#مارد_من_الإنس
#الجزء_العشرون
جلال عبد المقصود
كما تبدلت حياتي لكابوس لا إفاقة منه بيوم عادت حياتي للأحلام المنيرة بيوم. عادت عروس كما تمنيت أن أراها, عروس تسكن طيات ملابسي ولا تفارقني أبداً, عروس لا تتحرك من موضعها قبل سؤالي فهي لا تعرف أحداً بالعالم سواي والشكر لله ثم حماتي الغالية رحمها الله التي أعادت إبنتي لكنفي من جديد. الأب هو الراعي الأول كما رأت شويكار هانم وإن عاشت لإبنتها أباً وأم, كنتُ أول ترحيب لإبنتي بعالمها الجديد, لم يكون جديد إلي هذا الحد الذي تمنيته فهي تذكر الترقب الذي كانت تتسم به ولازالت, لا تخطوا خطوة على أي أرض إلا و تفحصتها بتأني, اليقين يسكنها بأن تلك الأرض ليست لها و كان لها حياةٌ أخرى بعيداً عن أرض الحرية, لا تبتاع كذبنا الملفق من شأن سقطة أودت بها للبداية. وكان هذا ما سهونا عنه؛ ذكائها الذي لم ينقص فالسقطة على سلم قصر جدها تؤدي للموت مباشرة لأنه بإرتفاع ثلاثة طوابق بدرج من الرخام الإيطالي قد يحطم كل عظمة بجسدك . الجد كان له دوراً محورياً فهو طبيب قبل أي شيء وإستطاع إقناعها بأن ما حدث حدث فحسب وعناية الله هي من أنقذتها بلا خسائر تذكر.
تنظر للمرآة كثيراً بالأونة وكأنها تبحث عن شيء ذهب عنها بخلاف ذكرياتها وعندما لا تجد ذلك الشيء تعود للنظر إلي و لأمها ولكن بإمعان تمنعه عنها أمها وتقاطع نظراتها لما تقفز عن موضع جلوسها و تسارع للصغيرة قائلة :
- تيجي نخرج نعمل شوبينج .. جدو عملك ميزانية مفتوحة
- تحسين ؟
- أيوه جدو أسمه تحسين
- ليه تحسين مش حسين إيه الاسم الغريب ده ؟!
أضحك فذلك نفس تساؤلي ولكن لنفسي. تحدجني زوجتي لأوقف الضحك و أهم بمساعدتها عن طريق إلهاء هنا عن التفكير والبحث فالأطباء يرجحون أنها تفتقد جليسيها وأي فراغ في حياتها يدفعها للبحث عن ما فقدته رغم يقيني أن الفتاة الأخرى لن تعود لهنا أبداً لأنها أذكى من أن تكون أسيرة لهنا من جديد أما العاشق هو من يخيفني.
أنهض عن الأريكة وأنضم لفرقة الإلهاء لما أسألها للتشتيت :
- مين اللي جرح التاني يا هنا من إخواتك ؟
- القصير عور الطويل في كتفه
تسارعها فدوى للتحذير :
- ما تقوليش عليه قصير بيزعل زي بابا
أسارع بدوري ولكن للغضب فلست قصير وكذلك حسام بل هي و إبنتها من يملكا قامة غير منقطية لنساء وأقول :
- وانا كنت قصير يا بنت الـ... الإتربي .. ما علينا غيري هدومك يا نوننا عشان نخرج.
وإمتثالاً لمطلبي تخرج هنا من غرفتي فقد عدت وزوجتي من جديد زوجين يسكنا غرفتين منفصلتين فقصر أبيها شاسع وكذلك أبيها على دراية بمشاكلنا الزوجية المتعددة ولا يسعي للتقويم لمجرد أنه يرى أن جميع النساء مخبولات ولابد أن إبنته تملك نفس الخبل والحل الأوحد الذي وجده لي كان التجاهل إلي أن يذهب عن إبنته عدوى الخبل الموسمية .
- إبقي إحترم نفسك على الاقل ادامها المفروض إننا عائلة مثالية
- عائلة مثالية وكل واحد نايم في أوضة !!
- هنا لسه صغيره وما تفهمش في الامور دي
أعصابي كانت متوترة كفاية إثر الأحداث الأخيرة العملية الجراحية لهنا, سيفين أثريين لا يقدرا بثمن خربهما أحمقين ونهاية زوجة ناشذ ولذلك إنسحبت عن معاركها المزدهرة وتوجهت لأبيها كأخر ملاذ لي للشكوى من جديد علّه يجد مدخلاً بدرج مكتبه ويناوله لي قائلاً :
- أحدث طراز انا نفسي بستخدمه
فليستخدمه فقد تجازو الستون منذ ستون وبدد سنواته الذهبية بالعربدة وبالنهاية تزوج من عارضة أزياء تصغر إبنته بالعديد من السنوات وعلاوة على ذلك سافلة تترنح شبه عارية بكل أنحاء القصر وكذلك مدمنة كحوليات وبمرة دعت إبنتي للمشروب وحينها نهرتها بقسوة لا أملكها لنساء خاصة إن لم يكُّن لي إنما حماي العزيز لم يوبخني حينها أو وجه لي أي نقد فقد راقبني بصمت وصبر كما أجبت عرضه الآن قائلاً :
- شكراً يا دكتور مشكلتنا مش في الأمور دي .. مشكلتنا في العوامل اللي حوالينا وكنت طمعان حضرتك تعقلها على الأقل عشان خاطر هنا ماتلاحظش
- ست سعيدة معادلة بسيطة تتكون من الفلوس .. الكلام الحلو وفي الاخر خالص ... وناولني القرص كباقي المعادلة للحصول على إمرأة سعيدة.
أستغرب تفتحه بدايةً و أخشاه نهايةً؛ أخشى أن يأتيني زوج إبنتي بالشكوى فلا أجد إلا بعض الهراء لأتملص من مسئوليتي ولكني المخطأ من هو لأشكو إليه زوجتي لا يعرفها و لا تعرفه ولا تنوي معرفته من جديد وحاجتها إليه كما حاجتها لكل شخص من حولها الآن؛ من أجل هنا فحسب. لا أستنكر تعاليم حماي و أتقبل منه القرص بهدوء وأدسه بجيبي وليس بحلقي لأني مريض تصلب شريانين و قرص كذاك نهايتي وهو يعلم كذلك وأعطاني القرص يبدوا أن سعادة إبنته تأتي في المقام الأول. يريد إرضائها بكافة السبل ولا تستجيب كعادتها الباردة أرسل لها سيارة جديدة تنتظرها بالقاهرة, منح الولدين منحة تعليمية كما أسماها لم أسلهما لأخرقين وسوف تظل المنحة بالبنك لحين بلوغهما الذي تأخر لأمد, يهاديها و هنا بالحلي المترفة ونهاية قام بخط وصية تضع كل ما يملكه يئول لهنا بعد موته وذلك أثار جنونها فهي لم تعي مقصده الحقيقي من تلك الوصية فقد سحبتي من جمعة أبيها و محاميه و مدير أعماله و هنا فور إنتهائنا من توقيع الوصية و حتى غرفتي ثم صاحت :
- شفت قولتلك بيكرهني
- بيكرهك ازاي ده كتب كل ثروته بإسم بنتك ؟!
- بإسم هنا مش إسمي
- وانتي و هنا إيه مش واحد .. هنا وريثتك الوحيدة وهو حب يوفر عليكي اللفة
صاحت بي بعصبية شديدة :
- بقولك بيكرهني مش بيثق فيا شايفني فاشلة مقدرش أدير فلوسه و البنت الصغيره هي اللي تعرف .. انت السبب انت اللي خلتي فاشلة في عنيه لما منعتني أشتغل
- يعني انتي كنتي شغاله في الامم المتحدة
تتقد عيونها شرزاً لكلماتي التي لم أختارها بعناية وأظن كل الظن إنها تنوي قتلي الآن ودفني بحديقة قصر أبيها بلا أي شبة جنائية وحينها أعيد القول :
- أقصد يا حبيبتي إنك قدرتي تعملي اللي ابوكي نفسه ما قدرش يعمله .. عملتي عيلة .. هنا كان زمانها في مستشفي المجانين .. جوز البقر الكبار كانوا هيبقوا في السجن أكيد لولا رعايتك .. حتي بوسي الله يرحمها غيرتي حياتها .. ابوكي بقه الناجح زي ما بتقولي عمل إيه في دنيته ؟ شوية فلوس ؟ لكن خسرك انتي و للإبد.
هدأت قليلاً ثم قالت :
- ده اللي انت فالح فيه .. الكلام
علمتني الحياة مع فدوى أن لا أبرر مطولاً أستقبل فحسب أضمها لصدري و أربت على رأسها حتى تهدأ قليلاً و تعاود شجارها معي من جديد بحدة أكبر وعدائية أكثر إلى أن تتأكد أن لا شيء بالوجود قد يصدر منها ويبعدني عنها أبداً لأن أكثر شيء تكره فدوى بالإنسان التخلي كما تخلي عنها أبيها لذا أنا الباقي وإن ذهب الجميع أو أذهبتهم ببرودتها وأحكامها الجائرة , أظل معها بالغرفة بلا غداء أو عشاء أو سؤال عن هنا لأنها مع جدها تتفقد أعماله المترامية بولاية ميامي وسوف يعودا ليلاً, تلك كانت فحوى الرسالة التي وافتني من الجد بعدما أرسلت له رسالة نصية أسأل فيها عن أحوال إبنتي لنهاراً طويل مرر بلا صراخها وضحكاتها بالحديقة . الرسائل كانت في الخفاء فقد صنفتني فدوى من مناصرين هنا, الإبنة شاغلي وهمي وهي المربية سليطة اللسان فحسب ثم خلدت للنوم إنما بعدما تملكني داء الشقيقة من تذمرها من كل شيء.
حلم, لم يكن حلم لأنه مشهد مضى منذ سنوات, أوكرانيا العام 1991 بمنتصف حرب الخليج الأولى طلبت أوكرانيا طيارين من شتى الجنسيات للبحث و التقصي بأطرافها عن بقايا إشعاعية نووية إثر إنفجار المفاعل النووي الروسي تشرنوبيل . كانت مهمة خطرة للغاية و لكن قبلت بها لأجل هنا فقد كنت أقبل بكل مهمة عللني أجد دوائها التكميلي لتخرج من حضانتها الطبيبة لخمسة أشهر مضوا بلا أمل يذكر . جالس بين رجالي أو طاقمي يتبادلوا النوادر والنكات ليخففوا عني كارثتي وعندما لا يفلحوا يطمنوني على حال إبنتي عنوة لأنهم يظنوا أن النساء فرصتها للنجاة تفوق الرجال, هذا يخطبها لإبنه وذاك لإبنه بإعتبار ما سوف يكون عندما يتزوج والثالث لنفسه . يأتيني بين رجالي ويجلس بجانبي ويقول :
- انا اللي رايح إجوزها .. راح أخدلها قصر بعيد عن باقي الحريمات
فهد بالطبع كان المتحدث المتطفل على مجلسي مع طاقمي, إنتفضوا وافقين منتبهين معظمين مفخمين لحضوره الكريم بيننا فقد كان حينها المصنف الأول على مستوى العالم في الطيران الحربي, وعلاوة على ذلك مدرس للطيران الحربي ويدرس للأسراب الإستطلاعية فحسب وتلك المهمات ينضم لها للترفيه على قد قوله أو ليراني كما صرح بعد ذلك . يربت على كتفي ويجلس بجانبي, يسحب سيجارتي المنتهية من بين أصابعي ويلقيها أرضاً ثم يخرج من بدلته للطيران علبة سجائره الأمريكية و يستل منها واحدة ويضعها على شفاي ثم يشعلها لي و يقول :
- إيه رأيك يا جلال .. ما راح تلاقي حد في الدنيا يدلعها مثلي
لا أجيبه فوجوده أمامي حينها أربكني فلم أراه منذ رحلة تنزانيا الملعونة أما عن أخباره فقد كانت تلف الأرض لما يصاحبها من إنجازات لا يقدر عليها رجل في ذلك الوقت القياسي .
- هو حضرتك مجوز يا فندم ؟
سأله أحد أفراد طاقمي فأجابه :
- تلاته وهي راح تكون الرابعة ختامه مسك ختامه الهنا
- مش قولتلك يا جلال باشا .. بنت حضرتك مرزقة .. أهي في الحضّانة وجالها عريس خليجي
وظللتُ على صمتي لا أجد ما أقوله. أريد سؤاله عن سيسكا عن ولدي المزعوم عن ما رأيته بتنزانيا ويسكتني الخوف, أخاف أن تكون الحقيقة مضنية بقدر الواقع الذي كنت أعايشه حينها. كنت رحالً بكل بلد لا أسكن لأرض لأني لا أجد أنس و لا ونيس, فدوى بالمشفى بجانب إبنتها لحراستها فالأطباء ألحوا علينا بفصل أجهزة الإعاشة عن الصغيرة التي لا أمل بحياتها ليتثنى بمن لهم الأمل سكن حضانتها الطبيبة لذلك فدوى قبعت بالمشفى ومارست كل جنوح سكن رأسها لتظل إبنتها على قيد الحياة, مستعينة بجواز سفرها الأمريكي ونفوذ أبيها الذي إضطرت لإستخدامه لأول مرة, أما زوجتي الأولى تركت منزلي لمنزل أبيها بعد عراك دار بيني وبين أمها فقد تحولت من حمى لينة لعجوز قميئة فور تزوجي من فدوى و زاد الحد لما تثنى لفدوى الإنجاب وأمست إبنتها بلا قيمة لدي كما كانت تظن.
أصرف فهد جمعة رجالي من حولي و للعجب إمتثلوا وأنا رئيسهم المباشر بينما هو مجرد طيار ولكن مجتهد صيته بلغ الأفق. راقب إختفائهم ثم تحول إلي و قال :
- ليه ماطلبتش مني المساعدة .. إحنا أصدقاء ؟
-
- إتكلم يا جلال .. عندك أسئلة بعرف
- سيسكا كانت بتعمل ..
- ما كانت هي
وللمرة الثانية تفاجئني صراحته وأقول :
- أومال مين .. إيه .. انا شفتها خارجة من عندك و بعدين بقت ..
- تعي معي نروح غرفتي
وبقارة غير أمريكا له جناح خاص به بالقاعدة الحربية الأوكرانية وانا وطاقمي بخلاف ثلاث طواقم أخريين نسكن عنبر واحد وبقبوٍ رطب بارد سكنته جعلت عظامنا تأن بحملنا. يدعوني لدخول غرفته ويجلسني إلي مائدة صغيرة ثم يتركني ويذهب للثلاجة الصغيرة و يخرج منها طبق كبير من الفاكهة ويقدمها إلي, والفاكهة كانت شحيحة بذاك الوقت، فقد تأثرت التربة الزراعية وغيرها بالملوثات الإشعاعية بشكل كبير، مما أثر على الإنتاج، وعلى الأراضي الزراعية الموجودة حول المفاعل النووي، في دولة أوكرانيا وفي دولة بيلاروسيا التي تلوثت بالكامل بالإشعاعات التي تسقط مع الأمطار، وقد قامت الدولة بحرق الكثير من الأشجار والغابات خوفاً من وصول الأمطار التي تحمل الإشعاعات إليها، وقامت الدول التي وصل إليها إشعاعات المفاعل النووي بالتحذير من تناول الخضروات التي تحمل الإشعاعات الملوثة، وقد عملوا على تجريف الطبقة الأولى من التربة حتى يتخلصون من الطبقة التي تحمل الملوثات كيلا تنبت النباتات التي تحتوي على الإشعاعات الملوثة، وحذروا الناس من تناول الفواكه والخضروات والتي تحمل المواد الملوثة والمسببة للأمراض الخطيرة لجسم الإنسان والآن فهد يعرض علي الفاكهة من جديد ويقول :
- كل يا جلال وجهك مصفر
- إخلص يا فهد
جلس إلي المائدة من أمامي و قال :
- إحكيلي كيفها بنتك .. بنت الطبيبة ؟
- أيوه .. مولوده بربع رئة وعندها ميه على المخ .. انت اجوزت تلاته بصحيح ؟
- راح طلقهم و أجوز هنا .. إسمها هنا صحيح ؟
- عرفت منين ؟
- من التحاليل اللي رايح توزعها على القيادات مشان يشوفلك دوا ليها
- إسمها مش على التحاليل .. مين اللي قالك إسمها ؟
نظر إلي ملياً ثم قال :
- دمام
- دمام المدينة ؟
- دمام الشيطان
ثم قصة لا يصدقها عقل وإن صدقتها يصعب على شخص مثل فهد أن يصرح لأي مخلوق بهذا السر الدفين العجيب؛ عقد صفقة مع شيطان .
أستحك جبهتي ملول وأقول بصبراً نافذ :
- إنت سكران يا فهد ؟!
- أنا عملت صفقة بعت روحي عشان أكون طيار
إبتسم مستخفاً ثم أقول بتهكم :
- بعت روحك عشان تبقى طيار .. تبقى خايب أنا أبيع روحي و أخلص من الشغلانه السودة دي يبتسم بخبثه المعتاد ويضيق عيناه الضيقيتين بأي حال ثم يقول :
- وإنت إيش تكون يا إبن الأكابر .. اني كنت خدام وبتعبي و شقايا وروحي اللي حرقتها بإيدي صرت فهد الفجر
قام عن المائدة وذهب تجاه سريره ليخرج من كمود بجانبه ملف أزرق عاد به إلي وقال :
- تدفن معايا السر بنتك تعيش .. رفضت ترجع تدفنها
أتفحص الملف أجد تصريح غير مأرخ من جهة سيادية لا تقبل تشكيك تأمر كل المعامل الطبيبة البشرية بتكثيف جهودها للبحث عن أدوية تكميلية لإبنة الصديق المخلص المقدم جلال عبد المقصود جزاء خدماته الجليلة لنفس الجهة السيادية. أعرف أي خدمة يبغون و رفضت تأديتها وهو يعرف ولكن أقول مبرراً :
- حتى لو دفنا السر سوا .. هيدفنونا معاه
- ماتخافش أنا معك
- لا يا شيخ .. ثم أصيح به .. إنت مجنون يا فهد شيطان إيه اللي عملت معاه صفقة .. ولما أنت جامد و بتاع شياطين ما تخرجنا من هنا بالشيطنة ولا خلي الشياطين يدفنوا النفايات الذرية ونقعد إحنا ناكل تفاح
ثم قلبت طبق الفاكهة بعصبية على المائدة فتساقط محتواه متصارعاً ككرات البلياردوا على الطاولة ثم تهادى مكملاً دورته على الأرض ومن حول أرجلنا. تفاحة خضراء إنتهي صراعها بجانب حذاء فهد الذي قال :
- فلوس كتير .. نفوذ راح تحتاجه في يوم من الايام وصدقني راح تحتاجه .. النبوئة بتقول هيك
- يا عم إتنيل .. انا ماشي
يستوقفني لما يمسك بذراعي مانعاً إياي من الخروج من غرفته ويقول :
- إحنا إحداش وبيك إتناش وما يقدروا يدفنوا إتناش مرة واحدة خاصة مثلنا .. وبعدين النفايات كتيره مره و راح يحتاجونا تاني
ولا أعلم لأي سبب أنزلت يده القابضة على عضدي ثم إنهلت عليه باللكمات, أسقطته أرضاً وجثوت عليه واللكمات تنهال عليه يمنى و يسرى وليس في وسعي إستخدام إلا يسراي إنما مع فهد يتفاقم الغضب إلى أن يتحول لمفاعل روسي لا مؤمن حتى لتجربة عشوائية . تهشم فكه ورأيته يخرج من موضعه إنما ذلك لم يمنعني فالألم بداخلي كان كبير والذنب يعتصرني من كل ناحية أبنائي الثلاث لا أعلم عنهم خبر و كذلك زوجتاي عائلتي ناقمة علي لسفري المتكرر من أجل البحث عن دواء لفتاة تحتضر بأي حال, إستعباد مارسه علي مرئوسي الأجنبي لما جعلني أحلق بأكثر المناطق عرضه للإشعاع الذري للكشف عن ارآضي لم يطالها إشعاعات قوية ليعيدوا تسكين من هجر غير عابئين بموت من قرر العودة لتلك الأرض السامة لأن الدولة إضطرت بالسابق إلى دفع الكثير من الأموال والتعويضات والتي بلغت قيمتها أكثر من 260 مليون مارك ألماني للمزارعين التي تلفت المحاصيل الخاصة بهم، وذلك بخلاف تكلفة تغطية المفاعل النووي من أجل حصر الغازات التي تخرج منه وللآن وبعد كل محاولات الحكومة لإحتواء الأزمة يجد العلماء الذين أنقلهم بحوامتي للأراضي الموبوئة المياة والتربة لا تصلح لحياة ويخطوا التقارير التي تفيد بذلك وبالنهالية توقيعي كقائد للبعثة والذي لا قيمة له كما قيمة العلماء فالتقارير تمزق ويرسل لي أخرى كاذبة أخط عليها إمضائي وإلا أدفن و طاقمي بقلب المفاعل أما عن العودة للوطن لا مرجحة فهم يماطلونني بكل طريقة لإستبقائي وحيد لإمسح ما تبقى من مدن مجاورة فقد تسلم طاقمي من طيارين وصاعقة مستحقاتهم فيما عداي حتى أوراق الثبوتية من جواز سفري المصري وميداليتي التعريفية من الجيش بحوزتهم, جردوني من كل شيء لمهمة أكبر من الكشف, مهمة لا يقوم بها إلا إثنى عشر رجل أنا منهم , أعرفهم ويعرفوني و يعرفوا ما أنا قادر عليه فقد كنا زملاء معارك عدة وكم من سر دفناه .
منهم عشر رجال يحملوني عن فهد الذي نهض بكل سلاسة بينما فكه يميل لليمين بزواية شبه مستحيلة معها النجاة إلا أنه أعاده لوضعه الصحيح بيده ومن ثم مسح الدماء النازحة عن أنفه وفمه بكمه, لسانه يمسح جدار فمه وكأنه يبحث عن شيء فقده بداخله لم يكن إلا ضرس بصقه أرضاً ثم قال :
- دعونا نرحب بعودة جلال
أنظر له غير مصدق, والريبة تستحيل الدماء بأوردتي لزخات جليد تموجت عبر عمودي الفقري ضاربة رأسي المخبط كفاية بالمس الشيطاني وإنتظر إفاقتي بأي وقت من كابوسي إنما الكابوس في عرضٍ مستمر . أحطم فك رجل, أهشم أسنانه, أرقب نزيف لا يتوقف عن فمه خلع على إثره ملابسه العسكرية المدماة حتى صار عارياً تماماً من أمامنا للإثبات؛ ليس بشر يبدوا أن بعض الخرافات لها أساس من الصحة وإلا من أين أتت ببادئ الأمر. ثم ما قتل الريبة وأحيى كل قصة ملفقة سردتها أمي على مسامعي قبل النوم عندما كنت طفل صغير سعادتي و ترياقي كل ما خبأ عن البشر وجعل بيننا و بينه حجاب.
جسده محترق على أخره ولكن دون فوضاوية فقد وشم باللهب, لا ألوان ولا رسوم, خطوط طولية بسمك بوصة ليس أكثر, تتلوى كالثعابين من أخمص قدميه إلى أن وصلت جميعا لصدره إلي اليسار قليلاً ناحية القلب تحديداً وإنتهى توغلها في جسده إلي هذا الحد.
وبعد الإثبات توجه العشر بالنظر إلي مطالبين بالتصديق, فهد هو الضمانة؛ الشيطان أو معاونه وعلي طاعته وحينها أقرر الهرب . أفتح الباب للخروج أحمل من الخلف بواسطة بعض الزملاء وألقى أرضاً تحديداً أسفل قدمي فهد الذي غطى خصره بمنشفة خضراء قامتة وينظر لي مبتسم ويقول :
- انا لا أورطك يا جلال .. انا في حاجة إليك .. انت الوحيد القادر على تخطي القوى المغناطسية بالأراضي الموبوئة بطائرتك دون رادارات .. فكما تعرف لن يكون هناك أبراج مراقبة ترشدنا والأمر يحتاج حدس لا يملكه أحد غيرك
أنهض عن الأرض يحاوطونني لحمايته مني إن ما قررت ضربه من جديد و كأن شجارنا الأخير ترك أثراً عليه وأقول :
- سوف يقتلونا بعد إتمام المهمة لحفظ السر
- أي سر يا جلال .. العالم أجمع يعلم أن هناك نفايات ذرية ويجب دفنها في أعماق الأرض
- الإقتراب من المفاعل خطير و حمل النفايات أخطر وإن على أجهزة ضغط الطائرة وسوف نسقط بالحمولة على أرض موبوئة بنفايات خاملة سوف ينشطها إنفجار الطائرة عند سقوطها
تبادلا العشر نظرات القلق فهم طيارين ولكن برتبة سائقين, ليس منهم واحداً خضع لدراسة أكاديمية للطيران بخلافي بالطبع, أو على الأقل بحث وتقصى عن الكارثة التي شغلت العالم حينها ليعلم أن الإنفجار النووي أخلف حقول مغانطسية عديدة شديدة الخطورة و التحليق من أعلاها ولو بالآف الأميال يتلف معدات الطائرة الخاصة بالتوجيه والملاحة .
- توقف عن التذاكي و التباهي بمعلوماتك التافة
- شكل الشيطان بتاعك زهق منك و عايز يخلص عليك
إقترب مني وقال :
- سوف نعود من المهمة سالمين هو من وعدني بذلك .. أو تعلم سوف تحلق معنا شئت أم أبيت وإلا
قاطعته :
- انا عالم حسابي اموت اليومين دول بس بسرعة الله يخليك عشان تعبت
- لن تموت يا جلال لأنك سوف تراقب الموت .. زوجتك الطبيبة وإبنتها سوف يكونا هنا بالغد لتبدأ الصغيرة بتلقي علاجها .. والقرار لك الآن .. إما تتلقى الصغيرة العلاج وتعود لوطنك بمال لن يجعلك تعمل تحت إمرة أي مخلوق مجدداً إما تعود بزوجتك و إبنتك بتوابيت خشبية أوتعلم حتى لن تجد توابيت خشبية فالغابات مسمومة بالإشعاع الذري وتوقفت تجارة الأخشاب تماماً غلفهما بأكياس القمامة.
أردت إعتصار عنقه بين يدي هذه المرة علني أوفق وأرسله لعالم الشيطانين الذي خرج عنهم لعالمنا إنما منعني العشر, يهدئوني, يتحلقوا من حولي شارحين لي المعضلة, أخر سر لنا ثم العتق من كل قبضة, لن نطلب مجدداً لتصفية حسابات أي حكومة, سوف نلزم ديارنا, أما عن سر القادم و الأسرار السابقة سوف يكونوا حصننا وحصانتنا فقد وضعوا خطة محكمة.
أتجول بوجوههم أجد الأمل بالتحرر فأبث اليأس قائلاً :
- فلنفترض أن الحكومة منحتنا العتق .. وأنتم نفذتم خطة الهرب .. و انا و فهد و باتريك ظهرنا للترهيب كما خيل لكم أن في وسعنا إرهاب حكومات فاشية وكل تلك الترتيبات مرت على خير سوف نموت في خلال خمس سنوات بسبب التعرض للإشعاع
- ومسلم و موحد بالله ؟! ما حدى بيموت ناقص عمر يا جلال يا خوي
لم يكن القرار صعب بل أسهل قرار إتخذته في حياتي وكذلك لم يبدل حياتي. حدثتني شياطيني الخاصة وألحت علي بالإتسام ببعض الذكاء فالنفايات سوف تدفن شئت أم أبيت بأرض مسالمين أو مجرمون كلهم إنسان وكلنا مجرمون والموت نهاية الجميع إنما جريمتي قد تصلح جريمة أخرى؛ وليد لم يكن من المفترض ولادته تلك كانت نظرتي للكيان الأمهق ذو الزغب الأشقر كلما ذهبت لزيارته ووجدته داخل حضانته الطبيبة موصل بالأجهزة الطبيبة من كل بوصة بجسده الضئيل لتتوفر له حياة لم تكن له, صدره يعلو لأعلى إرتفاع ممكن ومن ثم يهبط فجائياً وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ولكن يعاود الصعود من جديد بمثابرة أصبحت أهم سماتها . أتعجب من زوجتي التي تجده طفل عادي تغني له وترضعه من أنفه لأن حلقه لم يكتمل بعد, تسألني زوجتي أن أحدثه ليطمئن بوجود أبيه من حوله وقد كنت من يريد الإطمئنان من حوله, كنت أخافها وللآن أظن إنما تبدل كل شيء لما أتت زوجتي والكيان الأمهق لأوكرانيا .
أيقظني فهد من نومي بالصباح التالي, كنت بالغرفة التالية لغرفته فقد أمسيت من طاقمه ولي نفس رفاياته ومن ضمن الرفاية هاتف لم أستخدمه ولو للأطمئنان على الأهل والقربة فقد إنتويت الموت بتلك المهمة بعدما أبرء من كل جرائمي لما أقتل إثنى عشر طيار من خيرة طياري الأرض لا يستخدموا إلا للشرور لما أحلق مباشرة من أعلى الحقول المغناطيسية لنموت جميعاً وتفضح الدولة التي أخرجت طياراتها المحملة بالسموم ومن على متنها طيارين من دون جنسيتها لدفن الأسرار. مال وفير تسلمته فور موافقتي على المهمة وأودعته لصالح عائلتي, دواء للإبنة الوحيدة ونهاية حرية لفدوى فقد حصلت على الإبنة وفي وسعها العودة للدويري لتنعم بحياة كريمة.
يناولني فهد بكل الحب الزي الرسمي لطياري الحكومة التي نتبعها الحين لأرتديه لزيارة عاجلة, فقد وصلت زوجتي منذ أكثر من سبع ساعات وهي بالمشفى الآن وبإنتظاري.
- ولماذا لم تخبرني بموعد وصولها لأستقبلها بالمطار ؟
- لو مررت من أي مطار قبل الإنتهاء من المهمة يطلق عليك الرصاص مثل الكلاب الضالة
- تلك أوامرك أم أوامر الحكومة
- أوامري صديقي
أنهض عن السرير وأتوجه إليه لأتسلم منه البدلة لأرتديها إنما يبعدها عن متناول يداي ويقول :
- إستحم يا رجل وأحلق ذقنك .. أتعرف يا جلال لو إبنتك أمست تشبه أمها أتقبل مصيري القادم بكل إستسلام
- بقولك يا فهد
- قول
- لما بضربك بتحس بالوجع ولا الشيطان خلاك حلوف ؟
- منحني سرعة إلتآم لكن بشعر بالالم طبعا
- كويس
ومن ثم لكمة أخرى تسكته عن ذكر عائلتي لما تبقى لي من حياة إقترنت بحياته فقد وعدت نفسي بسقوطنا سوياً . أرتدي البدلة الجديدة بينما أرقبه يستنزف علبة مناديلي الورقية ليوقف نزيف فمه من جديد إنما لا يستنكر تصرفي بل يبتسم براحة لا أفهم لما يتحصل عليها عند رؤيتي وكأنني أمه. يصحبني بسيارته الجيب التابعة للجيش للمشفى ثم يقول :
- سوف أنتظرك
- لا داعي أستطيع العودة بمفردي
- سوف أنتظرك
أدخل للمشفى وحتى البهو أجد من ينتظرني ويرمقني بإهتمام أو يرمق بدلتي و يتقدم نحوي ويقول :
- السيد جلال ؟
- نعم
- تفضل معي
أتبعه للمصعد الكهربائي وحتى الطابق الأخير لقسم الحروق, أكمل خطواتي من خلفه حتى غرفة أشار لي الرجل إنها هي المنشودة, يطرق الباب يأتي صوت زوجتي من داخل يسمح بالدخول وحينها يتنحى الرجل في تأدب شديد لا أعتاده لإمثالي بالخارج فأشير له محياً وأفتح الباب أجد الشمس والقمر من خلفه, تبتسم لي الشمس و تسارع ناحيتي لتضمني بيسراها لأن يمناها تحمل القمر, القمر إستدار وإمتلأ وأنار, شعره الأشقر غطى رأسه, عيونها الزرقاء تحدق بي ثم تنذوي وتبكي يبدوا إنها تخاف طلعتي المسودة بعدما قارنت الجمال الأوركراني بقبحي. تعنفني بيدها متناهية الصغر والتي تحمل كماً هائل من الحلي الذهبي لأبتعد عن أمها فأمتثل ولو لأملأ عيوني من وجهها الصبوح, أمسى لها وجنتان ممتلئتين وردتين وفم أشفى متورم يظهر لثتها الملتبة ترى مسببه الإشعاع .
- إنتي مش سمعني يا جلال ؟
صياح زوجتي أفاقني من رؤية البدر ثم تردف :
- سبع شهور انا إفتكرتك مت ولا أنيل طفشت
أجمل زوجه بالوجود تجد هربي منها أسوء من موتي.
- لولا الادوية اللي وصلتني ما كنتش عرفت إنك عايش .. حتى أهلك ما ما كنوش عارفين عنك حاجة .. هو فيه إيه .. انت ساكت ليه ؟
- أصلها .. شكلها
- قوتلك مييت مره إسمها هنا
لم أنطق إسمها منذ ولدت, حتى لم أستخرج لها شهادة ميلاد لأن إنتظرت إستخراج شهادة الوفاة وإنتهاء هذا الفصل من حياتي . مخلوق أتي عن طريق تعويذة جلبتها من أقاصي الأرض لتسكن أرضي وتحملني الإثم ما حييت إنما المخلوق المدهش يخرج الفقاعات من فمه بينما أمه تنتقدني وتوبخني على البخل الذي إتسمت به مؤخراً:
- بخل إيه ؟! انا سايبلك فلوس
- المشاعر يا بارد .. مفيش مرة تكلمني في التليفون و تطمن على هنا
- إزيك يا هنا
أدارت وجهها عني وسكنت رأسها كتف أمها فقالت أمها مدافعة :
- زعلانه منك .. لما تكبر هقولها إنك هربت مني .. ومنها .. بتحب جمال أوي على فكرة
- جمال مين ؟
تحدجني زوجتي بتعجب وتوضح لي :
- جمال أخوك يا جلال .. هو اللي كان بيتعلي الفلوس وبيطمني عليك انا مش عارفه من غيره كنت هعمل إيه .. الادوية وقفت في الجمارك ورفضوا يدخلوها البلد خافوا تكون مشعة عشان روسي .. قال يعني بيخافوا علينا أوي
رواية زوجتي كانت بها العديد من التفاصيل الناقصة والتي خشيت أن أستعلم عنها بغية الإنتهاء من هذا اللقاء سريعاً, لم أرسل نقود لعائلتي أو هاتفهم منذ تركت مصر بل و من قبلها فقد كان أخر لقاء لي مع أمي بالمشفى عندما منتعني من فصل أجهزة الإعاشة عن هنا وحينها هربت من كل الضغوط للمهمة الملعونة. إنما الرواية بسيطة و ليست في حاجة لتفاسير أبي من طمئن الزوجات على حال الزوج الهارب وأرسل لهن ما يعولهن, تفصيلة وحيدة ناقصة فحسب كيف أرسل لهنا الدواء فور سفري مباشرة فلم أكن حينها باشرت بالبحث و التقصي عن أي شيء إلا الإختفاء.
- ما لك يا جلال ؟
- مفيش .. شكلها جعانه بتمص في غوايشها
- بتسنن
- مين اللي جابلها الدهب ده كله ؟
- جدتها بعتته مع جمال لما عرفت إننا مسافرين .. كانت عايزاها تسافر بقيمتها وترجع بعريس اشقر زيها
أضحك برفقة زوجتي وأنصاع لنظرات الإبنة الأولى لأبيها أما الأم تخبرني إنني لو لم أكن أشبه جمال لما ظلت الإبنة على هذا الهدوء فهي تخشى الأغراب. أظل لدقائق تحولت لساعات ملئها لغو فدوى المختزن لسبعة أشهر, أراها للمرة الأول طفلة عادية فلم يحدث ما نراه على الشاشات السيمائية يتنزل رفق الأبوة وحنانها فور ولادة الأبناء إنما يأتي بعد مشاق عايشتها مع كل ولد منهم خاصة هنا التي تمسك بسبابتي لتضعها بفمها إنما أسحبها وأقول :
- جعانه يا فدوى
وحينها تناولها لي وتذهب لتعد لها رضعتها عبر آلة حديثة للغاية لم أراها قبلاً. جهاز أبعاده عشرون بوصة تقريباً من الزجاج الشفاف و من داخله ثلاث أسطوانات, واحدة تحمل اللبن الإصطناعي والثانية الماء الفاتر والثالثة يحدث بها دمج السابقتين لما تختلط كميات قامت فدوى بظبط معاييرها عبر أزرار من أسفل الجهاز .
- سبحان الله الدنيا اتطورت اوي .. جهاز و لا له أي لازمة
تسكب زوجتي الخليط بزجاجة الرضاعة و تعود لي و تقول :
- لا طبعا له لازمة بيعقم .. احنا بينا و بين المفاعل أميال .. إشمعنا البلد الخطر دي يا جلال .. كنا كملنا العلاج في مصر و خلاص ولا وحشناك وكسلت نسافر و تجيلنا
لم أفعل أي شيء فهد فعل ولا حيلة لي
- انت شايلها كده ليه ؟! دراعها يوجعها
كنت أحملها ممسكا بها بكلتا ذراعي المفرودتين على أخرهما لأبعدها عني قدر الإمكان ولكن دون إرادة مني فقد تركتها فدوى لي على هذه الحالة ولم أبدلها. تحملها عني وتضعها علي فخذيها لترضعها إنما ترفض بعصبية كبيرة.
- ليه مش عايزة تاكل .. احنا بقالنا كتير قاعدين إزاي ما جعتش ؟
- الأدوية في مكملات غذائية .. ما تقلقش عليها وزنها كويس جدا بالنسبة للي في سنها وزايد كمان
نصب عيناي كل شيء منطقي للغاية ولا أجد لهلوسات فهد مكان, إبنة ولدت ضعيفة لأنها ولدت بنهاية الشهر السادس للحمل, دواء تم تصنيعه بمختبرات فائقة السرية حصلت عليه مقابل مهمة منافية للإنسانية, تستجيب الإبنة للدواء وها هي تضحك لمزاح أمها لما تصفني بأن هذا الرجل الوحش حنون أحياناً إنما ليس الحين فقد أخبرتني فدوى إنني بتلك الأيام كنت مخيف بعض الشيء عيناي زائغة, كلماتي ثقيلة عند القول أو السماع لم تجدها إلا تهديد سايرته حتى عودتها لمصر وهجري تماماً جزاء هربي, منذ دلفت للغرفة صاحبني ظِل لا يماثل حجمي كانت عيون هنا عليه بإستمرار وتلك الظاهرة لم أفهم لها تفاسير إلا عن طريق صديق الشيطان الأقرب .
ههمت للعودة للقاعدة سألتني زوجتي :
- رايح فين ؟
- هرجع
- مش هتاخدنا معاك ؟
- انا قاعد في سكن القاعده ..
- خلاص خدلنا شقة انا معايا فلوس كتير جمال بعتها معايا لما عرف إني مسافره لك
أزيد ما بجعبتها من نقود لما أخرج كل ما قبضته مقدماً وأناوله لها وأقول :
- ما تخرجيش من المستشفي .. وماتاكليش غير أكل معلب أمريكاني .. الميه .. ماتستخدميش أي ميه من الحنفية لأي غرض إشترى ميه معدنية كتير وهبعتلك فلوس تاني .. إقساط عيادتك خلصت وبقت ملكك عبد الحي هيخلصلك الاجراءات كلها
- انت جبت الفلوس دي كلها منين ؟
- ده وقت إنك تسمعي وبس .. هبعتلك تذكرة طيران لميامي تفضلي عند أبوكي لحد ما أنا أجيلك يا فدوى .. انا بس .. ولا جوابات و لا تليفونات تستنيني انا أو جمال بس يا فدوى
- جمال إزاي!! انت هتهرب تاني ؟!
-
- شغل توب سيكرت يعني عشان كده مش عايز تتكلم
- بالظبط كده
وغادرت لأخر مهمة كما منيت نفسي. خرجت من المشفى لم أجد فهد إنما السيارة بموضعها و يترجل منها مجند حيّاني عسكرياً بإباء ووقف متنبهاً لحضوري ولازالت للآن لم أعتاد تلك المعاملة بالخارج . أسـأله عن فهد يخبرني أنه وافته مهام ذهب لقضائها وليس الهرب مني فكل ما قاله مسبقاً هراء؛ يعرف عن حمل زوجتي ووضعها لفتاة ضعيفة أرسل لها الدواء فور سفري لغرض لم يصرح به وأكيد أنه ليس المهمة فحسب.
عدت لغرفتي ماشياً من خلف الجندي الذي أخبرني أن طاقمي غادر دون أوامري ولا داعي لوجودي بقاعة المغتربين ويجب أن أعود لطاقمي الجديد وزميلي المصري الأخر الذي من الصاعقة وأصرر على البقاء برفقتي :
- أي طاقم وأي زميل يا ولدي ؟
- قائد سرب الإثنى العشر أما زميلك يدعى وحيد
إبتسمت لسببين الأول أمسيت قائد الإثنى عشر سفاح وليس من ضمنهم فحسب أما الثاني إبن بلدي وقريتي سوف يكون برفقتي للجحيم وذلك أبدل بعضٍ من مخططاتي . وبما أنني القائد أمرت أن تبدأ المهمة فور توقف المطر الذي هيج الغبار الإشعاعي أكثر إنما المطر كان متواطئ كذلك فقد توقف تماماً وكنا بموسم الأمطار لأن الإشعاعات بدلت طبيعة المناخ مع كل ما تبدل . لم نحمل نفايات وحملها عنا أربعون طيار متدرب أعمارهم تتراوح بين التاسعة عشر للثانية والعشرون, كنا نطير من أمامهم فحسب ليتتبعوا المسار دون تلاقي لحقول مغناطيسية أو أماكن مشبعة بإشعاعات كثيفة تعطل أجهزة الملاحة . يهبطوا بالأرض المنشودة ثم يأتي دور مائة وخمسون عامل بالأوناش والجرافات يحملوا النفايات من الطائرات لمثواها الأخير وهكذا دواليك. بالطبع عمق الحفر لم يكن كافي لطمر النفايات دون أضرار أو الأقل بُطِّن الحفر بالخرسان المسلح لإحتواء أي غبار ذري سوف يظهر خلال سنوات قلائل إنما من يهتم نحن طيارون فحسب و ليس علماء وعلي أن أصمت حتى لا أخيف زملائي المتخوفين كفاية كما نصحني فهد.
حرارة مهلكة لا تمتاز بها الأرض المنشودة حظينا بها وزادتها الملابس البلاستيكية التي نرتديها مخافة الإشعاع, ثم جلسة المشروبات أمام مقبرة النفايات ومراقبة العمال و هم يعملوا بحماسة آملين بمكافاة نهاية الخدمة . العشر يشربوا الحكوليات وانا و فهد البرتقال :
- انت ما بتشربش خمرة يا فهد ؟
- لاء
- ليه ؟
- حرام
أضحك بشدة يتعجب لها ثم أردف :
- نسوان بس ؟
- ولا نسوان الحمدلله
أحتد قائلاً :
- انت هتجنني يا جدع إنت .. إزاي عامل صفقة مع شيطان وعاملي ملاك ده انت حافظ المصحف .. انت أكيد هيبقى ليك قصر في جهنم .. ۞ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)
- انا ما حرفت شيء .. الخمرة حرام .. الزنا حرام .. واللي بنعمله حرام
- طب و بتعمله ليه ؟
- مجبر أخاك .. راح يدفنوا النفايات هنا هناك راح تندفن .. بينا بدونا راح تندفن
أتمتم الله يخرب بيتك فيردف :
- تسمع حلمي ؟
- حلمي عبد الباقي ؟
يضحك ثم يقول :
- بقصد حلم dreem
- إمتي هتقولي على الحقيقة كاملة يا فهد ؟
- الحين
عند ولادة هنا بالساعة الحادية عشر صبيحة يوم الإثنين شعر بألم يجتاح كل ذرة بجسده. حسب أن ساعته قد آنت وطريقه للجحيم رصف ولكن وجد روحه التي نذرها للشيطان لازالت بجسده ودماء سوداء ذو رائحة منفرة تنزح عن ما وشم به جسده من طلاسم وعرابين للشيطان وتحولت لما رأيته مسبقاً. أيام وأسابيع إكتملوا ليكونوا سنة كاملة قضاها في إنتظار أوامر الشيطان من تجنيد عملاء جدد وقتل من تملص إنما كان السكون الحاكم لتلك السنة البيضاء بلا قتلاً و دماء وكل مطلب نفذه للشيطان مقابل أن يكون فهد الفجر رباح.
- اومال انت كنت إيه ؟
- هنا بس اللي راح تعرف إسمي الحقيقي
- اللهم طولك يا روح .. كشفت يا فهد يمكن تكون دماغك ضربت ؟!
تتسع إبتسامته لي ثم يغمض عيناه بإنتشاء ويقول :
- حلمت بيها كنا إحنا الاتنين جوا مطعم في نيورك .. كانت حلوة مرة وذكية بتدرس في جامعة كبيرة في نيورك إسمها صعيب ما بتذكره .. بظن إسمها إم دو .. وانا كنت بشبهك كتير وهي كانت بتحبني عشان بشبهك .. حكتلها على كل شيء في حياتي مريت بيه .. كانت تبرر لي كل خطية وتقولي الله كريم وبابه مفتوح .. حكتلي عن إبن عربي رحاله وسفراته .. شرحلتي فصوص الحكم .. انا اللي جبتلها الكتاب .. الكتب كانت صعبة مرة
أضحك بنشوة مريبة و غريبة أيضاً معقباً على حلمه المزعوم, إمرأة جميلة ومثقفة و تصادف أن تكون إبنتي تذهب للدراسة بنيويورك وذلك من المستحيلات أن أرسل إبنتي للخارج لأي غرض و لو للدراسة, تجالس عجوز جاهل عالق الدرن على كل ذرة بروحه و جسده وبالنهاية تلك الكتب الثمينة النادرة لا يملكها مخلوق بالعالم إلا أخي عبد الرحيم دارس الأدب و مدرسه بجامعة المنصورة فأبي من جمع تلك الكتب من سفراته العديدة وتعتبر من أمهات الكتب وثروة لا تقدر بثمن.
- شقرا وعيونها زرقا وعلى صدرها الشمال وحمة حمرا
يقولها بحقد ليثبت حلمه بالمستحيل فأجيبه مثبط تلك الهمة :
- عادي ممكن تكون شفتها في المستشفى مع أمها .. قلبك أبيض
يحزن لأنني لا أجد تصديقاً بكلماته و يلفه الصمت للحظات ثم يردف في حماس :
- انا راح اجوزها .. ماني خداع
أضحك أكثر عن ذي قبل هذا الرجل الذي يملك هذا الوجه القبيح و هذا الجهل المستطير يخدع إمرأة تقرأ لإبني عربي وتدرس بمعهد نيويورك التقني إنما أربت على ركبته مؤيداً لهواجسه إنما متهكماً :
- علي البركة .. تتربى في عزك .. إيدي في إيديك نقرا الفاتحة
أمد يدي ليده لا يبادر لفاتحة الكتاب بل ينهض عن مجلسنا غاضباً فأقول مازحاً :
- أهو جاب ورا .. تعرف لو طلعت زي امها بصحيح هتخليك تلف حوالين نفسك يا قصير
إلتفت لي عند قصير فتلك الصفة سبة عند فهد وها هو الآن ينظر لي بغضب فأدرف :
- عيب يا ولد انا هبقي حماك .. إتأدب
وحينها يذهب لما يذكر الحلم؛ يتزوج إبنتي.
يقول وحيد متعاطفاً معه :
- خده على قد عقله لحد ما نقبض .. كل الشلة بيقولو أنه ضرب من كام شهر
منذ ثمان أشهر أي منذ ولادة هنا, تبدل الشيطان لخلق الملائكة, باقي الإثنى عشر من يقولون . يردد دائماً أنه نال العفو ومن ساقهم لعقد صفقات متشابهة مع الشياطين وتلك المهمة أخر مهام الشر فرئيس مجلس إدراة شركة الشياطين المحدودة مفقود منذ ثمان أشهر أي منذ ولادة هنا كذلك .
- إستغفر الله يا وحيد .. تموت و انت كافر يا حبيبي
- وانا مالي هما اللي بيقولوا
- على العموم ودي وجهة نظري .. إحنا جنس أتفه مما نجذب جنس تاني لينا أو لأفعالنا .. أعتقد الشيطان خالي شغل بعد ما خدنا كل شغله لحسابنا وأبدعنا
يقول غير منجذباً لحديثي بالمرة :
- زي بعضه المهم .. بما إن البت بقت بخير انا اللي عايز أخطبها لإبني علي
- علي مين ؟ انت خلفت و ما قولتليش يا واطي ؟!
- هخلف بإذن الله .. اول ما أرجع بالفلوس هجوز واحدة تانية و أخلف واد .. موافق ولا هتتكبر ؟
- هتكبر طبعا انا بنتي هتدرس في أمريكا يا جربوع .. هجوزها بيل جيتس
وتركني و غادر بدوره حانقاً على تكبري المزعوم ولكن معي كل الحق فقد إنتهت إبنة أبيها كما تكتب على كل دفاترها من مؤلفات محفوظ وعبد القدوس ومن ثم تحولت للأدب العالمي ووجدت أن ديكينز ودوستيفكي تافهان مدعيان ومغاليان وتنحاز لواقعية غوغول ذو النظرة الشمولية. لأجلها أتنازل عن مخططي بقتل إثنى عشر وأترك الخلق للخالق فالشعب من يؤلف الحكومات التي تحكمه و بالنهاية تقتله للتعتيم على إخفاق كلاهما شعب و حكومة .
أترك المنحة المالية بالبنوك السويسرية بلا سؤال وأعود لزوجتي وإبنتي التي تمت السنة وأربعة أشهر أجدهما بالحديقة الإبنة بسيارة مرسيدس صغيرة منهكمة بتشغليها إنما لا تفلح والام مع أبيها في جدال حاد كما الحال فلم يلحظا وجودي إلا عندما سألتهما فيمَ النزاع . بعد السلام التحية والتوبيخ من الحمى والزوجة على غيابي أحمل الهنا بين يداي فأجدها تخرج الفقاعات من فمها ملولة عرفت فيما بعد أنه إمتعاض قابله بالمستقبل - أوف بقه - فقد كانت تريد أن تعود لسيارتها الجديدة و ترك ذراعيَ. أنسى كل ما مضى لما أجد الإبنة بصحة جيدة والأم رد لها عقلها أما الزوجة الأولى مارست أمي عليها سلطاتها وأعادتها لبيتها وفي إنتظاري , ترقية ووسام فخري أنالهما من حكومة النفايات المتخوفين من معرفة المجتمع الدولي لدفن نفايات مشعة بأراضي هجرت ويعاد تسكينها لمجرد تخفيف التعويضات التي تسلمها الي المتضررين من الإشعاع. كانوا يريدون صمتنا القاتل ولأنهم ليس لديهم أي النية لخروج أي معلومة عن طريق الخطأ لذلك وجب قتلنا إنما الإثنى العشر وضعوا خطة ملامحها بسيطة؛ إختفاء تسع وظهور ثلاث ذو حيثة وقتلهم يثير الشكوك ولو بصفة طبيعية. تعاهدنا إن مات فرد يفضح الجميع وتظهر الأرض والنقود وعقود كل مهمة قمنا بها. كنت من الثلاث وفهد وأخر يدعي باتريك, كتب لي الظهور والنجاة سوياً لأن تحسين الإتربي أمنّي وتعهد بصمتي أمام الحكومة فهو يتعامل مع مصانعهم الدوائية وله عقود سرية مع البتناجون والمخابرات البريطانية والروسية, أما فهد يعمل تحت لواء العلم الأمريكي والعبث مع أمريكا بهذه الوقت المتقلل أي بعد كارثة تشيرنوبيل و تبعها حل الإتحاد السوفيتي قد يؤدي لحرب عالمية ثالثة ترجوها أمريكا من كل قلبها, أما الثالث لم أعرف سر قوته وإختفى بعدما تعهد بالظهور إنما لا يهم مرت السنوات ولم يحدث ما إنتظر وظل القتيل بمقبرته وباقي الزملاء علي قيد الحياة ويمارسوا حياتهم بطبيعية تحت أسماء جديدة بأراضي جديدة .
بعد أسبوع بالتمام قضيتهم في رخاء وهناء في منزل حماي العزيز, تصحو الصغيرة الخامسة صباحاً وتعاجلني بالصفعات لأفيق, لا أنصاع لصحوة مبكرة خاصة بإجازة وأضمها لصدري علها تغفو من جديد إنما هيهات صفعات من جديد برفقة سيل من ريقها المتسيل على وجهي وأخيراً أصحو. أحملها قبل أن تفيق أمها وأخرج بها من الغرفة ثم أبحث عن المربية التي جلبها لها جدها لتبدل لها حفاضها وملابسها وتعد رضعتها وتسلمها لي كاملة الهيئة فستان مكلف وحلي ذهبي ولا ينقصها إلا المساحيق ولكنها مساحيقها ربانية . أخرج بها للحديقة أجد الإتربي يدخن سيجاره الصباحي ولأجل لقاء هنا المبكر يتنازل عن صباحه المغبر بالأدخنة العبقة لسيجاره المكلف ويحمل هنا عني ويقول :
- صباح شريف هناوة هانم
ومن ثم يتركنا ليبدأ يومه. أضعها بسيارتها الجديدة وأرتكن لأريكة من البامبو بالحديقة وأرقبها وهي تضرب بيدها أزرار السيارة لتتحرك ولكني فصلت عن السيارة الطاقة لأنها إستطاعت بمرة تحريكها و قامت بأول حادث سير بحياتها وهي بعمر السنة والنصف, إنقلبت بالسيارة بعدما ضربت شجرة موز بحديقة جدها بقوة متهورة ورغم ذلك لم تخشى إعادة التجربة لأنها مثل أمها جميلة طويلة مثابرة لا تستلم أبداً.
ألمح خيال يشبهني يقف قبالة الباب الخارجي لقصر الدكتور تحسين الإتربي يلوح لإبنتي والمدهش إستطاعت توجيه السيارة المعطلة الطاقة لتلقى فهد .
أهرول لها أحملها عن السيارة المستمرة في مسيرها تجاه فهد وأصرخ بخدم القصر ليأتيني أحدهم ليصطحب الصغيرة للداخل, و لما خلت يدي من الإرث توجهت إليه وجدت النبوئة في طريقها للتحقق, قامته إمتدت لتكون بنفس قامتي تماماً, الهيئة نفسها وكأننا إخوة. أمزق قميصه عنه لشطرين باحثا عن الحروق أجد جسده صافياً وعيونه مبتسمة براحة أنه فهد, قلبي يحدثني بذلك ولكن عيناي ترفض. يبدوا كشبح إلتقيته بحياة أخرى موازية وليس رجل أعرفه تمام المعرفة تركته منذ أيامٌ قلائل واليوم أعيد تخليقه ليصير أخ سادس أنجبه أبي وسهى عنه إنما وجد طريقه إلي .
- هقتلك يا فهد
أهم للكلمه حتى الموت, حتى أخلع رأسه عن عنقه ولكن يمسك بيدي بقوة شلت حركتي و يقول بصوت رخيم هادئ وبنرة خليجية قلما كان يتحدث بها فهد :
- فهد مات يا جلال .. العايش الحين جابر .. انا جابر .. جابر النجدي
- انت عايز إيه ؟
- ولا شي .. جيت أتشكرك .. ولادة هنا كانت نهاية اللعنة .. خلي بالك عليها .. الوداع يا صديقي
وذهب عيناه علي أو الأدق شيئا ما يحدق به من خلف كتفي ويلوح له مودعاً بدوره, أنظر خلفي عله يحدق بهنا لا أجد مخلوق أعرفه فقط حاجز حال بيني وبين العالم بل قسّم العالم عالمي الذي أعرفه وعالم يشبه ولكن بدائي بلا قصر الإتربي وحدائقه الغنائه و لا أبنيته و صروحه العالية. عالم ساخن النيران تجتاحه بيوتاً وأراضي قومه يأكلون تلك النيران, وأهاً من قومه تركوا فهد تبعوني جزاء إثم لم أعلم عنه إلا بعد سنوات .
أنت تقرأ
مارد من الإنس
Paranormalتتناول الرواية رحال شاب قاهري, نشأ في بيئة مترفة, ولد لرجل أعمال ناجح من أصول صعيدية عريقة, الشاب يدعى مالك يهوى الموسيقى والغناء حتى أنه حاول إمتهانهما والإنتساب لمعهد الموسيقى العربية ولكن رفض الأب بشدة فهو إستنكر أن ينبت مطرب من بين عائلته العري...