السابع عشر

73 0 0
                                    

ماضي لابد من ذكره
#مارد_من_الإنس
#الجزء_السابع_عشر
[ فدوى الإتربي ]

وكيف الخلاص بعدما حصلت على الإبن والإبنة والأم دفعة واحدة فكلما إحتدت علي المعيشة بهذا السجن البارد أتتني من كنت ألقبها بالحياء تبتسم بوجهي وتذكرني بالشجرتين اللاتين يزرعان الان بالجنة بإنتظاري بعدما ربيت يتيمين. تعدني بتحسن الأحوال جزاء صبري على حدة زوجي الدائمة وهجره القاسي . الإبنة عادت لها إبتسامتها لما أصبحت لها عائلة كانت تصبوا إليها فكم من مرة سألتني أن يكون لها أخاً أو أخت ولم أستطع تأمينهما لها. الولدين اللذين كانا لا يطيقا رؤيتي, الان توَّجاني بتاج الأمومة إسماً وصفةً. يكفيني ما حصلت عليه ولكل شيء ثمن وذاك الثمن هنيئا له بالجسد الذي خلى من القلب .
ألم يكن في مقدوره التأسف ببيت شعر من أبياته البالية التى فقدت كل معنى أم وجد المساومة أسهل الطرق ولمِ يعبأ بالتوسل والرجاء ليهدهد مشاعري الجريحة وأنا الأسيرة ببيته وله مطلق الحرية بتحديد مصيري بعدما بعت حريتي لما قبلت عودته إلى حياتي . إتهام جائر لطخني وجرت محاكمتي واليوم نطق بالحكم خادمة وجارية رغم الوعد والمقابل فستان أحمر وقرط من الألماس.
إنتهى وإنتهى القلب من تفريغ كل أحساس شعر به يوماً تجاهه ثم قال آمراً:
- من هنا ورايح تنامي في أوضتك
وبينما أخلع ثمن ليلتي معه من أذنيَّ قلت :
- متهيألي الجواري ما يناموش مع إسيادهم في أوضه واحده
ثم خلعت القرط وناولته إياه فوضعه جانباً وقال متبرماً :
- ربنا يهديكي
وتدثر ثم أولاني ظهره غير عابئ بأي شيء . فيمَ غضبه أليس هذا وضعنا المشين الان أم يحسب نفسه حبيب بعدما إتهم وحكم وأعدم ظلماً. لا أصدق كم كان قريباً مني, حتى إنني بحت له بكل ما عانيته مع منير حتى الحميمي منه, في الواقع لم يكن هناك حميمية على الإطلاق, يدخل خلسه مثل السارقين ثملاً في جنح الليل, يترنح حتى السرير ثم يتهالك عليه, لحظات وتبدأ يده في البحث عن شيء ينهشه حتى يجدني . الحميمية لم تدم إلا بضعة أشهر ببداية الزواج ثم عاد لنزعته البهيمية, يتحسسني بقوة مفرطة قد تسلخ لحمي عن عظامي, لم يرى عيناي الدامعة أو سمع توسلاتي بالتوقف عن بذائاته وعبثه بمحتوياتي بغير إشتهاء, يخور بوجهي سمومه المتعددة لتشكل سحابة سوداء من الويسكي والسيجار الكوبي تمنعني من التنفس وقبل النهاية أترك عالم البلطجية والراقصات الشبقات اللاتي يحسبني منهن وأغيب عن الوعي, وبالصباح يتأكد حدسي بأن ما حدث أمس لم يكن كابوساً مفزع لما أرى جسدي مملوء بالكدمات البنفسجية.
لست غبية بالكامل لأقص على زوجي الثاني ما جناه الأول بهذه السهولة فقد كان يعلم بمفرده جزئاً من الحقيقة وإحتفظ بالسر ليأرقه وحيداً كما كان يعلم أن ما فعله بهذه الليلة قد يقتلني ولكن لم يبالي إلا بنفسه, فكل الرجال منير ولكن بغطاءات وخلفيات مختلفة. كان جلال ملكاً بحق لم تجود به أزمان أنقذني من متاهتي بلا مقابل وإبتهجت الحياة لما إمتلكت قوتي وأصبحت على بعد خطوات من الحرية لما إقترب موعد صدور حكم الطلاق من المحكمة بكل سهولة كما بشرني المحامي ولكن إستخفيت بقدرات منير.
بالماضي البعيد عدت من يوم عمل مرهق إلى شقتي بمصر الجديدة, فتحت الباب وجدت الإضائة تغمر البيت ومنير جالس بالردهة مبتسم لي ويقول: 
- مبروك العيادة .. بس جلال ما ينفعش بلطجي
لم أغلق الباب فقدت كنت حينها إمرأة مطلقة بحضرة رجلاً أجنبي عني تحت سقفاً واحد وقلت :
-  يعني بلطجي فعلاً .. انت دخلت شقتي إزاى ؟
قال بتهكم : 
- شقتك !!! ثم قام وتوجهه إلي وأردف .. الشهر خلص .. ياللا على فيلتك
حدجته بغرابة ممزوجة بالخوف إنما إدعيت عكس ذلك بينما أقول :
-  إنت متعرفش إنى رافعه دعوى طلاق لعدم التكافأ وهكسبها يا بلطجى   
- وتعيشي معايا من غير جواز وماله أهم حاجه تكوني معايا
صحت به :
-  مش هرجعلك لا بجواز ولا من غير ..أطلع بره قبل ما اتصل بالبوليس
- ما سيبتليش حل تاني
تقدم مني والشرر يتقد بعيناه, وأمسكني من رسغي وقادني لخارج الشقة بين صرخاتي وإستغاثاتي بالجيران إلا أنهم راقبوا ما حدث بهدوء ولم يجرأ أحد علي التدخل لصالحي أو ضد البلطجي . أكمل سحلي من شقتي وحتى سيارته وألقى بي داخلها وصاح بالسائق بالإنطلاق لفيلا المنصورية. حاولتُ التحرر بكل طريقة حتى حدثتني شياطيني بالقفز من السيارة إنما لم أستطع الإمتثال فقد ردعني منير بالقوة.
لما وصلنا للفيلا ألقاني داخل بهو القصر و تركني أنعي حالي وجلس يلتقط أنفاسه بينما يراقبني طارباً لكل ما صدر مني من سباب ودعوات بموته ولما إنتهت أنفاسي ولم أعد أقوى على الكلام إنتشى لضعفي وقال :
-  هبعت اجيب المحامي بتاعك بكره تتنازلي عن القضية وإلا يمشي فيها ويكسبها وبرضه مش هتسيبي بيتي
بكيت بشدة لضعفي أمام بلطجى الكباريهات وقلت متضرعة :
- الله يخرب بيتك ويخرب بيت اليوم اللى شوفتك فيه
حتى هذه النظرة لم تغفر له, ينظر لي بتوق وشوق كان توقف عنه بعدما تزوجني وملك ماضيَّ ومستقلبي ليتاجر بهما مع باقي تجاراته الرابحة بلا كساد أبد الدهر . نادى على إحداهن فأتت مسرعة, وطلب منها إصطحاب الدكتورة لغرفتها لتستريح من رحلتها الأخيرة فتقدمت مني الخادمة لتعينني على النهوض إلا إنني قمت بمفردي رغم تلك المحنة المهلكة وتوجهت إليه أبشره بالقادم :
-  خسرتني للأبد
- أنا ما بخسرش أبداً .. إطلعي ريحي شويه عشان وحشتيني
أجبته بتحدي :
- نجوم السما أقربلك
-  إطلعي بالذوق .. عشان يبقى شكلك شيك ادام الخدامين يا دكتوره
قالها بتوعد بعدما إنتظمت أنفاسه برئته المتفسخة العجوز .. يحدجني بتحدي ضبع قذر يرقب ضحية إنتهى منها الخوف لينال ما تبقى من الغنيمة الضعيفة إلا أن الضحية صعدت درجات قصرها بما تبقى لها من قوة وإن كانت لا تعرف الي أين قد ينتهي بها المطاف أو بمن تستنجد .. قاطعت الخادمة أفكاري للهرب من الجحيم لما أخبرتني أن الحمام قد أعد وحينها صرخت بها وطردتها من الغرفة فلن يحدث ما يأمله مهما مارس من ترهيب.
خرجت الخادمة ليحل محلها منير جلس أمامي على طرف السرير وقال :
-  انتِ مراتي .. واحد غيري كان رد فعله بقى اوحش من كده ..أنت دخلتي جلال بيتك وقبلتي فلوسه .. بس عارف اخلاقك .. وعارف إنك كنتي محتاجه قشايه تتعلقي بيها
توقف عن الكلام وبكل جسارة إقترب مني ليقبلني فإبتعدت عنه وحينها أردف :
-  بكره تعقلي ولو ما عقلتيش اديكي عرفتي انا أقدر اعمل إيه
وتركني أخيراً لحالي وخرج من الغرفة. ظللت حبيسة بغرفتي لأيام عديدة أرفضه وأرفض طعامه وشرابه ولم أقبل غير الخلاص النهائي عنه. يأتي ويذهب, يسأل ويُرفَض, يهدي وينقم على ذوقي الأخير بالرجال الفقراء الذين لا يستطيعون دفع ثمن هداياه. لم أبالي بقول أو فعل بدر منه وإنتظرت سقوط السماء على رأسه ورأسي بالقريب لينتهي الكابوس.
تجدد الكابوس لما صعد إلي بعد أيام عديدة أخرى لا أعلم عددها جراء ما أصابني من وهن سببه الجوع والعطش.
يصيح بي :
-  جلال اللي جابلك المحامي ودفع أتعابه .. واتعابه كانت إيه يا بنت الاصول ؟!
قلة الطعام والنوم أعاقا عن رأسي إستيعاب صياحه وتلويحه بورقة لم أستطع إستبيان فحواها ثم أردف :
- الطلاق تم زي ما كنتوا عايزين ..
أمسكني من ذراعي بقوة مفرطة كادت أن تقطلعه من منبته ثم قال :
-  هتبقي عشيقتي يا فدوى بعد ما كنتي مراتي وجلال عمره ما هيطولك طول ما أنا عايش على وش الدنيا
وإكتملت أشبع الكوابيس على الأطلاق لما أمر الخادمة بالخروج في التو وبدأ بخلع ملابسه وتمزيق ما علي من ملابس ليجعلني عشيقته . كان دائماً يتشكى من برودتي عندما كنت زوجته ولكن بذلك اليوم يبدوا إنني نلت رضائه أخيراً لما أصبحت عشقيته بالأيام الباقية لي بسجن الجحيم حتى أنقذتني من يده الشرطة فهو لم يفعل شيء غير مضاجعتي بهمجيته وإشباعي ضرباً وسباب جزاء خيانتي له مع جلال ولمزيداً من الحماقة سألته لمَ لم يفعل ما يفعله سائر الرجال لما يعلموا عن خيانة زوجاتهن ويقتلني من فوره فأخبرني أن الموت الراحة وما سوف يمارس علي هو الشيء الوحيد الذي قد يشفي غليله من أول خيانة نالها من إمرأة.
خيانة صورتها له بأبشع صورها ولو كانت ملفقة, فقد تغزلت بمعشوقي أمام زوجي لما قلت له بشجون كم كنت طفلة غرة واهمة مع رجلاً مثله ولم أمسي إمرأة إلى لجلال, لم يكن الزوج رجلاً يوماً خاصة بعدما تذوقت طعم الحياة مع عشيق يتقن فنون الحب أجمع مع كافة أدواته اللاهبة لجسد تجمد من أسفل أيادي البلطجي, عليه أن لا ينخدع بقامة العشيق المتوسطة أمام قامته الفارعة فقد عوضت بنواحي أخرى فاجأتني بحق.
يا لها من كلمات أشعلت غضب الزوج فصب الغضب على الخائنة وصفعني على وجهي صفعة جمدت الدماء بوجهي والزمن من حولي, خفوت كل الأصوات, صراخه بي, عصافير الحديقة, نباح كلابه ثم سقطت أرضاً فأشبعني بركلاته.
أفقت بالمشفى على أكثر المشاهد حرجاً في حياتي فقد كان بإنتظار إفاقتي الضابط الذي نقلني عارية منهوشة من بيت طليقي بعدما دثرني بملائه السرير كمثل العاهرات للمشفى وإمعاناً للفضائح كان الضابط المكلف بإنقاذي صديقاً مقرب لجلال ومما لا شك فيه نقل له حالتي المذرية إن ذاك.
أتى جلال وخالتي باليوم التالي, سألت الثانية عن ما فعله بي طليقي أما جلال تحلى بالصبر والصمت لأنه يعلم مسبقاً ما ألم بي ولم يبدوا يوماً معرفة للوضع المخجل حتى بيوم دخلت لتنظيف غرفة مكتبه التى أعددتها له بشقة والدتي, لملمت الأوراق المتراكمة والمسودات العديدة ونسقتهم ثم أدخلتهم لدرج المكتب الأيسر لكن لم يتسع لكامل الأوراق ففتحت الدرج الأخر وجدته مكدس بالأوراق أيضا, تفحصت الهام لأعيده والغير هام لتنحيته وجدت أوراق لا تخص الدراسة, أغلبها قرارات قضائية تحمل طابع وخاتم النسر. أخرجتها وتفحصتها بتأني حتى وجدت بينهم تقرير الشرطة المفصل عن حالتي التي وجدوني عليها ولذلك لم أخشى البوح بكل ما قاسيته لحبيبي لأنه يعلم مسبقاً ومنح غفرانه حتى قبل سؤال .
عند عودة منير للظهور بحياتي متمنياً تفريقي عن حبيبي, رأيت بعيون جلال الشكوك وحينها بحت له بكل صعيب مرر عليها ليعلم يقيناً بإنني لن أذهب عنه أبداً مهما قست علينا الأيام فقد كان دائماً يضع قلبه العمِر بالمقارنة مع قلب البلطجي الخرب ولا يعلم أن المقارنة معدومة بينهما.
أستحق قسوة حبيبي, فلم يكن بحسباني أبدًا إنني أستحق هذه القسوة وأكثر فكلما كبرت الجميلة إزدادت حُسناً ومرض بنفس الوقت, العلل جائت أكبر من قدرة إحتمال جسدها الصغير, تستيقظ قبل الجميع رغماً عنها ترتعش ولا تستطيع حتى النهوض عن سريرها لجلب حقنها وحينها تصرخ بأبيها ليأتيها, أسارع لها قبله ولكن لا تقبل مساعدتي وتظل تصرخ بإسم أبيها حتى يأتي مهرولاً ومعه حقنها يحقنها ويظل معها حتى تهدأ. جلال الوحيد المسموح له بالولوج لحياتها المرضية لأنه من صاحبها منذ ظهور المرض وتخجل الصغيرة مما أصابها, تراه كما يراه الجميع وصمة, عيباً خطير بها .
تمارس الصغيرة السباحة بإحتراف منذ السادسة من عمرها ولما أصابها المرض لم تخبر مدربها خشية إقصائها من الفريق والذي حدث بأي حال بعد أكثر من سنة. عادت من مدرستها تبكي وعزلت نفسها بغرفتها, لم تسمح بدخول أحد إليها حتى أتى أبيها وإستطاع الدخول لها وعلم شكواها.
باليوم التالي ذهب برفقتها للمدرسة وطالب بالنص القانوني الذي يعفي إبنته من السباحة لأنها مريضة سكري وبالطبع لم يجد فألزم المدرسة بأعادة الصغيرة لفريق السباحة أو سوف يتم ملاحقة المدرسة بدعوى قضائية وحينها فقط رضخوا. جلال لم يحبذ يوماً رياضة غير المشي للفتاة ولكن من أجل الصغيرة تكسر كل القواعد. الصغيرة تكبر وتبتعد شيئاً فشيء عن أمها برغم إنها قريبة من الجميع ولا أعرف لماذا, أفعل كل ما في وسعي لإسعادها ولا تأتي سعادة من ناحيتي, قليلاً ما تحدثني الصغيرة وأصبحت علاقتنا أوامر من الإبنة لأمها بينما زاد تعلقها بأبيها بشكل كبير وبادلها أبيها هذا التعلق, هى من تنتظره عودته يومياً وتسأله عن يومه وعن طلابه المشاغبين, تدلك له منكبيه عندما يشعر بالتعب, تسمعه النوادر التي تحدث لها بالمدرسة, تدعي الإنصات لدرسه الأسبوعي بتعاليم الإسلام لترضيه فقط بعدما أختارت الرسم دوناً عن التربية الدينية. لم تدعي كثيراً وحاولت التملص مراراً من الدرس, وحينها إضطر جلال أن يأتي لها بمحفظة قرآن بالمنزل حتى لا تتمكن من التملص . تشاركت الدرس مع الصغيرة وتبعت خطانا هناوة وحينها علمت كم كنا جاهلين بعيدين عن كل راحة وهى على بعد خطوة, الراحة بذكر الله وحمده على نعمه المتعددة لتدوم كما تكون مشيئته ونهاية إلتزمت بالحجاب وذلك أسعد جلال و حماتي للغاية .
بكيتُ وهناوة بأكثر من درس ولم تفهم الصغيرة فيمَ بكائنا فكيف لملاك أن يعلم عن دروب الخطائين. الملاك يزداد إضطراب يوماً بعد يوم ومالت للعزلة أكثر, وفجأة رفضت أن تخلع ملابسها أمام والدتها أو جدتها, على رسخيها أثار لجروح لا تندمل أبداً وتتجدد بإستمرار , لم ألحظ وحيدة فقد لاحظت جدتها أيضا ولما واجهتها أخبرتني بأنها إنزلقت بالمدرسة. لم ينطلي علي الكذب الغير متقن وإقتحمت علي الصغيرة غرفتها بينما كانت تحدث إحدى صديقاتها على هاتفها النقال .
لما رأتني حدجتني بغضب وقالت :
-  ما بتخبطيش على الباب ليه قبل ما تدخلي ؟!
- اقفلِي الموبايل عايزاكي
أولتني ظهرها وعادت للتحدث لصديقتها وهنا فاض الحيل, سحبت الهاتف من يد الصغيرة وأخبرت الطرف التاني أن من الأفضل العودة للمذاكرة فزاد ذلك من غضب الصغيرة وصاحت :
- عايزه مني إيه ؟
أمسكت رسخ الصغيرة ورفعت عنه أكمامه وقلت :
-  إيه اللي على دراعك ؟
سحبت رسغها من يدي نتراً وقالت :
-  قوتلك قبل كده .. وقعت
- كل يوم بتقعي يا هنا ؟
أجابتني بتهكم :
- مش كل يوم طبعا .. يوم أه ويوم لاء على حسب المود الزفت اللي عايشين فيه  .. لو خلصتي إستجواب حضري الغدا عشان جعانه
هذه لغة فتاة بالثانية عشر من عمرها, هذا ما إكتسبته من التعامل اليومي مع ضباط البيت أبيها وأخيها الأكبر والأوسط الذي إنتسب بدوره لكلية الشرطية . خرجت من غرفة الصغيرة  تحاصرني الشكوك أكثر فأكثر وعلي البحث عن دليل لما ينتاب الصغيرة من تبدل مقلق بأحوالها . زوجي قد يستطيع حل اللغز لأنه الأقرب للصغيرة فسارعت لغرفتي. وجدت زوجي لازال يبدل ملابسه عقب عودته من العمل فأغلقت الباب من خلفي وقلت :
-  جلال عايزاك
حدجني متسائلاً متعجباً :
-  إنت بتكلمي بجد يا فيفي ؟
قلت متمللة :
- بعينك .. إنسى يا جلال .. المهم هنا تعبانه ومحتاجه تروح لدكتور نفسى        
أكمل إرتداء ملابسه بينما يقول متهكماً :
- والله ما حد عايز دكتور نفسي غيرك .. هنا كويسه إشغلي انت نفسك بحاجه غيرها تهدي أعصابك الفايره على طول
لم أبالي بتلميحاته السافرة وإقتربت منه أقول :
-  هنا بتقطع فى جسمها يا جلال انا شفت الجروح بنفسي
- انا شفتها برضه وقالت لي وقعت فى المدرسه
- لاء .. انا لاحظت ان الجروح مش بيتخف ودايما اماكنها بتختلف وبشوف على ايديها جروح جديده بعد كل مره بنتخانق فيها سوا
جلس غير مباليا وقال بهدوء :
-  والكلام ده معناه ايه ؟
- مش عارفه يمكن عايزه تلفت الإنتباه ليها .. عايزه حاجه .. محتاجه حاجه .. عشان كده عايزانا ننتبه ليها
إجتذبه أخيراً ما يحدث وأشعره بالقلق حيال الصغيرة فقام على الفور يقول :
-  انا هروح اتكلم معاها
أجلسته وقلت :
-  اقعد يا جلال هتنكر انت مش عارف بنتك .. انا من رأيي نبطل خناق اليومين دول وانا هروح لدكتوره صاحبتي واشرحلها لها حالتها
قال بحدة :
-  وهو انا اللي بتخانق انتِي اللي بتعزِي النكد .. وبتعملِي عمايل ما تلقش للي فى وضعنا
وضعنا!!!! أى وضع يقصد مسرحية الفريسة والصياد التى نمثلها من يومين لثلاث أسبوعياً كأننا عروسين بشهر العسل لأن المنزل فرغ من الأولاد وكلاهما بكليته, لم أشغل خاطري الان بهذه المسرحيات البائسة وسارعت لإستشارة صديقة لي لديها خبرة طويلة بالطب النفسي. لما قصصت عليها شكوكي أيدت رأيي من شأن عرض الصغيرة على طبيب نفسي للفصل النهائي, وحينها عدت لزوجي لأقص عليه ما حدث فجائت إجابته :
-  انا بنتى مش مجنونه عشان تروح لدكتورة مجانين ممكن تكون حساسه شويه مش اكتر .. نعمل اللى يريحها و خلاص .. بصى خديها واشتريلها كل اللى هى عايزاه و هى تتلهي وانا عن نفسى مش عايز منك اى حاجه .. عشان هنا
- الكلام ده ما ينفعش احنا كده بنديها مسكن مش بنعالجها لازم تروح لدكتور
- انا قولت لا .. النقاش اتقفل فى الموضوع ده
-  إفرض مرة جرحت وريد من غير تدرى ونزفت لحد ما تموت هترتاح
- بنتك دمها غالي و حراسها من حوليها غير أمي
- يعني معتمد على عفاريت في حماية بنتك
- لا ياختي معتمد على ربنا
- وربنا خلق خلق الطب و الدوا
- دوا بنتك في عقلها .. هنا فاضية يا فدوى إشغليها وكل الستات لجامهم ودانهم عشان كده بنتك عايشة مع العفاريت زي ما بتقولي عشان بيكلموها .. إشغليها ,كلميها في إللي يهمها كفاية مذاكرة وطحن في دماغ البنت
- يعني مانذاكرش و نحكي ؟!
- كل حاجة بالعقل يا فدوى وساعات كمان من غير عقل خالص وبالعاطفة .. الفترة اللي عاشتها هنا مع بوسي كانت أهدى فترة في حياة هنا عشان كانت شغلاها
أجبته هازئة :
- أه نسيب المذاكرة و أعملها الطبيخ و التطريز عشان في الأخر تجوز واحد زيك يدوّر على اللي عندها عقل و يجوزها عليها
- ومين قالك إنك عندك عقل من أساسه يا فدوى .. انا إجوزتك تخليص ذنوب ربنا يتوب علينا جميعاً
إصطحبت الصغيرة للتسوق كما أشار زوجي الطريف وإبتعت لها كل ما وقعت عليه أعينها وبدى عليها الهدوء قليلاً, تستذكر بإجتهاد وتقبلت إلى حداً ما صغير مُحفظتها وحققت أمال أبيها وحفظت جزء من القرآن مجوداً وتقوم بحفظ أخر لتنال مكآفأة أخرى من أبيها وكانت رحلة تسوق جديدة.  لو كان فقط المراهق بالأربعون يكف عن إزعاجي لدام علينا الهدوء, ضاق بي أكثر مما ضقت به ولما إنتهى هذه المرة من المسرحية قال بحدة :
-   انت إيه اللى جرالك ما عندكيش إحساس ما عندكيش دم  واحدة غيرك تعيش عمرها كله تكفر عن عماليها السوده
إعتدلت من نومتي لأرتدي ما خلعته من ملابس إرضاءً لعميلي الأوحد ونظرت له بإستخفاف جلي وقلت :
- ما انا بكفر .. مش كفايه خدامه وجاريه ومربيه محتاج إيه تاني ؟
- محتاج بنى أدمه
- اومال انا إيه ؟
- انتِ حتى الحيوانات أرقى منِك .. على الأقل بيحسوا
طفح الكيل ولن يصمتني الهدوء هذه المرة عن الإهانة وحينها قمت عن السرير وصحت به :
- يا ريتنى حيوانه عشان عشان اكون لأي كلب إلا انت
قام عن السرير بدوره وتوجه إلي بعصبية وقال : 
- وما روحتيش للكلب إللي زيك ليه ؟!
لم أبالي بسؤاله الذي سأله لآلاف المرات وأجبته مراراً وتحركت من أمامه قبل أن يتمادى فى أهانتي أكثر من ذلك. خرجت للصالة تبعني وأوقفني بممر الغرف وأردف :
-  ما تردى عليَّ .. ليه ؟
صحت به :
- عشان شيء بنيناه سوا ومش هقدر أتخلى عنه في نص الطريق حتى لو شيء ده مشوه ومقرف وممكن يقضي عليَّ في سبيل سعادتك
-  سعادتي ؟! انا سعادتي راحت من يوم ما عرفتك .. غلطة عمري اللي بدفع تمنها لحد دلوقتي وفعلاً اللي رابطنا شيء مشوه ما يستحقش
غلطة عمرنا كان تفلسفنا بمنتصف الليل فقد سمعتنا هنا وحسبت أنها الشيء المشوه الذي يربطنا. إجتذبنا عن العراك صوت إرتطام قوى, نظرنا تجاهه وجدنا الصغيرة من إرتطمت بالأرض أمام باب غرفتها, فقد كانت تستمع للشجار ورأت ما حدث فإنتابتها نوبة عصبية أخرى قد تؤدي بحياتها.
حملها أبيها ووضعها على سريرها ثم هرع لجلب أدويتها وناولني إياها على عجالة . أسعفتها على الفور وبدى على الصغيرة الإستجابة فسألتها :
-  عامله إيه دلوقتي يا حبيبتي
قالت بوهن :
- غلطة عمركوا المشوه
أجابها أبيها موضحاً :
- احنا بتكلم عن حاجة تانية خالص يا هنا
- انتوا عندوا غلطات مشوه غيري
تحول عن هنا إلي وقال لائماً :
- عجبك كده !!
نظرت لها آسفة عن ما بدر مني وقلت :
- يا هنا يا حبيبتي انا كنت ...
قاطعني صياحها بنا :
- أطلعوا بره 
قالتها محذرة فقد تحولت عيناها للبنية وحينها خرج جلال في إستسلام إلا إنني أردت ما بعد عتمة العيون فظللت برفقتها وحينها قالت مهددة بكياسة الكتب الفاشية التي تنقل أفكارها المشوة :
- الستات أشجع من الرجالة بإعتراف رجالة كتير .. الألم عند الرجالة شعور إنما عند الستات مجرد مرحلة منتظر مرورها
-  بحبك يا واد مثقف انت يا بتاع ماركس
- و انا بكرهك
- برضه بحبك و على العموم انا وبابي كنا بتكلم على علاقتنا مش عليكي .. انتي أجمل حاجة حصلت بينا يا هنا
ذهب عن عيونها البغض وعادت طفلتي البريئة تقول متسائلة :
- بس إنتي على طول بتقولي لبابي إنك رجعتي عشاني
- لا طبعا .. ده كلام عشان أغيظه .. انا رجعت لبابي عشان دمه خفيف و أمور ولسانه طويل زي لسانك 
- بس ده ضربك و كان هيموتك
- انتي يا هنا لو سقطتي السنة دي بابي هيعمل فيكي إيه ؟
- هيقتلني طبعاً
- انا بقه سقطت في كل الامتحانات يا هنا .. كدبت على بابي وماسمعتش كلامه وعملت حاجات كتير اوي غلط لما تكبري هبقى أحكيهالك وساعتها هتعرفي إن بابي مش غلطان أو مش غلطان أوي يعني
  - اومال ليه بتتخانقي معاه على طول ؟
-  انا بحب أشوفه و هو نرفوز كده ومتعصب .. نفسيتي بترتاح
تضحك أخيراً لتنير حياتي وحينها أقول :
- ننام سوا انهارده ؟
تومئ بالرفض فأنسحب في خذلان وأعود لقاتلي, إستعاد حدته فور رؤيتي أدلف من باب الغرفة ويقذفني بالإتهامات, برودتي المتعمدة معه سلاح ذو حدين يطعنه ويطعني كذلك, مما أدى لهذياني الصباحي والمسائي ويجدني في حاجة ملحة لطبيب نفسي يعيد لي عقلي الذي سلبه الحقد , وأيضا يرفض أن يتحمل مسئولية تهوره الذي قادنا إلى هذه المحاكمة بمنتصف الليل ثم يختتم هازئاً :
- اللي يشوفك بتكلميها يفتكرك عاقلة
أقول هازئاً بدوري :
- يا خبر يا جلال بتتصنت علي الستات ..الأميرة إنجي ما قالتلكش ان كده عيب
الأميرة إنجي أخر لقب أطلقته على حماتي العزيزة فهي تجد نفسها سيدة القصر, أميرة دمياط المتوجة وحينها رشحت لها إسم يناسب طابع الأميرات الذي تتطبع به وكان إنجي إنما جلال يبغضه ويقول بعصبية : 
- إحترمي نفسك .. هزاركوا سوا حاجة و أدامي انا حاجة تانية
- غلطان يا جلال وهتفضل غلطان .. لأنك عارف وواثق إني عمري ما أخونك بذات معاه ممكن مع رشدي أباظة
- انا هسيبلك الدنيا باللي فيها
  وهرب كما يهرب دائماً كلما واجهته بحقائق أنكرها لبرهة من الزمان أبدلت ما تبقى من الزمان.  قرر قضاء ليلته بغرفة أحد الأولاد فضلاً منه ولخيراً لو ظل بها حتى عودة الأولاد وهدوئه.
هدوء في حاجة إليه الصغيرة فهي وحيدة إلا من عائلتها وحينها قررت إبتياع صديقة لها . بحثت مراراً حتى وفقت فهنا لا توفر جهد في إبعاد الكل من حولها, وجدتها فتاة وحيدة بلا إخوة أو عائلة إبنة جارة بالحي الجديد أمها منشغلة عنها بعملها كمصصمة أزياء . إشتريت منها العديد من الملابس لي ولهنا على السبيل المقدمة لمطلبي القادم والمدهش رحبت للغاية فلم يجول بخاطرها يوماً أن إبنة العميد جلال قد تصادق إبنتها لأن إبنتي متفوقة دراسياً على عكس إبنتها بالطبع المنشغلة بكل هوى . فتاة ذو شعبية كبيرة بمدرستها, جميلة ساذجة بعض الشيء, ترتدي ثياب كاشفة تجعلها محط أنظار الجميع.
إستقطبتُ الفتاة بالحلوى كسائر الأطفال ثم طلبت منها سراً أن تسلسل لهنا حتى أمسيا صديقتين أو إلا قليلا فهنا لا تطيقها بلا أسباب مقنعة فهي تزعم أن شيري غبية وتلك حقيقة إنما الحقيقة المؤكدة أن هنا تغار من صديقتها من ترتدي الملابس الجميلة للظهور بالخارج و تضع المساحيق وأحياناً أراها تتفحص مفاتنها بإذراء فقد نالت الفتاة نضوجها الأنثوي وهنا لازلت في طور النضوج وهنا تسعجل كل شيء.
الفتاة أمست ضيفة يومية ببيتنا فأمها تتركها بحوزتنا حتى عودتها من عملها بعد منتصف الليل أحياناً. تطالع غرفة هنا الجميلة وملابسها الأنيقة وتقول :
- ليه مش بتلبسي اللبس ده يا هنا ؟
لا تحول إبنتي عيونها عن حاسبها النقال و تجيب الفتاة ببرود :
- انت غبية بلبسه طبعا
- فين .. انا مش بشوفك بيه خالص ؟
- في البيت
- ليه ؟
- وانت مالك يا باردة
أجيب سؤال الفتاة :
- بابا هنا مش بيحبها تلبس مكشوف بره البيت
- هو انتي يا طنط مش وراكي حاجة تعمليها ؟
أبتسم لإقصائي وأخرج من الغرفة وأدعهما بفردهما ولكن تحت الرقابة المشددة فأنا لا أعلم ردة فعل هنا بغير وجودي.
- تعرفي انك أمورة أوي .. كل البنات بتحسدك على جمالك
تترك هنا حاسبها و تنظر للفتاة بتعجب وتقول :
- انا ؟!
- اه .. انتي شقرا و عنيكي زرقا و شاطرة وكل الولاد هيموتوا و يكلموكي لكن بيخافوا من إخواتك
- بجد ؟!
- اه
- انتي عندك بوي فريند يا شيري ؟
- كان دلوقتي خلاص .. بس بدور على واحد شبهك ؟
ولا داعي للتخمين بكنة العاشق الجديد فمن يشبه هنا آسر فهو يملك عيناها الزرقاء مما جعل هنا تبتسم وتقول :
- عارفاه على فكرة .. عشان كده لازقالي
- هو مصاحب يا هنا ؟
- لاء
- اومال مين البنات اللي بيوصلوه كل يوم ؟
- زمايله
- إزاي يا هنا ده في شرطة انتي بتضحكي عليا ؟!
- بدل كتير يبقي مش بيحب حد منهم
تحتضن الفتاة إبنتي بعد تصريحها الذكي ثم تقول بحماسة :
- انا بحبك أوي يا هنا
وإمتدت أحاديث الفتيات لساعات و أيام و أسابيع مما أقلق جلال للغاية . يخشى على تفوق الصغيرة  من زميلتها التي تعلمها وضع المساحيق التجميلية ولا تشغلها دراستها على الإطلاق فشاغلها الشاغل آسر, يخشى من عيون آسر التي تلاحق الصديقة الجديدة رغم أنه لديه العديد من الصغيرات البالغات يبدوا أنه مشوه عقلياً كما تنبأ له :
- إسم الله عليه الواد مفيهوش حاجة .. البت هي اللي فايرة
تقولها الجدة مدافعة عن آسر أمام أبيه في جلسة جمعتنا بالمطبخ لتناول عشائنا المبكر فالولدين يعودا بالحادية عشرة ويكون هناك عشاء أخر لا تتوانى عنه الجدة التي تنهم من طعام زوجي ولا يجرأ على ردعها وحينها ينظر لي مستجير قبل أن يقتلها طبق الباذنجان المخلل فهي من أصحاب الضغط والكوليسترول المرتفع.
  أسحب الأطباق من أمامها لزوجي من جديد وأضع أمامها الزبادي الخالي الدسم و أقول :  الملح الكتير بيجفف البشرة وانتي عايزة تفضلي حلوة يمكن عبده يحن
تسب وتلعن ونهاية تنتحب لأنها طردت من أملاكها وتعيش برفقة من يعذبوها إنما أنا وزوجي إعتدنا تلك الإسطوانة الركيكة فعدت لحديثنا الأول :  
- البنت أكبر هنا يا جلال عندها أربعتاشر سنة .. انت ناسي إننا دخلنا هنا المدرسة و هي عندها تلات سنين
- يعني أخرة الفيلم ده إيه .. انا ما بشفش هنا بتذاكر خالص
- بتذاكر ما تقلقش
تدخل علينا هنا المطبخ ومعها حقيبة صغيرة بها العديد من المستحضرات التجميلية, تعرضها على أبيها و تقول :
- بابي عايزه زي دول كلهم
يتفحص جلال العلب الصغيرة ثم يقول :
- ما انتي عندك الوان كتير  .. بطلي رسم يا هنا و إنتبهي لمذاكرتك
- ده ميكب يا بابي
أسحب الحقيبة من يدي زوجي و أطالعها أجدني كذلك لا أفقه شيء في هذا الكم من العلب فأقول متسائلة :
- هما دول إيه أصلا يا هنا ؟
- مش عارفه بس عايزاهم كلهم إنهاره .. شيري علمتني أحط أيلاينر
ينظر لي جلال مستعملماً فأشير له على عيونها المخططة وحينها يقول متبرماً :
- يا حلاوة بقت غزية بلا تعليم بلا بتاع
تمسك بها جدتها لتقربها من عيونها للتفحص عيونها المخططة عن قرب ثم تقول :
- يا ختي حلوة عسل عليها .. تعرفي تحطوهولي يا هنا
يقول جلال مستنكراً :
- وانتي هتتزوقي لمين يا حاجة  ان شاء الله ولا تكونيش ناوية تجوزي على جوزك الغلبان
- وانت مالك إنت إنزل هات لهنا اللي عايزاه  
تقتحم علينا شيري المطبخ وتقول برقتها الفائقة :
- هاي يا أونكل
- أهلا يا شيري إزيك .. مش هترووحي يا حبيبتي الوقت إتأخر ؟
- ما انا عشان كده هستنى آسر يروحني
- هروحك انا وهنا
- لا يا اونكل خليك مرتاح .. انا و هنا لسه هنذاكر لحد ما يجي آسر
- هتاخدوا هنا معاكوا عشان تشترولها الحاجات دي
تزفر الفتاة بضيق لأنها حرمت من إنفرادها بآسر و تقول :
- أوكيه يا أونكل
نال البيت الهدوء و نلت السكينة منذ حلت شيري على بيتنا, هنا توقفت عن التحدث لشيطانيها و أخيها الأوسط يقضي أجازته نهاراً بالمنزل وعند الليل يوصل شيري لمنزلها ثم يعود لمحادثتها هاتفياً لصباح التالي , أما الأكبر يلح بكارثة أراها تطرق الأبواب تحول من فتى لرجل على يد إبنة منير الضائعة وأخشى أن يتحول لشيء أخر على يدها كذلك . لم أكن متفرغة كفاية لرجلاً بالغ وإنشغلت بإبنتي التي عادت للهواجس الشيطانية التي دفعتها للهرب من المنزل بعد عراك أخر تافه صعدته مع أبيها لأقصى الحدود فقد كان يريد السفر لمهمة جديدة وخشيت أن يعود إلي بولداً أخر.
بملأ إرادتها الحرة كما عودتها أن تحيى بلا قيود خاصة على نفسها  أرادت أن تخضع لهذه العملية الجراحية  فقد أرادت أن تكون فتاة طبيعية مثل الجميع, أرادت من الألم أن يتوقف فكل روح هائمة تمر عليها تروي على مسامعها تاريخها الأسود وعذابات مررت بها أوصلتها لللا شيء لا جنان ولا جهنم, بداية علي إبن وحيد أو ليس ولده لا أعلم أين الحقيقة تحديداً ونهاية توأمتين قتلهما أمهما إنتقاماً من زوجها الذي تركها لأخرى ثم قتلت نفسها وثلاثتهم لا يلتقين ويلجئن لهنا لتجمع بينهن وهنا لا حول لها ولا قوة لأنها قوتها لا تتجاوز الإبصار, وذاك أمر هين مما تراه يومياً وتقصه على مسامعي لما يضيق قلبها من كثرة الالآلم. هناك ألم أخر مبرح إعتصر قلبها الصغير لم رأت حبيبها كريم يعود بإمرأة أخرى لقصر أبيه بعد أن وعدها أن يكون هذا القصر لها وتزايد الألم لما تجاهلها تماماً .
عميلة جراحية خطرة تعرضها للكثير من الأعراض الجانبية من فقدان متكرر للذاكرة و خبل و ضعف بالإبصار ولكن الأطباء يروها طفرة جنينية لم تتكرر لأن خلاياها الدماغية قادرة على التجدد تلقائياً أكثر من كل سكان الأرض دفعة واحدة . يقولون عملية جراحية بسيطة مجرد مسبار متناهي الصغر يخترق الجمجمة وحتى مراكز الذاكرة و الإدراك ويقوم بشحن قوى كهربية محدودة  من حول الخلايا المحيطة فتعود للبداية للجديد وتنسى ماضيها بأكمله  . فشل العملية ينتج عنه كارثة على أعلى مستوى فهنا ترى الأطياف تكتلات رملية أو كثافة بالغلاف الجوي من حولها وفشل العملية في حد من تطور خلاياها قد يجعلها ترى الكيان في صورته الأولى كبشري أو أي كيان أخر والبشر نفوسهم ليست معدة الى هذا القدر من المعرفة وقد تفزعها رؤيتهم حد الموت خوفاً وأحياناً تجبر عقلها على إختلاق خيالات أخرى لكل كائن قبيح الهيئة فمختار ليس بهية الطلعة كما تصفه في رسوماتها .
جلال رءاه مرة واحدة وقام بوصفه لي ضخم بالفعل قامة فارعة, متزرق ولكن ليس بصفاء سماء ربيعية بل بتزرق الكمد , جسده تغطيه الحراشف كما التماسيح, وجه بإستطالة البعير وجلال يراه يشبه الأكباش, حتى يداي وقدماه كحوافر الجمال إنما هناوة أخبرتني أن هنا تراه كما كانت تراه حبيبته الأولى التي سكن رمادها وجه هنا ومرآة الحب عمياء بكماء صماء أحياناً. يحب هنا كما أحب أميرة الآراضي السفلية لأن كلتاهما لم يحكما على خلقته بالبشاعة كما حكم عليه حتى من عشيرته فحتي الجان لديهم نزعة البشر العنصرية. مارد قديم ذو سطوة لقوته العظيمة  كان يستخدم بكبرى الحروب ثم يعود لسجنه الذي أمر به كبير عشيرته ولنفس  السبب البشاعة ومن حررته الأميرة المغدورة وصعدت به لأرضها وأمسى حارسها ثم البدايات المعتادة حتى بعالم غير عالمنا أحبت الأميرة حارسها وبادلها الحب كذلك ولما نمى لمسامع الملك قصة العشق تلك أمر بحبس المارد من جديد و حينها أمست الأميرة بلا حراسة لأنها لم تقبل إلا بحارسها ثم حدث المحتوم وماتت الأميرة وحينها حطم المارد سجنه و راح يبحث عن الجناة فوجد هنا فحسب فسكن جوارها لحماية ما تبقى من حبيبته.    
  متقلق من العملية الجراحية كذلك إنما ليس في وسعه ردعنا فقوته العظيمة سارية بعالمه فحسب أما بعالمنا يدمر المزهريات ونوافذ المنزل إعتراضاً  كما أن هناك لعينة تسكن غرفة إبنتي إستعداداً لفراقها فتحول المنزل لمنزل أشباح بالفعل حتى أن الولدان هجرا المنزل متعللين بإجراءات ما قبل العملية فقد أوصى الأطباء بتبديل كل شيء بحياة هنا السابقة من ألوان و أثاث و دراسة  وكل شيء ويا حبذا لو أسمها كذلك ولكن رفضت هنا الأخير . الأخوين wrong  كما أسماهما جلال إستهزاءً منهما مسايراً خطى الأخوين رايت صانعي الطائرات الأوائل هما من سافرا لدمياط لجلب الاثاث من ورش الجد أما هناوة عادت للتنمر فهي من تسير العمالة التي أتت لتبديل ديكورات الفيلا بأكملها طبقاً لذوقها الدمياطي الكلاسيكي .
أردت من كل قلبي أن أحدث العاشق فأنا أم المعشوقة ولكن ليس في وسعي للأسف, إنما هو من تواصل . كنت بغرفة نومي ممدة الساقين على سريري أقرأ بيروت 57 فوجدت غادة السمان تخاطبني عبر كتاباتها
- الإجراء خطير
فزعت بالفعل وتلفت من حولي لم أجد شيء فعدت للكاتب الذي تتبدل كتاباته لسطر واحد يقول من جديد :
- الإجراء خطير
أجيبه :
- حياتها هنا في خطر ... هنا بتموت كل أعضاء جسمها بتضعف من الرؤى .. هنا مش بتشوفك إنت بس
- سوف أعود لن تتخلصوا مني بسهولة .. انا أحد من الثلاث
- دور علي غيرها أحسن .. كل واحد فيكوا من دنيا غير دنيته .. هتلاقي أكيد انت عشقتك أميرة 
- القلوب تنتمنى لدنيا واحدة و انا لا أريد إلا قلبها .. ما رأيك في إنتزاعه من صدرها و زرعه بجسد أخر
أضحك لحماسته ثم أقول :
- صدقني انا حاولت أشيل قلب جلال من صدره و أدوس عليه بجزمتي مقدرتش ومعتقدتش إنك هتقدر برضه وهنا بتقول أن الستات أشجع من الرجاله
وحينها حطم زجاج نافذتي إعتراضاً كذلك ولم أبالي بل و عدت لكتابي فالمنزل يعاد هيكلته بالكامل بأي حال . إبنتي لن تتزوج من ثلاث أو أربع و سوف أحرص على ذلك أشد الحرص, سوف تجري العملية الجراحية و تعود طفلة طبيعية بلا مآسي أو الآلم, أزوجها لرجل واحد مؤتمن  أياً كان إختيارها, أشكر أختها و أقبل قدميها لو في وسعي بعدما أنقذتها من إنتقام مختار.
بليلة سوداء داكنة كنت وحيدة بالمنزل مع هنا, هي بغرفتها وأنا بغرفتي نستعد لرحلتنا الجوية بالغد بالثانية ظهراً لميامي الأمريكية, أما جلال سافر لدمياط لوداع أبيه وكأننا ننوي الهجرة  وليس مجرد أسبوعين من فراق أما هناوة أودعناها لدى هاشم صديق جلال وجارنا حتى عودتنا من ميامي.
سمعت صراخ هنا وصراخ أخر ليس لها فهرعت لغرفتها وجدت الباب موصداً, لم أفكر مرتين وسحبت مطرقة ضخمة لأحد العمال وحطمت بها جزء صغير من الباب بكل قوتي مكني فقط من رؤية ما يحدث وليس منعه فعدت للتحطيم .  رأيت مختار نفذ تهديده يده ذو الحوافر منغرزة بصدر هنا وهنا تصرخ من الألم وتحاول سحب يده من صدرها أما أختها تعتلي ظهر مختار وتعض رقبته  وتقضم لحمه و تبصقه أرضاً فيسقط حريقاً على الأرض ويتحول لرماد بنفسجي داكن, يلقيها عن ظهره ذو الحراشف التي صنعت بصدرها الجراح العميقة التي تنزح عنها الدماء ورغم ذلك لا تستسلم و تعود لإعتلائه من جديد عبر قفزة هائلة مستغربة على جسدها الصغير أمام جسده الهجم الذي يصل لسقف الغرفة فجسدها كان لطفلة لا تتعدى العشر سنوات.
تصرخ بهنا وتقول :
- إحرقيه يا هنا قولي العزيمة
إنما هنا لا تقول شيء وتنظر في عيناه فحسب ولا أعرف فيمَ إنتظارها لموتها بهذا الهدوء إنما علمت لاحقاً أنه شدة بأس ليس أكثر؛ أرادت أن تناوله الفرصة التي لو إغتنمها لأمسى أحد الثلاث المبشرين بالهنا . إنتزعت هنا يده بسلاسة من صدرها الدامي على تعجب من الفتاة ومنه, تلوي يده الضخمة ثم تلقي به للخلف بقوة جعلته يطير بالهواء  ويرتد على حائط ويحطمه بجسده الضخم الثقيل, تقترب منه وتحمل عن الأرض رماده وتلقيه على جسده مع تمتمات لاتينية فيعود رماده للإلتآم مع جسده النازف بالدماء البنفسجية بسلاسة وكأنه أرضاً طينية تعود لطبيعته الأولى بعدما جرى تجريفها . ينهض عن الأرض عيونه على عيونها في خزي ثم يتلاشى وحينها أدلف للغرفة من الحائط الذي هدم وأضم إبنتي لصدري ثم أشير للفتاة أن تقترب فتقترب بتحسب  وحينها أضمها وهنا سوياً لصدري وبعدما كانت الفتاة طيف يري من داخله تتحول لجسد في وسعي لمسه فعِلتها الحنان والحب الذي حرمت منه هو الذي يعيد لها بشريتها إلى جانب الدماء البشرية.
أمسك بيد كل منهما بيدي ونعود لغرفتي أجلسهما على سريري ثم أسأل عن ما حدث فتيجيبني هنا :
- مش عارفه يا مامي إيه اللي حصل
- أقول انا
إبتسم للفتاة وأقول :
- قولي
- مختار إتجنن لما عرف إن هنا هتنساه عشان لما تنساه مش هيلاقي حد يكلمه عشان كده كان عايز قلبها يزرعها في واحدة تانيه .. اصله غبي مايعرفش قواعد البشر فاكر أن قلب البشر اللي يبفكر مش عقلهم
تعترض هنا على توضيح أختها قائلة :
- كان بيهدد بس
- لا كان هيقتلك بطلي عبط
- مختار ما يقدرش يقتلني ولا أي حد من الآراضي السفلية .. حتى أنت يا حية
- ياريتني سبته يقتلك يا غبية
- انت اللي غبية
ثم تعاركا وكلاً منهما أمسكت بشعر الأخرى ولم أفلح بتهدئتهما إلا بعد وقتاً طويل.
************************
يتبع المشهد لم ينتهي بعد .  
*******************************       

مارد من الإنسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن