كَانَت مُتسطِّحةً على سريرهَا ، تُحدّق بالسَّقف بشرودٍ تَام كأيِّ ليلة ، وسادتُها مبتلَّةٌ بِدموعِها التِّي لازالت تَنهمِر بهدوء مِنْ مُقلتيهاو ذلكَ للمَشاعر السَّيئة التِّي تُراودها ، يَمتصُّها قلبُها في صمت ، قلبها الذِّي غدَا كثُقبٍ أسود ، يَبتلعُ كُلَّ شيء ولا يَنفجر
نَهضت و توجَّهت إلى مِرآتها ، لترى إنعِكاس وجهِها المُرهَق و الباهِت ، كَما كَان حَاله مُنذ ثلاثِ سَنوات فأكثَر .
تِلك الهَالات السَّوداء أسفَل عينيها ، و إحمِرارهُما اثر البُكاء المستمرِّ كلَّ ليلةٍ و ليلة .
ويا تُرى ما الذِّي يُمكن أن يتغيَّر في هذا العالم لو بَكَت ، مَنْ الذِّي سَيأخذُ قسطاً مِنْ نَصيب سعادتِه و يَضعه في قَلبِها ؟
.........
تَسيرُ في الرُّواق بِخُطوات بَطيئة و هِي تَضعُ يدها على مِعصمها الذِّي كَان يُؤلمها بسبب والدِها ، الذِّي لَم يكتفي بالصُّراخ فَقط البارِحة ، فَهو قَد تَهجَّم على غُرفتها ليُكمِل باقي غَضبهُ عَليها و الأخرى لم تكُن تَملك قوةً لتُدافِع عَنْ نَفسها ، فالنِّهاية هي لم تَكُن مرَّته الأولى.
دَخلت إلى القَاعة لتَجلِس على مِقعَدها و تَضَع حَقيبتها على الطَّاولة و هِي تَسمعُ صَوتَ نِيا المُرتفِع التِّي تُحاول فَتح مُحادثةٍ مَع يونقي إلَّا أنَّ الأخر لَمْ يَكُن يُشاطِرها الحديث ، و إكتفى بإخفاء رأسِه بالقنسلوَّة و يَعبَث بِهاتفه مُتجاهِلًا إيَّاها .
نَبسَت هيلار مُحادثةً نَفسَها
"لا أفهَم لما يَنجذِبن الفتَيات إلى الفِتيان أمثَاله دوماً"أعادَت بصَرها للأمام لتَقطِب حَاجبَيها حِين رؤيتها لجين دَاخل القاعة واقفاً في مَكانه و يُحرِّك رأسَه كَما لَو كَان يَبحثُ عَنْ أحدِهم حتَّى إلتَقَت أعيُنَهما
لِتَرتسِم إبتِسامةٌ مُتَّسعة على ثُغرِه و يُلوِّح لها بِيده ، وقتَها قَبضت على يَدها منعاً مِنْ مُبادلتِه و ظلَّت تَرمُقه بِنَظراتِها المُعتادة .أنزَل يده و كان سيتقدَّم إلَيها بِغيَّة مُحادثتِها لولا دُخول الأُستَاذ ليَتراجع جين و يخرُج
هيلار شكرَت الأستاذ في داخِلها فهي ليْست في مِزاجٍ لأحد ، كالمُعتاد.
...............
"يا هيلار ، إنتظِري قليلًا"
توقَّفت هيلار و هي مُعطيةٌ بالظَّهر ليتقدَّم جين و يقِف أمامها عابسَ الوجه
"هل لازلتِ غاضبةً منِّي؟"
"لِما سأغضبُ منك؟"
"لقد إكتشفت أن كلامي كان مخطئا البارحة"
أمَالت هيلار رأسَها لِعدم فهمها و أكمَل هُو كَلامَه قائِلًا
"إنَّ ما يحدُث لهم ليس بإرادتِهم ، في الواقِع لقد قَرأتُ أنَّ سَببه إختِلالٌ في هَرمونات الجسم"قَطبت حاجِبيها و ظلَّت تَرمقُه بِنظراتٍ مُبهَمة
"هَل بَحثَّت عَنْ الأمر؟"أومأ بقوة و هو يبتسم
"لقد شَعرتُ بأنَّكِ تعي ما تقولينَه على عكسي ، لربَّما أبدَيتُ رأيي عن الأمر لكنَّني لم أكُن مُتأكداً ففي النِّهاية أنا لم أصَب به""جين لِما أنتَ مُختلفٌ عَنْ الجَّميع هَكذا؟"
"لأنَّني جين"
أجابَها بَنبرةٍ مازِحة إلَّا أنَّها إتَّخدت إجابتِه على مَحمل الجِّد .هو هَكذا لأنَّه جين و ليس لسببٍ أخَر .
................
تمرُّ الأيَّام و جين لازَال يلتصِق بـهيلار التِّي لم تَعد تُمانِع الأمر ، و بدأت تتقبَّل وجودَهُ حولَها .
في أحد الأيَّام كان جين يُخبِرها عن إنتِحار صديقِه المقرَّب و الذِّي يَجهلُ سَببه ، هو ذرف الكَثير مِنْ الدُّموع في تِلْك اللَّحظة ، كان منظراً جديداً بالنِّسبة لهيلار ، أن تَرى جين بِتلك الهَيأة ، التِّي لم تَدُم و سُرعان ما عَادت بَسمتُه في الظُّهور
رَمى جين ظَهرهُ على الأرض و تنهَّد طويلًا قائلا
"ذِكرياتي معَه لا تُفارق ذِهني البتَّة ، حتَّى إنَّني أحلم به أحياناً""الذِّكريات أكبَر لعنةٍ بعد الغياب"
إلتفَّ إليها و قال
"هيلار ، لقد أخبرتكِ بكلِّ شيءٍ عنِّي ، و بتِّ تعرفينني جيداً ، على عكسكِ فأنا لا أعرف شيئا سوى إسمكِ و أمورٌ أخرى ليست بالمهمَّة""أولًا لستُ أنا مَنْ طلب منكَ أن تخبرني عَنْ نفسِك ، ثانياً إذا كنتَ تراها أموراً غير مهمَّةٍ لما كنتَ تسألُ إذن؟"
شعر جين بالحرج و لم يجد رداً لِكلامها ليعبِس و يظلَّ صامتاً .