2 - دعوة

1.2K 22 0
                                    

دعوة

إعتادت مادلين وديانا التسوق معا صباح السبت ، حيث تشتريان معظم الطعام المطلوب للأسبوع التالي ، وتضعان السلع القابلة للفساد في الثلاجة الصغيرة في المطبخ ، وبينما كانتا تتناولان الغداء قالت ديانا:
"سأذهب بعد الظهر مباشرة مع جيف الى مباراة الركبي التي ستقام في المدرسة الثانوية ، ثم نتناول الشاي في منزله ونذهب بعد ذلك الى السينما".
وتساءلت مادلين وهي ترفع حاجبيها السوداوين:
" حقا ؟ وهل ستسر والدته بذلك؟".
إبتسمت ديانا وقالت:
" هل قابلت أسرته من قبل؟".
" كلا ، ولكن هذا لا يهم".
هزت مادلين كتفيها ، وقالت:
" حسنا ، أتمنى أن ينتهي كل شيء على ما يرام ، هل هذا ينذر بعلاقة أكثر جدية في المستقبل ؟ آمل الا يكون الأمر كذلك ، فأنتما صغيران جدا كلاكما".
هتفت ديانا :
" أوه يا أمي...".
ثم حملت طبق حلواها الى المطبخ.
وبينما كانت تعد القهوة ، إنضمت اليها والدتها وعلى وجهها علامات التفكير ، قالت بهدوء:
" اريد منك فقط أن تتذكري انك مجرد طفلة ، وجيف لا يزال بالمدرسة ، وهو ينوي كما قلت لي أن يلتحق بالجامعة في الخريف ، فليس من فائدة ترجى أن ترتكبا شيئا ينم عن حماقة".
إحتجت ديانا في غضب ، وكانت تمقت ان يحدثها أحد بتعال ، وقالت:
" لست ارى سببا لديك يدعوك الى أن تحدثيني بهذه اللهجة ، وفي أي حال أنا لم اتحدث بشيء ، اليس كذلك؟".
" بلى ، إنك لم تتحدثي بشيء ، ولكنك كنت تبدين غريبة ليلة أمس عندما عدت الى المنزل.
شعرت ديانا بوجنتيها تلتهبان من جديد ، كان مما يبعث على الضيق ان تبدو شفافة على هذا النحو:
" ليس ثمة سبب......".
ردت بذلك بإقتضاب ، وقلبت إناء القهوة ، وتساءلت مادلين إذا كانت قد افرطت في قلقها بشأن ديانا ، فكما قال ادريان إن الفتيات ينضجن مبكرا هذه الأيام ، تمنت ذلك ، لكم تمنت ذلك !
وبعد الفراغ من تناول الطعام تولّت مادلين غسل الأطباق بينما ذهبت ديانا لتغيّر ملابسها ، ثم أخرجت مادلين المكنسة الكهربائية ، إذ كانت تتولى تنظيف الشقة بعد ظهر كل سبت.
برزت ديانا وهي تبدو شابة نقية في تنورة من التويد وكنزة قصيرة مكتنزة ، وكانت ترتدي سترة من الفراء ذات كسرات لها قلنسوة من الفراء نفسه ، وكانت هذه السترة أصلا لمادلين ، وكانت في لون العسل مع بطانية بنية غامقة ، وهي مناسبة لبشرة ديانا الزيتونية مثلما كانت مناسبة لبشرة مادلين ، تطلعت ديانا الى أمها في حزن وإكتئاب وتساءلت وهي تشير الى السترة:
" هل تمانعين؟".
لوت مادلين قسمات وجهها ، ولكن كانت هناك نظرة سرور في عينيها ، وتساءلت مبتسمة :
"وهل يهم إذا كنت أمانع ؟ كلا ، إستمري وشانك ، إنها على الأقل ستدفئك ... وارى انك ترتدين حذاءك الطويل الجديد ، إنني مسرورة لأنك إشتريت هذا الحذاء ، رغم أنه غالي الثمن".
" حسنا ، أود ان أبدو جميلة عندما اقابل والديه".
قالت مادلين في شك:
" ن.........نعم......".
ثم أردفت وهي تهز كتفيها:
" تمتعي بوقتك !".
" سافعل ....وداعا....".
وبعد ان ذهبت ديانا ، إنكبت مادلين على العمل في شبه إنتقام ، لم تكن مولعة بعمل المنزل بوجه خاص ، ولكن كان لا بد من أدائه ، ولم تكن هي من النوع الذي يتجنبه.
وما كادت تفرغ حتى حلّ وقت تناول الشاي ، فصنعت لنفسها وجبة صغيرة ، كان أدريان يصطحبها دائما الى الخارج للعشاء في أمسيات السبت ، لذلك لم تعن بتناول وجبة كبيرة ، كانا عادة يذهبان الى فندق يقع خارج أوتيرييري ، ويتناولان شيئا من الشراب قبل الوجبة ، وكانت مادلين تستمتع دائما بهذا التغيير إذ لم تكن تخرج ابدا طوال الأسبوع.
منتديات ليلاس
غيّرت ملابسها وإرتدت ثوبا من الجيرسيه بلون العنبر ، ومشطت شعرها وثبّتته على وضع العقدة الفرنسية ، وبينما كانت تضع ماكياجا خفيفا على وجهها خطر لها أن بشرتها على الأقل جيدة ، كانت ناعمة خالية من التجاعيد ، وكانت تدرك أنها تبدو أصغر من أعوامها الثلاثة والثلاثين ، وبينما هي مسرورة بخواطرها ، أدركت أن كل هذا النقد الذاتي إنما يرجع الى الرجل في السيارة الحمراء ، وهنا تساءلت مرة أخرى إذا كانت ستراه بعد ذلك.
وصل أدريان في السابعة والنصف ، وكان يرتدي حلة من جلد الغزال فبدا بذلك اصغر سنا ومميزا ، وإبتسمت مادلين وهي تسمح له بالدخول ، وقالت وهي تطريه :
" إنك تبدو هذا المساء أنيقا للغاية".
رفع ادريان حاجبيه وقال :
" اشكرك ، أنت تبدين انيقة أيضا".
إرتدت مادلين سترة مريحة وردت قائلة في لهجة واقعية:
" اتوقع ان يكون الجو باعثا على البهجة كالعادة".
قاد أدريان سيارة روفر قديمة لكنها مريحة الى حد ملحوظ وكان دائما يقول أنه سيضطر الى شراء سيارة جديدة ، ولكن مادلين كانت تعلم أن سيارته القديمة ستبقى معه سنوات عدة بعد ، فقد كان يكره التغيير إذ يالف الإعتياد وكان هذا هو السبب الذي جعلها تعلم انه ليس في وسعها ابدا أن تفكر جديا في الزواج منه ، إذا لم يكن ذلك إلا بسبب عاداته الحازمة.

الماضي لا يعودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن