الفصل الثامن| شهادة الإمتياز

21 0 0
                                    

مرَّ هذا الشهر مرور الفهد الذي يطارد فريسته و مرضي بالقلق  و الحزن بدأ بالتعافي، نعم، إنها نعمة النسيان، بدأت أنسى بمرور الوقت، و هذا أيضاً لأنني كنت أحاول أن أستمتع بوقتي قدر الإمكان فكنت أذهب مع أصدقائي إلى بعض الأماكن الترفيهية و السنيمات و المسارح حتى استطعت أن أُسافِر مع أحد أصدقائي إلى فرنسا للتنزه و زيارة المعالم السياحية هناك، كانت و مازالت رحلة لن تُنسى، على الرغم من اشتياقي إلى الآن إلى أخي الصغير، و لكن أحاول نسيان هذا، و مازالت شخصيتي مختلفة من لحظة سهم الفجر الذي أصابني، و بمرور الوقت صار جزءاً مني لا ينفصل عني.

بعد مرور هذا الشهر و بعد كل هذا الإستمتاع، جاءت اللحظة الحاسمة و هي لحظة دخولي الجامعة و دراستي للحقوق و القانون و لهذا سأتذكر دائما إستهزائي بهذه الكُلِّية و لن أنسى ما قد قلته فى الدراسة بها فقررت أن أنجح بها، يرى الكثير قولي بأني قد قررت أن أنجح نعلم أن هذا القول غريب، و لكن قولي هنا يعني أني قد عزمت على التفوق الساحق و ليس مجرد نجاح فحسب، بقى يوم واحد و يبدأ ترقبي للمحاضرة الأولى لي، فهل سأرتاح بها أم لا، أرجو أن تكون جامعة تملأها النجاح الكبير و الفرح الكثير.

بدأت أدعو الله بالتوفيق في هذه الكلية و دعوت الله بأن يرزقني التوفيق و الراحة بهذه الجامعة و دعوت الله بأن يرزقني صديقاً   يهديني إلى الخير و أن يبعد عني أصدقاء السوء، أصدقائي القدامى قد نصحوني أن أغير من أسلوب حياتي مع دخولي الجامعة، و حتماً إني أراه هراء و تخريف، لأني أراه كذباً على غيري، فهذا تمثيل و تَنَكُّر لا فائدة له، لأنه من الصعب أن أرى أحد زملائي           بهذا الأسلوب القديم و إذا رأيت، كم منهم سأرى؟ ، لكني رأيت أن التغير الوحيد الذي يجب علي أن أتغير إليه هو الشخصية، فلهذا  هرولت في إخراج هذا السهم الذي أصابني من ليلة الفجر، مع جعل بعض الشظايا بداخلي منه، لأني رأيت وجوده كاملاً قد يجعل استخدام شظاياه مفيد أحياناً، لذلك سأبدأ بنفسي في تحويل هذه الشخصية الغامضة إلى شخصية قوية و سأمحي هذا الماضي المؤلم.

سندس بدر الدين كامل...هذه هي الرسالة التي استقبلتها على عتبة شقتي، لم أدري ما غرض الأستاذ بدر من هذه الرسالة، فأرسلت له يوماً ما رسالة رداً على أُستاذي قائلاً فيها: ما بالها بنت حضرتك، أهي بخير، و انتظرت الرد، لم اكن اريد أن اتصل به هاتفياً لأسأله في ما أرسلني، و لكن مرَّت الأيام و لم أتلقى أي رد.

كأن الليل لا يريد أن يمر، في يوم ما، منتظراً رد الأستاذ، و لكن بدأت أشعر بالشر تجاه ما حدث، كيف أتصرف؟، و سرعان ما بدأت أتصل به هاتفياً و لكن، هاتفه مغلق، ما العمل؟، فبادرت بالزيارة قبل يوم جامعتي بإسبوع، و فوجئت بما حدث، بعدما تأكدت مما تسمع أذني، فوجئت بأنه قد رحل إلى منزل آخر، لا أعلم عنوانه، فبدأت أتسائل: كيف يرحل بدون أن يخبرني، كيف؟، و بدأ قلبي بالإضطراب أكثر فأكثر، كيف هذا؟، و بدأت أشعر بالحزن الشديد، و بدأ يراودني كثير من الشكوك حول أستاذي.

استمرت الدقائق في العبور و أنا أبحث عن رداً مفيداً لكل سؤال، و لكني غير مقتنع بأي إجابة، هل هو بخير، لا أدري كيف اتصرف لهذا، أسرعت في تتبع خطى معلمي، و بدأت أبحث و أسأل كل من بالمنطقة، و لكن كانت كل الأجوبة تقول أنه رحل و لكن إلى أين؟، قد يكون ذهب إلى أقاربه؟ و لكني لا أعلم عنوان أي منهم، بدأت في ملاحظة الإجابات التي حصلت عليها من أهل المنطقة، فوجدت صوتا يقول لي على إجابة واحدة فقط و هي"لقد رحل الأستاذ بدر فجر يوم الجمعة من الإسبوع قبل الماضي، و يوم السبت في هدوء تام، رحل كل أولاده بعده، و كانت على وجههم إبتسامة كبيرة، و من بعدها جائوا السكان الجدد.

دار في مخيلتي شئ ما جعلني لا أتردد في سؤال السكان الجدد عن بعض الأسئلة،...صعدت مجدداً إلى المنزل و طرقت عليهم الباب يجيب علي أحدهم قائلا:ماذا تريد مجدداً؟

فسألته قائلاً: ماذا تعرف عن سكان هذا المنزل السابقون؟...و فوجئت برد صدمني و هو أن من سألته قال لي انتظر قليلاً،فأغلق الباب، يبدو أنه نسي أن يجيبني، فعدت أطرق على الباب، و لم يفتح أحد، يبدو أن وراء هذه القصة خبايا و أسرار، و بدأ الشك في الظهور اعلى خشبة المسرح، هل سيكون دوره مفيداً؟

رأيت أنني بدأت أاخذ هذه القصة على محمل الجد، و وجدت اني أضيع وقتي في البحث عن وهم، و من يدري، لعله بخير، حي يرزق، يبدو أنني سأعتمد على إنتظاري لجواب السابعة،،،ما جواب السابعة،،، اليوم السابع من كل شهر يبعث لي الأستاذ جواباً به ما يشبه تقرير عن موجز حياته طوال الشهر، و عن أخباره و أحواله.

تأتي أيام الجامعة عاماً يتلو عام، و أنا أنسى هذا الأستاذ و أنسى ما حدث له، لا أدري ماذا حدث لي، كيف أنسى شئ مثل هذا،،،،،، قبل  ميعاد إستلامي لشهادة التخرج من كلية الحقوق، تذكرت كل ما حدث، تذكر من فقد ذاكرته، يبدو هذا لأنني قد تخيلت معلمي بإبتسامته العريضة، يعانقني، و لكني اشتقت لهذا المعلم، أين أنت؟...بعدما حصلت أخيراً على شهادة التخرج، تخرجت بتقدير ممتاز لإجتهادي بالكلية و تميزي بها، فبدأت أول قضية لي و هي قضية الأستاذ بدر...هل سأنجح في العثور عليه، أريد دليل مادي او معنوي يثبت وجوده حيا او غير حي، مثل الذي ينشر إعلاناً "مطلوب حياً أو ميتاً"

من سيعثر عليه، أأنا من سيعثر عليه، أم سأعود خائباً بدونه، و صار هدفي الأول هنا هو إيجادي له و العثور عليه بأي وسيلة ممكنة نسيت أن أبحث أيضاً عن باقي أبنائه، مثل "أمين " و "نرمين"...فبدأت أبحث و أبحث و أسأل هنا و هناك عن هذه الأسماء، ولكن، يبدو أنني لن أعثر علي أي احد منهم، أين طرف الخيط؟

الاحظ ذات يوم أن شعري و ذقني يحتاجون للحلاقة، و يجب علي أن أزيل هذا الشعر الكثيف، أريد أن أجدد من شبابي، أريد أن اتغير لأبدأ حياه مختلفة، فلجأت إلى عم رمضان السويسري، ذو الرأس الصلعاء، الذي كساه الشيب مظهراً بالحكمة و الوقار، رجل كان طالباً في مصر منذ صغره أتى إلى هنا من اليابان بعد الحرب العالمية الثانية بثلاثين عاماً ليدرس بالأزهر علوم الدين و الفقه فلهذا  لديه أذنان صغيرتان و عينان مثل ثقب الإبرة  و أنف صغيرة، و حصل على البشرة السمراء من جو مصر الحارئن فقد أنهى دراسته بالأزهر و انتقل إلى العيش بأسوان و تزوج هناك و أنجب هناك و لكن حدثت بعض الظروف، جعلته يحصل على الجنسية المصرية.

دام على الدراسة ثم العمل حتى تقاعد، فقرر العمل بمهنة الحلاقة، بعد أن اكتسب قدراً من الخبرات الحياتية المختلفة في هذه الحياه، "هذا دورك" تلك الكلمة الشهيرة التي يقولها باللفظ، و أثناء حلاقتي، دار بيننا حوار جعلني أفكر في ما سأفعله في هذه القضية...


سيادة القاضىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن