الفصل السابع

2.9K 94 5
                                    

تنفست ألماس بصعوبة وهي تتحرك في الحفل، تبتسم بشحوب لضيوف شقيقها. حاولت قدر استطاعتها أن تتجاهل نظراتهم وهمساتهم الجانبية كلما مرت بهم، لتثبت لشقيقها أنها ليست ضعيفة وتستحق ثقته، لكنّها لم تحتمل. كاد صدرها يختنق فأسرعت نحو الحديقة ولم تكد تختفي عن الأنظار حتى أسرعت خطواتها لتقارب الركض. توقفت أسفل شجرة بعيدة عن الأضواء وتنفست بقوة، بدأ جسدها يرتجف فأحاطت نفسها بذراعيها، تتوسل قواها ألا تخذلها، لا تريد أن تصنع من نفسها أضحوكة وتمنحهم الفرصة ليسخروا منها ولو داخلهم.

رفعت رأسها للسماء بعينين دامعتين تهمس داعية أن يمنحها الله القوة حتى تنتهي الليلة بسلام. ظلت مكانها مستندة للشجرة مغمضة العينين وعقلها يحاول سحبها لتغرق في ذكرياتها المريرة. قاومت معنفة نفسها، تلك الذكريات لن تمنحها سوى المزيد من الضعف هي في غنى عنه الآن. هي في حاجة لتتذكر ماسة القوية، تحتاج لتتذكر نفسها القديمة لتواجه أولئك المدّعين وأولهم خطيبة شقيقها.

مع ذكرها عاد التحدي لقلبها، هي بالذات لن تمنحها فرصة الشماتة بها. أخذت نفسًا عميقًا وقررت العودة بعد أن استعادت صلابة قناعها من جديد.

تحركت عبر الحديقة والرياح الباردة تعبث بفستانها الأسود وشعرها، فكرت بأسى وهي تزيح خصلاتها عن وجهها، هي في حاجة لقص شعرها. ربما هذه أول خطوة تحتاجها لتستعيد نفسها القديمة، لتتوقف عن النظر لصورة غيرها في المرآة.

تسارعت خطواتها لتدخل من جديد وتتحرك برأس مرفوع وسط الضيوف بابتسامة واثقة غارقة بالثلج الذي غمر عينيه لتمنعهم من رؤية شظايا روحها. كانت تبحث عن إلياس حين سمعته يناديها فالتفتت إليه لتجده واقفًا مع أحد ضيوفه.

اتجهت إليه وعيناها معلقتان به تخبره أنّها تقاوم لأجله ولن تخذله. ما أن اقتربت حتى أحاط كتفيها بذراعه بحماية وفخر زادا من ثقتها بنفسها، قبل أن تسمع يقدمها لضيفه فقاومت شعورها بالضيق وهي تلتفت نحوه. رمقته لوهلة دون اهتمام قبل أن تتسع عيناها بجزع عندما تبينت هويته ولم تعرف أنّها همست اسمه دون تفكير.

إنّه هو، صحيح؟ هاني؟ كيف؟ وماذا يفعل هنا؟ من أين يعرف شقيقها؟ دارت الأسئلة بجنون في عقلها بينما الأرض تهتز أسفلها ولولا دعم إلياس لسقطت أرضًا.

لكنّ دعمه سرعان ما خذلها حين التفت مع نداء خطيبته، سمعته بتشوش يعتذر منهما وابتعد ليرحب بأحد الضيوف.

تركهما واقفين يحدقان ببعضهما بذهول متبادل، لكنّ ذهوله هو اختلط بالجرح الواضح في عينيه مع صدمة المعرفة. هز رأسه رفضًا بينما همست هي اسمه وعيناها تترقرقان بالدموع وقلبها يكاد يتوقف من عنف مشاعرها. كيف ظنت وأقسمت أنّها لم تحبه يومًا؟ كيف تصورت أنّها نسيته؟

عادت تهمس اسمه وعيناها معلقتان به بعذاب وللحظات نسيت كل شيء سوى أنه هنا، أمامها، بعد كل هذه السنين.

شظايا ماسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن