*الفصل الرابع*

19.9K 504 14
                                    

السجينة ...وأيدي العُقابُ

*الفصل الرابع*

_أفاق "زين" من شروده على صوت ابنته التي وجدها واقفة بجانبه ،شعر بالقلق نحوها فحملها بين ذراعيه وهو يسألها :
-مالك يا حبيبتي في حاجة بتوجعك ؟!

هزت رأسها نافية ثم قالت بصوت ناعس:
-عايزة أنام جنبك يا بابا !
ابتسم لها بهدوء ،ثم ضمها إليه بحنو ونيمها بجواره على السرير ثم مسد على شعرها وقال في حنان:
-إيه رأيك تنامي جنبي علطول ؟
ابتسمت "مليكة" بسعادة طفولية ودسرت نفسها في حضن والدها قائلة بحماس:
-يا ريت يا بابا عشان مش بحب أنام لوحدي في الأوضة بتاعتي ،ودايمًا بحلم أحلام مش حلوة !
أشفق عليها "زين" وشعر بوخزة في قلبه وهو يرأف لحال ابنته ،فما عانته منذ سنتين ليس بهين ،قبّل رأسها بعطف وقال برفق:
-متخفيش يا لوكا أنا معاكي دايمًا ،وطول ما أنا جنبك اوعي تخافي من أي حاجة ماشي ؟

هزت رأسها بحضنه ثم غفت سريعًا وهي تشعر بقليل من الاطمئنان ،بينما تنهد "زين" بتعب وهو يفكر بابنته وبحديث والدته بأن ابنته تحتاج إلى رعاية خاصة وحنان تام ليس وحده كافٍ على إكماله ،نظر إلى تلك الصورة التي بجانبه والتي تضمه هو زوجته في حفل زفافهما ،كم كان مشرق الوجه وكم كانت هي سعيدة ! ،تنهد وهو يتذكر ما كانت تفعله بابنتها وكيف كان تعطيها من حنانها الكبير وكيف كانت تغدق عليه هو بالعشق وتهون عليه وقت عمله ووقت مشاكله التي أرهقها بها ،تألم بشدة وهو يتذكر كيف لم يستطيع حمايتها وهو وعدها أنه لن يتخلى عنها وسيكون دومًا حاميًا لها ولابنتها ....
نظر نحو ابنته الغافية في حضنه وربت عليه بحنو وهو يؤنب نفسه على ما شاهدته تلك الصغيرة وعلى فقد زوجته الحبيبة !
ووسط كل ذلك التفكير ظهرت صورتها أمامه، لا يدري لماذا خطرت على باله وفكر بها ، منذ متى وهو يُعذب الناس بتلك الطريقة القاسية ،أمعقول لأنها قد استفزته بحديثها يفعل ذلك ويقوم بصعقها دون رحمة ؟، ها هو يلوم نفسه لأنه قد كان السبب في فقد زوجته وعذاب ابنته الساكن بقلبها والأن هو يتلذذ بتعذيب غيره ،ليس أنتَ يا "زين" من يفعل ذلك فقد كنت دومًا خلوقًا ولبقًا ولم تكن عنيفًا أبدًا !
نفخ بضيق وهو شارد الذهن بها ويفكر تُرى هل هي بخير أم تعاني من ألم فظيع ،لم ينكر أنه انجذب لها ولعينها الخضراء التي أرسلت له أنها بريئة ولم يبدو عليه الأجرام !
تقلب في نومه بعد أن اطمأن على ابنته وهو يحاول كتمان ذلك التفكير الذي يغيظه قائلًا لنفسه بحنق:
-ما تنام بقى نامت عليك حيطة يا شيخ !
.......................................................
في صباح اليوم التالي .....
وصل "زين" إلى مقر السجن النساء بعد أن شدد على أخته "سلمى" بمراعاة "مليكة" جيدًا كما وعدها أنه لن يتأخر عليها كثيرًا اليوم !
بدأ الروتين اليومي بطابور الصباح تحت إشراف "زين" وتحت عمل "سعاد" بالطبع ،وجد نفسه تلقائيًا يبحث بعينه عنها لكن بحركة سريعة من عينه اللامحة لم يراها وتيقن بطبيعة عمله أنها ليست موجودة ،شعر بوجود خطب ما لها ،لكن لم يعقب بشيء وتمثل الوجه الصارم بحزم تام وسط الجميع !
وبعد انتهاء الطابور قام "زين" بإملاء "سعاد" عن طبيعة عمل اليوم للمسجونات وأصر التشدد عليهن كثيرًا ،بينما أومأت "سعاد" برأسها وهي تفكر بقلق كيف ستخيره بشأن ما جرى ل"عهد"!
ذهب "زين" نحو مكتبه وهو متيقن أنه سيعلم بعد قليل ما الذي جرى لها ، بينما اتجهت "سعاد" نحو مكتبها وأمسكت ببعض الملفات وهي تقول ل"سماح" التي كانت تستعد للإشراف على عمل السجينات:
-دلوقتي لازم يعرف إيه اللي حصل للبت دي ،ربنا يستر مش مطمنة لردة فعله !
أيدتها "سماح" الرأي بل وزودت من مخاوفها قائلة:
-ده هيقلبها على دماغنا انهاردة ،واضح إن البت دي خلته مش على بعضه مش مرتاحة ليها من أصله !
تنفخت "سعاد" بضيق وهي تتجه نحو مكتبه متمتمه بسخط:
-مش جايلنا غير وجع القلب هنا !
.....
طرقت عدة طرقات خافتة ليأذن لها بالدخول ،ومن داخله مبتسم بانتصار ،بينما تقدمت بحذر وهي تقول :
-الملفات بتاع المسجونات يا باشا !
-كاملين ؟
قال ذلك وهو لم ينظر لها بينما أوضحت له "سعاد":
-لا يا بيه بتوع المؤبد لسة مجوش ،بس وصينا عليهم وهيوصلولك على الآخر الأسبوع بالكتير !
أومأ برأسه ببرود ثم قال وهو مازال لا ينظر لها :
-حطيهم عندك !
وضعتهم "سعاد" بسرعة ثم أخذت تفرك بيدها في توتر وهي لا تعرف كيف تتحدث ،بينما وفر عليها "زين" وقال:
-سامعك هي فين ؟!
نظرت له ببلاهة متوترة:
-ها؟!
وقف "زين" وتقدم منها بهدوء مريب وقال:
-ايه مسمعتيش ولا أنتِ طرشة ؟ ، هي فين يا بت !
انفضت فزعة ثم قالت بقلق كبير:
-عند أوضة دكتور السجن !
تعجب "زين" مما قالته للتو وقال بنبرة قوية:
-أفندم ! ،بتقولي ايه ؟
ابتعلت ريقها بتوجس وهي تفسر له قائلة:
-امبارح اغمى عليها يا بيه والدكتور "مسعد" بتاع السجن كشف عليها وقال لازم ترتاح الفترة دي !
ابتعد عنها ونظر إلى الأمام بغموض وهو يتنفس بسرعة ثم ركض نحو غرفة الطبيب الموجودة بالسجن وفتح الباب دون سابق إنذار ،حتى انفضت الممرضة الموجودة بالداخل وتعجب الطبيب من حالته المرتبكة ،بينما تقدم "زين" من الفراش الذي ترقد عليه وكيف وجد وجهها شاحبًا ليس به حياة ،شعر بتأنيب الضمير وحثه فضوله أكثر على معرفة قصتها ،ثم توجه بنظره نحو الطبيب وقال بثبات:
-حالتها إيه ؟
تنحنح الطبيب بهدوء ثم قال بنبرة آسفة:
-حالتها الصحية مش كويسة ومحتاجة رعاية أكتر من كده وطبعًا ده مش متوفر هنا حضرتك ،فلو أمكن إنها تتنقل لمستشفى في الفترة دي وإلا حالتها الصحية هتدهور أكتر !
تنهد "زين" مفكرًا وهو يحك طرف ذقنه ثم وجهه نظره ناحيتها وقال بهدوء:
-أنا هاخدها بنفسي !
تعجب الطبيب كثيرًا ورفع إحدى حاجبيه قائلًا بعدم تصديق:
حضرتك بتتكلم بجد يا باشا ؟
أومأ برأسه بهدوء وهو يقول بلهجة آمرة:
-شيل المحاليل دي بسرعة !
امتثل الطبيب لأمره في حالة دهشة منه ثم قام بفك المحاليل المعلقة على يد "عهد" وشرع بجر السرير إلى الخارج ،لكن "زين" أوقفه بإشارة من يده قائلًا:
-أنا هشيلها بنفسي وسع كده !
صمت الطبيب غير مصدق ردة فعله فتراجع للخلف وهو يشاهد بعجب ،بينما حمل "زين" "عهد" بين ذراعيه بخفة ولم يتحدث بشيء !
توجه "زين" نحو خارج السجن وسط دهشة الجميع وأشار لعسكرين واقفين أن يتبعوه ،ثم وضعها برفق في سيارة الشرطة وجلس هو بمقعده وانطلق مسرعًا نحو المشفى !
.........................................................
ضربت "سعاد" كفًا بكف وهي مذبهلة مما رأته قائلة:
-هو الراجل ده ماله بجد ،مرة يعاقبها جامد ودلوقتي شايلها ولا كأنها مراته ورايح المستشفى قال !
مطت "سماح" شفتيها بحنق وقالت :
-الراجل ده مش تمام على فكرة بقى واقطع دراعي من هنا إما كان في بينهم حاجة!
نظرت لها "سعاد" بشك:
-تفتكري ؟
ردت عليها "سماح" بسخرية:
-هو في حد بيعمل العمايل دي إلا اذا كان في بينهم حاجة وبكرة تشوفي !
شردت"سعاد" تفكر بضيق مما سمعته وبدا الأمر يدخل في عقلها ، بينما في الخارج سمعت "زينب" ذلك الحديث وذهبت لكي تقوله إلى الجميع فهمهم الجميع ومن ضمنهم "نعمات" التي قالت:
-مش قولتلكم البت دي مش سهلة ووراها حكاية كبيرة أوي ، وشكل البيه ده يعرفها !
ذمت "زينب" شفتيها قائلة بنبرة معترضة:
-يختي البت شكلها مسكينة ولا بتهش ولا بتنش ،الدور على البيه الجديد اللي مش مفهوم له طريقة مرة يعذبها ومرة يحن ،انا مش مرتاحة للموضع ده !
زفرت "نعمات" بضيق وقال وهي تضرب يدًا بالأخرى:
-انا بقى مش مرتاحة للبت دي وبكرة هنعرف كتيير !
..............................................
وصل "زين" إلى المشفى سريعًا ،ثم أخذها برفق إلى الداخل حتى أخذها منه الطبيب ليفحصها ،وبعد برهة خرج الطبيب وطمأنه أنها تحتاج إلى فترة رعاية صحية فهي فقيرة في الدم والغذاء ويجب أن تبقى ليومين ، أومأ برأسه ودلف داخلًا بينما وقفا العسكرين خارج الغرفة كأمر طبيعي للحراسة فهي مازالت سجينة وليست حرة !
........
تفحص بها عن كثب وشرد بملامحها البريئة وأصر عندما يعود إلى السجن أن ينظر في ملفها ليعرف كيف تواجدت هنا وما طبيعة حكمها !
شعر أنها عانت كثيرًا في حياتها وشعر بمدى صغر سنها ،تنفخ بضيق وجلس على الكرسي الجانبي للفراش فلاحت مجددًا تلك الذكرة الشنيعة عليه فأغمض عينه بألم وهو يتذكر .....
.............عودة بالماضي :
شعر بالقلق الشديد عليها وهو يعاود تكرار الاتصال لكن مازال هاتفها مغلقًا ، ظن أنه ربنا انقطع شاحنه لكن القلق تسرب إليه وقرر الذهاب إلى المنطقة التي نوت الشراء منها ،وما لبث منه الخروج حتى دخل عليه مدير القسم وهو يقول :
-مراتك وبنتك اتخطفوا !
بحلق بعينه ووقف كالصنم لا يستطيع التحرك وهو يقول بعدم تصديق:
-اتخطفوا ؟!!
أومأ برأسه ثم قال بجدية كبيرة:
-إحنا هنبعت قوة كبيرة بس نعرف نوصل لمكانها فين بظبط ،اطمن !
لم يتحمل الوقوف كثيرًا بل ذهب مسرعًا وسط هتاف مديره المتكرر لكنه لم يصغي له ،هلع قلبه وهو لا يعرف كيف يفكر ،وصل إلى تلك المنطقة التي كانت تشتري منها وحاول البحث عن كاميرات المراقبة الموجودة بالمنطقة ،فقطع عليه صوت رنين هاتفه ليجده رقم غريب استشعر بالقلق هنا وقال بنبرة تردد:
-مين ؟
آته الصوت بنبرة ساخرة قوية:
-تيجي لوحدك تاخدهم ،متجيش يبقى هتترحم عليهم وقدامك ،هتلاقيني في نفس المكان اللي حاولت تقبض علينا فيه سلام يا غالي !
لعن هذا الحظ الذي يتعرضه الأن وأخذ يفكر في هوية المتصل حتى برّق بيعنه وهو يكز على أسنانه بغيظ:
-"حمـــــدي" !!!
انطلق سريعًا بسيارته حتى وصل إلى منطقة شبه صحراوية يوجد بها كوخ كبير وعدد كبير من الحراسة، ترجل من سيارته ثم تقدم ناحية الكوخ بثبات ووقف أمام أحد الحراسة قائلًا ببرود:
قول لسي "حمدي" إني جتله ولوحدي !
نظر له الحارس بحدة :
-استنى هنا ، كتفه يا "إسماعيل" !
استسلم "زين" كليًا حتى يحافظ على سلامة عائلة
.........................

السجينة وايدي العقاب ...للكاتبة دينا عادلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن