تطلعت ألماس للسماء عبر نافذة المطعم الذي دعاها إليه شقيقها محاولاً إخراجها من اكتئابها. شعرت بالتوتر يغزو قلبها وهي ترى السحب الداكنة، يبدو أنّها ستمطر.
ما زالت تخاف الأيام الماطرة والرعد. غامت عيناها وهي تتذكر يوم حبسها والدها بالقبو المظلم بعد أن عاقبها بقسوة، وكيف احتضنت نفسها في الظلام تنتفض مع كل قصفٍ للرعد، ودموعها تنهمر كالمطر الذي ينهمر غزيرًا في الخارج. كانت ليلة سوداء بكل ما للكلمة من معنى ولا يزال جزءٌ منها محبوسًا هناك، تستطيع مغادرة القبو المظلم، ما زالت منطوية على نفسها تخشى رفع رأسها ومواجهة الظلام.
القبو الذي عادت تحبس نفسها داخله بعد حادثها لكنّه هذه المرة كان داخلها هي، قبوًا من صنعها.
تنهدت بتوتر وهي تنظر حولها بحثًا عن إلياس الذي اعتذر قبل قليل ليرد على هاتفه، عادت تطرق رأسها تنظر في طبقها، لا شهية لها لكنّها لا تستطيع خذلان شقيقها بعد كل ما فعله ويفعله لأجلها.
عادت تنظر عبر الواجهة الزجاجية للمطعم المطل على النيل وشردت بتفكيرها إلى هاني، منذ مواجهتهما الأخيرة وهي تتمزق بين شوقها لرؤيته وشعورها بالذنب نحو لميس. كانت شقيقتها محقة، هي أنانية. لقد أحبت نفس الشخص الذي أحبته، لكنّها لم تعرف سوى ذلك اليوم، حين خسرتها للأبد.
هي لم تشعر حتى بنفسها وهي تقع في حبه، منذ اليوم الذي اصطدمت فيه بسيارته وتشاجرت معه وغادرت وهي تغلي غضبًا دون أن تجد تفسيرًا لما حدث ولانفعالها معه، ظلت طوال الطريق تتوعده بالانتقام وصورة ابتسامته الأخيرة رافقتها طيلة اليوم والأيام التالية لتنغص عليها حياتها.
كانت أول مرة تشعر هكذا نحو أحدهم، ولم تستطع طرده من رأسها، ظنت أنّها تريد الانتقام منه لا أكثر. رأته بعدها مرة أخرى من بعيد وهو يوصل شقيقته للجامعة وبدأت تبحث خلفه. عرفت مكان بيته وعمله واستمرت في مراقبته. ابتسمت بحزن وهي تتذكر كيف كادت تفقد عقلها وهي تكتشف أنّها بدأت تتصرف كمطارد مهووس، تتبعه كظله دون أن يشعر.
لم تعرف حقيقة مشاعرها إلا في تلك الليلة التي اتهمتها فيها لميس بذلك، عندها انزاح الستار وانجلت الحقيقة أمام عينيها، اكتشفت أنّها وشقيقتها أحبتا نفس الشاب، وشقيقتها ظنتها تريد سرقته منها.
لو أنّها عرفت. فقط لو أنّها اكتشفت قبل فوات الأوان لابتعدت، لو أنّها لم ترتبك تلك اللحظة وتفقد سيطرتها على السيارة وتتسبب في موتها، كانت ستترك لها الطريق.
هي أبدًا لم تَدْع حبها أو حمايتها كما اتهمتها لميس، لم تكرهها أبدًا بعد تلك الليلة التي عاقبها فيها والدها. أمها التي ظلت تبكي وهي تحتضنها معتذرة أخبرتها بعد ذلك أنّها تحبها كما تحب إلياس ولميس ولا تفرق بينهم. أخبرتها أنّ لميس ضعيفة وتحتاج حمايتهم وأنّ الله خلقها معها ومنحها القوة لتكون هي من تحميها وترعاها عندما يغيب البقية، أنّهما جزءٌ واحد في الأصل والواحد لا يكره نفسه بل يرعاها ويحبها ويدافع عنها دائمًا.
أنت تقرأ
شظايا ماس
Romanceليتني علمت حين التقينا أنني سأقع أسيركِ للأبد .. وقتها لم أعرف أن للماسِ سحراً مهلكاً كهذا الذي أوقعني بحبكِ دون أن أشعر .. ليتني عرفت .. لربما وليتُ الأدبارَ منذ البداية ولجعلتُ بيني وبينكِ بُعدَ المشرقين .. لم يخبرني أحدٌ أن جرحَ الماسِ لا يبرأ و...