الجزء الثامن

150 7 0
                                    

#مارد_من_الإنس
#الجزء_الثامن
[مالك مراد ]
  
سنوات من الجهد والعرق والكفاء في كلية الجحيم والان فقط شعرتُ أني فخر أبي بعد أن كنت نكبته. سمعتُ من كل من حولي أنني أرهقت أبي منذ تكويني بأحشاء أمي لأنها كانت ضعيفة وفرصتها بإنجابي ضئيلة خاصة فور ولادتها لأختي الكبرى. كانت ولادتي متعثرة وكادت أن تفقد أمي حياتها بها لأن أبي إستعجل الولد ولم ينتظر من أمي التعافي . كنت مثال الطالب المستهر بمقاييسهم وإستعوض أبي الله بي مرات عديدة صائحاً بغيظ أودى به إلي طرق الأمراض المزمنة من ضغط وسكري وبعض العلل بالقلب. حتى المعجزة التى تلتها باقي المعجزات طالب بالكلية الجوية ثم أحد المتفوقين فيها والان تأكد قرار بعثتي للولايات المتحدة الأمريكية لأكون مبعوث بلادي في أرقى مراكز تعلم الطيران العسكري بالعالم أجمع.
في إنتظار موعد الطائرة التي سوف تقلني للعالم الجديد, قابع بفيلا الزمالك وحيداً بعدما ألحت علي العائلة للمصييف معهم للوداع الأخير بإذن الله ورضوانه ولم أستجب لإلحاح .. حسبهم, أخر أيام لي بالمحروسة أقضيها مع  العائلة التى قضيت معها عمري السابق لذلك فضلتُ المكوث بالفيلا برفقة الخادمة الجديدة ؛ ورد. باليوم الثاني لها بالفيلا شاركتني غرفتي وعبأتها برائحة المخللات التى تصدر منها على الدوام, فاتنة من أدغال شمال الدلتا جائت ساعية للرزق بالبلد الكبير حتى وفقت ووجدته بفيلا الزمالك.
هاتفي يدق بإلحاح المدين حتى نجح بإيقاظي بعد ليلة طويلة بصبحة الورد, سحبت الهاتف من أعلى الكومود بما تبقى لديه من طاقه بددتها على قطف الورود ونظرت مثقلًا لشاشة الهاتف المضيئة بإسم سكرتيري الخاص الذى كلفت أبيه بمهمة إقناع اللواء جلال بالعدول عن عقاب كل من شارك في تخريب زفاف سعاد خطيبتي السابقة فأبا مازن تربطه علاقة صداقة وزمالة طويلة مع اللواء وقد يفلح في رفع العقاب عن بعض الطلبة المساكين ومن ضمنهم إبن اللواء البكر.
أجبت المتصل بحنو قائلًا :
-  عايز إيه يا حمار ؟
- كنت محتاج حاجة كده
اللعين يريد مقابل رغم أنه من ضمن المعاقبين على الجرم فقلت متسائلاً :
-   فلوس يعنى ؟
- لاء ..  فلوس إيه !! لما أشوفك أقولك إنت فين ؟
بفيلتي وبإنتظاره لجديد الأخبار ولتكن طيبة وإلا صببتُ الويلات على السكرتير الخاص. إستعديتُ لليوم الجديد والذي كانت بدايته الخامسة عصرًا ونزلت لملاقاة سكرتيري, بإنتظاري منذ نصف ساعة تقريبًا جالس على صالوننا الفاخر يتلفت من حوله كمن ينوي سرقة شيء أو لتألف عيناه ألق الترف الذي يراه لأول مرة .
جلست بجانبه وقلت:  
- منور عايز إيه ؟
- بصراحه يا مالك انا كنت عايز أستلف منك طقم
- طقم إيه ؟
- قميص وبنطلون
وماذا سوف يستعير مازن مني بخلاف ذلك؛ طاقم أزرار ذهبية وهو لا يملك حتى بدلة رسمية !!!! بأي حال إصطحبت سكرتيري لأنفذ له أول مطلب ألقاه على مسامعي فمنذ رءايته لم يتواني عن تحقيق كل مطلب لي بلا أدنى تملل. لم يكن إصغان مازن لي مشترط بالتبادل النفعي بين الطلاب القدامى والمستجدين ولكن للحق يكن مازن لي معزة طائلة وكل ما يتمناه من الله أن يكون خليفة الديب الذي لم يبخل عليه بمعلومة قط بأى مجال سواء الجوي أو خلافه .
المطلب لغرض أعلم عنه الكثير حتى قبل أن يبوح السكرتير بالكامن في سريرته, عشق الأبله جميلة صادفها بزفاف سعاد وضُرب من أجلها وليس من أجلي كما زعم أمام الجميع متفاخراً إنما لا ضير من إصابة عصفورين بحجرٍ واحد أو لكمة واحدة تلقاها مازن من أجل الجميلة والوحش.
دلفتُ برفقة سكرتيري لغرفتي لأختار من خزانتي ما يناسب نزهة مع فتاة غير مكتملة الأنوثة إنما تملك وجهٍ حسن سوف يزداد بهائاً مع الأيام. لم أجد شيئًا بخزانتي قد يناسب القصير النحيف فزفرت بضيق متحيراً وليس متمللاً كما شعر مازن حيث قال متحرِّج :
- مش لازم شكرًا
أوقفتُ الخَجِل الصغير قبل أن يخرج من غرفتي حزيناً مدحراً وسِقته لغرفة أخي الأصغر, بحجم مازن تقريباً وبأخر رحلة له في الخارج إشترى العديد من الملابس والتي ليس في حاجة إليها لأنها لم تبدل به شيء وسيظل ظل أخيه الأكبر ما حيى وأيضاً أريد رؤية وجه أخي لما يعود من المصييف ولا يجد ملابسه الفاخرة أو حقيبة السفر النسائية التى جلبها من لويس فيتون .
عبأت الشنطة الفاخرة بالملابس الجديدة ثم ألقيتها على مازن فكادت أن توقعه أرضًا من ثقلها لولا تماسكه وقلت : 
- دول هدية منى ليك عشان جدعنتك معايا
حدجني مازن بغضب وألقى الحقيبة علي مجدداً وقال :
- أنا مش بشتحت يا مالك .. أنا بستلف منك لبس زى ما بستلف من أى واحد صاحبي 
تقدمت منه وناولته الحقيبة بهدوء هذه المرة وقلت متداركاً :
-  إيه العبط ده!! انا مش قصدى يا ميزو .. دى هدوم أبويا جابها وطلعت صغيرة عليَّ وكنت كده كده هوزعها  وإنت حبيبي إتروقت معايا فى فرح ساسّو وطلعت جدع وبعدين إعتبرها رشوة أبوك عمل إيه مع اللواء جلال ؟
ابتسم مازن برضى وقال :
- و لا حاجه هتسافروا أخر ناس برضه وأنا وعمرو ومايكل أخدنا أسبوعين تأديب وخصم عشرين درجة من المجموع الكلي
قلت مستسلماً لأحكام اللواء الجائرة : 
-  حسبي الله و نعم الوكيل.. إيه الإفترى ده ؟!
تقبل مازن الهدية ونزلنا للغداء الذي لم يعد بعد . ناديتُ ورد وافتني بعد وقتاً طويل, يبدوا أن الغرور طالها لما سكنت الأعالي وتركت غرفتها الأرضية بالحديقة فقد لمحت أمي نظراتي التائقة للورد فبدلت غرفة الخدم التي بجانب المطبخ للحديقة ليحي الورد بلا مالك ولكن هيهات الورود دائمًا تتوق لمالك حنون يرعاها .
وأخيرًا لبت, دخلت علينا الردهة تتمايل كنخلة باسقة فورد إمرأة لا تملك أي نوع من التناغم أو التناسق بجسدها فقط ملامح معتمة قد لا تثبت صلاح قضيتها كإمرأة إلا من قبل قاضي متبصر مثلي ..
-  هاتِي عصير فريش وإعملي غدا .. تاكل إيه يا مازن ؟
- ما تتعبش نفسك أنا كنت ماشي
حسبه هذا المازن ما دخل عدوٍ أو صديق لبيت رجل صعيدي إلا ونال من واجبات الضيافة ما يناله ملكاً وليس سكرتيراً متقاعد فقلت مشدداً :
-  والله أبداً لازم تتغدى .. ثم تحولت لورد وأردفت .. بصي يا وردة إعملى فراخ جريل ولا أقولك ما تعبيش نفسك أطلبيها ديلفرى
ما إن ذهبت الخادمة غامزة لي بميوعة حتى سأل مازن متبحثاً :
-  مين دى يا مالك .. أختك ؟
- انت فاكر لو كانوا إخواتي في البيت كنت دخلتلك من الباب .. دي الشغالة
أعد الغداء وجلسنا للمائدة بينما يؤكد لي مازن أنه تناول غدائه مع عائلته وليس علي بإخداقه بكرم الصعايدة العارم ذاك. كرم الصعايده أفلح مع المتخم من غداء عائلته حتى أنه أكل دجاجتين وشرب دورق عصير البرتقال وطبقين من الأرز وطبق السلطة الكبير ووضعت يداي أسفل المائدة خشية إلتهامهما إلى أن إنتهت المائدة ورفعتها ورد ثم عادت بالشاي والحلوى بالمجلس المطل على الحديقة .
ربت على ركبة مازن وقلت متسائلاً :
- أخبار الفراشة الزرقا إيه ؟؟ عرفت تظبطها ؟؟
نظر مازن لي متحيرًا وسألني متخم الفم من الحلوى التي يتناولها على عجالة بلا أسباب:
- انت بتكلم على مين ؟
- البت اللي إتحمقت عليها في فرح ساسو
قال متخبطاً :
-  أأأه .. ماشفتهاش تاني
-  أومال جاي تاخد الطقم عشان تخرج بيه مع مين يا معفن؟!  ياض إتكلم ماتخافش انا مسافر خلاص وبعدين مش كيفي العيال أصلاً 
أجابني مازن مستنكراً بشدة :
-  يا عم ده انت كنت بتتطحن ضرب وعينك ماتشالتش من عليها
- طب يا عم ما تزعلش طلعت بنت مين بقى ؟ أصل حاسس إني شفتها قبل كده
- بنت الجنايني بتاع الفندق
-  يا إبن الكدابة البت كانت شقرا يعني فيها عرق أجنبي وكانت لابسة حلق ألماظ بيضوي في الضلمة
- لا عرق منصوري أصلها من المنصورة .. و الحلق إكسسوار
- بتتخابث عليَّ يا مازن .. ماشي.. أما قولي مالهاش إخوات بالألوان زيها بس مليانين شوية
أجابني مازن والغيظ يقطر من كلماته :
-  ما انت مسافر لبلاد الشُقر والحُمر .. سيبهالي يا مالك الله يخليك
وكأني قد أفعلها وإن فعلتها بمرة سابقة فقد كان لمازن صديقة بالنادي ولكن للحق لم يكن ليفي بمطلباتها الصغير فلجئت للكبير والكبير لا يرد مطلباً ومن حينها أثر الصغير الكتمان على كل ما تطاله يده من نعومة. نالت مني نبرة مازن المتوسلة فربتُّ على يده المحملة بشتى أنواع الطعام مطمئنًا فالديب سوف يترك الساحة المحلية للعالمية. 
- الضيف اللي مش محروم ياكل ويقوم .. سلام أشوف وشك بخير يا ديب
قالها مازن بعد أن أنهى ستة قطع من الجاتوه وفنجانين من الشاي والان يهم بإلتهامي أو ضمي وتقبيلي على وجنتي مودعاً بكل ما يحمله فمه من بقايا الكريمة والشيكولاتة بالجاتوه .
غادر مازن ظافر فلاحقني إتصال أخر مريب بعض الشيء فقد كان الإتصال من الدويري الصغير يطلب وجودي الحيادي في لقاء يجمعه بالحسام قبل قتله, هذا ما قاله الدويري حرفياً مما جعلني أتنازل عن غدائي وأسارع لأندريا فقد فقدت شهيتي بأي حال بعدما شاركت مائدة واحدة مخلوق يأكل بوجهه بخلاف الحيوانات.
الطريق لأندريا لا يستلزم أكثر من عشرة دقائق بسيارتي وبالدقيقة السادسة وافتني مكالمة أخرى كذلك من صديق وأخٍ أصغر لأقرب الأصدقاء وكان آسر. يطلب العون أيضًا ولكن لأدفع عن صديقي الصديقي فكرة التزوج من حبيبته بكل ما تحمله من مساوئ.  مطلقة تكبره بإحدى عشر عام, إبنة رجل أعمال مشبوه يشهد له الجميع بالإجرام وبالنهاية كانت أحد زوار مركز الزمالك الثقافي ومع كامل الأسف كنت على دراية بكل تلك المساوئ التي تلاحق الحبيبة وعددتها على مسامع صديقي الصديقي ولم يستمع للنصح وظل على إنعواجه, يقضي ليلة الجمعة والسبت مع كريم ونهارهما مع أخته.
تعثر, خرق, دنائة, حماقة أسميتُ علاقة حسام بميرا إنما الحسام يجدها العلاقة التي أعادته للحياة ونهايتها مماته, بل مماتهما يقصد الحبيبة التي أقسمت بكل قسمٍ غليظ بأن تقتل نفسها إن تخلى عنها الحسام, لا يعرف الحسام أن كل إمرأة بالوجود صاحت بهذا القسم لرجل إنما لم تقدم على تنفيذه يوماً . أقسم بالله العلي العظيم قسماً أحاسب عليه أمام الجليل بأن كريم كان يعلم عن تلك العلاقة منذ نشأتها البريئة حتى التلطخ بالأوحال ولكن فيمَ الصمت المهين كانت الإجابة لدى الكريم فقط ولأعجب الأعاجيب باح بالحقائق لصديق لم تتجاوز معرفته به لأشهر قلائل ولكنه أباح لأنه يعلم أن كلماته سوف تسقط ببئرٍ قعير إن سقطت على قلب ديب أليس كذلك ؟
- طبعا يا كريم يشهد ربنا كل كلمة هتقولها إعتبرها إتمسحت من نفوخي إلا لو طلبت إستدعائها بأى وقت لصالحك 
ميرا عانت كثيراً في حياتها الماضية معاناة قد لا يتحملها رجال وليس إمرأة رقيقة مثلها, ميرا لكريم ليست أخت فحسب فقد كانت أمٌ وناصح وواعظ, تشبه أمهما إلى حداً ما كبير وكذلك هي ما تبقى من الإنفاس الأم من حوله ولأنها الأم الباقية على قيد الحياة وإن كانت أخته الصغرى لم يستطع منعها من نفحات السعادة الوحيدة التي تنسمتها في حياتها القصيرة ولو تمثلت برجل مثل الحسام , مجرد طفل ضعيف مرتعد ليس في وسعه حماية ميرا أو حتى حبها.
للحسام أختاً صغيرة بالثالثة عشر من عمرها أو أكثر كانت تلعب برفقة ميرا لما كانت أصغر من ذلك بالكثير, ميرا لم تجد هنا مجرد طفلة صغيرة تؤنس وحدتها بصحاري التجمعات ولكن وجدتها الإبنة التي ليس في وسعها إنجابها أبداً فقد حرص زوجها السابق على حرمانها من أمومتها بصفة نهائية لأنه كان حيوان سادي له وجهات نظر غريبة بالحياة ومن ضمنهم أن فرعون إله والآلهة لا تنجب وهو يجد نفسه فرعون حتى أن ذلك الإسم لقبه بسوق الأعمال للآن .
إبنة الأخت الروحية؛ هنا تعلقت بجارها تعلق أخوي لأنها كانت وحيدة بوقتاً ما حتى ظهور الأخوين فجأة في حياتها. أحد الاخوين إقتحم قصر الدويري بدون سابق إنذار أو معرفة مسبقة وطلب من رجل يراه لأول مرة أن يكف عن ملاحقة صغيرة بعمر أولاده وكانت ملاحقة كريم للصغيرة هو الإبتسام والتحية من نافذته لنافذة الصغيرة . كريم الدويري لم يطلق الرصاص على مقتحم قصره أو على الأقل إستهزء به وبأخته تلك وطرده من القصر ولكن إستمع وإمتثل ومن لم يمتثل الحسام فما قول مالك ؟
وحينها تأكد حدسي؛ يعرف الكريم مدي عمق علاقة أخته بالحسام وبإنتظار حسام الموت على الطريقة الدويرية المبتكرة . إبتلعت ريقي بصعوبة متخوفاً من غضبة الدويري على الصديق الأقرب وقلت: 
- بص يا كريم انت راجل مُتفتِّح لفيت الدنيا بطولها وعرضها .. مش فلاح .. وووو .. أأأأ.. حسام عايز أختك في الحلال يعني خلاص ما يتعبش عليه
تلفت كريم بأركان أندريا الزمالك بتملل ليخفي حنقه من صعيدي إمتنع عن الحيادية لصالح صديقه الأقرب ثم عاد إلي يقول:
-  مش حيادي يا مالك .. خذلتني
- عايزني أقولك إيه يعني يا كريم .. روح أقتله وإقتل أختك .. العقل بيقول .. نلِم الموضوع أحسن وبعدين ماله حسام إبن ناس والمستقبل أدامه وممكن يضيع بسبب الهانم أختك .. أبوه خيرَّه لا ينساها لا ينسى مستقبله وهو إختار يكمل معاها .. بيحبها والله يا كريم و مستعد يموّت نفسه عشانه
- كان نفسي أكون متفتِّح زي ما انت بتقول وأسيب ميرا تعيش الحياة اللي تختارها وتسعدها زي ما سبتها طول السنين اللي فاتت وسكت .. لكن الحل مش عندي
- قصدك أبوك اللي رافض ؟
-  بالظبط
وقبل أن أسأل الكريم عن سبب رفض أبيه جاء الحسام معفراً بالغضب والحنق ينظر لكريم بدونية بلا أدنى خجل من فعلته السوداء والتي مستمر في فعيلها فالأحمق برفقة الجميلة بإحدى قصور الدويري ويحيى معها حياة الأزواج على مرئي ومسمع من الجميع والان يصيح بالكريم:
-  نعم .. طلباتك  ؟
أشار له كريم أن يجلس فإمتثل رغم النظرات النارية التي ألقاها حسام على كريم منذ دلف للمحال . قال كريم :
- طلبي معروف أصاد معروف .. إبعد عن ميرا .. جوازك من ميرا هيخسرك ويخسرنا
- ميرا هتسيب لمنير بيه حق الإدارة فى كل أملاكها مفيش خساره يا كريم  
إبتسم كريم وقال بتهكم :
- انت فاكر إنك أنت أو حتى ميرا تقدروا توقفوا عجلة الدويري ؟!
- خلاص يا عم ربنا يوفقوا ويدور عجلكوا كمان وكمان بعيد عننا
- والمعروف يا صديقي ؟
- معروف إيه يا راجل يا أهبل أنت ؟! هو أنا لما أقولك إبعد عن عيلة صغيرة من دور عيالك يبقى معروف ؟!
- بلاش المعروف عشان أخرته إيه يا مالك ؟
أكملت لكريم :
-  ضرب الكفوف يا كريم .. براحة كده وأتفهموا بالعقل
كان حديث الكريم متعقل للغاية وليس في حاجة للنصح حيث قال بهدوء :
- ماشي .. عندي ليك عرض أكبر يا حسام  .. أضخم والإستفادة للجهتين هتكون عظيمة
أجابه حسام بطواعية :
-  موافق مقدماً على أى عرض  أهم حاجة عندي ميرا
-  جميل .. جميل جداً .. إشهد يا مالك على اللحظة التاريخية دي .. انا بطلب منك يا حسام إني أجوز هنا وفي المقابل تجوز ميرا ومش لازم  جلال يجي لمنير ولا منير يروح لجلال يخطب هنا .. انت تجيبلي هنا لحد فيلتي تاخد ميرا .. أظن كده فير
صاح به الحسام :
-  إنت إجننت يا كريم ؟! انت واعي للكلام اللي بتقوله ؟!
- في كامل وعيي وأظن هنا مش هترفضني ووعد مني قصر التجمع والمريوطية اللي انت جاي منه هيتكتبوا بإسم هنا
نظرتُ لحسام وقلتُ هازئاً :
-  ملكش حجة خدله أختك تاخد أخته وعليها قصرين .. ثم تحولت لكريم وصحتُ معقباً .. تجوز مين يا عم الحاج ؟! هنا دي عندها تلتاشر أربعتاشر سنة هتجوزها إزاى ؟
- بسيطة نفس المأذون اللي هيجوز ميرا على حسام يتراضى ويجوزني هنا ووعد تاني مني مش هلمسها غير لما تتم سن الرشد مع إنها كبرت دلوقتي و بقت عروسه ويمكن مقدرش أصبر ولا حتى هي .. شايف إيه يا  مالك غلطان أنا ؟
ما رأيته كان قبضة حسام وهي تتهادى لتلتصق بوجه كريم وكان يهم بالمزيد ولكن أمسكتُ به مع جمع من الندال الذين لاحقونا لإنهاء العراك قبل تفاقمه . لكمة حسام أسقطت كريم عن كرسيه ألا إنه عاود النهوض بينما ينفض عن بدلته الفاخرة غبار الأرض التي سقط عليها بهدوء شديد بل ويقول مبتسم بنفس الهدوء المريب :
-  صاحبك غريب يا مالك .. أناني .. عايز مصلحته لوحده
اللعنة على مالك وكريم وحسام وتلك الأيام الغابرة التي أرتني رجلين يقايضا أختيهما بهذا الرخص المتناهي, الأول ترك أخته لصديقه ليرفه عنها ماضيها المؤلم والأخر يبدوا على أتم الإستعداد لإختطاف أخته من كنف أبيه ليسلمها لرجلاً أخر شاذ النواذع لينجذب لطفلة بعمر أولاده . شاذ النواذع جلس على كرسيه مجدداً وأشار لكلانا بكلتا يداه بعنجيته الدائمة  أن نجلس لإستكمال المقايضة الآثمة ولمزيداً من الغرابة جلس حسام وأنا من تأخر جلوسي قليلاً حتى إتخذتُ القرار وأصبحتُ طرف ولكن غير عامل بتلك المقايضة.
بوتيرة تعالت تدريجياً صاح كريم مستنكراً :
- أنا مش فاهم أنا مش عجبك ليه يا حسام إنت وأبوك .. قليل .. فقير .. حرامي وخطاف نسوان زيك انت وأبوك
إحتد حسام قائلاً :
- أبويا مش حرامي.. أبويا كان يعرف فدوى قبل أبوك .. أبوك هو اللي حب يصطاد في المية العكرة زي عوايده .. كان عايز ينضف لما يجوز الدكتورة بنت الإتربي باشا حتى لو على حساب صاحبه 
- وإيه كمان؟
- متهيألي كفاية غلط لحد كده خلينا في اللي إحنا فيه
- انا عايزك تغلط عشان لما أحط في جيبي تركه هناوة الموثقة بورق رسمي لهنا جلال عبد المقصود المرعي وأرميك أنت وأهلك رمية الكلاب من قصر دمياط محدش يعيب علي ولا حتى هنا
صاح حسام بفخر ليس له معنى أو داعي :
-  ولا تقدر تطول مليم من هنا وانا وإنت عارفين ليه كويس .. وهجوز ميرا يا كريم وهنا هتفضل في بيت أبوها لصاحب النصيب اللي هيدق على باب اللوا جلال ويبوس إيديه والعتب لحد ما أبويا يديهاله في النور .. مش كل الطير يا كريم باشا
كلمات حادة ولكن وجب قولها منذ أمد علّ الأمور تعود لنصابها وينصب الإهتمام على الهاربة الناضجة وليس القاصر الهاربة على الطريق, كلمات حادة ولكن لم تؤدي مهمتها على أكمل وجه أو أي وجه فملامح كريم على إرتخائها الهادئ الوتيرة ولم تمسه الكلمات بسوء بل قال متهكماً :
- صاحبك بيغلط يا مالك في الست اللي قولتلي أنه مستعد يموّت نفسه عشانها .. يرضيك ؟
نكزت حسام بكتفه بكل ما أوتيت من قوة ليفيق من غفوته قبل إستفاقة الأخطبوط المنتظرة والمؤكدة بعد هذه البرودة الكاسحة وصحت به موضحاً :
- ما تخلص بقه .. مش عايزينك .. واللي هتعمل إنهارده هيتردلك بكره أضعاف .. كريم مش عايز أختك ولا زفت ده بينورك في وسط العتمة اللي وقعت فيها
تنحت نظرات الكريم عن حسام للمتحدث العليم بواطن السرائر المعتمة للصديق الجديد والتي ليست معتمة إلي هذا الحد المظلم فكل ما يحاول كريم فعله الان هو عقد مقارنة ظن إنها قد تفلح مع الحسام ليبتعد عن ميرا وإلا تلقى نفس المصير وأسوء ولكن الحسام مغتر بأخلاق الأخت الصغيرة وسهى إنها منذ سنة واحدة وليس أكثر كانت تطمح بتزوج هذا الرجل وهذا الرجل رغم أنه الدويري إلا إنه يملك أخلاق نبيلة ليست للحسام وإبتعد عن درب الصغيرة الصغير.
نال التعجب من الكريم لما إستشعر يقيني تجاه نواياه يبدوا أنه سهى أن يخفي ألق عيناه كلما نطق بإسم الهنا الصغير, الهنا الصغير هو الشيء الوحيد الذي كان يجعل أمه الراحلة تبتسم براحة فكلما رأتها الأم كانت ترسم الأحلام البعيدة المنال لأبنائها المعذبين . أرادت لميرا إبنة تمنحها ما حرمت منه عنوة كما أرادت لكريم أن يتزوج الصغيرة المولعة به ليظفر بذات الأنساب النبيلة على عكس أمه تمامًا فقد كانت الأم راقصة  والأب حارس لصالة الرقص التي كانت تعمل بها.
الولد إدعى تصديقًا لكلمات أمه وتركها لأحلامها المحتضرة مع جسدها فهو لم يرى بهنا إلا أول مولودة حظى بها وليس شيئًا أخر فهو ليس بهذا الإعتلال أو الغباء ليظن أن جلال قد يزوج إبنته الوحيدة لبكر الزوج الأول لزوجته الثانية.
اليقين بعيوني جعل كريم يصيح صيحة متأخرة بعدما أتلفت أعصابه بهذه المشادة العقيمة:
- وعشان هنا .. هنا وبس .. انت لسه ليك عُمْر انت وأبوك وأمها
ثم قام كريم وضرب على الطاولة براحته بعصبية كبيرة أسقطت أكواب التيكلا الصغيرة الفارغة أرضًا وأردف  :
- اللي لكريم الدويري مش لغيره إفتكرها كويس .. ولو عايز هنا هسلخها من على جلدك إنت وأبوك وعيلتكوا راجل راجل 
أمسك كريم الحسام من تلابيبه بعدائية وأردف :
- كل اللي عدى عدى بمزاجي فلمصلحتك بلاش تعكر مزاجي .. تقعد مع صاحبك تألفوا فيلم محبوك يخش على ميرا وتخلع بشياكة وإلا و رحمة أمي أدفنكوا كلكوا في خرابة واحدة وأنصب فرحي على نوننا من فوقيكوا وأخلص فيها كل اللي شفته من يوم ما سقطتوا على راسي
ثم نظرة تُلزم متلقيها بإخفاء ما فطنته فالكريم لم يكن ليمس الصغيرة بسوء ولكن دونها الكل عرضة للمساس. قد يفعلها الدويري ويدفن عائلة اللواء ببيته وعائلة المنشاوية كذلك بلا أدنى تردد ومن أجل الصداقة ومعروف لا يعترف بتداعياته عاشق أبله علي بنصح حسام بالتراجع عن دروب الدويري فشفاعة هنا قد لا تصمد طويلاً.
سحب كريم مفاتيح البي إم المكشوفة موديل هذه السنة وهاتفه النقال عن الطاولة وغادر مبتسم كما جاء فقد تلمس الخوف ينخر بعظام الحسام, ولا داعي لإبراز كلاباته الأخطبوطية أكثر من ذلك.
- قعدتوا معانا خلته أبيح أوي .. ده ما كنش بيجمع كلمتين عربي .. بقه بيردح .. أما قولي مين هناوة ومين نوننا ؟ دلع أختك يعني ولا حد تاني تبعكوا ؟
لم يجيبني الحسام فقد بكى المخنث منوحٍ حتى إجتذب أنظار ساكرين أندريا لطاولتنا أكثر عن ذي قبل, ربتُّ على كتفه مهونًا وقلت :
- خلاص بقه فرجت علينا الناس .. الله يخربيت الحب و سنينه

مارد من الإنسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن