4 - الجناح

1K 25 1
                                    

الجناح
كانت ديانا تجلس في مقعد وثير بمسندين وتقرا ، عندما دخلت مادلين فتطلعت باسمة الى أمها :" هل العم ادريان معك؟".
خلعت مادلين معطفها المبتل قبل أن ترد ، وكانت لا تزال تشعر برعشة وتجد صعوبة في الحديث والتصرف ، وكأن شيئا مكدرا حدث ... أجابت ببطء:
" لم آت الى المنزل مع أدريان يا حبيبتي ، غادر الحفل قبلي بقليل ليرافق السيد هيذرنغتون الى بيته ، وجئت انا مع شخص آخر".
بدأ الشك على ديانا ، وتساءلت مادلين ، وإحساس الذنب يساورها ، عما ستظنه ديانا لو قرأت افكار امها في هذه اللحظة ... تساءلت ديانا على الفور:
" من هو؟".
فبسطت مادلين شعرها بعصبية وقالت:
" السيد فيتال يا حبيبتي".
قطبت ديانا جبينها ، كان الأسم مألوفا بالطبع ... إنه إسم الرجل الذي يمتلك المصنع الجديد ... بدت مذهولة:
" فيتال ؟ هل تعنين صاحب المصنع؟".
" صحيح".
قالت مادلين ذلك وهي تأمل أن تكون إبتسامتها مشرقة ، ثم أردفت :
" اليست هذه مفاجأة؟ هل تناولت عشاءك؟".
ولكن ديانا لم ترد على سؤالها ، بل نهضت قائلة:
" هل تشاجرت مع العم أدريان يا أمي؟".
إحمر وجه مادلين وقالت:
" بالطبع لا ، لا تكوني سخيفة ... انا لست مسؤولة امام أدريان عن تحركاتي ... اليس كذلك؟".
بدا الشك على ديانا أكثر من أي وقت آخر ، كان هذا أمرا غريبا على قدر علمها ، فلم يسبق لأمها أن خرجت في إحدى الأمسيات مع رجل وعادت مع رجل آخر ، ثم إن العم أدريان ، على قدر ما تذكر ديانا ، هو الرجل الوحيد الذي كانت امها تخرج معه منذ وفاة أبيها... فما لبثت أن تساءلت بأدب:
" هل إستمتعت بوقتك إذا؟".
قالت مادلين في رد غير كاف:
" اوه...نعم... كان ذلك مثيرا للإهتمام ...وكان هناك عدد كبير من الأميركيين كذلك".
" هذا السيد فيتال ... إنه إيطالي بالطبع؟".
" بالطبع ، لا يعني هذا انني أعرف الكثير عنه ، ولكنني أظنه كذلك".
" اوه".
هزت راسها ، لم تكن قد فهمت هذا كله ، ولكن مادلين قررت أن تغيّر الموضوع ، أما بالنسبة الى موعد الليلة التالية ، فكان ما تخشاه هو كيف تطرح هذا الموضوع بدون أن تسبب مزيدا من الحرج ، وقالت وهي تدخل المطبخ بسرعة لتصنع قهوة العشاء.
" ارى انك غسلت شعرك".
"نعم....".
قالت ديانا ذلك وهي تلقي نفسها في المقعد من جديد ، كانت لا تزال تفكر في تصرفات امها ، وإن كان واضحا ان مادلين لا تريد أن تتحدث بشأنها ، وخطر لديانا ان أمها تبدو مختلفة على نحو ما ، كانما هي أصغر سنا وأقل ثقة بنفسها ، ونفرت ديانا مما راته ... ترى ما شكل هذا الرجل الذي رافقها الى البيت ؟ أهو شاب أم مسن؟ ولماذا قرر أن يرافق أمها ؟ إنه لا يمكن ان يكون مهتما بها ، بلعت ديانا ريقها بصعوبة ، كلا ، إنها بالتأكيد تصنع من الحبة قبة ، إذا كان هذا الرجل يسكن في البلدة فمن المعقول انه عرض أن يصطحب مادلين في طريقه.
منتديات ليلاس
تجاوزا وقت صحوهما الصباح التالي ، تأخرت مادلين عن المدرسة وخشيت مقابلة أدريان بعد ما حدث الليلة الفائتة ، من المحقق ان يطلب تفسيرا لتصرفاتها ، وليس لديها مبرر واحد تقدمه ، وليس في وسعها أن تقول أنها ذهبت الى البيت مع نيكولاس فيتال لأنها شعرت بإنجذاب مباشر نحوه ... ثم أنها لم تخبر ديانا بعد عن امسية اليوم ... حقا أصبحت الحياة أكثر تعقيدا.
جلست الى مكتبها وبدأت تكتب بإجتهاد على الالة الكاتبة ، كانت الصوف تبدأ في التاسعة والنصف ، ولكن التلاميذ كانوا يجتمعون في القاعة قبل ذلك ، وكان أدريان يتقدمهمن ولم يكن يعود عادة الى مكتبه ألا بعد الحصة الأولى... إلا أنه اليوم عاد مباشرة ، كانت مادلين منهمكة في الجدول التي تركها لها في المساء السابق وكانت تأمل ألا يتعرض معها بصراحة للمسائل الخاصة إلا فيما بعد ، ولكن للأسف خاب أملها ، إذ جاء أدريان مباشرة الى مكتبها ، وقال:
" حسنا...وصلت الى المنزل بالسلام إذا؟".
رسمت مادلين على شفتيها إبتسامة وقالت:
" بالطبع ، كانت تلك الأمسية تبعث على الإهتمام ، أليس كذلك؟".
قال أدريان بشيء من السخرية:
" الى حد كبير".
وهنا قررت مادلين ان تواجهه ، قالت:
" والان ، إسمع ، ليس من حقك أن تنتقد تصرفاتي".
قال أدريان ، في غضب وإزدراء معا:
" إذا كانت علاقتنا مجرد علاقة عمل ،وهي ليست كذلك ، فإنني اشعر بأن من واجبي أن أحذرك فيما يتعلق بفيتال".
فحدّقت فيه مادلين قائلة:
" تحذرني؟".
" نعم أحذرك ، نيكولاس يا مادلين رجل خبير بالنساء ، وهو ليس بالرجل الذي يمكنك أن تلهي معه ، فدعيه يقصر نفسه على أناس من طرازه ، لن يعترضوا على تصرفاته".
" أوه ، حقا يا أدريان... إن السيد فيتال لم يفعل أكثر من مرافقتي الى البيت...........".
" ربما... ولكن كان يمكنه أن.... هل نقول .... يضايقك؟".
كادت مادلين ان تضحك:
" يمكنه ماذا؟ يا له من تعبير بال يا أدريان ، بالإضافة الى انني لا أعتقد ان مستر فيتال يحتاج الى إستخدام هذه الأساليب بخصائصه البدنية".
تصلبت كتفا أدريان وقال:
" يا عزيزتي مادلين ، أعتبرك دائما إمرأة عاقلة ، إمراة أود حقا أن تشاركني حياتي ، ولكنك تغيّرت فيما يبدو منذ ليلة امس الى تلميذة بعيدة عن روح المسؤولية ، وأنا أشعر بخيبة أمل عميقة لذلك".
" ولكن لماذا؟".
" لأنك رغم زواجك إذ كان هذا الزواج يبدو لي فريدا ، فكنت صغيرة جدا ، وإذا إفترضت أنه كانت لك أسباب للزواج من جو- ولا أريد التدخل في شؤونك الخاصة – فإنني لا أعتقد أنك خبيرة بأساليب الرجال ، نيكولاس فيتال يختلف تماما عن جو، الذي يبدو أنه وضعك على قاعدة واخذ يعشقك من بعيد كما يقولون ، إنك تبدين وكأن أحدا لم يمسك ، لك مظهر بريء ما زلت اعجب به، أعرف ا نلك طفلة ، لكنني لا أعتقد ان الهوى قد مسك من قبل ، واعرف أن فيتال جذاب من الناحية البدنية ، ولكنك لا تدركين الميول الحيوانية الفجة التي توجد في بعض الرجال".
قاطعته مادلين بحرارة، وهي تحس بالحرج البالغ:
" ارجوك يا أدريان ... لا تستمر ، لا اريد أن أسمع المزيد....".
قال موافقا وهو يقطب جبينه:
" انا موقن انك لا تريدين .... الأمر الذي يثبت أنك تحسبين انك تعرفين ما تفعلين".
" ولكن ماذا افعل ؟ جئت معه فقط الى البيت ، أليس كذلك؟".
"وهل ستقابلينه ثانية؟".
هزت كتفيها بطريقة عرضية ، على قدر ما إستطاعت وغمغمت في إرتباك:
" لست ادري...".
نظر اليها أدريان غير مصدق ، ولكنه لم يعارضها ، قال:
" مادلين ... يا عزيزتي .... لا اريد ان اراك متألمة ، كل إهتمامي من اجلك ... وانت تعرفين ذلك".
تنهدت مادلين ومدت يدها الى حقيبتها ، واخرجت علبة سكائرها وأشعلت واحدة ببطء ، كان كل ما قاله أدريان يدور في ذهنها ،وكان كثير مما قاله صحيحا ، هل هي عل كل هذه الدرجة من السذاجة؟ وهي بدت عرضة للإنتقاد على نحو مضحك ؟ في أي حال ، حتى نيكولاس فيتال نفسه قال إنها ساذجة ، والان ، فإن فكرة الخروج معه هذا المساء بدأت تحوم في الأفق على نحو مفزع ، اليس الافضل الأتصال به وإلغاء كل شيء الآن ؟ وإذا صدق أدريان تماما بشأنه ؟ إنها تعرف أنها لن تستطيع الإستجابة الى موقف كهذا كما يتوقع منها أن تفعل ، إنها ليست متعة ليلة سريعة الزوال ، بل إنسانة جادة في قرارة نفسها ، وليس في نيتها ان تنغمس في وضع أحمق مهما بدا مثيرا في وقته ، وبينما هي تفكر في هذا الأمور ، عادت اليها ذكريات جو ، لطفه ورقته وحبه الذي وهبه لها بإنكار ذات في الوقت الذي لم تكن تبادله حبا بحب ، وبغريزتها كانت تعلم ان نيكولاس فيتال سوف يأخذ منها من حيث الحب والهوى بقدر ما يعطي ، وإذا فلا ينتظر أي منهما شيئا زائدا من الآخر ... قالت وهي تتطلع الى ساعتها:
" إنها التاسعة والنصف ... وفصلك ينتظرك".
تنهد ادريان في صبر نافد ، وقال:
" اوه ، حسنا..... سنتحدث فيما بعد".
لم تتطلع اليه مادلين وهو يغادر الغرفة ، بل عقدت عزمها على ألا يكون هناك حديث آخر اليوم ، نالت منه ما يكفي ولا تستطيع أن تأخذ المزيد.
عادت ديانا الى البيت هذا المساء قبل مادلين ، وكانت قد أعدت المائدة قبل أن تدخل أمها ، وكانت تبدو ودودة المظهر على نحو كاف ، وقد نسيت فيما يبدو كل ما يتعلق بخاتمة الأمس التي لم تحسم ، وتمنت مادلين أن تظل ديانا على هذا المظهر الودود عندما تخبرها بانها ستخرج هذه الليلة ... تساءلت ديانا وهي ترقب امها تشعل سيكارة:
" هل قضيت يوما طيبا؟".
ردت مادلين في إرتباك :
" الى حد معقول... هل يضايقك يا ديانا أن أخرج هذا المساء ؟".
خرجت الكلمات من فمها سريعة وتركت ديانا في حيرة:
" تخرجين ؟ تعنين مع عمي أدريان؟".
" حسنا ، كلا .... ليس بالضبط ... مع السيد فيتال ".
بدا الإرتباك على ديانا ، ورددت صدى كلمات امها:
" السيد فيتال".
أومات مادلين براسها ، وسقط قلبها وهي ترقب تعبيرات وجه ديانا ، لم تكن ديانا لتسلم بهذا الأمر بلباقة على نحو لطيف ،وتساءلت إذا كانت نظرتها لأبنتها في الماضي قد إتسمت بمغالاة التعقل ، إنها لا تزال صغيرة في أي حال ، والنساء في سنها يخرجن مع الرجال ، بعضهن أرامل وبعضهن غير متزوجات وحتى بعضهن متزوجات ومع ذلك يخرجن مع رجال آخرين ، وعندما تكبر ديانا وتتزوج فقد لا تشعر بأنها مضطرة الى أن تضع أمها موضع الإعتبار ، ولعلها عندئذ تفهم وضع أمها ... هتفت ديانا الان :
" ولكن يا أمي ، إنك لا تكادين تعرفينه ، وهو ليس إنكليزيا...".
قالت مادلين وهي تسحب نفسا من سيكارتها:
" هذا صحيح".
بلعت ديانا ريقها بصعوبة ، وإحمر وجهها كثيرا ، وبدا عليها الضيق البالغ... فصاحت على نحو طفولي:
" ولكن لماذا ؟ لماذا؟ عمي أدريان لن يوافق ... انا موقنة من ذلك".
هزت مادلين كتفيها قائلة:
" لا تهتاجي هكذا يا حبيبتي ، العم ادريان لا صلة له بالموضوع ، إنه مجرد صديق ، وليس هو بحارس".
" إنه يريد الزواج منك".
قالت مادلين في صبر:
" وأنا لا اريد الزواج منه.... إنه كبير السن ... مصبوب في قوالبه على نحو مفرط".
" إنه ليس أكبر مما كان عليه ابي....".
تنهدت مادلين قائلة:
" ربما ... ولكن هذا لا يغير الحقائق".
" وهذا السيد فيتال .... هل يشبه أبي؟".
" كلا... على الإطلاق...".
صاحت ديانا في عناد :
" اخبريني إذا عن شكله ... من حقي أن اعرف".
" حسنا ، إنه لطيف جدا...".
قالت مادلين ذلك ببطء ، وكان من الصعب ان تصف نيكولاس بدون ان تبدو كانها تجاوزت الحد ، كان بالغ الحيوية ، بالغ الثقة بنفسه ، بالغ التكبر .
" هل هو شاب ام شيخ؟".
قالت مادلين ساهمة:
" حسنا ، أظن انه اكبر مني سنا ".
قالت ديانا في إزدراء:
" هوكبير إذا...".
لم ترد مادلين ، فقد إفترضت ان تبدو كبيرة السن لديانا ، ول تكن هناك فائدة من الجدل معها ، ولم تشا أن تنتابها نوبة غضب كما حدث لها في الماضي... قالت وهي تحاول أن تبدو مقنعة:
" أنا موقنة بانك ستحبينه...".
فردت ديانا على الفور وهي تنصرف في اباء الى المطبخ:
" وانا موقنة بالقدر نفسه انني لن احبه".
منتديات ليلاس
أكلت مادلين قليلا جدا من الطعام الذي اعدته هذا الصباح ، لم تكن جائعة ، كما انه من الأرجح ان يتوقع منها نيكولاس تناول وجبة ، وتمنت لو انها لم توافق على الخروج معه ، فقد كانت ديانا في مزاج كئيب ، ولم تتحدث منذ حوارهما قبل الكل ، فإذا كانت هذه الفورة ستحدث في كل وقت تقترح فيه الخروج ، لعل الأفضل ان تتخذ سياسة المقاومة الأقل ، وأن تبقى.
ولكن عندما حان وقت الأستعداد للخروج ، كانت قد عقدت عزمها على ان تبدو في افضل حال ، فإرتدت ثوب كوكتيل من الدانتيلا السوداء كان لديها منذ اعوام ، كان ثوبا غاليا في الأصل ، وجعلته تفصيلته البسيطة وإنخفاض فتحته عند العنق وإتساعها ، لا يبلى بمرور الزمن ، ووضعت سلسلة اللالىء الوحيدة التي تملكها حول عنقها ، كان جو قد إشتراها لها منذ عشر سنوات كهدية في مناسبة عيد زواجهما ، وبرغم من أنها كانت زائفة ، بدت وكأنها حقيقية.
إرتدت المعطف الصوفي الذي كان بلون الكريمة مرة اخرى ، وأوشكت ان تكون مستعدة للنزول لمقابلته في السابعة وخمس وعشرون دقيقة عندما دق جرس الباب .
قررت ديانا البقاء هذا المساء ، وكانت في غرفة الجلوس فتقدمت لتفتح الباب وهي تتساءل من يكون الطارق ، وظهر أمامها رجل طويل عريض المنكبين ، كان اسمر البشرة ، يلبس سترة من الجلد فوق حلة غامقة ، وكانت له عينان هما أكثر ما رات زرقة في حياتها ، بل بدتا أكثر زرقة بالمقارنة الى بشرته التي صبغتها الشمس ، وكان شعره اسود مجعدا يميل الى الزرقة ، وكانت اهدابه طويلة مقوسة ايضا ، وكان يبدو من طراز فريد في بلدة مث اوتيرييري حيث كان المال والوسامة لا يجتمعان ، فدهشت ديانا تماما ، هل يمكن أن يكون هذا هو الرجل الذي ستخرج معه أمها؟
" نعم.......؟".
قالت ذلك بصوت بارد خفيض ، وكانت لا تزال تأمل أن يكون شخصا آخر تماما ،وما لبث الرجل ان إبتسم لها قائلا:
" هل انت إبنة مادلين؟".
" هذا صحيح ، أنا ديانا ، هل أنت السيد فيتال؟".
وقبل ان يرد جاء صوت مادلين يسال عن الطارق ،وخرجت من غرفة النوم ترتدي جواربها ، وشعرها يلتف على وجهها على نحورقيق ، وعندما رات نيكولاس تغيّر وجهها ، وشعرت بمعدتها تجيش بسرعة ، فغمغمت:
" أهلا ...هل لك ان تتفضل؟".
إنتحت ديانا جانبا ، وهي لا تزال تشعر بإنبهار ، كان نيكولاس فيتال مختلفا تماما عن كل ما تصورته من قبل ، فلم تتخيل في أعتى احلامها شخصا مثله يهتم بامها ، وكان ابعد ما يكون عن كبر السن ، وشعرت بنوع من الذعر الذي يورث السقم عندما تخيلتهما معا ، إن هذا الرجل لا يشبه العم ادريان ، الذي كان يعامل والدتها بالضبط كأحد المعارف القدامى ، اما هذا الرجل فالأرجح أنه يطلب علاقة أشد وثوقا وودا ، وتمنت خالصة ان يحدث شيء يمنع تواعدهما.
تقدم نيكولاس الى داخل المسكن ، واخذ يتفحصه بسرعة ، وتطلع حوله بإهتمام ،ومظهره يوحي بانه يقر الديكور الأزرق والأبيض ، كان الديكور لامعا ، حديثا ، ما لبثت مادلين ان قالت ، وهي تسرع بوضع قدميها في حذائها :
" هذا هو السيد فيتال يا حبيبتي ديانا...".
قالت ديانا بتحفظ :
" اعرف ذلك...".
وهنا نظرت مادلين الى نيكولاس متوسلة فقال:
" اما زلت في المدرسة يا ديانا؟".
هزت ديانا كتفيها وأجابت بلا إكتراث :
" إنني ادرس في الطلية التجارية".
" وهل تحبينها؟".
فإستدارت وأرتمت بتثاقل وإسترخاء عل احد المقاعد ,وقالت:
" أحيانا...".
بدا نيكولاس متفكرا ، لم تخفه ديانا ولا إجتذبه سلوكها ، وكانت تحتاج في رأيه الى درس في السلوك ، وشعر بأنه يريد أن يكون الشخص الذي يلقنها هذا الدرس ، وكانت مادلين تبدو منزعجة متضايقة ، فأراد ان يعطي ديانا شيئا مما يدور في عقله ، فمهما كانت سمعته ، فإن ديانا لا تعرف شيئا عنها ، ولا بد ان تعلم ان أمها إمرأة شريفة نزيهة ، إمراة ؟ هنا إبتسم نصف إبتسامة ، إن مادلين نفسها أكبر بقليل من مجرد فتاة ، احس بهذا الشعور المباشر عندما رآها ، ولكنه وبّخ نفسه لأنه سمح لمشاعره بأن تجاري افكاره ، وما لبث أن تطلع اليها ، وعيناه دافئتان حنونتان ، وقال:
" هل انت مستعدة ؟".
شعرت مادلين بوجنتيها تلتهبان باللون الأحمر ، قالت:
" نعم ، انا مستعدة".
ثم إلتفتت الى ديانا قائلة:
" هل أنت متأكدة بأنك ستكونين على ما يرام ؟ فلن اتأخر".
" ساكون على ما يرام...".
قالت ديانا ذلك وهي لا تكاد ترفع بصرها عن المجلة التي تتطلع الى صفحاتها ، وأردفت:
" لا تأبهي بالعودة سريعا ، في وسعي ان اضع نفسي في الفراش".
عضّت مادلين شفتها ، كانت ديانا تحاول صادقة ان تؤذي مشاعرها ، ونجحت في ذلك ، وكادت الأمسية تفسد قبل أن تبدأ .
نزلا الى سيارته ، كانت دافئة ومريحة ، وبينما كان يقودها بخبرة عبر ايفنوود غاردنز ، ثم الى الطريق الرئيسي ، كانت مادلين تحاول ان تسترخي وتنسى كلمات ديانا القاسية ، ولكن صمتها اغضب نيكولاس ، فقال بإستياء :
" أظن انني لست محبوبا من جانب إبنتك .... لماذا؟".
هزت مادلين كتفيها وقالت:
" ديانا لا تفهم لماذا لا اتزوج ادريان سنكلير وفيما يتعلق بها فإن أي إنسان يجاوز الخامسة والعشرين يكون قد دخل طور الخوف ، ويكفي ان يوافقها أي رجل في هذا الشأن حتى يلقى منها القبول".
غمغم نيكولاس:
" فيما عداي ، لماذا ؟".
" إنني ، اوه ، لست ادري انا امها".
إبتسم لها قائلا:
" لا تبدين في سن تكونين معها أما لأحد".
" ربما ، ولكنني امها ، لعل هذا جزء من المتاعب".
عبر أوترييري في السيارة الى فندق ستاج ، وتذكرت مادلين ان إبنته وصلت اليوم من إيطاليا ، وتساءلت إذا كانت ستتناول معهما العشاء.
اوقف السيارة ونزلا سائرين الى الفندق وإصطحبها نيكولاس الى قاعة المقهى حيث طلبا بعض الشراب ، قال :
" إنك تبدين جميلة جدا يا سيدة سكوت".
" اشكرك يا سيد فيتال".
شعرت بأنها تسترخي كلية ، كانت تستمتع بوقتها ، إلا أن ذكرى ديانا افسدت تمام متعتها ، وإبتسم لها نيكولاس وقال وهو يلوي فمه :
" انا مسرورة جدا لحضورك".
فقطبت جبينها قائلة:
" وهل ظننت انني لن أحضر".
" ظننت انه ربما يكون هناك بعض الضغط من احدهم لمنعك ، الصديق سنكلير على سبيل المثال ، إنني مندهش لأنه لم يعترض طريقك".
ضحكت مادلين في رقة وقالت:
" اوه ، إن أدريان قال كلمته بالفعل ، وقد نصحني الا أقابلك ثانية".
" وهل من حقه ان ينصحك ؟".
" ليس تماما ...".
" هذا يتركنا إذا الى ديانا ، وعندما افكر في الموضوع أرى أن مشاعرها مفهومة".
تطلعت اليه مادلين متسائلة:
" لماذا؟".
" ديانا في سن تعرف معها بما فيه الكفاية كل شيء عن الإحتياجات البدنية للرجل والمرأة ،وذلك على نحو يجعلها تعلم أننا منجذبان أحدنا الى الاخر ... وكانت دهشتها أنها وجدتك تخرجين مع رجل تتخيّل أنه سيطارحك الغرام".
احنت مادلين راسها لتخفي حرجها ، ومضى قائلا في رقة:
" الأمر يخيفها قليلا ، فهي لم تعتد مثل ذلك من قبل لترضى عنه ، وإذا كان أدريان هو عيّنة لأصدقائك السابقين من الرجال ، فإن هذه المشكلة لم تكن لتقوم أبدا".
قالت مادلين ببطء:
" أدريان هو الرجل الوحيد الذي خرجت معه منذ مات جو".
" حسنا ، هذه هي الصورة إذا ، الأمر مربك بالنسبة اليها ، ولن تجدي ماريا مثل ذلك على الإطلاق ، إنها لا تشبه ديانا في شيء ابدا".
" فهمت ، والآن ما هي إحتياجاتي البدنية بالضبط؟".
قالت ذلك بخفة ، فلمعت عيناه بالدفء ، كأنما تعانقانها ، وغمغم في تراخ ، وهو يرقب تعبيرات الصدمة في وجهها:
" ساشرح ذلك فيما بعد".
وإتجه حديثهما بعد ذلك الى موضوعات أخرى ، اقل خصوصية ، كان نيكولاس يبدو رقيقا مسليا ، وحكى لها عن منزله في روما ، وعن عمله الذي ورثه عن والده ، وكان قد زار بلادا كثيرة فبدت مادلين مبهورة.
وغادرا المقهى الى المصعد ، وكانت قاعة العشاء الى اليسار فبدت الحيرة عل مادلين ، وتساءلت :
" الى اين نذهب؟".
قال بدون إضطراب :
" الى جناحي ... أرجو أن تطمئني تماما... سنتناول العشاء هناك ، فهو ألطف بكثير ".
" أوه....".
قالت مادلين ذلك ثم ارتج عليها القول للحظة ، وما لبثت ان أردفت:
" ولكنني غير موقنة من أنني.....".
تنهد وهزراسه قائلا:
" لا تكوني مغالية ، انت تعلمين انني لن اهاجمك !".
قالت خاضعة ، وهو يرميها بنظرة غاضبة:
" انني آسفة".
وصل المصعد ، وبينما هما يصعدان تذكرت مادلين ماريا فجاة ، بالطبع ، إبنته ستتناول العشاء معهما ، هذا هو السبب في صعودهما الى جناحه ، كان الممر مفروشا بالسجاد ، وإمتد بهما عبر عدة أبواب حتى وصلا الى جناح نيكولاس ، وكان رائعا من الداخل على نحو جعل مادلين تشهق من فرط الدهشة ، وما لبثت أن أدركت بعد قليل أنه خال ، وكان نيكولاس قد خلع سترته بعدما اغلق الباب ووقف بجانبها مسرورا لأنبهارها ... وقال في صوت جاف:
" أرى أنه يروق لك".
فإستدارت لتواجهه ، وغمغمت وهي تبسط يديها:
" إنه أشبه بديكور الأفلام ، إنني لا أكاد أصدق أنني هنا ، هل انا احلم؟".
إبتسم نيكولاس قائلا:
" كلا ، إخلعي معطفك...".
بلّلت مادلين شفتيها بلسانها وقالت:
" كنت اظن ان إبنتك ستصل اليوم ".
" هذا صحيح ، وصلت ، لماذا؟".
" واين هي؟".
أجاب وهو يقطب جبينه قليلا:
" في غرفتها على ما اعتقد".
وبينما كان يعبر الغرفة الى حيث وضعت صينية متقنة الصنع عليها شراب ، ضغطت مادلين معدتها بيدها وقالت:
" لا أظن انني اريد المزيد".
خطا اليها وخلع معطفها عن كتفيها ووضعه على احد المقاعد ، ثم التفت اليها وكان الجد يبدو في عينيه.
" يا عزيزتي ، استطيع قراءتك ككتاب مفتوح ، إن لماريا جناحها الخاص في الدور الأول ، ولو أقامت معي لتشاجرنا".
ومضى بها لمشاهدة غرف الجناح ... ثم قدم لها هدية عبارة عن غصن صغير من زهور الأوركيد إقترح ان تثبته في ردائها ، إذ كان في لون شعرها ، ففعلت وهي شاكرة مبهورة ، ودخل ساقيان بعد ذلك بمائدة الطعام ، ووقفا للخدمة ، وشعرت مادلين بالحرج لأنها احست بهما يرقبانها ، وايقنت بأنهما يدركان أنها لم تعتد مثل هذه الخدمة ، ففقدت شهيتها وأكلت قليلا جدا من الطعام الفاخر ، ومع ذلك شعرت بانها متخمة.
وجلسا متجاورين على اريكة منخفضة ، وسالها عن والد ديانا ن فقالت أنه كان رجلا عاديا ، فسالها عما تخفيه بشأنه فإرتعدت ، وبدت في عينيه نظرة حيوان مفترس يستعد للإنقاض .... ولاحظ انها متوترة ، خاصة عندما ارادت الإنصراف ، وبدأت اصابعه تتسلل الى شعرها المنسدل لتصلحه وراء اذنها ، فرجته ألا يفعل ، ولكنه أخذ يدها وقبّلها ، وقال لها ألا تخف ، لأنه لن يؤذيها ، وادركت انها مذعورة ، وانها ليست ندا له ، اما هو فكان قادرا على تحطيم مقاومة أي إمراة بمجرد قوة شخصيته ، ولكنه معها شعر برغبة عنيفة في حمايتها ن حتى من نفسها إذا ما ضعفت امامه إذا لزم الأمر ، وقد كان... قال لها أنه بشر ، ويمكن أن يكون خطرا عليها ، وعندما قالت له انها لم تعد تخافه ، وأنها تجده مثيرا ، طلب منها أن تكف قائلا:
" مادلين ، ايتها البريئة ، يجب ألا تتصرفي على هذا النحو، إنه ليس بالأمر الصواب".
وقال لها أنه يريدها كثيرا ، ولكن ما يشعر به نحوها لم يسبق أن شعر به لأحد قبلها ، وسألها ان كان في وسعها ان ترفضه ، فاحنت رأسها في نفي صامت ، قال برقة ، وهو يبعدها:
" وهكذا انا شهم للغاية ، والآن لا تكوني حمقاء ، ساصطحبك الى البيت".
وبينما كانت تستعيد معطفها ، اخذ يراقبها... لم يسبق في حياته ان قابل إمرأة هزّته عاطفيا مثل هذه الهزّة العنيفة ، وعرف كثيرا من النساء منذ وفاة زوجته جوانا ، ولكن مادلين كانت مختلفة ، ولم يشعر بالرغبة في ان يكون قاسيا معها ، اراد ان يعرف كل شيء عنها ، وكان هذا أمرا جديدا بالنسبة اليه ، وشعر بغيرة غير مفهومة من ذلك المجهول جو.
وتواعدا على اللقاء في الليلة التالية ، وإقترح عليها ان تحضر معها إبنتها كما سيحضر معه إبنته.

منتديات ليلاس

الماضي لا يعودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن