الأرجح وليس للتوضيح:
- هى كل حاجة عندك فلوس نسيت الحلم نسيت فرقتنا إللي إتفركشت بسببك لما إتخليت عنا و كل واحد مشي فى طريق
- لو بتحبيني تحبي تشوفيني أحسن .. أنا دلوقتي أحسن .. كنت عايزاني أفضل عازف للأبد
- يبقى إنت عمرك ما كان جواك فنان كنت بتضيع وقت لحد ما ضيعتنا كلنا
هذا هو إستقابلي الائق بعد غياب مضني, لومي على غرور أعضاء الفرقة فما ذنبي إذ الأعضاء باتت لهم طموحات منفردة بلا الأخرين أما أنا سيقت للجوية وبالرغم من ذلك لم أتركهم حتى نلتُ لقب الطبال الطيار المشهر عن جدارة وإستحقاق. لتنتهي الليلة الحالكة كما بدأت, إعتدلت بعصبية على السرير وأزحتها عن صدري وصحت بها بغضب:
- أم نكدك .. قومي أرووحك
عادت للهدوئها وشجنها مجدداً :
- أنا قولت لماما إني بايته عند صاحبتي إنهاردة كنت فاكرة إني وحشاك
- خلاص يبقى تخرسي .. لسه معاكي فلوس؟
- معايا
- أومال ما جبتيش لبس جديد ليه زي ما إتفقنا .. حتى التغيير مطلوب للفنان الحقيقي اللي زيك ؟
- وعايز تغير فيَّ إيه مش عاجبك ؟
صحتُ بها:
- إنتي هتعيشي الدور عليَّ للأخر ؟! إنتي عجبك اللوك الجديد عشان تبقي شبه صاحبتك الوسخة وتلمِي الزباين من حواليكي
أجابتني بحدة :
- أنا ما بقلدش حد على فكرة وبعدين إنت هتعمل بتغير .. انا مش مراتك يا مالك .. بنام سوا أه .. بتحبنى يمكن .. بحبك أكيد .. بس الفلوس اللي بينا دي معناها إيه؟ تمن إيه بالظبط ؟ تمن الساعتين بتوعنا ؟ ولا كلامك اللي يوجع ؟ ولا مستقبلي اللي ضاع معاك ؟
كلمات بلا معنى, حقائق غابت عنها لسنوات وتذكرتها الان لما ضاق حالي وحالها كذلك, تبغى إنخلاع أنيق يعفيني من التألم, مشكورة وعليها أن توفر حججها الغير متقنة لضعيف وليس لديب, أى رد يناسب طموحها الجديد غير الصمت لتمر الليلة هادئة وذلك أفضل للجميع ألا إنها أردفت:
- أنا محتاجه أحس إنك بتحبني .. إنك عايزني بجد .. نجوز يا مالك
- ما احنا إتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده وقولتلك هيحصل شوية أدام .. انتي عارفة ظروفي أبويا بيصرف عليَّ ولو عرف إني إجوزتك أقل حاجة هيعملها مش هيصرف عليَّ تقدر تقوليلي هنعيش ازاى ؟
- من مرتبك انت مش بتاخد مرتب برضه؟
- ومرتب الجيش هيقضينا إزاى إن شاء الله ما انتي عارفة انا باخد كام
- أنا كمان هشتغل حفلات وانت تبطل شرب وصرف وهنظبطها
إبتسمت ساخراً وأشعلت أخر سيجارة بعلبتي لإستيعاب المهاطرات الجديدة وقلتُ متهكماً:
- وأنا أستناكي أخر الليل وأكون محضرلك العشا والحمام بعد عرق العافية وأغنيلك يا حلوه يا بلحة .. أنا هنام تصبحي على خير
[ ماهي مختار ]
ناولني السيجارة الاخيرة بعلبته, وأولاني ظهره للمرة المائة بعد المليون, إدعي النوم أم غطس ببحر النكران كعادته كلما ذكرته بما وعد وغفى عنه كما الان. أطفئتُ سيجارته بالمرمدة وإستلقيتُ بجانبه أستجدى نهار يرخي شباكه المزعجة على عيونه الباردة علها تفلح وتعيدني للنهار بعدما أسكنني الليل منذ رأيته . لم أسمتع لتحذيرات أمي, أصدقائي أو حتى أصدقائنا وإستمريت بحرق نفسي بعلاقه طويلة الأمد بلا مدد. لا .. كان هناك مدد لكن ماذا ظن, جنيهاته القليلة هى التي تكفلت بي وبأمي المريضة !! لا لم يحدث فقد كنت أعمل بالحفلات الخاصة التى عرضت علي حتى من قبل المنتج الحقير المضطرب الذي يرتجف مثل المراهقين الشبقين لمجرد رؤيتي, حتى تلك الحفلات لم تتكفل بمعيشتنا البسيطة وإضطررت لبيع الخاتم الماسي الذي كان لأخرى رءاها هو وأبيها أفضل مني, وبالنهاية تركته لما سمعت عن ضائقة العائلة المادية بلا أمل للنجاة أما أنا عالقة, مدفوعة بقوة خفية لأنقذ ما يمكن إنقاذه من حب يأبى التزحزح من قلبي.
أصبح مثلي الان بلا عائل ولا طائل فهل أناسب معايير عائلته العريقة الحين أم سوف أعاقب لأبدية على حبي له والتضحية بقلبي وعمري وأغلى ما أملك فقط لأجله . كيف لا يرى إخلاصي السقيم, نزوات وعلاقات وبالنهاية عودته إلي, حبه حياته كما يردد وأنا أصدق كلماته حتى بلا محاولات من العقل للتدبر أو الإنقاذ قبل أن يبتعلني بحر الهوى وشره المستطير بلا شطئان للنجاة, معه سابحة غاطسة أثقلني الموج بلا أمل بلا مستقبل. أيام ويعود لحلمه وحيداً ويتركني بما علقت.
أيقظتني وغزات غزت جسدي من البرودة الآتية من النافذة المشرعة على ضفتيها عندما تفجر النهار كما تمنيت. إلتفتت له لم أجده بجانبي, غادرني مع ملابسه وساعته وهاتفه. رحل, له عودة فلم يتبقى له غيري. إرتديت ملابسي وعدت لأستكمل نومي في بيتي ولكن وجدت صديقتي التى هاتفتني أمس عشرات المرات بإنتظاري مع أمي. الثانية تلقي على مسامعي ومسامع صديقتي تهكماتها على قصة حب بلا فائدة أحرق بها وقتي الثمين وقلبي المرهف والراغبين بي المتخوفين من الإقتراب مني من شأن من يحسب نفسه رجلي الحافظ .
سحبتُ صديقتي لغرفة النوم وتركتُ مزاح أمي الثقيل بالصباح فقد سمعت تلك الكلمات مئات المرات حتى حفظتها عن ظهر قلب إنما ذاك القلب صداه رؤياه . بينما أبدل ملابسي سألتني حياة عن رأى الحبيب بمسألة الأمس, أجبتها :
- مارضيش إتحجج بنفس الحجة مش عارفة اعمل ايه
بدى على حياة معرفة إجابة السؤال حتى قبل سؤاله فقد إرتخت شفاها بتهكم وقالت :
- قولتيله على العرض اللي جالك ؟
- طبعا لاء .. ما إنتى عارفة لو فتحت بُقي هيسيبنى زى ما سابنى ساعت المنتج الأولاني
خلعت الملابس التي إقترضتها من حياة لأبهر الغائب عل سؤالي هذه المرة تأتيه إجابة جديدة ولكن لا أمل. وضعت الملابس الفاخرة بجانب صاحبتهم التي جلست على طرف سريري تتفحصني بيأس وقلت :
- ميرسي يا حياة
- على إيه .. خليهم عندك
- ميرسي بجد يا حياة على كل اللي بتعمليه معايا
جلست بجانب حياة على طرف السرير فقالت بتملل :
- إمتى بس هتسيبك منه ؟! بيصاحب بالإتنين وبالتلاتة عليكي وقاعدة مستنياه والسنين عماله تعدي عليكي ولا منك مراته ولا حققتي حلمك
قلت بهدوء أقرب للسخرية من حالي :
- عندك حل بدل التأطيم ؟
لمعت عيون حياة وقالت :
- حققي حلمك .. إنت عندك الموهبة .. هادي النشار كلمني وعايز يشوفك الليله عشان يعتذرلك على أسلوبه معاكِ ومستعد لتعديل العقد على كيفك
أشحتُ وجهي بإستياء عن صديقتي ثم عدت إليها وقلت بحدة :
- أكيد هيكون في مقابل وسخ مقدرش عليه
- انت اللي هتحددي المقابل ولما تخلصي وديه اللاندري ينضف ويبقى زى الفل وتبقي نجمة الناس كلها تتمنى تشوفها ومالك وغيره يتمنوا رضاكِ
نعم لم لا .. أنا من أحدد المقابل كما حددتُ من قبل وتركتُ ذلك المنتج لما طلب ما لا طاقة لي به.
قلت :
- خليه يأجل الميعاد لحد ما مالك يرجع أمريكا .. وفهميه مش هروح معاه فيلته اللى بينا شغل وبس وياريت تفهميه كده من دلوقتى وإلا مش رايحة اصلا
أعادت حياة خصلات شعرها الأحمر للخلف وقالت :
- يا حبيبتى هو خلاص فهم .. ده حتى كان محضرلك مفاجأة كده .. بس مش عايزة أحرقها
سألت حياة بلهفة :
- قولى يا لالا بليز
- هيموت عليكى اكتر من ساعت ما سيبتيه و مشيتي وقالي أنه مستعد يجوزك
إبتسمت بسخرية وقلت :
- نجوم السما أقربله .. انا مستحيل أسيب مالك
- براحتك إدينى قولتك
أنت تقرأ
مارد من الإنس
Paranormalتتناول الرواية رحال شاب قاهري, نشأ في بيئة مترفة, ولد لرجل أعمال ناجح من أصول صعيدية عريقة, الشاب يدعى مالك يهوى الموسيقى والغناء حتى أنه حاول إمتهانهما والإنتساب لمعهد الموسيقى العربية ولكن رفض الأب بشدة فهو إستنكر أن ينبت مطرب من بين عائلته العري...