*الفصل الخامس عشر*

13.8K 388 9
                                    


السجينة ....وأيدي العقُابُ

*الفصل الخامس عشر*

كانت نظراتها عميقة مليئة بالعبرات الحارقة ،كانت جالسة وهي تضم قضميها إلى صدرها كما تعودت دومًا ،بينما دلف إليها "زين" ودنى من فراشها وجلس بقربها فانكمشت في نفسها وتراجعت للوراء !
أطرق "زين" رأسه للأسفل ثم رفعه ببطء وهو يسمك بيدها متنهدًا بنبرة محترقة:
-مش هتيجي في حضن أخوكي !
ظلت صامتة تنظر له بعتاب فابتسم بحنو وهو يمسد على شعرها:
-معقولة تخافي مني ومتقربيش ؟
تنهدت بثقل وأشاحت بوجهها بعيدة عنه بينما تنحنح "يوسف" وهو يشير إلى الحج "فتح الله" قائلًا:
-معلش يا حج نقعد برا إحنا ونسيبهم مع بعض شوية !
تنهد الرجل بحيرة وقال:
-يابني أنا مش فاهم حاجة أنتم مين وآآآ...
قاطعه "يوسف" وهو يجذبه من يده برفق قائلًا بتعجل:
-هفهمك كل يا حاجة يا حج تعالا معايا بس !.
سحبه على مضض منه وأغلق الباب خلفه ،بينما وقف "زين" متنهدًا واتجه صوب النافذة الملحقة بالغرفة وهو يهتف شاردًا:
-لكي حق متقربيش ،بس أنا كان ذنبي إيه لكل ده ؟! ،مكنتش أعرف عنك حاجة قالولي إنك مُتي !
قالها بألم بينما اكتسى وجهها الحزن والحسرة فتابع وهو ينظر لها:
-مصدقتش لما عرفت إنك عايشة وقعدت أدور عليكي من تاني ، أنتِ أملي اللي رجعلي يا "بسنت" أرجوكي متبقيش أنتِ كمان عليا !.
نظرت إليه بدموعها المسكينة بينما تقدم منها وجلس مرة أخرى على الفراش وقال وهو يفتح ذراعيه لها:
-تعالي في حضني معقول موحشتكيش !.
هرولت إليه مسرعة وضمت نفسها بأحضانه وهي تبكي بأنين بينما خانته دموعه وهطلت بشدة وهو يمسد على شعرها بحنان ويحمد الله في سره !.
...................................................
في الخارج جلس "يوسف" مع الحج "فتح الله" وهو يشرح له وضعية الموضوع وأعطاه الأوراق التي تثبت صحة كلامه فتنهدًا مضيفًا بحسرة:
-لا حول ولا قوة إلا بالله ،معلش يا بني سامحني بس أصل البنت دي غلبانة وأنا لحقتها من الضياع اللي كانت فيه !.

هز "يوسف" رأسه متفهمًا ثم تسائل بجدية:
-ممكن تحكيلي من فضلك لقيتها ازاي !؟

تنهد الحج ثم وقف وقال :
-مش الأول تشرب حاجة عيب ده أنتَ ضيفي !.
أشار له "يوسف" ممتنعًا بامتنان وقال:
-تسلم يا راجل يا طيب متتعبش نفسك إحكيلي بس اللي حصل دلوقتي !
جلس الرجل باستسلام وبدأ يقص عليه ما حدث معه:
-حاضر يا بني هحكيلك من السنة اللي فاتت ......
....................عودة للماضي !

خرج الحج "فتح الله" من منزله عند صلاة الفجر ؛ليؤدي الفريضة بالمسجد كعادته وبعد انتهاءه ذهب إلى عمله الذي يقتضي أن بنقل بضائع الفواكه من مناطق متباعدة قليلًا في الصحراء !

_ركب سيارة النقل الكبيرة التي يستعملها في عمله ثم انطلق بها نحو وجهته بالصحراء وخلال نصف الطريق لمح شيئًا على إحدى جانبي الطريق فتوجس وأوقف السيارة جانبًا ليترب بحذر ويجد ما لم يتوقعه فقال بقلق فزع:
-يا ساتر يا رب مين بس اللي جابك هنا !
رأي تلك الفتاة ويبدو أنها فاقدة للوعي ووجها شاحب بشدة كما لمح بعض الجراحات بوجهها ورغثها فنظر حوله بتفحص وخوف وهتف بحيرة:
-لا حول ولا قوة إلا بالله هعمل إيه بس يا رب دي ميتة ولا حية ؟!
حاول أن يستكشف إن كان على قيد الحياة أم لا لكنه وجد نبضًا ضعيفًا فحمد الله ثم أخذ يفكر كيف سيجلبها لينقذها مما عليه فقال متأففًا :
-مش هعرف أشيلها بنفسي يا رب بس انجدني !.
تفاجأ أنها فتحت عيناها وهي تمسك بذراعه مستنجدة ،فقال من بين ذهوله:
-سمعاني يا بنتي قولي أي حاجة !.
هزت رأسها بألم ولكن لم تتحدث فقال وهي تشير بيدها حتى يمسكها وتحاملت على نفسها الألم الشديد وهي تحاول القيام فتنهد وساعدها حتى قامت ،حمد الله أنها أفاقت وساعدته على القيام حتى وصلا إلى السيارة وركبتها بصعوبة فركب سريعًا وانطلق بها بسرعة ثم نظر لها وقال بتساؤل:
-حاسة بإيه يا بنتي قولي في حاجة وجعاكي !
نظرت له بيأس ولم تتكلم بينما أشارت على جنبها بأصبعها أنها مجروحة به ،فهم ذلك لكنه بادر بنبرة تحمل الحيرة:
-أنتِ مش بتتكلمي ؟!
أنزلت رأسها إلى أسفل وهزت رأسها بالنفي ثم أشاحت بوجهها للجهة الأخرى ،فتريب الرجل ولكن قرر مساعدته بأي حال !
أوصل "فتح الله" بضاعته سريعًا ثم استأذن من صاحب العمل لأمرٍ طارق وتقدم من تلك الفتاة واصطحبها معه في البناية التي يقطن بها ولكن أخذها من غير شارع حتى لا يلحظ أحد وجودها ومن ثم استدعى حكيم المدينة وأخبره أنها قريبته وتعرضت للحادث حتى يتجنب العوائق الآن !.
أعطاها الحكيم حقنة مهدئة حتى ترتاح ثم كتب لها بعض الوصفات الطبية وخرج من الغرفة لتحدث مع "فتح الله" الذي تقدم منه سريعًا فبادر الحكيم وقال:
-أنا خيطلها الجرج كان سطحي الحمدلله والجروح دي هتتعالج
بمراهم كتبتها في الورقة دي ،بس في حاجة كمان مهمة !
-خير ؟
قالها "فتح الله" بتوجس فتابع الحكيم بجدية:
-المدام فاقدة النطق وواضح أنها معرضة لحالة نفسية كبيرة فلازم تتابع مع حد متخصص !
تنهد ثم أومأ برأسه وهو يأخذ منه ورقة الأدوية وقال وهو يوصله خارجًا
-تمام يا حكيم "صبري" تشكر هشوف الموضوع ده
-تقوم بالسلامة ولو حصل حاجة ابعتلي !
أومأ برأسه ثم أوصل الحكيم إلى الخارج المنزل ودلف وهو يشعر بالحيرة الشديدة من تلك الفتاة فتنهد بضيق ليفكر بالخطوة القادمة !
..............................عودة
تنهد "فتح والله" وهو يكمل متابعًا :
-وخليتها عندي وعاملتها زي بنتي وهي فضلت في الأوضة دي علطول لا بتتلكم ولا عارف عنها حكايتها بس هي كانت مطمنة هنا وبقيت زي بنتي بس حالها يصعب على الكافر حتى مش عارف ازاي هتعود على بعدها !
ابتسم "يوسف" بهدوء وهو يقول بامتنان كبير:
-مش عارفين نشكرك ازاي إنك اعتنيت بيها وأكيد كل ده هيتقدر وده رقم تليفوني لو حابب تيجي تزورها في أي وقت !
أخرج "يوسف" من جيبه دفتر للشيكات والكارت الخاص به وأعطاه إلى "فتح الله" وهو يدون عليه بعض الأرقام قائلًا:
-دي حاجة بسيطة على اللي عملته معانا يا حج !
أخفض "فتح الله" رأسه بحرج وظهر على معالمه الضيق وقال وهو لا ينظر له :
-عيب يا بني اللي بتقوله ده دي زي بنتي رجع فلوسك في جيبك !
ابتسم "يوسف" وشكر الرجل بعفوية وهو ينتظر معه "زين" وأخته
..................................................

السجينة وايدي العقاب ...للكاتبة دينا عادلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن