9 - يا لهول ما حدث !

778 26 0
                                    

يا لهول ما حدث !

وعاد نيكولاس في سيارته الى فندق ستاج مباشرة ، كان في غضب شديد فلم يرد على موظف الإستعلامات عندما حيّاه ، وتجاهل المصعد وصعد الدرج الى جناح ماريا وه ونافد الصبر ، وفتح الأبواب بشدة ومضى بغطرسة داخل الغرفة.
وكانت ماريا وحدها ، ممددة على أريكة تقرا مجلة ن وتتناول بين حين وآخر بعض الشوكولاتة من علبة بجانبها ، وإبتسمت له في فتور وهو يدخل ، وهي تتساءل عما أعاده في هذا الوقت المبكر وفي مثل هذا المزاج الملتهب ، وكان وجهه يبدو مظلما كسحابة قاتمة ، وكان عليها أن تضبط وألا تسال عما حدث ، كانت قد تعلمت منذ سنوات كثيرة الا تسأل هذا النوع من الاسئلة إلا إذا كانت مستعدة لمواجهة عاصفة بدل الإجابة.
قالت تحييه في مرح بالإنكليزية:
" مرحى... هذه مفاجأة ".
كانا قد إعتادا الحديث بالإنكليزية وهما منفردان ، لأن نيكولاس قضى وقتا طويلا في الولايات المتحدة ويعتبر الإنكليزية لغته الثانية.
إرتمى نيكولاس على مقعد منخفض ذي مسندين ، وحلّ أزرار معطفه وقال فجأة:
" اعدي لي شرابا.... انت تعرفين ما احب".
" واعرف كيف تحبه....".
قالت ذلك بخفة وإنزلقت عن الاريكة برشاقة ، وكانت ترتدي بنطلونا أحمر ضيقا يلتصق بجسمها ، وكنزة بغير اكمام وشعرها معقود في شكل ذيل الحصان ، وكانت تبدو صبوحة وغير معقدة في عيني نيكولاس المجهدتين ، لماذا لم تستطع ديانا سكوت أن تكون طفلة طبيعية متوازنة؟
قالت ماريا وهي تناوله كوب الشراب:
" اليك يا عزيزي ، هل تشعر بأنك على ما يرام؟".
" كلا...".
قالها نيكولاس وهو يزداد تقطيبا ن بينما غاصت ماريا في الأريكة مرة اخرى وهي تشعر بالإرتباك ، وإستعادت مجلتها ونيكولاس يحدق فيها متسائلا:
" أين الآنسة سايكس".
" في غرفتها ، لماذا؟ هل تريد رؤيتها؟".
" كلا... ماذا كنت تفعلين ن الى جانب تغذية نفسك بالشوكولاتة؟".
" ليس كثيرا ... خرجنا الى النزهة هذا الصباح كما تعلم ، وتناولنا القهوة في مشرب شاي إنكليزي اصيل ، ولكنني اعتقد أنه مكان عادي ".
قالت ذلك مبتسمة ، ولكن نيكولاس بدا عليه السأم ، وما لبث ان نهض واقفا ، كان شعور العذاب الذي يتخلل عظامه يغيط حقا ، وكان يعلم انه لن ينام الليلة بإرتياح.
خلع معطفه وقذف به فوق مقعد ، واخذ يدور في الغرفة متململا ، فبدا كحيوان كبير حبيس في قفص يثير مرآه المتعة في نفس ماريا ، كانت فخورة بوالدها ولكنها كانت تعلم ان هناك خطا خطيرا قد حدث ، قالت:
" إنك تجعلني عصبية".
تجاهل نيكولاس ملاحظتها وواصل خطوه ، وسكب لنفسه مزيدا من الشراب وقال:
" هل تريدين الخروج للنزهة؟".
" اعتقد، أن في وسعنا ذلك، هل أنت متاكد أنك تريدني أنا؟".
قال بوحشية:
" متاكد تماما ".
هزت ماريا كتفيها ونهضت:
" لا تحطم رأسي ، سالتك سؤالا بسيطا ، وإنني لأقول إستنادا الى تعبيرات وجهك انني آخر إنسان تريد ان تكون معه".
إزداد نيكولاس عبوسا ، وتساءل:
" ماذا بحق الجحيم تعنين من وراء هذه الملاحظة !".
قالت ببراعة:
" حسنا ، هناك رفيقات من النساء ، وإنني لأقول الان إن ما تحتاجه هو شيء يختلف عن صحبة غبنتك".
" حسنا ، إنك لمخطئة ".
" وماذا عن مادلين إذا ؟".
" فلنتناسى مادلين ، الن تغيّري ملابسك؟".
" بالطبع ، لا تكن رديء الطبع ، أنا ماريا ... فلتتذكّر !".
لانت عيناه لحظة وقال :
"بالطبع ، حسنا ... لا تبقيني أنتظر طويلا".
ولطمها على مؤخرتها وهي تمر بجواره فإبتسمت له بمرح ، مهما كان ما حدث من أمر خاطىء ، فلن يقول لها الآن.
إرتدت بنطلونا ابيض من الجرسيه الحريري الثقيل ، ومعه جاكيت تناسبه مزدانة باللون القرمزي ، ووضعت في قدميها خفا أبيض لأكمال المجموعة وبدت كشابة في الثامنة عشرة وليس صبية في الخامسة عشرة ، وشعر نيكولاس بشيء من الفخر وهي تنضم اليه ، كانت تبدو متوازنة واثقة من نفسها ، مثله تماما ، وإن كان لا يشعر الآن بأنه مدلل او واثق من نفسه.
كانت سيارة شريدان الحمراء تقف في مكان الإنتظار ، فإندست ماريا في مقعدها وهي تشعر بسرور تام لهذا الخروج غير المتوقع ، فمنذ وصولها االى أنكلترا لم يجد والدها وقتا كثيرا يقضيه معها ، وشعرت الان بالسرور لأنهما معا .
وكانت السوق في اوتيرييري مزدحمة بعد ظهيرة هذا الأحد ، كانت هناك مجموعة من الشباب يقفون هنا وهناك يتحادثون ويتضاحكون ، فحسدتهم ماريا على إنطلاق سجيتهم ، كان لها في إيطاليا أصدقاء كثيرون ، وكانت تقضي معظم عطلات نهاية الأسبوع في البحيرة ، تركب الزوارق وتسبح ، وكانت تفتقد الصحبة الطلقة السهلة للفتية والفتيات من سنها ، إذ لم تكن تعرف احدا من الشباب في أوترييري ، ومع ذلك كانت تعزي نفسها بأنها هنا مع نيكولاس وهارفي ، وهذا يعوضها عن الكثير.
وفجأة إنتصبت الى الأمام في مقعدها وقالت:
" هذا هو الفتى صديق ديانا ، يبدو وكأنه ينتظر احدا ، هل تعتقد أنها ربما كانت ديانا؟".
قال نيكولاس في جفاف :
" في الأغلب ، لكنه سينتظر عبثا وقتا طويلا ، لأنها لن تحضر ، فهي تلازم الفراش".
بدت نبرته ساخرة ، فتطلعت اليه ماريا لحظة ، وتساءلت:
" هل هي مريضة ؟".
قال نيكولاس وأصابعه تقبض على عجلة القيادة:
" هكذا تقول".
" الا تعتقد إذا انه يجب أن نتوقف ونخبره ؟ إنه يبدو وقد سئم وقفته بالفعل ، ربما كان قد إنتظر طويلا".
هز نيكولاس كتفيه ، لم تكن لديه رغبة خاصة في ان يحادث احدا يعرف آل سكوت جيدا ، ولكن بدا انه ليس أمامه خيار ما لم يكن يريد ان يردعلى أسئلة كثيرة من إبنته تتصل بهذا الموضوع.
إلتف بالسيارة حول الميدان وعاد الى حيث يقف جيف ،وفتحت ماريا النافذة لتلفت إنتباهه:
" هل تنتظر ديانا؟".
إتجه جيف نحوهما وقد بدا مدهوشا وإن لم يكن مستاء ، وقالت ماريا لوالدها بصوت خفيض ، وبسرعة:
" ألا يمكن ان نطلب منه ان يأتي معنا؟".
قال نيكولاس بغير تحديد:
" اعتقد ذلك".
" سيكون أمرا عظيما ان يكون معنا نتحدث اليه على سبيل التغيير ".
" أشكرك".
قال نيكولاس ذلك وهو يلقي اليها بنظرة جانبية ، فضحكت ، وقالت هامسة ، وجيف يصل الى السيارة:
" أنت تعلم أنني لم أقصد ذلك بطريقة مسيئة"
وقال جيف وهو يرتكن الى النافذة:
" نعم ، انا أنتظر ديانا".
وقيّم بنظراته الصورة الجميلة التي جسّدتها ماريا وهي تجلس في السيارة الفاخرة ، وقرر فجأة أنه لم يعد يعبأ إذا لم تحضر ديانا ، وقالت ماريا وعيناها تلمعان:
" إنها لا تزال في الفراش، ولن تحضر ، هل أصبحت الآن خاليا؟".
ضيق جيف عينيه وقال:
" أظن ذلك".
" لماذا لا تأتي معنا إذا ؟ لا أعرف بالضبط أين نذهب ، ولكنه سيكون أفضل من بقائك هنا".
إحمر وجه جيف ، وتطلع الى نيكولاس قائلا:
" ولكنني أعني... الن ... يعترض... صديقك؟".
فضحكت ماريا بمرح وقالت على سبيل التقديم :
" هذا والدي ، ولن يعترض ، إركب".
وافسحت له مكانا في المقعد الأمامي حتى يتمكن من الجلوس بجوارها ،وتذكّر نيكولاس أنه في الليلة السابقة فقط كانت مادلين تحتل هذا المقعد بجواره تماما ، وتصاعد غضبه من جديد وإنطلق بالسيارة بعنف أذهل حشدا من الشباب كانوا يرقبون السيارة عن كثب معجبين.
وكان نومه سيئا تلك الليلة على ما توقع ، اخذ يتقلب متململا في الفراش الكبير ،ونهض مرتين لتناول بعض الأسبرين بدون نتيجة ، وصحا في السابعة في مزاج سيء ، وراسه يوجعه على نحو فظيع.
ضيّع الوقت في قراءة الصحف ، ولم يظهر في المصنع إلا في الحادية عشرة ، وما كاد يخطو عبر الأبواب الزجاجية للمبنى حتى هتف به أحد موظفي الإستقبال:
" سيد فيتال ، هناك سيدة شابة تنتظر مقابلتك يا سيدي ، إنها تنتظر منذ العاشرة ، قالت إنها جاءت لمسألة شخصية ، لذلك جعلتها تنتظر في غرفة المقابلات.
إزداد نبض نيكولاس : مادلين ! شعر بالدم يطرق أذنيه ، من تكون غيرها ! وعبر المدخل الواسع وفتح باب غرفة المقابلات بقوة ، وعندئذ نهضت فتاة من المقعد بجوار المكتب ... كانت ديانا سكوت ! 
واذهلته خيبة أمله لعدة ثوان ، ولم يصدق أن ما رىه صحيحا ، وإقتضاه الموقف جهدا ليستجمع أمره ويغلق الباب ، وكانت عيناه في برودة الثلج وهو يتطلع الى الفتاة التي قبضت يديها في حجرها ، قالت في صعوبة وهي تغوص في مقعدها من جديد:
" صباح الخير يا سيد فيتال".
لم يرد عليها مباشرة ، بل مضى ببطء حول المكتب وجلس في مواجهتها في المقعد المنخفض ذي المسندين.
" لماذا انت هنا؟".
فإحمر وجهها وقالت:
" سأخبرك يا سيد فيتال ، إنني أريدك ان تكف عن مقابلة والدتي...".
ثم تنحنحت قائلة:
" الى الابد".
كانت التعبيرات على وجه نيكولاس مخيفة ، وتساءل بوحشية:
" هل انت جادة؟".
فإبتلعت ريقها بصعوبة وقالت:
" بالطبع ، إسمع... كنا سعيدتين حتى ظهرت ، فمزقت أوصال حياتنا وقلبت امي عليّ".
" انت التي قلبت أمك عليك وليس ذلك من فعلي... رباه... إنني لا أرى كيف يكون في وسعك أن تقولي ذلك وهي تفضلك في تفكيرها على سعادتها".
" حسنا ، إنها لم تتصرف على هذا النحو من قبل ، إنها تعاملني وكانني طفلة تعوق أمورها"
" هراء !".
" بل هو صحيح ، إنها تعتقد انك تفكر فيها جديا لمجرد أنك تعطيها إهتماما كبيرا".
قال بغضب وهو ينهض:
" لست أدري كيف تجرؤين على القدوم الى هنا والحديث عن والدتك بهذه الطريقة الشنيعة ، من تظنين نفسك في أي حال؟".
ضغطت ديانا شفتيها إزاء غضبه وقالت بإحتقار:
" أنا أحب والدتي ولا أريد ان يلحقها أذى ، إن عمي أدريان يريد الزواج منها ، فهل تعتقد انه سيظل يريدها... بعدك؟".
" إخرسي !".
قال نيكولاس ذلك وهو يشتعل غضبا ثم أردف:
" كيف تجرؤين على القول بانك تحبين والدتك ؟ إنك لا تحبين سوى شخص واحدد هو نفسك ! إنك تفزعين خوفا من أن تتزوجني والدتك ، ولا تهتمين إذا كانت ستضار ام لا ، كل ما يقلقك هو ان تفقدي مكانتك فقد تنجب أطفالا آخرين .... أليس كذلك ؟".
إمتقع وجه ديانا كأنما صفعها ، ونهضت وهي تترنح ، وهتفت بحدة:
" اعتقد أن الأمر كله مثير للتقزز ، كيف يمكنك أن تقول لي امورا كهذه؟".
" لأنها صحيحة ... لا تراوغيني ، هذا لن يفيدك ، أستطيع أن أستشفك كما ارى خلال الزجاج ".
ووضع يده على المكتب وهو يواجهها قائلا:
" ما هذا الذي يقزّز في الزواج ... في أي حال؟".
" لا ... شيء... ولكنك لست مثل أبي أوعمي ادريان ، إنك ... إنك لفظيع !".
تنهد نيكولاس في كلل ، وهو يحاول جهده ان يضبط نفسه ، وقال بهدوء:
" أخبريني لماذا؟ وإذا لم تستطيعي فساخبرك أنا".
لوت ديانا اصابعها معا وقالت:
" ماذا تعني؟".
" اعني أنك حتى هذه الأسابيع الأخيرة لم تفكري في والدتك كإمرأة لا تزال شابة جذابة ، بل إنك لا تقبلين ذلك حتى الآن... تظنين انني فظيع لأنني لا اتفق مع أفكارك التافهة بشان الرجل الذي يجب ان يتزوج والدتك ، ولا تهتمين إلا بنفسك يا ديانا كما قلت من قبل ، ولوكنت تهتمين بامر والدتك لتوقفت لتفكري في أنها ربما وجدت شخصا يجعلها سعيدة... سعيدة حقا".
صاحت ديانا ، وصدرها يعلو ويهبط:
" لن تكون سعيدة ابدا معك !".
لم يستطع نيكولاس أن يتحمل المزيد ، فصاح :
" إخرجي ! إخرجي قبل ان افقد اعصابي !".
نهضت ديانا وتراجعت الى الباب ، وصاحت بصوت مرتعش ، قبل ان تخرج بسرعة وتصفق الباب خلفها:
" إنك لبغيض !".
غاص نيكولاس في المقعد بجوار المكتب بعد ذهابها ، واشعل سيكارة باصابع مضطربة ، ييا لهول ما حدث ! وتساءل كم من الرجال واجهتهم بنات زوجاتهم المقبلات ، وهز رأسه في كلل ، لا يستطيع والأمور كما هي الآن ان يصف مادلين بأنها زوجته المقبلة ، فهما بعدما حدث بالأمس بالكاد يصبحان صديقين ، وتنهد ... سئم الأمر كله تماما ، إنه موقن أنه يريد الزواج من مادلين أكثر من أي شيء آخر في الدنيا ، ولكن كيف يقبل زواجا تلقى فيه ديانا أهمية أكثر منه؟

الماضي لا يعودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن