الفصل السابع| أنا و المدرسة إلى الجامعة

28 0 0
                                    

لا أرى سوى الزمن، يتلاعب بنا، تارة يُسْعِدُنا و تارة يُتْعِسُنا، وصوت الدنيا وطُبُولِها تفتح باب الوهم للمُغَيَّبين عن الدين، و هناك فقير يبسط يده أمام الثراء، تُمطر عينه دماً لينال لُقْمَة العيش، ولكنه لا يجد سوى البُخْل أو المهانة، فقلما رُزِق من الله مِثْقال حبة من خَرْدل ليكون اختباراً من الله لنا و مكرمة من الله للفقير في الآخرة إن شاء الرحمن.

أرى الضعيف الطيب، يؤذى من القوي المتنمر، لا يُبالي بماذا يشعر هذا الضعيف طالما لن يُحاسَب وطالما أشبع غريزة النقص لديه، و هذا معلم يجري خلف المال حتى ناله فأراد المزيد فلم يجد سوى بيع الضمير لأصحابه الشُرَفاء، و رجل لم يرى غير منصبه فأصابه الغرور.

____________________________________________

لا أُنكر أنني قد تذوقت واحدة من هذة الأفعال على الأقل، و الحمد لله لم أستمتع بطعمها غير أول دقائق منها، شربت من كأس الترف، و ركبت طائرة الغرور و سافرت إلى أرض البُخْل، فلم يعجبني سوى حياه الصابرين الشاكرين الذاكرين لله كثيرا.

اكتسبت أصدقاء جًُدد لن أجد لهم مثيل، و أزحت سِتار الجهل لأنظر من نافذة العلم.

و أثناء هذه الرحلة في درب العلم، صار لي عَمٌ جديد-مُعَلِّمُ الدراسات الإجتماعية- يُعلِّمُني و أخدمه، حتى اعتبرني ابنه و اعتبرته أباً لي.

أثناء فترة الدراسة هو مُعلمى و بعد ذلك فهو فرداً من عائلتنا، فكانت كل مناسبة تأتي مني مُعايدة أو تحية أو مواساه.

كنا في الفرح و في الحزن معاً، معلم خير من ألف صديق.

لن أنسى هذا اليوم حينما حصلت على 94 بالمئة في شهادة الإعدادية، حيث بادرني بعناق السعادة و تهاني، و أخذني بسيارته               و قال لي:إلى أين تحب أن تتنزه؟

فأجبته: أريد أن أذهب إلى مكان على ذوق حضرتك.

فأخذني إلى أكبر مدينة ملاهي بمصر، و من ثم أخذنى إلى مركب صغير على النيل و زُرنا بُرج القاهرة و آخر شئ كان المتحف المصري و لن أنسى هذه الجملة منه:"عايزك لما تشتغل أشوفك وزير للآثار أو مُرشد سياحي في المتحف دا".

فصارت هدفاً لي و صرت أُذكِّر مُعَلِّمي (بدر) بهذه الكلمات قائلا:" فاكر لما قلت لي ... "، كل فترة من الزمن.


بعد دخولي مرحلة الثانوية، كانت متماثلة لما قبلها من مراحل، و اكثرهم صعوبة و ملل، درست مختلف الألوان و تذوقت من طهي الثانوية، التي كانت تطهو هذه الكعكة لأأخذها معي إلى هذه الرحلة المميتة و هي رحلة الثانوية العامة، عاما لا ينتهي، ملئ بالأحداث المؤلمة و المبكية و السعيدة و المبهجة المليئة بالتفاؤل و الأمل، في هذا العام اكتشفت مهارات بداخلي لم اكن اعرفف عنها شيئاً و تطول هذه المدة، أدرس مواداً صعبة لا مفر من إسقاطها، فكرت في حلول لهذه المشكلة و لم أجد حلاً سوى المذاكرة، المذاكرة فقط، المذاكرة و إلا فلا.

أصابتني العلة في الشهور الثلاث الأُخَر لا بل كثرت المشاكل العائلية في عائلتي من غير أسرتي، مما أثَّر على أدائي بالكامل في الإمتحانات مما جعلني اشعر بالإحباط الشديد و القلق و التوتر و الخوف، فبدأت دورة الدعاء و البكاء  و الحزن قد نسج عشه حولي،

إلى أن ظهر ما كنت أخشاه، فقد حصلت على مجموع جعلني ألتحق بالحقوق بدلاً من الإعلام، فصرت حزيناً باقياً في غرفتي أتألم من شدة الحزن فهذا لم يصيبني من قبل و صرت أسب و ألعن في نفسي و في كل شئ حتى زارني أحدهم جعل من عيني مندهشة إنه الأستاذ بدر معلم الدراسات الإجتماعية، فجعت أتسائل، كيف عرف عنوان منزلي، زيارته لم تكن غريبة بالنسبة لي؛ لأن علاقتي به كانت قوية، فهو كان أكثر من معلم، بل هو كان أباً و صديقاً لي، و لكن ما دهشني هو معرفته لعنوان سكني

،،،جلس المعلم معي في غرفة الإستقبال و صار يتحدث معي قائلا: لقت علمت من المدرسة حصولك على هذا المجموع فتوقعت هذا الحزن الذي أصابك لأني أعلم أنك حساس في مشعرك و سريع المشاعر، أعلم أنك كنت تحلم بكلية الإعلام حتى صرت مهووساً بها و بالعكس في كلية الحقوق التي كنت تحتقرها بشدة و تكره سيرتها و ها هو القدر الذي جمع بينك و بين هذه الكلية، فمثلما نقول دائما "إلي يخاف من العفريت يطلع له" اعلم أنك ستقول لي أنك ذاكرت و اجتهدت و كافحت حتى مللت، لا بأس يا بُنَيْ لعل الله يجعل في هذه الكلية الخير و الرزق و النجاح و الفلاح، فلذلك لقد جئت إلى هنا لأقول لك، لا تقنط من رحمة الله عز و جل و تجعل من الحزن سجناً لك بل لتستغل هذا الواقع لصالحك، من يدري لعلك تنجح فيها و تصيبك الشهرة فتظهر على الشاشات و الإذاعات و تصير محلاً لحديث كل إنسان.

قلت للأستاذ بدر:يا معلمي، إني أثق بكلمتك تلك و أرى أن كلامك صحيح، و لكني لا أجده يناسبني، فلكل داء دواء و دوائك لا يناسب دائئ، أشكرك على جهدك الذي قد بذلته معي فأنا أُقدِّره و أحترمه...

تبادلنا الحديث إلى أن كذبت و قلت أنني قد إقتنعت.

رحل المعلم بعد أن ازدادت علاقتي به، فقد واعدني بأن نذهب في نزهة إلى إحدى الحدائق العامة  حصلت على رقم هاتفه و عرفت عنوان منزله و صارت أسرتنا تربطها علاقة صداقة بيننا و بين الاستاذ بدر كما لو أنه صار فرداً من عائلتنا، إنه حقاً مثالاً للمعلم المجد...

و ها قد أوشكت الدراسة لتبدأ، باقي حوالي شهراً على الدراسة، و بدأت في تجميع المعلومات الازمة عن الجامعة و الكلية و الدراسة بها، و في الناحية الأخرى يحتفل زملائي بنجاحاتهم، فهناك من حصل على الإعلام و اللغات و الترجمة و الطب و الهندسة، فبدأت أقول: هيا لتنحت في الصخر فقد أصير أكثر نجاحاً من زملائي الذين حصلوا على الطب و ماشابه ذالك،،،

سافرت أسرتي لرحلة عمل و لكني لم أسافر معهم نظراً لإنشغالي بإجراءات التحاقي بالجامعة...

فصرت وحيدا منفردا في البيت،،، فقمت بتنظيفه و قمت بإعداد مناخاً هادئاً بغرفتي، فجلست أمام مرآتي أتحدث، يوماً كاملاً أتحدث فلهذا أسمي هذا اليوم بـ"المحاضرة قبل الجامعة" ...أتحدث عن هذا المستقبل الذي اخشاه.


             *                              *                             *                            *                        *                       *                   *            




سيادة القاضىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن